برنار لويس غني عن التعريف, أو ليس المرجع الاكاديمي بامتياز؟ أو ليس السلطة الفكرية التى تنحنى أمامها هامات مفكري الغرب وأساتذته خصوصا فى العالم الأنجلوسكسونى ؟ بالتأكيد برنار لويس فقد الكثير من إشعاعه, منذ المغامرة البوشية فى العراق , والتى كان أحد مهندسيها, ولكن تلك صفحة طويت, فالغرب يغفر بتسامح خلاق هذه الخطيئآت, مادام عالم العرب والإسلام حقل تجارب للعبقريات التى تشحذ خناجر إجتهادها فى عنق الخصم الحضاري اللعين .!
فى كتابه الاخير: " السلطة والإيمان . أسئلة حول الإسلام فى أوروبا والشرق الأوسط " يدافع مفكرنا الكبير, عن أطروحة ما أن عبر عنها حتى تلقفتها أجهزة الإعلام الغربي فهي تقدم تفسيرا ضافيا لهذه الثورات العربية, وتقول الأطروحة أن الأنظمة الدكتاتورية التى تسود فى العالم العربي هي النتيجة المنطقية لمحاولة العرب تبني الحداتة الغربية !
هل يعنى هذا أن هذا الربيع العربي ليس إلا كمشة هباء؟ مادام يطمح لجنان الدمقرطة والحداتة ؟
خلف الأسلوب البريئ فى هذا التعبير, وفى كل هذا الكتاب, لا يملك القارئ اليقظ إلا تسجيل البعد الإيديولوجى الخبيت الكامن خلف هذه الطروحات البائسة التى لا تصمد أمام أبسط الأسئلة التاريخية , فى عرف الكاتب الحداتة هي نتاج غربي ومتى تم تبنيها فى عالم الإسلام تحولت من شجرة غناء بفواكهها الدانية القطوف إلى نبتة ضارة أو شجرة زقوم تعطى أمر الدكتاتوريات.
ترى مالحل ؟ يتساأل مفكرنا الأمجد.
يذكرنا الكاتب بهذه الواقعة التاريخية, التى كان شاهدا لها من خلال الوتائق الارشيفية العتمانية مجال تخصصه, ففى عهد الملك ليس الرابع عشر كانت المفاوضات بين الباب العالى والملك الشمس جارية, وكان هذا الأخير ومستشاريه لا ينفكون يشتكون من بطأ السلطات العتمانية فى اتخاذ القرار, مما حذا بالسفير الفرنسي بإسطمبول إلى توجيه تقرير وهو التقرير الذي ينفض عنه الغبار برنار لويس , وفيه يفسر الدبلوماسي الفرنسي لرؤسائه فى باريس كيف أن الأمور وتدبير شؤون الدولة فى إسطمبول يختلف جملة وتفصيلا عما هو عليه فى باريس, فإذا كان الملك الفرنسي سيد القرار يتخذه فى اللحظة والتو مشفوعا بالتنفيذ الآنى, فإن الأمر عكس هذا عند السلطات العتمانية, فالسلطان لا يتخذ قرارا ما إلا ووضعه قيد النقاش مع مختلف الشركاء , من كبار الأعيان وكبار ملاك الأراضى والبازار, ويسجل التقرير أن كل هذا يجرى وفق قانون الشورى الذى يعتبر الحجر الأساس فى سياسة الحكم الإسلامي .
هكذا إذا وبقدرة قادر, وانطلاقا من هذه الواقعة التاريخية التى لانعرف حقا هل كانت القاعدة أم الإستتناء, تصبح الشورى مفهوما يملك قيمة مطلقة, إن المؤلف لا يكلف نفسه عناء تحليلها سوسيولوجيا ولا ظرفيا ولا خصوصية ولا محدوديثها النظرية مادامت محكومة بكونها فى خدمة منظومة ترتكز على الأعيان ورءساء القبائل وزعماء العشائر وكبار الملاك .. أي كل هذه الهياكل التى كان عليها مواجهة عواصف التاريخ ورياح التغيير!
يرى الكاتب أن الحداتة تسربت كما لو كانت الوباء فدمرت هذه المنظومة تقافيا وسياسيا, وأمدت السلطات التقليدية بأدوات تقنية جد متطورة, جعلها تعصف بمكانزمات الشورى وتعوضها بمكانزمات دكتاتورية , وسعت من سلطان الدولة قمعا وتنكيلا وقهرا وجعلت كل شيئ فى خدمة الحاكم المطلق بأمره المطلق.
ولأن الحقائق التاريخية عصية, فإن المؤلف يستدرك نفسه ليقول: نعم نعم كان السلطان مستبدا , لكن يجب أن نميز بين الإستبداد والدكتاتورية , فالإستبداد هو سيادة السلطان ولكنه السلطان المقيد بفعل تحالفاته مع مختلف مكونات المجتمع, إنه يحكم بها ومعها, أما الدكتاتورية فهى الإستبداد المطلق, إنه الحداتة التى تم تهجينها بإعلام أحادى ومؤسسات صورية وأحزاب كاريكاتورية ودستور مفصل حسب القياس.
ويستخلص الكاتب: إن فشل بوش فى تصدير الديمقراطية , يعود لأن هذه لا تصدر, ولكنها لا تلبت أن تصبح فوضى عارمة , لأن المجتمع متى فقد معالمه التاريخية والتقافية يصبح عاجزا عن التعرف على هويته, فالديمقراطية الغربية لا يمكن تصديرها لعالم الإسلام , ذلك أن الديمقراطية تعنى انتخابات حرة ونزيهة, وفى حالة تنظيم انتخابات نزيهة فإن ذلك يعنى انتصار الإسلامويين المتطرفين, فهم وحدهم يملكون التسرب لكل النسيج الإجتماعى, بفضل شبكات العلاقات التقليدية, ومختلف القنوات التى تجعلهم يكسبون أية جولة ,مما يعنى دولة دكتاتورية إسلامية ساحقة للإختلاف وقاهرة للأقليات ومستعبدة للنساء.
يجب الإعتراف يقول الكاتب, أن اللبراليين والعلمانيين والديمقراطيين لا يملكون أدنى حظ للنجاح , فلغتهم غير مفهومة لا وقع لها فى المجتمع, لأنها تعتمد مخيالا ورؤية ومجازاأبعد مايكون عن البيأة السكلوجية الإسلامية .أو لسنا إذا فى عز المأزق التاريخي. فما الحل ؟ يقول الكاتب : المسلمون وعربانهم لا يملكون إلا العودة لتقافة الشورى, تقافة أهل الحل والعقد ,فهى وحدها تضمن لهم توازنهم ومع هذا شخصيتهم الدينية والتقافية . هذا يعنى لو قرأنا خلف السطور : " يامعشر المسلمين عودوا إلى صوابكم فالديمقراطية كما الحداتة إنتاج غربي وأنتم لستم إلا بدوا ! حري بكم إذا أن تعودوا لجمالكم ونوقكم وقطعانكم ومعها شوراكم وسلطانكم وأهل حلكم وعقدكم ! عليكم أن تكتفوا بإرتكم العتيق ففيه ضالتكم وكل الأجوبة عن طموحاتكم ".!!
كم تمنينا لو نزل الباحت المنظر لا أقول من برجه العاجى , ولكن من برجه الإستيهامى, فلو فعل ولو للحظة واحدة وسار فى مظاهرة واحدة من كل هذه المظاهرات من الدار البيضاء حتى دمشق فصنعاء لا كتشف أن كلمة الشورى لا وجود لها, وأن كلمة الدولة الإسلامية لا وجود لها ولكان اكتشف خلف هذا الهدير, مطلب أساسي, يلتقى حوله كل هؤلاء المنددون الساخطون , وهو الرغبة العارمة فى الدخول للحداتة والديمقراطية, ذلك أن الحداتة ماكانت إنتاجا غربيا ولا شرقيا , ولكنها صرح إنسانى بامتياز وللعرب والإسلام عكس ما يتجاهل الكاتب نصيب وافر فى تشييده.
لكن المرأ لا يملك إلا أن يشعر بالأسى أمام هذه الترهات ,هذه الخزعبلات البائسة, يسوقها راعيها كما لو كانت قطيع هلوسات ! فكيف ؟ وهو الأأستاذ الجامعي المدرس بأعرق الجامعات! والذى يقال عنه مفكر! ويحضى بتقدير عالمي...!
لكن من يحرك خيوط " التقدير العالمي" ؟ تم ومن جانب آخر. أليست القضايا الإنسانية الكبرى هي نفسها وبالظبط تلك التى جندت الأحقاد الإيديولوجية الكبرى ومعها الإستيهامات الكبرى؟
التعليقات (0)