الحِراك والحِكاك وما بينهما ..
حَرك يتحَرك ويحدث حِراكا .. وحَك يحُك ويحدث حِكاكا ..
ويسأل سائل .. من الذي يتحرك ومن الذي يحُك ..؟
ثم ما الفارق بين الإثنين .. هل هو إستبدال حرف الراء بالكاف في حراك وحكاك ..؟
بالطبع كلا .. وكلا البته فأنت من حقك كمواطن أن تتحرك وأن تحدث حِراكا ولكن في حيز محدود كأن تتحرك وتحدث حِراكا علي سريرك أو داخل حمامك مثلا وهنا لا جُناح عليك ..
ولكن يهمنا أن ننوه ونحذرك من أن الحِراك المنزلي ليس متاحا أو مباحا للكافه فالبعض منا لديه زوجه مفتريه أو ما يسميها المصريون "الحكومه" .. تنظم وتحد وتتحكم في حِراكه المنزلي ..
لكن سواء تمكنت من الحراك المنزلي أو لم تتمكن لظروفك "الأسريه" فلا يمكن لك أن تتحرك وتحدث حراكا أكبر من الحيز المتاح لك إستراتيجيا خارج حدود المنزل فلا تعتقد بأن خارج المنزل يختلف كثيرا عن داخله ..
أما الحكاك فهو مختلف عن الحراك لأن الحكاك من الإحتكاك والحك وهو التلامس مع الآخرين أو ما يعرّف قانونيا أحيانا بالتحرش .. وأيضا الحكاك له معني آخر في مصر وهو أن "تحُك في" دفع ما عليك كمصروف البيت مثلا وبالتالي تقع أيضا تحت طائله الزوجه المفتريه "الحكومه" ..
إذا إن أحدثت حكاكا أو حدث عفوا لإحدي النساء في الشارع أو في وسائل المواصلات فأنت حكّاك أي متحرش بينما أنت في بيتك لا تستطيع علي الإطلاق أن تحُك أو يطلق عليك حكاك “في الشئون الماليه طبعا” ..
إذا فالحراك والحكاك علي المستوي الفردي الذي هو القاعده غير متاح علي الإطلاق و يُعد محدودا جدا إن لم يكن ممنوعا البته .. إذا عندما تتسع بنا الدوائر ونبغي الحديث بصفه عامه أو عن المجتمع ككل فإننا نصطدم بمعوقات عظمي تعوق الحِراك المجتمعي وأيضا الحِكاك المجتمعي ..
فأنت إن كنت لا تستطيع أن تحك مع الحكومه الصغري أي الزوجه تخرج الي الشارع تحك مع الآخرين أو مع الحكومه الكبري ..!!!!
هنا ستؤدبك "الحكومه" الكبري وتعلمك الأدب بأركانه الخمس .. كذلك الحال بالنسبه للحراك عندما يكون حراكك المنزلي محدد بدقه متناهيه فإن حراكك المجتمعي لن يكون مؤثرا بأي حال من الأحوال ..
وهنا نصل الي لب المشكله وهي "الحراك المجتمعي" وأيضا "الحكاك المجتمعي" ..
فما نشاهده ونلمسه اليوم من حراك علي كافه الأصعده السياسيه يمكن تعاطيه من منظورين مختلفين ..
منظور الناس أي المنظمات والجماعات والأحزاب التي تقود هذا الحراك فهي تري أنه ضروره وأن الآوان قد آن لإحداث تغيرات سياسيه وتحريك للمسار وتغيير الأشخاص ..
منظور الحكومه الكبيره وهو متفق تماما مع منظور الحكومه الصغيره بأن الحراك له حيز إستراتيجي لا يجب بأي حال من الأحوال تجاوزه والا فكما يتم الردع المنزلي عن طريق "أبو ورده" فإن الردع يكون خارج المنزل "بخيرزانه" الأمن المركزي ومن لم يكتفي فعليه بالإعتقال والحبس ..
ومنظور المنظمات والجماعات والأحزاب يختلف كثيرا عن منظور الحكومه فهم يروه "حراكا مباحا" بينما الحكومه تراه "حكاكا أُباحا" وهي وجهات نظر وكل لديه تمام الثقه بأنه الحائز الأوحد علي الحقيقه المطلقه وبالتالي فلا فلا داعي لأي محاولات لتقريب وجهات النظر بينهم وبين الحكومه فالحكومه تملك الشرعيه والشرعيه مشرعه علي البلاد والعباد .. بينما هم يرون أن الناس مصدر الشرعيه ولكن المرعيه فإن لم تكن الشرعيه مرعيه فلا مشروعيه للشرعيه ..
وهنا نكون قد وصلنا الي الناس إضطرارا فنجد أن غالبيه الناس لا تعرف الحكومه "الكُبري" ولا تعرف الأحزاب والجماعات والمنظمات ولا تفرق بين الحراك والحكاك ولكن ..
الناس .. تلهث وراء حبه طماطم تسقط سهوا من بائع متجول أو عظمه زند من زبيحه لدي الجزار تصلح لعمل شويه شوربه "أورديحي" أو رغيف مدعوم يكون شبه مستدير الشكل مُصمط من الداخل خالي من الشوائب الصلبه أو عده حجاره ترصها في الشارع لتعبر عليها فوق بركه مياه المجاري ولا تسقط بها ..
الناس .. التي قتلتها السراطانات المختلفه وإبتلع شبابها وحيويتها الفشل الكبدي والكلوي وإكتظت بهم ساحات المستشفيات الحكوميه في إنتظار قرار بالعلاج علي نفقه الدوله لن يصل اليهم لأن أحدهم قد سطا عليه بنفوذه ..
الناس .. التي زرعت وتعبت أشهرا طويله تغوص بأقدامها وأجسامها في الأوحال وعندما أخرجت الأرض أثمارها تركتهم الحكومه للتجار ليشتروها بثمن بخث ثم يبيعوها للحكومه بأسعار مختلفه
الناس .. التي أرهبها وأرعبها البلطجيه وعاثوا فيهم فسادا ولا مجير أو مغيث أو حتي سامع لصراخهم وبكاؤهم ..
الناس .. الذين يسكنون المقابر والعشوائيات وأطارف القري والمدن ولا يجدوا ما يقيهم من حر الصيف ولا برد الشتاء سوي رحمه ربنا ولم يعدهم أحدا بجدار يستندوا اليه أوسقف يحميهم ويستر عرضهم من "كلاب السكك" ..
الناس .. ملايين البسطاء الذين يعانون من شظف العيش والأمراض والأوبئه وحكم الأقوي عليهم وبأس ذوي البأس فيهم ..
كل هؤلاء لا يعرفون الحكومه ولا الأحزاب ولا يتعاطون السياسه ولا يريدون أن يشاهدوا صناديق الإقتراع ولا يهمهم من يحكم مصر ولا من يعارض من يحكم وإنما يسألون ويتساءلون عمن يكفكف دموعهم أو يستر عرضهم أو يعطيهم حبه دواء أو رغيف خبز ليكفوا عن الحراك والحكاك الذي لا يفهموا معناه ولكنهم يفعلوه بتلقائيه وعفويه ..
مجدي المصري
التعليقات (0)