مواضيع اليوم

الحب ماروعه...ما أقساه

بنت الشاطىء

2010-04-23 10:23:41

0

السلام النفسى لا أجده إلا فى رحاب اللون الأخضر.. حينما أجلس فى الحديقة يدهشنى كل هذا الجمال الكونى من حولى.. هذه الكائنات الرقيقة التى تُسمى الزهور، درجات اللون الأخضر التى لا تحصيها العين، صفاء السماء الزرقاء، طفولة السحب البيضاء، شقاوة العصافير وطيرانها فى أوضاع متهورة لا يمكن أن يكون القصد منها إلا (اللعب)!،

هبات العطر الربانى تحملها النسائم اللعوب.

لكن هذا الصباح لم يدم السلام طويلا، هناك فى موضعى المختار حيث اعتدت الجلوس فى ظل شجرة مثقلة بزهور الربيع سمعت زمجرة غاضبة وفحيحاً مخيفاً وأقداماً غاشمة تتسابق. وفى لمح البصر شاهدت قطة تتسلق تلك الشجرة المزهرة فى خفة ورشاقة بينما توقف عند جذعها قطان لم يصعدا خلفها.

كان انزعاجى بالغا من تلك المطاردة القاسية خصوصا عندما (بخ) أحد القطين فى وجه الآخر، ولم يكتف بذلك بل أنشب أظافره فى وجهه. القط لم يبادله الاعتداء وإنما وقف متنمرا متحديا مُصدِرا ذلك الفحيح المخيف. ووقف الخصمان تحت الشجرة المفعمة بالحب والجمال كَنِدين عنيدين يقيس كل منهما قوة الآخر. وبدا نوع من توازن القوى بينهما فلاذ كل منهما بالصمت المترقب.

..........................

وأوجعنى قلبى وأنا أفكر أن ما يحدث أيضا فى عالم الحيوان يحدث أيضا فى عالم الإنسان، نفس القسوة والمطاردة المستميتة والرغبة فى إيلام الآخرين. السلام تجده فى عالم النبات فحسب، الطمأنينة والسكينة والسكون، لذلك لا عجب ألا أشعر بالأنس إلا فى رحاب اللون الأخضر.

لكن القطة الوادعة كانت ترقد على الأغصان فى هدوء واسترخاء عجيبين. بدت لى تلك الطمأنينة مستغربة من قطة مُطاردة منذ دقائق معدودات.. على كل حال فقد سكن قلبى قليلا وذكَّرت نفسى أن الطبيعة تصلح نفسها بنفسها فلا داعى لإيلام نفسى بالأفكار المحزنة.

عجيب حقا سلوك القطط هذه الأيام! عدوانية بشكل عجيب يخالف طبيعتها المسالمة المعتادة، والدليل هو ما حدث بالأمس أيضا، نفس الفحيح الغاضب الذى أفزعنى إلى حد جعلنى أبتعد بالمقعد تماما عن مخالب تلك القطط المتوحشة المسعورة. يجب تنبيه رجال الأمن حرصا على سلامة الأطفال لأن ال...

أخ ....

يا لى من أبله! ضربت بيدى على جبهتى، لقد فهمت الآن سر هذا السلوك العجيب: إنه نداء الطبيعة! موسم الحب يا أحمق!

...............................

ابتسمت فى خاطرى وقد بدأ الأمر يروق لى. نظرت فى فضول إلى القطة المسترخية على أغصان الشجرة المثقلة بالزهور التى تحولت - فى لمحة بصر - إلى مهد الغرام ووطن العشق والعشاق.

القطة كانت جميلة بشكل محير، جمال يصعب وصفه، بل يمكننى القول دون مبالغة إنها كانت أجمل أنثى رأيتها فى حياتى. يعكس وجهها وداعة لا علاقة لها بالكوكب الأرضى الملوث بالدماء، ملامحها رقيقة جدا وعيونها خضراء وصافية.. «مقطقطة» لو كنت تفهم هذا التعبير.

وبالتأكيد تستحق ذلك الصراع الدامى بين الذكور أسفل الشجرة.

وكأنها لاحظت نظراتى المتعاطفة، فراحت تنظر لى فى وداعة وكأنها تستنجد بى من تلك الذكور المتحمسة التى رفعت رأسها فى نهم مفضوح مبتذل. لا شك أن شيئا كهذا يحدث فى عالم البشر، تراقبه الملائكة وترثى لنا!

وبعد الكثير من الصبر والانتظار الملول، قفز أحد القطين إلى الشجرة خلف الحسناء اللعوب. خصمه لم يحاول منعه وإنما ظل ينظر إليه رافعاً الرأس فى ثبات. بدا لى واضحا أن الجرىء يوشك أن يفوز بقلب الحسناء، لا بد أن حوارا صاخبا بلغة القطط حدث بينهما.. أشياء تشبه ما يحدث فى عالم البشر:

- «أنا أقوى منك وأغنى! جاهز من مجاميعه، وعندى شقة تمليك، وإذا لم تنصرف الآن ضربتك علقة!».

القط الجرىء الذى تسلق الشجرة وقف برهة عند ملتقى الغصون بالجذع، أما الحسناء فتمددت فى استرخاء على الغصن وكأنها لا تلاحظ من الأساس تلك المطاردة الغرامية التى تدور من أجلها.

تشجع القط بصمتها فصعد قليلا وهو يموء متوسلا فتسلقت الحسناء إلى غصن أعلى فى رشاقة ودلال، ثم جلس كلاهما فى صمت مترقب. وبدأت أشعر أن الحسناء غير مستاءة من تلك المطاردة المستميتة كما تحاول التظاهر بهذا.

وربما لو كف عن مطاردتها لاستاءت جدا ولأسقط فى يدها، لكنها مثل أى أنثى لا تستطيع أن تمنح نفسها بسهولة.. قوانين الطبيعة المحكمة تأبى ذلك.. من حقها بعض الدلال فى مواسم الحب.. لابد من النظرات الطويلة المشحونة بالمعانى، والبسمات المختلسة تتبعها الكلمات المعسولة.. تلك هى طقوس الغزل فى كل زمان ومكان.

.......................

ومر الكثير من الوقت، وانساب الجرىء نحوها فى هدوء محتلا موقعاً استراتيجياً لا تستطيع الحسناء منه الهبوط دون المرور به، فانسحبت إلى قمة الشجرة عند آخر غصن من غصونها، وبدأت تموء فى احتجاج حقيقى:

- أف.. هو اسمه إيه ده؟

- عاشق يا جميل

- سم كده!!

وبرشاقة بالغة - لا تُصدق - قفزت إلى غصن بعيد فى الطرف الآخر من الشجرة، وبدا لى بوضوح أن الذكر لا ينوى اقتحامها بحال. وتكشف لى قانون آخر مرهف من قوانين الطبيعة المحكمة.. لا عنف فى الحب ولا اغتصاب.. لابد من الرضا فى نهاية الأمر، ولابد من الصبر أيضا، الكثير منه.

يحدث ذلك فى عالم البشر. تبدأ الأنثى خائفة من الذكر وتوصد أمامه كل الأبواب.. بعد وقت طويل أو قصير توارب له بابا.. تفتح له نافذة.. تشعر بحاجتها إلى وجوده.. تعتاد عليه.. وقتها فقط يفوز بالجائزة الكبرى: قلب الحسناء.

..........................

كان القط مازال محتلا موقعه الاستراتيجى، قالت الحسناء - وكأنها مضطرة – ذلك السؤال الأنثوى الخالد: «إنت عاوز منى إيه؟»

فابتسم القط ابتسامة وغد عريق مدرب على مثل هذه المواقف، وقد أيقن قرب سقوط الثمرة فى يده، وقال ما معناه: «القرب يا جميل»

قالت الحسناء فى مكر أنثوى: «ياه! إنت فاجأتنى! كلم بابا».

قال فى إغراء: «عندى شقة سوبر لوكس وشبكة ألماظ».

دارت الحسناء ابتسامتها فاستطرد قائلا: «والفرح فى شيراتون! قاعة الياسمين. والمطرب سعد الصغير». ثم همس مدندنا فى أذنيها: «العنب العنب العنب».

واستمرت المفاوضات بينهما تتخللها نظرات وابتسامات، وبدا واضحا أن كليهما قد نسى تماما وجود القط المسكين الذى راح يرقب هذا كله فى صمت مقهور من موقعه تحت الشجرة، حزينا بائسا عاجزا عن الانصراف.

.................

كانت الحسناء تتسكع على الأغصان المثقلة بالزهور سعيدة بالدلال مزهوة بتقاتل العشاق، أما أنا فرحت أهتف من أعماق قلبى:

الحب: ما أروعه!

الحب: ما أقساه!

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !