قبل الحادي عشر من سبتمبر (2006) بيوم واحد، أدركت أن كثيرين هم من سوف يكتبون بكل لغات العالم عن الذكرى، كنت على أتم اليقين أن جميع أنظار العالم سوف تتجه إلى أمريكا، ساسة و مثقفين و مفكرين و آخرون...فكرت في أن ألوذ بصمتي و أعتزل الكلام و الكتابة، ربما حدادا على ضحايا التفجيرات و ليس الهجمات، وحزنا و حنقا وكمدا على ضحايا ما بعد التفجيرات و ليس الهجمات الكثيرون جدا كالجراد في أفغانستان و العراق...راودتني أسئلة شتى: لماذا صرنا نستدرج طيلة خمس سنوات إلى الاحتفاء بالذكرى؟ ألم نستنفذ بعد الأسئلة ذات العلاقة؟ هل من اللازم مقاربة الوضع العربي من زاوية النظر الأمريكية؟ لماذا نطل على واقعنا العربي من نفس النافذة التي تطل منها الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاؤها في الحرب على "الإرهاب"؟ لماذا لا نؤسس زاوية نظر خاصة بنا؟ لماذا لا نسعى لأن نطل على وضعنا من نافذة عربية أصيلة؟ لماذا يفرض علينا التفكير في مفهوم "الإرهاب" وقضاياه وفق الفهم الذي يتبناه الغرب؟ ما الذي يجعلنا نقتنع بأن العالم يعيش مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر؟ ألم تكن علاقتنا بالغرب سيئة قبل الحادي عشر من سبتمبر؟ ألم يروج للحرب على الإرهاب قبل التفجيرات؟ ألم تهيئ الظروف لغزو أفغانستان و العراق قبل هذه التفجيرات بفترة؟ لماذا كل هذا التناغم الحاصل بين الخطاب العربي و الغربي، على مستوى الأنظمة و النخب السياسية و الفكرية؟
إن الوضع يدعو إلى إعادة طرح مفهوم العقل العربي من جديد، إننا في حاجة ماسة اليوم إلى الاستعانة بمحمد عابد الجابري و جورج طرابيشي ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون للخوض في سؤال عوامل استقالة العقل العربي من جديد: هل هي عوامل خارجية، يمكن تعليقها على مشجب الآخر، أم هي عوامل داخلية، يتحمل فيها العقل العربي الإسلامي مسؤولية الإقالة المأساوية لنفسه بنفسه؟!
عندما يُقال العقل العربي، و يحيى على الهامش عقل النخب العربية من مثقفين وسياسيين اقتصاديين، و يتحول في أحسن أحواله إلى آلة ميكانيكية تعيد إنتاج العقل الغربي، فلا بد أن العالم العربي سوف يعرف الردة الدائمة نحو الأصولية والسلفية و التطرف بحثا عن حل مستحيل في نفق المأزق ذاته.
إن "الأمم والشعوب الحية ،هي التي تحلل في مفاصل تاريخية حرجة وتصل إلى تصحيح ما يجب تصحيحه للاستمرار في مسيرة الحياة ،وعلى هذا الأساس تستمر بعض الأمم في الوجود ، وتختفي أمما ً أخرى" (1)؛ فالمطلوب إذن هو خلق مواجهة حقيقية و صادقة بين العقل العربي وواقعه كما حدث في الغرب قبيل عصر النهضة، ينبغي أن يتحرر من أزمة الهزيمة و السكون إلى الخيبات والانكسارات المتوالية، ليجابه بقوة و عزم الإرهاب الفكري المؤسس للإرهاب الجسدي، سواء أكان إرهاب دولة أوجماعات، عليه أن ينتفض و يستعيد نشاطه وحيويته ليتحرر من تبعيته العمياء للعقل الغربي و ليتوقف عن استهلاكه للخطاب الغربي الإنتاج، ويؤسس لنفسه خطابا عربيا يدافع عن الوجود العربي عبر الفكر لا عبر الدم. فإذا كانت أمريكا و حلفاؤها يشتغلون ليل نهار من أجل إنتاج مفاهيم تراعي مصالحهم و تدافع عنها بالحديد و النار، فماذا أنتجنا نحن غير الخيبة والانكسار و الهزيمة و الانتصار للأفكار الأصولية المتطرفة السلفية التي تشتغل على شرعنة المخطط الأمريكي، الذي كانت من بين أدواته المطواعة في حربه الباردة و الساخنة مع الاتحاد السوفياتي، وربما لا تزال تخلص له السمع والطاعة حتى حدود اللحظة...
إن العقل العربي مطالب بمواجهة الخطر الداخلي المتمثل في التطرف والأصولية، و الخطر الخارجي المتمثل في عولمة فكر النظام الأحادي القطب...
===================
(1): الدكتور نصر حسن - "نظرة إلى العقل العربي!." – موقع مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية – المملكة المتحدة – لندن
التعليقات (0)