مواضيع اليوم

الحراك المستورد..وسوء الظن الآثم بسمو الامير..

جمال الهنداوي

2011-02-12 11:20:09

0

جذل وفخور جدا كان سمو الامير سعود الفيصل وهو يحتفل بادخاله عبارة جديدة الى قاموس الدبلوماسية العربية العتيدة..وتبدت سعادته تلك من خلال تكراره الذي لا يخلو من ذكاء  لمنجزه اللغوي الفريد في ابتكار عبارة الحراك المستورد ونجاحه في توظيفها في عدة مناسبات تخللت مؤتمره الصحفي في الرباط..

حراك مستورد كانت هي العبارة الفذة التي اختزل فيها سمو الامير كل هذه الدماء الطاهرة التي روت ارض المحروسة وكل هذا الاستعار المتأجج المناهض للظلم والاستبداد والديكتاتورية.. وكل هذه الايام المجمرة التي تلظى بنارها المقدسة النظام المصري السابق الذي اخرست ادواته واستلت كل اوراق الصراع من بين يديه الارادة الاسطورية للشعب المصري العظيم بحيث لم تنفعه كل عبارات سمو الامير المبتكرة..

ويبدو ان الانتشاء الذي يعقب اللحظات المهمة في حياة الفرد..تلك الخاصية التي يشترك بها الامراء مع الرعاع من عامة الشعب..قد دفعت سموالامير الى التبسط قليلا والاندفاع باستخدام عبارات حادة وقاسية تجاه الولايات المتحدة بطريقة لم نتعودها من قبل السياسيين السعوديين الذين يتمتعون بعلاقات تاريخية قد تكون اقرب الى العضوية الفخرية مع الادارات الامريكية المتعاقبة..وتعد الحصن الحصين الذي تسند عليه العائلة المالكة في الرياض ظهرها وتتكئ عليه في الملمات الكبرى التي تصادفها..

فمن غير المسبوق ان نسمع مثل هذه التصريحات التي تتحدث عن الاستهجان الشديد والاستنكارالبالغ والتي استخدمها سمو الامير تجاه ما وصفه بتدخلات بعض الدول الأجنبية..وكلامه عن ممارسة المزايدات على الشعب المصري.. معتبرا ان هذه الممارسات تدخلا سافرا في شؤون مصر الداخلية، وعلى نحو يتنافى وابسط القواعد الدبلوماسية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة..

وهذه القواعد الدبلوماسية والسياسية ..وهذا الميثاق بالذات هو ما يجعل النفس الامارة بالظن السئ الى التساؤل عن السبب الذي يدفع اصحاب الجلالة والفخامة والسمو الى تذكر حرمة الشؤون الداخلية للبلدان فقط عندما يكون التدخل لصالح حرية الشعوب ومستقبل ابنائها..ويتم غض النظر عنها في حالة التدخلات المتضمنة دعما لانظمة الحكم الديكتاتورية والقمعية..

ونحن كعراقيين ما زلنا في حيرة من امر فتح السعودية لارضها وسمائها ومياهها الاقليمية للقوات الامريكية القتالية في حملتها على النظام السابق وتحولها الى العويل والنحيب واهالة التراب وشق الجيوب عليه وعلى "تجربته الديمقراطية" مع اولى الخطوات الوجلة المتعثرة للعملية السياسية في العراق..ثم ما هي هذه المفارقة من التحذير من المد الاسلامي الذي يطلقه وزير خارجية دولة تحكم من قبل خادم الحرمين الشريفين..ومن منبر اعلامي لدولة تحكم من خلال امير المؤمنين..

ونرجو ان لا يكون هناك اي تفسير خاطئ في تذكيرنا الاخوة القائمين على الامر في السعودية بالسلسلة الطويلة من التدخلات التي طالت كل من تسعى به قدم من دول جوار جزيرة العرب..وحتى مع بلدان مجلس التعاون وتمدده الى شواطئ البحار الدافئة غربا وحتى باكستان شرقا..والاسراف في اغداق الدعم والمال على جهات معينة في محاولات التاثير على الخارطة السياسية لتلك البلدان ..بل وحتى استخدام القوة المسلحة المباشرة لصالح النظام اليمني في قمعه لحركة الحوثيين في الشمال وتمويل حربه المفتوحة مع الحراك في الجنوب..وكذلك التحريض المستمر للولايات المتحدة-بالذات- تجاه بلدان وتيارات سياسية خارج حدود المملكة..

ونفس هذه النفس الامارة بالسوء تجعلنا نظن-ونرجو ان نكون خاطئين- ان الانظمة المعتقة في المنطقة على شاكلة النظام مدار البحث تتحكم بردود افعالها سياسة الخوف والاخافة  ولكن باتجاهين متناقضين..الخوف حد الفزع من اي تجربة سياسية ثورية تتقاطع مع الايديولوجيات المقولبة للنظام..والعمل على الاخافة حد الارهاب لنفس هذه التجارب..وعلى هذا الاساس يمكن ان نتلمس مدى الرعب الذي يجتاح هذه الانظمة من الحراك الشعبي الثوري الذي تكتب فصوله في اكثر من مكان على خارطة المنطقة..من حيث اعتماده على مبادئ الحرية والعدل والمساواة واعلاء التعددية الفكرية والسياسية واحترام الهوية الثقافية للمكونات الاصيلة التي تمثل افراد المجتمع والعمل على انشاء مشروع وطني يعتمد الديمقراطية والتداولية كهدف لتحقيق دولة القانون والدستور والمواطنة الحرة ..

فان نجاح مثل هذا الحراك السياسي في المنطقة ..وخصوصا من خلال اقرار التداولية وتثبيتها كمبدأ دستوري ملزم ..وعلى بعد دقات قلب قليلة من اهل يرزحون تحت نير انظمة متعتقة استمرأت الحكم العائلي القبلي واعتمدته كمبدأ اوحد للحكم..فهذا سيشكل بالتاكيد عامل بالغ الخطورة لتلك الانظمة من خلال امكانية انتقال نسمات الحرية الى شعوبهم ..خطر يستدعي الجهد الجهيد في تقزيم المنجز السياسي الشعبي الحر والعمل على التمجيد والرعاية والدعم المستمر للقوى الظلامية والارهابية والقمعية كخط دفاعي اول تجاه اي  بصيص من النور قد يلوح لشعوبهم في نهاية النفق الطويل المظلم للاستبداد والديكتاتورية..

نهمس في اذن اخواننا من طوال العمر وقصاره..ان الحل الوحيد للشفاء من داء الخوف من الديمقراطية..لن يكون في العمل على اجهاض التجارب التي تتطلع الشعوب من خلالها الى غد افضل محمل بنسائم الحرية والعدالة..بل في المضي في اطلاق الحوارات الوطنية الشاملة الهادفة الى التواصل مع الشعب ضمن برامج تؤدي الى الاصلاح السياسي وتخليق الفرص المؤدية الى انشاء دولة المواطنة المبنية على الخيار الفردي الحر المعبر عنه عن طريق صناديق الاقتراع..والمقنن عن طريق دستور متفق عليه وطنيا..فالديمقراطية قادمة لا محالة..ان كانت بالسيف او بغيره..ونشفق على الاشقاء ان يكون التغيير بالاسلوب الرائج عربيا ..حيث لا ينفع حينها لا مال ولا بنون ..ولا مؤتمرات ولا قدرات لغوية ولا عبارات مبتكرة..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !