الاديب الجزائري عبد العزيز جالاوي
الحافلة تسير ...
وكان لغطها يرتفع أحيانا وينخفض حينا.. وكان الخلاف بيننا شديدا وحيرتنا عميقة.. إلى أين تسير الحافلة؟ ومن يقودها في هذا الاتجاه؟
كان مكان السائق مغطى بحاجز من الزجاج المعتم.. نهض أحدنا من كرسيه المثقوب وقال: ياقوم يجب أن نعرف أمرين في هذه الحافلة :
- من يقودها ؟ وإلى أين تسير بنا ؟
وكانت الحافلة تسير...
استيقظ ثان من نومه.. طويلا.. بدينا.. جاحظ الخدين.. غائر العينين.. منقلب الشفتين وقال:
- وما يعنينا نحن فلندعها تسير ألا تدرون أنها تسير بأمر ربها بسم الله مجراها ومرساها .
قفز ثالث من كرسيه وسط الحافلة وهي تكاد تميل بنا.. رفع رجلا واتكأ على عصا.. عدل من عمامته ولحيته القلقة وبدأ في إلقاء محاضرة عن المرجئة والجبرية والمعتزلة وأنهى محاضرته بقوله:
- .... وستنقسمون إلى سبعين فرقة كلكم في النار إلا أنا...
وسقط مغمى عليه وقد تهاوى على خده حذاء أحدهم.
غضب أحدنا فاندفع إلى مقدمة الحافلة وكسر زجاجها فاكتشفنا أنها بلا سائق... تملكنا الفزع والهلع وصحنا جميعا :
- يا للكارثة !!!
ضحك ذو اللحية القلقة حتى بانت أضراسه : لا كارثة ولا هم يحزنون دعوها فإنها مأمورة
قال ذو الكرسي المثقوب:
- يجب أن نختار لها قائدا ويجب أن نحدد لها اتجاهها.
قفز ذو اللحية القلقة فاستوى على المقود وهو يصيح:
- لا قائد إلا من اختاره الله.
قفز فوقه مبردع الشفتين وقال
- باسمكم يا أبناء الحافلة سأقودها إلى بر الأمان.
قفز بجوارهما ذو الكرسي المثقوب.. أمسك المقود بكلتا يديه وقال:
- وأمرهم شورى بينهم
قام جاحظ الخدين من مكانه.. استعرض عضلاته.. لمعت نجومه.. ابتلع الجميع ألسنتهم..
كانت الحافلة تتمايل بعنف من سفح الجبل إلى حافة الوادي.. اندفع جاحظ الخدين وقفز على المقود صائحا:
- التصحيح.. التصحيح..
انهدت الأجسام الثلاثة.. طارت بعض أجزائها.. رأس هنا وكفان.. بطن هناك وعينان.. صدر هنالك وفخذان.. تشظى المقود هباء منثورا.. تكوم كل ركاب الحافلة في مؤخرتها متكدسين.. رأيت عمود المقود يخترق بطن جاحظ الخدين.. كالوعل نطحت الحافلة صخور السفح.. ثم تهاوت في قعر الوادي.
التعليقات (0)