الاسرة و المجتمع - استطلاع |
الحب الإلكتروني: بين الوهم والحقيقة
استطلاع نعيمة الزيداني
قصص الحب في العالم الافتراضي لا تعد ولا تحصى في زمننا هذا، علاقات مستمرة أو عابرة تبدأ في إحدى غرف الشات بدردشة من أجل التعارف... تليها نظرة فابتسامة وأكثر عبر شاشة الحاسوب وعبارات غزل وعشق وغرام وورود الكترونية لا عبير لها وقبلات متعددة الأشكال والألوان... لتشتد حرارة المشاعر حتى وإن كانت جولييت في مغارب الأرض وروميو في مشارقها.
الحب الإلكتروني موضوع شائك يطرح نفسه بقوة ليثير تساؤلات عديدة:
هل يمكن أن نعتبر هذا الشعور الناشئ في عالم افتراضي حبا حقيقيا؟
هل هو ظاهرة صحية وطبيعية؟ هل تتفوق إيجابياته على سلبياته أم أن العكس هو ما يحدث؟ ثم ماذا بعد مسلسلات الحب الالكتروني ؟ زواج واستقرار أم عشق ممنوع وخيبة أمل؟
شباب يبحث عن الحب بضغطة زر
البداية مع ليلى" 25 سنة من البيضاء في المغرب " التي تحكي لنا عن تجربتها قائلة:
تعرفت على شاب من بلدي مقيم بمدينة مدريد من خلال موقع للتواصل الاجتماعي، ورغم أنني لم أكن متحمسة في البداية لفكرة الحب عبر الإنترنت إلا أنني وجدت نفسي أسترسل في الحديث معه وأحكي له كل مشاكلي، قال لي أنه معجب بهدوئي وبأخلاقي وأيضا بشكلي، ارتحنا لبعضنا وأحب كل منا الآخر تدريجيا، وحين التقينا لأول مرة على أرض الواقع أحسست أن حبنا صار حقيقة خصوصا أنه تقدم مباشرة بعد ذلك إلى أهلي لطلبي للزواج.
بصراحة لولا الإنترنت لما كنت تمكنت من تجاوز خجلي الذي كان يمنعني من الاقتراب من دائرة العلاقات العاطفية.
أيمن 29 سنة من الأردن يقول: أعتبر الدردشة عبر النت فرصة ذهبية تسمح للشاب والفتاة بالتعارف والنقاش والتعبير عن أفكارهم وآرائهم بعيدا عن الأعين والأقاويل التي تسيئ عادة للفتاة أكثر مما تسئ للشاب.
وشخصيا تعرفت على فتاة طيبة ومثقفة وذات أخلاق عالية من خلال موقع الفيس بوك. تحدثنا بعدة أمور، ووجدت أننا منسجمان لأقصى درجة، أحببتها وأحبتني بصدق واتفقنا على الزواج بمجرد أن نستعد لذلك.
ولأسامة" 26سنة من الكويت" رأي مختلف إذ أخبرنا أنه من المستحيل أن يضع ثقته في أي فتاة تعرف إليها من خلال النت. يقول "من يدريني أنها تكلم غيري؟ وكيف أعرف أصلا حقيقة هذه الفتاة التي أكلمها؟
أما أحمد "28سنة من البحرين" فيقول: أنا مع الحب من الإلكتروني حين يعتبره الطرفان مرحلة تمهيدية لإقامة علاقة شرعية، وطبعا ضده حين يكون عبثيا لا مستقبل له.
وفي نظري هذا النوع من الحب هو المتنفس الوحيد للشباب في المجتمعات المنغلقة التي تحاصر الفرد وتحيطه بالعديد من الخطوط الحمراء التي تحول بينه وبين إقامة علاقات سوية على أرض الواقع، والأكيد أن هذا هو الدافع الأول الذي جعلني أفكر في الارتباط عاطفيا بإنسانة مناسبة عبر النت قبل اتخاذ قرار الزواج فالكتابة تمكن الشاب من الإطلاع على التركيبة النفسية للفتاة, نفس الأمر بالنسبة للاتصال الصوتي والمرئي خصوصا أن الانترنت يمنح الشباب الوقت الكافي لتبادل الأحاديث.
وبحسرة بالغة تروي لنا دعاء" 29سنة، شابة مصرية من الإسكندرية" تفاصيل تجربة عاشتها على النت، تقول:
دخلت أحد مواقع الشات بحثا عن عريس بمواصفات خاصة تناسب ما كنت أحلم به، تعرفت على رجل عربي "مطلق في الخامسة والأربعين من عمره" مقيم بالدانمرك.
كنا في البداية نتناقش في مواضيع عامة إلى أن اعترف لي بحبه الشديد، كان يقول لي أنه لا يتحكم في نفسه عند رؤيتي من خلال الكاميرا...
لا أريد أن أتذكر كل التفاصيل إلا أني أصبحت متيمة به وأدمنت رؤيته والحديث معه.
استمرت علاقتنا سنة كاملة تجاوزت خلالها أحاديثنا الخطوط الحمراء، وصرت متعلقة به كالمجنونة...كان يتغزل بي كل لحظة مما جعلني أحس لأول مرة في حياتي بأني امرأة مكتملة الأنوثة.
وعدني بالزواج وحدد موعدا لذلك، أخبرت أمي وبدأت أجهز نفسي.
وفي الموعد المحدد أتى، وذهبت للقائه، و ما إن رأيته حتى اشتد نبض قلبي واحمرت وجنتاي، تعانقنا وجلسنا في مقهى، وبدأت أتأمله لأول مرة على أرض الواقع.
وفجأة فوجئت به يعرض علي الذهاب إلى الشقة التي يستأجرها ليقدم لي الهدية التي أحضرها لي، ورغم رفضي إلا أنه كان مصرا بطريقة غريبة جعلتني أشك فيه تارة وأكذب نفسي تارة أخرى.
وعدت إلى المنزل لتنقطع أخباره عني منذ ذلك اليوم،,لا وجود له على الماسنجر وهاتفه لا يرد ...
وفهمت متأخرة أن حبيبي كان ذئبا بشريا وأن كل أحلامي كانت سرابا وأن الحب الالكتروني مجرد وهم.
بعدها بأسابيع دعتني إحدى زميلاتي لحفل زفافها، وفوجئت بأن العريس تركي كانت قد تعرفت إليه عن طريق النت، ووجدت نفسي ألملم جراحي لأعود بعدها إلى عالمي الافتراضي بحثا عن الحب المفقود.
الأستاذ سلام البابلي:
حين تتخلل العلاقة عبر النت ممارسات خارجة عن اللياقة والأدب فذلك ليس ذنب الوسيلة بل هو ذنب مستخدمها
الأستاذ سلام البابلي "تربوي عراقي مقيم بالسويد" يقول: حينما يكون الحب مضمونا اجتماعيا وبناء عقليا فانه يفضي إلى نتائج ناجحة بنسب عالية مهما اختلفت الوسائل المؤدية إليه سواء كانت تقليدية وقديمة جدا، أو عبر الوسائل الحديثة في أماكن العمل والدراسة أو الجيرة أو عبر الرسائل والتلفون وآخرها موضوعنا عبر النت أو الشات أو مايسمى "الحب الالكتروني" والذي تشن عليه حملة ظالمة - شأنه في ذلك شأن كل ما هو جديد – من قبل جهات متخلفة هي بالأصل ترى موضوع الحب على أنه مجون وفساد ينخر في المجتمع – ويغفل هؤلاء بأن المجتمع الذكوري وما يفرزه يؤدي إلى إشاعة الفساد بطرق مختلفة ومخفيه .
الحب الإلكتروني هو وسيلة عصريه تؤمن للحبيبين المزيد من التعرف على بعضهما واكتشاف إيجابيات وسلبيات الآخر ثم اتخاذ القرار وبقناعة تامة دون تأثير الآخرين السلبي على أن تتم الإجراءات الرسمية فيما بعد.
حينما يكون الحب كما عرفناه في البداية فإنه يبتعد عن العبث والتلاعب بمشاعر الآخرين ويكون نقيا ومقدسا بغض النظر عن كونه يؤدي إلى نتيجة إيجابية أم لا لأن كل العلاقات الخاصة بالحب أو بمؤسسة الزواج قديمها وحديثها قد تنجح أو تفشل رغم توفر الظروف الذاتية لها إذ يبقى للظروف الموضوعية دور في الأمر .
وحين يتخلل العلاقة عبر النت ممارسات خارجة عن اللياقة والأدب والعرف فذلك ليس ذنب الوسيلة بل هو ذنب مستخدمها، إذن فالحب الالكتروني هو أحد أرقى وسائل الاتصال في مجتمعنا وعلينا البناء عليها لا هدمها وتشويهها .
المدرب السعودي محمد خالد عزوز:
الحب هو الحب مهما تغيرت المسميات
المدرب السعودي/ محمد خالد عزوز"مدرب معتمد من الحياة السعيدة البريطانية وعضو لجنة مستشارين الحياة حلوة للاستشارات الأسرية والاجتماعية":
الحب علاقة بين شخصين يكون الهدف منها الوصول إلى مرحلة الاستقرار النفسي والعاطفي، وبتطور الحياة تطورت أيضا الأساليب التي تساعد على الحصول على الشريك أو النصف الآخر، ومن الخطأ إنكار وجود الحب الإلكتروني أو تجاهله أو محاربته بالطرق التقليدية لأننا نعيش في عصر تتعدد فيه طرق التواصل بين الجنسين.
ومن وجهة نظري الحب هو الحب مهما تغيرت المسميات، وأرى أنه بدلا من محاربة الحب الإلكتروني ينبغي وضعه في إطاره الصحيح لأن الإقناع هو الوسيلة الوحيدة للردع أو القبول في عصرنا هذا. وفي العادة يكون الهدف هو البحث عن شريك الحياة بطريقة حضارية و بعيدا عن الطريقة التقليدية المتعارف عليها في المجتمعات العربية في الزواج.
ومن خلال ملاحظاتي من كل أربع علاقات حب تستمر واحدة فقط وقد يرجع السبب للتالي:
- البحث عن الحب الأفلاطوني والحياة الرومانسية دون أي منغصات كما تجسدها الأفلام.
- البحث عن المغامرة والتحدي ومقاومة العادات والتقاليد، وبعد حصول ما نريد يبدأ الملل يسكن هذه العلاقة.
- التباهي بالمميزات وإخفاء العيوب التي تظهر بعد ذلك في المستقبل.
- اللامبالاة وعدم القدرة على تحمل المسئولية.
وللاستفادة من هذه التقنية يجب مراعاة الآتي:
- معرفة الهدف من هذه العلاقة، هل هي علاقة جادة فعلا أو تمضية وقت فراغ؟
- البلوغ العقلي للطرفين وأن يكون كل منهما على وعي بما يؤمن به وعلى اقتناع به.
- معرفة الأهل بهذه العلاقة والرضا بها.
ولقد قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (لا تفرضوا على أبنائكم أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) ومن هنا يتضح أنه وإن لم يكن الحب الإلكتروني موجودا في فترة شبابنا إلا أنه الآن موجود وهو كمن سبقه من المراحل التي يتطور بها مسمى الحب، ويجب التعامل معه بتعقل وتفهم لأسباب ظهوره.
المعالجة النفسية سهى صادق:
الحب الإلكتروني يفتقد لكثير من الأسس المتينة التي يجب أن تتوفر كي يصبح الحب واقعا
سهى صادق من لبنان، معالجة نفسية وأستاذة تعليم ثانوي تقول:
كثيرا ما يتم الخلط بين الإعجاب والحب، بين التعود والحب فالحب الإلكتروني يفتقد لكثير من الأسس المتينة التي يجب أن تتوفر كي يصبح الحب واقعا.
بداية، في هذا الحب لا وجود للاحتكاك المباشر بين الطرفين مما يحرمهم فرصة التعارف عن كثب، فالتواصل كما هو معروف له سبل كثيرة أهمها لغة العين التي تكشف صدق أو كذب أحد الطرفين أو كلاهما، والصدق هو أول شرط لبناء الثقة إذ كيف أثق بشخص من خلال معلومات قد تكون كلها غير صحيحة خاصة ما يتعلق بالحالة الاجتماعية ففي الكثير من الحالات التي أواجهها يكون أحد الطرفين أو كلاهما متزوجا.
ثانيا، عدم الاستمرارية إذ من المحتمل في أي لحظة أن يقوم أحد الطرفين بمسح الطرف الآخر مما يسبب له الإحباط والكآبة، كما أنه من السهولة بمكان التهرب من الالتزام بأي تعهد، والحجج متعددة :سرقة الحساب، انقطاع النت، انقطاع التيار...الخ
والأخطر في هذه العلاقات هو أنه غالبا ما يحدث زواج وهمي لتقع عدة فتيات- لاسيما صغيرات السن أو قليلات الخبرة- في براثن رجال ذئاب يستغلون إمكانية استخدام وسائل الاتصال المرئية والمسموعة كالسكايب وغيره لإغرائهن وإغوائهن بتعرية أبدانهن أو القيام بأعمال تنافي الأخلاق والتقاليد الشرقية والإسلامية والدينية,وما يزيد من استفحال هذه الظاهرة إمكانية القيام بأي شيء دون أن يعلم أحد، ويتناسون أن الله حاضر وأن كل ما يكتبونه ويفعلونه يسجل عليهم بميزان السيئات.
من هنا أؤكد على أهمية الرادع الأخلاقي والديني حيث لا يجب أن ننسى ما أوصانا به كتابنا الجليل من المحافظة على أنفسنا والتمسك بمكارم الأخلاق، ولنتذكر دائما أن كل ما نقوم به مسجل في ميزان.
وأود لفت الانتباه إلى مسؤولية الأهل الذين يجب عليهم مراقبة أبنائهم وإرشادهم، وتوعية الفتيات وحتى الشبان كي لا يقعوا ضحايا فتواجد الأبناء في غرف منعزلة ولفترات طويلة خصوصا ليلا يتيح لهم الوقت الكافي للانغماس في علاقات غير سوية، كما أن غياب ثقافة الحوار والأخذ والرد في العائلة يجعل الأهل غير قادرين على الاقتراب من تفكير الأبناء أو معرفة ما يدور في غرفهم خاصة المراهقين .
آراء ومواقف
الاعلامي محمد كريزم، مدير وكالة أخبار المرأة ورئيس اتحاد المدونين العرب، فلسطين:
حسب تصوري لا يوجد حب بمعناه الحقيقي؛ إنما الشائع على شبكات التواصل الاجتماعي هو إعجاب وتسليه وتحقيق الإشباع لحاجات غريزية ونفسية مكبوتة؛ في حين نجد أن معظم مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت يلجأون لأسماء وعناوين غير
صحيحة للاستغراق في جلب المتعة المفقودة لديهم.
لكن الأخطر في نظري هو استغلال صور نساء وفتيات وقعن في هذا الحب الكاذب ونشرها على شبكة الإنترنت لإشاعة الفضائح وإيذاء الضحية بشتى السبل الممكنة.
أعتقد أن بعض الحالات قد تكون نجحت لكنها قليلة جداً.
هانى 25 سنة من مصر، موظف بشركة يقول: أكيد قد يحدث حب من خلال الفيس بوك أو أي موقع تواصل اجتماعي آخر لكن المشكلة التي قد تحول دون تطور العلاقة بطريقة إيجابية تكمن في تفكير الشاب حيث تكون لديه فكرة مسبقة مفادها أن هذه الفتاة التي تعرف إليها عن طريف النت قد تعرفت على الكثير من الشبان غيره على نفس الموقع وربما تطورت علاقتها بأحدهم، نفس الشكوك قد تراود الفتاة أيضا.
لكن لا أنكر وجود بعض العلاقات الحقيقية والصادقة التي انتهت بالزواج ولكن بنسبة بسيطة مقارنة بالعلاقات الفاشلة أو العابرة...
وشخصيا، تعرفت على فتيات من خلال الفيس بوك، وهناك علاقة صداقة محترمة بيني وبينهن من خلال كورسات في موارد التنمية البشرية واستمرت العلاقة بعد ذلك طيبة جدا لأني أؤمن بالصدق مع الجميع، وطبعا التوفيق من الله عز وجل.
الإعلامي العراقي شاكر المحمدي:
هي كلمة جميلة تكمن بحرفين "ح"و"ب"... إلا أننا لو بحثنا عن معانيها سوف لن نستطيع جمعها مرة واحدة، وأسفنا أن تعدم اليوم بين شاشات وأجهزة الكومبيوتر لتحول لوسيلة إغواء وانحراف وضياع واستغلال من قبل البعض بسبب عدم صدقها في هذا المكان إلا ممن ندر.
فطوبى لمن فاز بصدقها ويا خسارة وضياع وجرح من وقع بفخ النصب فيها.
التعليقات (0)