إهداء
إلى ابني الدكتور سامي وحرمه الدكتورة عفاف
إلى ابنتي سنية وزوجها فوزي
إلى كافة أبنائي وبناتي بقصر هلال وبغيرها
أقدم صورة للإنسان إذا التقى لديه الوعي والإصرار والقلب الكبير
أما الوعي فمن الدنيا وأهلها
وأما الإصرار فمن ذات نفسه
وأما القلب الكبير فمن عند الله
ولابد للب من قشرة والقشرة من حطب
لابد للروح من جسد والجسد من تراب
لابد للإنسان من مال والمال فتنة، فرق بين أن نضطر إلى استعماله وبين أن نخضع لسلطانه، بين أن يكون لنا عبدا وبين أن نكون له عبيدا إن أردنا به خيرا فهو خير وإن أردنا به شرا فهو شر وما سوى هذا وذاك عبث
ذلك ما علمنا الحاج علي صوّة
وذلك ما أدركه عبد الحميد القصاب حين تبنى هذا الكتاب
مقدمة
الحديث عن الحاج علي صوة حديث عسير خيرته وعانيت منه الكثير إذ كانت لي عنه أو عن منجزاته المداخلات التالية:
التاريخ المناسبة
12 أفريل 1980 خمسينية مدرسة "الهلال"
1 جوان 1990 ستينية مدرسة "الهلال"
7 ماي 1992 افتتاح ملتقى الحاج علي صوة للعلوم الاجتماعية والإنسانية بقصر هلال
ماي 1998 العدد الأول من مجلة مدرسة "الهلال"
4 نوفمبر 1998 خمسينية مستشفى الحاج على صوة
31 أكتوبر 2003 الذكرى الخمسون لوفاته
وكان عنوان آخرها: "الحاج علي صوة ذلك المجهول"
هو ليس حديثا عن رجل عادي حتى نستعمل فيه اللغة العادية. ومن هنا كانت صعوبة التعبير وكانت أخطار الوقوع في العبارات التي تداولتها أو لاكتها الألسن فأفقدتها نضارتها والتحامها بشحنتها. وقد كنت نعتت الحاج علي صوة في مداخلة يوم 7 ماي 1992 بالرجل المناضل مشترطا تجديد شباب النضال وغسله وتطهيره مما علق به من أدران وما أكثرها.
فاللغة العادية كاللباس الجاهز قلما يلاءم لابسه. وهذا بالنسبة إلى جسم ذي مقاييس مألوفة يسيرة التقدير فما بالك إذا تعلق الأمر بإلباس شخصية ولا شخص. إنسانية ولا إنسان. نور ولا فتيل.
ثم إن الصعوبة تتعاظم إذا أدركنا أنها شخصية نادرة المثال وأنه إنسان "لا كأيها الناس" وأنه حار هو نفسه في التعبير عما بنفسه فأجاب رجال الصحافة أجوبة أقرب إلى الإسكات منها إلى الإجابة.
لذلك فقد اعتمدنا في الحديث عن الحاج علي صوة على الإيحاء أي التعبير غير المباشر أو ما يعبر عنه اليوم بالمقاربة Approche. أما التعريف والتحديد فأمران يجب أن نتركهما للحديث عن العادي من خلق الله.
وها أني أعود إلى النقطة التي انطلقت منها منذ 27 عاما !
وقد حرصت على تزويد القارئ بما توفر لدي من الوثائق حفاظا على مصداقية البحث من جهة وقطعا لدابر "الخرافات التاريخية" من جهة أخرى بعد أن لاحظت تحول مسيرة الحاج علي صوة إلى ما يشبه الأسطورة.
والحقيقة هي أن مسيرة هذا الرجل فيها ما يدعو إلى الأسطرة !
ثم إننا نحتاج إلى المزيد من التوثيق لفترة من تاريخنا نخشى عليها من التلاشي في عصر تسارعت خطواته وشحبت بصماته.
وبعد فإن ما يدفعني إلى هذا العمل هو شعوري بأن علي دينا. أرجو أن أكون قد أديت بعضه !
ولن يفوتني أن أتقدم بالشكر لكل من مد يد المساعدة لانجاز هذا العمل خاصا بالذكر الصديق صابر بن محمد البنبلي (بنبلة سابقا) لما قام به من التصوير والمراجعة.
بطاقة تعريف
هو الحاج علي بن امحمد بن الحاج محمد بن الحاج علي بن صوة الميلادي .
ولد سنة 1865
حكم على والده إثر فشل الثورة الشعبية سنة 1864 بعشرين مطرا من الزيت
أمه فاطمة بنت الحاج علي بن الحاج أحمد سعيدان توفيت سنة 1922 وعمرها ثمانون عاما .
ولد في منزل متواضع يقع قرب دار عياد الحالية بقصر هلال ولم يعد له اليوم وجود
كان أبوه يعمل فلاحا وتدل على ذلك الخطية المسلطة عليه. توفي والحاج علي لا يزال صبيا حوالي سنة 1870.
ربته أمه في كثير من الشدة والصرامة. وقد اصطحبها إلى الحج في عصر الشريف حسين "أيام كان أداء فريضة الحج مغامرة وعلى ضوء تلك المعطيات نحدد سنة 1909 تاريخا للحج.
لم يكن له أخ ولا أخت ولا عم ولا عمة
كان له ثلاثة أخوال من آل سعيدان (عبد الله وخليفة وسالم) توفي آخرهم (سالم) سنة 1920. وكلهم فلاحون.
تزوج خمس مرات:
1- عائشة بنت الحاج حمودة بوغزالة التي أنجب منها : امحمد (1898) ومحمد (1902) وعبد الله (1911) وحسن (1915) .
2- أم السعد الأكحل
3- حفصية بنت محمد كشيدة التي أنجب منها: صالح (1923)
4- فطومة البهلول
5- آمنة بنت عبد الله جمور التي أنجب منها أحمد (1924) وقد بقيت منهن بعد وفاته : أم السعد الأكحل وفطومة البهلول مطلقتين وآمنة جمور تحت عصمته .
توفي يوم 31 أكتوبر ودفن يوم الأحد أول نوفمبر 1953 (23 صفر 1373 هـ) بمنزله الكائن قرب المدرسة القرآنية ودفن في باحة المدرسة بإشارة من أبرز معلمي المدرسة وهو رحيم بن صالح بن بوذينة الجبالي الذي قضى بالمدرسة 22 عاما.
فمن الناس من نعرفهم – أو نزداد تعرفا عليهم- بفضل بلدانهم وخاصة إذا كانت البلدان غنية عن التعريف. فنقول إن فلانا مولود بباريس أو القيروان أو بيروت... من الناس من كان لهم الفضل في التعريف ببلدانهم أو الأماكن التي كانوا يرتادونها، فأنت تسمع بالمعرة بفضل أبي العلاء المعري وتسمع عن Colombey les deux églises لأنها مثوى شارل ديقول ويحدثونك عن المقهى التي كان يرتادها نجيب محفوظ بالقاهرة أو تلك التي كان يرتادها جان بول سارتر بباريس أو تلك التي كانت تلتقي بها "جماعة تحت السور" – البانكة العريانة – بالعاصمة التونسية.
من الناس من أضاءوا ومنهم من استضاءوا منهم من أفادوا ومنهم من استفادوا فهل كان الحاج على صوة من أولئك أو هؤلاء؟
الحاج علي صوة وقصر هلال : أيهما يعرّف الآخر ؟
شجرة صوة
امحمد محمد عبد الله حسن صالح أحمد
علـي
امحمد
محمد
علي
صوة الميلادي
(مشيخة العريش)
في زاوية سيدي عبد السلام
لم يرد اسم الحاج علي صوة فيما عثرنا عليه من الوثائق أو ما بلغتنا من الشهادات إلا سنة 1909 وهي السنة التي أدى خلالها فريضة الحج رفقة أمه فاطمة بنت الحاج علي سعيدان التي كان لها فضل تربيته بعد وفاة أبيه الذي تركه صبيا. وتعرفنا على تلك السنة بفضل حديثة عن أمير مكة الشريف حسين.
ولم يمض وقت طويل حتى توفى الحاج علي بن محمد عبار وكيل زاويتي سيدي عبد السلام الأسمر بقصر هلال سنة 1910 وحسب التقاليد المعمول بها قام أتباع الطريقة بانتخاب الحاج علي صوة وكيلا جديدا. وقاموا بذلك يوم 9 جوان 1911 لدى العدليين حسين القصاب وعلي ابراهم بحضور شيخي القرية يوسف سعيدان ويونس الكعلي وقد صوت لفائدته:
ابراهيم بن محمد بن الحاج امحمد عبد السلام بن محمد الزراد الزعق
محمد بن محمد بن الحاج امحمد خليفة بن الحاج علي الزياتي
عبد الله بن محمد البهلول ابراهم الحاج امحمد بن امحمد سويسي
محمد بن علي بن الحاج احمد ساسي بن محمد سليمان
احمد بن صالح بن الحاج احمد فرج بن الحاج عمر الشايب
خلف الله بن علي بالطيب حمودة بن علي الصانع الهاني
علي بن محمد بوفروة ساسي بن محمد الصغير
عبد السلام بن علي بوفروة امحمد بن احمد طيطش
الحاج محمد بن علي بوقرة عبد الرحمان بن محمد الطيلوش
محمد بن احمد جمور عبد الحق بن الحاج علي عبار
سالم بن علي حشانة الحاج محمد بن خليفة فنتر
محمد بن احمد حشانة محمد بن علي القابسي
عمر بن محمد بن الحاج علي حمودة الحاج قاسم بن حسين قعليش الحبشي
عمار بن الحاج عبد الله الخفي محمد بن عبد الله قم
صالح بن الحاج محمد خليفة عبد السلام بن الحاج محمد الممي
عامر بن محمد بن القدحة (الدوس) محمد بن صالح الممي
سالم بن علي الزراد
وكلهم من أتباع الزاوية السلامية
وإن اختيار أتباع الزاوية السلامية للحاج علي صوة يدل بدون شك على أنه كان من أتباعها بل أنه تميز بين رفاقه تميزا جعلهم ينصبونه شيخا عليهم. فنشاطه بالزاوية يعود إذن إلى ما قبل سنة 1911. وقد زاد الحج في ترجيح كفته عند الانتخاب. فالحج كان يمكن صاحبه من أن يردف عبارة "الحاج" إلى لقبه لتصبح جزءا منه.
ويوم 30 أفريل 1919 أبلغ محمد بن الشاذلي صفر – رئيس جمعية الأوقاف عن قدوم وفد من قصر هلال يشكو من "سوء سلوك شيخ الزاوية السلامية" الحاج علي صوة وبطلب "معاينة الحالة التي عليها الزاوية المذكورة" وأنه أطلع فوجد "الخراب قد استولى عليها" وأن شيخ الزاوية "معطل لجميع شعائرها" وأنه حاول مقابلة الشيخ "فتعذر عليه" .
وقد رد الحاج علي صوة على تلك الشكوى وتلك الزيارة التفقدية يوم 15 ديسمبر 1919 بإدلاء شهادة لدى العدلين حسين القصاب ومحمد عياد يعلن فيها عن تخليه عن مهامه بالزاوية "لعجزه عن القيام بشؤونها" .
وقد انتخب بعده سالم بن علي حشانة يوم 2 فيفري 1920. ومما يلفت النظر أن الحاج علي صوة كان أحد المصوتين لفائدته وهذا يدل على أن القضية لم تكن – لديه- قضية شخصية بقدر ما كانت قضية مبدئية .
وتحدث أحد التقارير عن تلك الفترة بأن الرجل كان "يبحث عن فعل شيء يرضي الله" .
فتحول الحاج علي صوة من خدمة الزاوية السلامية إلى الخدمة خارجها لم يكن – في نظرنا- تحولا جذريا أي أنه لم يكن توقفا عن العطاء أو نكوصا على الأعقاب أو تنكرا لما كانت له من الأهداف بل كان تغييرا للشريحة المستهدفة. كان بنشاطه الطرقي يؤمن بأنه يخدم المجتمع من خلال خدمة الزاوية التي كان يؤمها الكثيرون من أبناء البلد. لسنا هنا في مجال تقييم المواقف أو دور الزاوية في المجتمع صالحا كان أو طالحا. كان أتباع الزاوية يحسبون –عن حق أو باطل- أنهم حسنا يفعلون.
وإذا كان بعض القيمين على الزوايا قد اتخذوا منها مصادر ارتزاق أو تكسب فإن بعضهم الآخر قد اعتقد أنه يؤدي رسالة مكملة لرسالة المسجد. فقد أحصينا من الأملاك الموقوفة على الزوايا بقصر هلال سنة 1840 – أي الموهوبة إليها قصد القيام بشؤونها – 1503 زيتونة وهو رقم يدل عل ما ذهبنا إليه كما أحصينا من أسندت عائلاتهم اسم عبد السلام لأحد أبنائها فكانوا سنة 1913 ستة بقصر هلال وحدها. وكان الحاج علي صوة أحد هؤلاء. وليس أعز على المرء من ماله وولده – فالرجل كان يؤمن بأنه يخدم قضية سامية. وكان ذلك في ظل مجتمع نادى – سنة 1904 – بإعدام عبد العزيز الثعالبي لأنه تجرأ على شتم سيدي عبد القادر الجيلاني .
لقد تغيرت الشريحة المستهدفة وبقي الهدف. انتقل العطاء بدون أن ينقطع.
الناس يتصورون أن الحاج على صوة قضى عمره حتى سنة 1927 – وهي السنة التي قرر خلالها بناء المدرسة القرآنية- وقد كان عمره آنذاك 62 عاما – منكمشا على نفسه وأنه انطلق وكأنه كان في سبات عميق. كلا وقد دفعنا ذلك الظن إلى نعت الحاج علي صوة في إحدى مداخلاتنا بالرجل المجهول فقد كان منذ بداية القرن يبذل من النشاط الاجتماعي ما كان يطلبه المجتمع.
والمجتمع كان يطلب المساجد والزوايا. وقد تحول نشاطه بعد ذلك حين تحول الطلب: كان الحاج علي صوة – طيلة حياته – أذنا صاغية وقلبا حيا ويدا ممدودة.
التحـــــول
تلك مسيرة علي صوة الأول: نشاط وحركة وكد واضطراب بين مهن عديدة ثم حج وحط الرحال وانزواء- أي انتحاء لزاوية. فالزاوية- سواء كانت سلامية أو عيساوية أو قادرية أو تيجانية – مكان تتوقف فيه الحركة الاجتماعية لتحل محلها حركة باطنية فيها تقشف وفيها تزهد وفيها تصوف- أي لباس الصوف- بل فيها تعطل للحواس.
كان الحاج علي صوة سلاميا حتى أصبح مسؤولا عن حياة الطريقة السلامية بقصر هلال وعين على رأس الزاويتين يوم 25 جويلية 1911 .
لكن أحداثا جدت أثناء توليه تلك المسؤولية جعلته يتخلى عنها ويهمل شؤون الزاويتين حتى تذمر المريدون – أي أتباع الزاوية- وكتبوا إلى عامل المنستير حتى ضاق بهم الحاج صوة ذرعا فقدم استقالته من المشيخة. ولقد دعاه العامل مستوضحا لكنه أصر على الاستقالة.
من هنا نفهم أن شيئا ما قد حدث. ما الذي حدث حتى يطوي الحاج علي صوة صفحة كان يعتبر أنها خاتمة لدفتر حياته؟ ما الذي حدث حتى ينزع العباءة السلامية – والطريقة بوجه عام- ويقوم بالتعتيم عن تلك المرحلة فلا يحدث أبناءه عنها؟
الحدث الذي زعزع الأفكار السائدة وتسبب في الكثير من التساؤلات هو الحرب العالمية الأولى التي وضعت أوزارها يوم 11 نوفمبر 1918 بعد أن ذهب ضحيتها خمسة عشر من شباب قصر هلال ونحن نلاحظ أن نهاية الحرب تزامنت مع الاستقالة الفعلية للحاج علي صوة إذ أهمل شؤون الزاويتين وأثار غضب الأتباع.
كان الناس يؤمنون بقوة الإمبراطورية العثمانية ويعتقدون أنها منتصرة لا محالة. وكانوا يتعاطفون معها. كانت خلافة إسلامية أي أنها كانت ترفع لواء المسلمين. لم تصلنا عن ذلك التعاطف إلا شذرات لكنها كافية لتبرز الجرح الذي خلفته الهزيمة:
من ذلك أن معلما من المهدية – وهو محمد بلال- كان يعمل بالمدرسة الحكومة بقصر هلال أوشى بتعاطفه مدير المدرسة خليل الأرقش الذي كانت زوجته معلمة تحمل الجنسية الفرنسية فسلطت على محمد بلال نقلة عقاب. وكان ذلك سنة 1918 .
وبلغ إلى علم الدوائر الأمنية أن الطاهر بن محمد الزراد – أصيل قصر هلال- كان يجالس أصدقاءه ببعض دكاكين العاصمة وأنه كان يخوض في شؤون سياسية لها علاقة بالحرب الدائرة. فنقل من دائرة الوزارة الكبرى إلى "ثلاجة" جمعية الأوقاف. وكان ذلك سنة 1919 .
ولما نهض مصطفى كمال للدفاع عما تبقى من البلاد التركية تجاوب الناس معه حتى أن أحمد بن الحاج سالم عياد رزق ابنا يوم 28 جانفي 1921 فسماه مصطفى وأشاع في الناس أنه يقصد مصطفى كمال وتسبب له ذلك في أول تقرير سياسي جاء فيه أن أحمد عياد متعاطف مع مصطفى كمال ولم يكتب للطفل أن يعيش إذ توفى سنة 1927. ولا شك أن أحمد عياد لم يسم ابنه بذلك الاسم إلا بعد التشاور مع والده الحاج سالم عياد.
لكن ذلك الحدث –أي الحرب التي أتت على الخلافة العثمانية- وإن عمت أخباره كافة الأقطار الإسلامية فإن ارتجاعاته اختلفت أشكالها. وقد كان وراء ذلك الاختلاف إعلام ورجال.
هل بلغت "حركة الشباب التونسي" وتوقيف جريدة Le Tunisien ونفي صاحبها علي باش حانبة سنة 1912 مسامع الناس بقصر هلال ؟ وهل بلغت أصداء الزيارتين اللتين أداهما محمد عبده إلى تونس سنتي 1884 و1903 ؟ لا ندري. وإن كانت الحركة المكوكية لتجار المواد الأولية والمنسوجات مع العاصمة تفترض ذلك لكننا نعلم -علم اليقين- أن الصحف الوطنية -التونسية والشرقية- كانت تقرأ للناس ببعض الدكاكين وخاصة دكاكين الحلاقين وأن خطب الإمام على المنبر أيام الجمعة كانت تحمل شحنات سياسية بالمعنى الواسع للكلمة.
وهنا نصل إلى الحديث عن رجل يجب أن يحتل مكانه في تاريخنا : الحاج سالم بن الحاج امحمد بن عياد بن الحاج مبارك بطيخ المعروف باسم الحاج سالم عياد:
هذا الرجل ولد سنة 1852. فهو يكبر الحاج علي صوة بما يناهز العشرين عاما. كتب عليه –أو كتب له- أن يشهد الثورة الشعبية المسماة بثورة علي بن غذاهم ويشهد المساهمة الكبيرة لقصر هلال في تلك الثورة حسبما بينا في غير هذا المكان ثم يشهد هزيمة الثوار ويعيش الانتقام الرهيب الذي سلطه الجنرال أحمد زروق على المنطقة وعلى قصر هلال بوجه خاص. فقد سلطت على والده الحاج امحمد خطية بـ 45 مطرا من الزيت. كما سلطت على والد الحاج علي صوة خطية بـ 20 مطرا. والمطر كان وحدة الكيلMetritis تقدر بعشرين لترا أو أكثر حسب المناطق. فلنتصور خطية بحوالي "مائة ديقة من الزيت". عاش كل ذلك وعمره اثنتا عشر عاما.
وتولى خطة عدل إشهاد بقصر هلال يوم 3 أكتوبر 1882 أي بعد تسعة أشهر من دخول الجيش الفرنسي الجرار إلى قصر هلال وقضائه الليلة الفاصلة بين 22 و 23 جانفي 1882 قبالة سبالة العتراوي بالضاحية الجنوبية لقصر هلال. وقد يكون حضر المشهد.
وحين توفى حسن بن حسين القصاب تولى الحاج سالم عياد الإمامة الثانية –أي إمامة الصلوات الخمس- مكانه بالجامع الكبير يوم 5 سبتمبر 1909.
لكن المنعرج كان حين عين يوم أول مارس 1916 إماما أول بالجامع خلفا لخليفة بن حسن القصاب . فقد مكنته تلك الخطة من الاتصال المباشر بالناس.
قد يكون ذلك التاريخ أول فرصة يتاح فيها للإنسان الهلالي أن يسمع فيها حديثا يهمه – أي يعالج همومه. وما كان يثير همومه- آنذاك- هو هذه الحرب الطاحنة التي تسببت في حصار اقتصادي وبلبلة عاطفية وانشغال فكري بالإضافة إلى تجنيد أبنائه.
وجاء الحاج سالم عياد ليضع الحرب – أسبابا وأحداثا وعواقب – في إطارها الصحيح. فدور الحاج سالم عياد فيما نسميه اليوم بالحركة الإصلاحية دور محوري لا يمكن أن نفهم مسيرة الحركة بقصر هلال خصوصا والحركة الإصلاحية عموما بدون الحديث عنه. هذا الرجل الذي أصبح إماما أول بالجامع الكبير – أي إمام الجمعة – وكان عدل إشهاد فتح دكانه للناس "يقرأ لهم جرائدهم" حسب تعبير وشاية مؤرخة في 9 ماي 1928 .
ولم يلبث حتى فتح منزله لتولد فيه الشعبة الدستورية بقصر هلال يوم 23 سبتمبر 1921 وهي أول شعبة دستورية خارج العاصمة وأصبح عضوا بهيئتها. مع العلم أن الإعلان عن مولد الحزب الحر الدستوري كان يوم 3 جوان 1920.
ثم فتح الحاج سالم عياد منزله ثانية في شهر نوفمبر 1924 لتجديد هيئة الشعبة التي تولى محمد بوزويتة رئاستها.
ولم يمض على ذلك إلا عامان حتى وقعت تنحية الحاج سالم عياد بسبب مواقفه السياسية من الإمامة الأولى يوم 29 نوفمبر 1926 قصد منعه من مخاطبة المصلين. وقد كتب كاهية المكنين وقصر هلال يوم 16 ديسمبر 1926 بان سالم عياد أعفي "لتعصبه مع الذين أسسوا الأحزاب الدستورية ثم لم يثبت حتى توفي يوم 5 جوان 1928.
هذا الرجل الذي كان يمثل طليعة الحركة الإصلاحية بقصر هلال في كافة المجالات حضر جنازته أربعمائة شخص جاؤوا من كل جهات الساحل التونسي بإمامة محمد بن حسين الورداني وبذل في سبيل المشاريع الخيرية مالا وجهدا كان آخرها بناء المسجد الذي أتم تشييده أبناؤه أحمد وحامد ومحمد.
هذا الرجل كتب عنه امحمد الجعايبي – صاحب جريدة الصواب- الذي شارك في الإشراف على ميلاد الشعبة سنة 1921 مقالا يوم 6 جويلية 1928 احتل نصف صفحة من الجريدة تحت عنوان "ما مات من لم يمت ذكره وكتب عنه الطيب بن عيسى – صاحب جريدة الوزير يوم 9 أوت 1928 مقالا تحت عنوان "فقيد الإصلاح" .
فنعت المصلح الذي نعتنا به الحاج سالم عياد ليس من عندنا. فهو قد أصلح العقول وقاوم الزيف وأخرج المنعزلين من عزلتهم ومن بينهم الرجلان الأميان الحاج علي صوة ومحمد بوزويته بالإضافة إلى ابنه أحمد. ولقد أصبح هذان الأخيران رأسي حربة في الحركة الوطنية الناشئة بقصر هلال وخارجها وأصبح الحاج علي صوة – حسب تغيير أحمد صفر "المؤسس الأكبر" وحتى في ميدان العطاء فقد رسم للآخرين الطريق فتحدثت عنه جريدة "الزهرة" يوم 7 فيفري 1945: "المغفور له المقدس الشيخ سالم عياد صاحب الأيادي الكاملة والمبررات الخالدة".
هذا الرجل – الحاج سالم عياد- لم ينل حقه من الذكر لسببين : أولهما أن الرجل توفي مبكرا بالنسبة إلى مولد الحزب الجديد إذ لم يعش بعد تلك الولادة إلا ثمانية أعوام ناهيك أنه تولى عضوية الشعبة وعمره سبعون عاما، وقد صارع في سنواته الأخيرة أمراضا أودت به. والسبب الثاني أنه زيتوني ونحن نعرف ما بذله رجال الحزب بعد سنة 1934 من جهود لطمس التأثير الزيتوني بكل مظاهره وإبراز الدور "الصادقي". بل أن الحركة الوطنية برمتها قد جعلت ناشئة عن مؤتمر البعث في 2 مارس 1934. وذلك باطل جملة وتفصيلا.
وعلى كل حال فإنه يكفي الحاج سالم عياد فخرا أنه "أنجب" الحاج علي صوة ومحمد بوزويتة بالإضافة إلى ابنه أحمد.
أما عن تأثيره في المجتمع الهلالي فيكفي أن نقرأ ما نشرته جريدة الوزير يوم 15 فيفري 1927 .
جاءت الحرب واختلطت الأوراق وانهار ما كان يعتبر من الثوابت وجاء الحاج سالم عياد سنة 1916 ليقول من على منبر الجامع الكبير أن الخير ليس في الانزواء بل في العمل لما ينفع الناس فنفض الحاج علي صوة يديه من الزاوية وراح يحمل مع الناس همومهم وراح يبني.
خرج من الزاوية التي كان بها منزويا وراح يذرع المجتمع ويتحسس أوجاعه ويتلمس مواطن العلة وقالت التقارير إنه كان يبحث عن فعل الخير فاهتدى صحبة محمد بوزويتة زميله في الدراسة – إن جاز التعبير- إلى ما اهتدى إليه محمد عبده من أن الإصلاح يبدأ من الأساس، من القاعدة، من التكوين، من الطفولة. وأن الصعود يبدأ من أسفل.
كان قاضي المنستير محمد مخلوف سلاميا حتى النخاع. وكانت العائلة المالكة نفسها تنتمي إلى الطرق الصوفية بمختلف أسمائها واتجاهاتها حتى جعلت من بعض الزوايا حرما آمنا للهاربين من العدالة وتحولت الزوايا إلى أحزاب أي إلى تكتلات أو مراكز قوى تقتسم النفوذ المحلي بمختلف وسائل الترغيب والترهيب ولم يتحرك قاضي المنستير عند تنحيه الحاج سالم عياد لأن هذا الأخير كان مناهضا للبدع. وكذلك كان موقف الإمام الغزالي إزاء احتلال الصليبيين لمدينة القدس، فقد انعزل إلى درجة الذهول.
أما الحاج علي صوة فقد أفاق بعد ذهول.
هذا الرجل الذي كان من الممكن أن تكون لحياته تلك الخاتمة لولا أن الله كان يريد بالمجتمع التونسي خيرا كان يعتزم قضاء اثنين وأربعين عاما في التنويه بصاحب الطار "بابا سلومة". لكنه غادر الزاوية وراح يزف ابنيه محمد وعبد الله يوم 26 أكتوبر 1930 تحت الأعلام التونسية وتلاميذ مدرسته التي لم يمض على افتتاحها إلا عام واحد ينشدون الأناشيد الوطنية أمام بيتي العريسين !
لقد خرجت الفراشة من الشرنقة
لقد ذهب رجل الهزيمة وجاء رجل الإصلاح
ألقينا على الحاج صالح صوة يوم أول مارس 2007 السؤال التالي: "هل كان الحاج علي صوة يتحدث عن الحاج سالم عياد ؟" فقال:" نعم !
المدرسة القرآنية "الهلال"
لقد اتفقت كل الروايات الشفاهية والمكتوبة على أن موضوع بناء المدرسة القرآنية بقصر هلال طرح على الحاج علي صوة في شكل اقتراح قدمه التاجر عثمان بن محمود الشملي - باسم السكان- حين كان الحاج بدكانه. وأضافت التقارير أن محمد بن عمر بوزويتة – رئيس الشعبة الدستورية بقصر هلال من سنة 1924 إلى سنة 1937 – كان عاملا رئيسيا في تبليغ رغبة السكان. فالواضح – إذن- أن الرغبة كانت جماعية وأن الإنجاز كان استجابة لها.
لكن ما يجب أن نذكر به هو أن قصر هلال كانت بها مدرسة فرنكو عربية أنشئت منذ سنة 1909 أي قبل عشرين عاما من افتتاح مدرسة "الهلال". فما الداعي إلى إنشاء مدرسة ثانية ؟ ولماذا التركيز على مدرسة قرآنية والإصرار عليها؟ أما كان من الممكن والأيسر توسيع المدرسة القائمة وكفى ؟
لابد –إذن- من العودة إلى الوراء لفهم الأسباب والدوافع.
لقد أنشئت المدرسة الحكومية بمساعدة كبيرة من الأهالي تمثلت في أرض تبرع بها آل الكعلي وكميات من الحجارة جلبها السكان على كواهلهم وأبدوا في جلبها من الحماس ما جعل المسؤولين يتذمرون من كثرة الحجارة التي جلبت ويتساءلون عما يمكن أن يفعلوا بها.
ورحب الأهالي بالمدرسة ترحيبا كبيرا واقتبلوا المقيم العام الفرنسي Gabriel Alapetite بحفاوة بالغة. غير أن ذلك الابتهاج سرعان ما تحول إلى مرارة بالغة. ولعل الكلمة التي ألقاها ممثل السكان أمام المقيم العام ثم الرسالة التي حررها العدل على بن حسن ابراهم نيابة عنهم يوم 21 ماي 1911 تكشف عن سوء تفاهم أساسي. فإذا كان الطرفان – الحكومة والسكان- متفقين على تسمية المشروع بالمدرسة فإنهما لم يكونا متفقين على المسمى. نعم. إنها مكان الدراسة. لكن دراسة ماذا ؟
كتب العدل على ابراهم – باسم الأهالي – ما قاله نيابة عنهم : "نطلب تسمية مدرس لتلامذة المكتب يعلمهم مع ما يزاولون به مبادئ لغة قومهم وبعض شعائر دينهم إتماما لإنعامكم علينا ". جاهلا أو متجاهلا أنه يطلب المستحيل وأن عليه أن ينتظر 18 عاما أخرى ليتحقق طلبه بمدرسة أخرى وإذا حرم الرجل من تحقيق رجائه إذ توفي سنة 1916 فقد تمتع حفيده – كاتب هذا الحديث- بثمار ذلك الرجاء.
احتفل السكان بالمدرسة الحكومية باعتبارها مولودا جديدا. وحين تبينوا ملامح المولود اعتبروه إجهاضا. فأداروا ظهورهم معتبرين أنه مولود ميت. نعم. اضطر بعضهم إلى ترسيم أبنائهم بها تحاشيا للأمية مثلما اضطر أسلافهم إلى التعلم بمدرسة المكنين. لكنهم نفوا عن المدرسة الحكومية اسم المدرسة. فدعوها "المكتب" أو "مكتب الشوك" لأن سياجها كان من نبات شائك. أما كلمة مدرسة فقد علقت بالمدرسة القرآنية دون سواها. فهذا "يقرأ في المكتب" وذاك "يقرأ في المدرسة". ولولا الدخول إلى السنة الأولى من التعليم الثانوي (السيزيام) لكانت القطيعة. وقد حاولت سلطة الحماية إحداث تلك القطيعة باعتبارها المدرسة القرآنية مدرسة حرة من جهة ومحاولة منع تلاميذها من اجتياز اختبارات العبور. وحين سمحت بذلك في نهاية الأمر كانت تحسب أن الفشل سوف يكون من نصيب تلاميذها. وكم كانت صدمتها حين جاءت النتائج مخيبة لآمالها إذ كثيرا ما فاقت النتائج كل التوقعات.
طلب السكان – سنة 1911- تعليم أبنائهم "اللغة العربية والدين الإسلامي" وجاء عقد تحبيس مدرسة الهلال سنة 1932 ليشترط أن "يقرأ بالمدرسة القرآن العظيم والعلوم الدينية والرياضية والعلوم الأجنبية على أحدث طريقة". ولعل هذا الترتيب نفسه يزيح الغطاء عن الأسباب والدوافع.
ولعله من المفيد أن نقارن بين قصيدين نظمهما كل من امحمد بن عمر بوشارب من قصر هلال وصالح السويسي من القيروان لتوشيح واجهة المدرسة. وإذا اختير القصيد الأول فإن ما يتضمنه من المعاني يكشف سبب الاختيار. في القصيد الذي تبنته المدرسة – وهو الذي يوشح جبينها إلى اليوم – إشارات إلى "المجد القديم" و"إحياء الآمال" و"عهد الجدود" و"كتاب الله" و"مجد الجدود" و"السير إلى الأمام" بينما يتوقف الثاني عند الرقي واليقظة و"نور العرفان". وقد وردت بديوان صالح السويسي مقدمة للقصيد جاء فيها: "نظم الشاعر الأبيات الآتية وأرسلها إلى قصر هلال لتكتب على لوحة لتوضع في واجهة المدرسة القرآنية التي أسسها المؤمن الكامل والمحسن الشهير سيدي الحاج علي صوة وقد صرف على بنائها مالا وافرا فجراه الله عن الإحسان خيرا". وهو كلام يقتصر على الناحية الظاهرة من عمل الحاج علي صوة.
قال امحمد بوشارب:
مساع أصابت في المعالي مراما وألقت عن المجد القديم لثامــا
وأحيت لنا بالله أمالنـا التـــي قضت نحبها والله يحيي العظاما
ذكرنا بها عهد الجدود وربمــا ذكرنا بآثار الكريم الكرامـــا
مساعي أمرئ لم يلف ابن يومـه ولم يرض إلا أن يكون عصامـا
أبت نفسه غير التقدم بالـــذي يكون لها يوم الجزاء وسامــا
فأسس هاتيك المباني تطلبـــا لإيواء نشء شرد ويتامــــى
وأجرى عليها من منابع جــوده عيونا ولكن لا تبيت نيامـــا
معاهد يمن لا يرحن أو أهــلا يصان كتاب الله فيها دوامـــا
أقمن على مجد الجدود أدلـــة وقلن لأبناء البلاد الأمامــــا
فيا حسنها وافت وفي أكبد غدت تؤمل بردا، عندها وسلامـــا
طربت لها والصب يطربه اللقـا وبت كأني قد شربت مدامـــا
وناديت من فرط المسرة أرخـوا رقي يهم المسلمين تمـــاما
وقال صالح السويسي :
متع لحاظك أيها الإنســــان فلمثل هذا يشيد البنيـــــان
هذا زمان الانتباه ومن ينـــم بين الشعوب نصيبه الحرمــان
كم في الوجود محاسن وأجلهــا علم به قد تسعد الأوطــــان
فأنظر لمدرسة أشاد بناءهـــا من قد أشيد بقلبه الإيمــــان
أعني علي صوة أجـل مؤسـس لأجل ما يرقى به الشبــــان
أثر يخلد ذكره طول المـــدى وبه الجزاء ينال والغفـــران
تلك المساعي الخالدات بمثلهــا تحيا البلاد ويسعد الإنســـان
ويزداد الأمر جلاء إذا تأملنا في الوثيقة التالية التي حرّرها مدير مدرسة الهلال محمد صوة خلال شهر فيفري 1932.
وقع الكثيرون في فخ اعتبار إنشاء مدرسة "الهلال" إنشاء لمؤسسة تربوية بدون الغوص في خصوصياتها فتحدثوا عن "رفع الجهل" أو "رفع الأمية"، وقد وقعت السلطة – أو بعض رموزها- في ذلك الفخ فاعتبر الحاج علي صوة يوم 12 نوفمبر 1929 رجلا يسعى إلى نشر المعرفة بين مواطنيه وبالتالي لا يمكن منعه من ذلك. واعتبره آخر يوم 18 جانفي 1930 "رجلا مسنا ساذجا Homme âgé et simple d’esprit . لكنها غيرت لهجتها حين اتضحت الحقيقة فأصبح يوم 29 نوفمبر 1939 "رجل زيت ذا اتجاه دستوري" وراح الكاتب العام للحكومة ينعت تلاميذ المدرسة بأنهم "600 شاب دستوري".
وللحقيقة والتاريخ فان أول من أدرك الحجم الحقيقي لإنشاء مدرسة "الهلال" كان فرناند ريكار Fernand Ricard مدير المدرسة الفرنكوعربية بقصر هلال. فقد بدأ بالاعتراض على إحداثها ثم اعترض على السماح لتلاميذها باجتياز اختبارات الشهادة الابتدائية و"السيزيام". وقد راح يذكر السلطة لاحقا بتحذيره وما لقيه من تجاهل.
فالقضية – إذن – لم تكن – سواء في نظر المؤسس أو السلطة – قضية تربوية بالمفهوم العادي للتربية والتعليم. لقد كانت قضية إصلاحية أساسا . وهذا ما أغفله الكثيرون من الدارسين وأشباه الدارسين. فراحوا ينعتون الحاج علي صوة بأنه "رجل خيري صالح".
وسوف تنقل للقارئ الكريم صورا لبعض المعارك التي خاضتها مدرسة "الهلال" ومن ورائها الحاج علي صوة. وكل ذلك اعتمادا على وثائق سوف نشرك القارئ في الإطلاع عليها.
لقد نشأ – بشأن مدرسة "الهلال"- صفان متقابلان. ولم نعثر على طرف محايد وحتى جريدة الدبيش التي أبلغت يوم 8 نوفمبر 1929 عن افتتاح المدرسة التي أنشأها "ملاك مسلم ثري" – حسب تعبيرها –– يشتم من تعابيرها رائحة الامتعاض. وقد جاءت مواقف الطرف التونسي على لسان الصحف وبعض الوجوه الوطنية نذكر بعضها حسب ورودها الزمني:
بدأت مظاهر الترحيب يوم 29 أوت 1929 حين بشرت جريدة الوزير بافتتاح المدرسة كاتبة: "... بفتح المدرسة القرآنية إن شاء الله التي شيدها السخي الكريم البار التقي السيد الحاج علي صوة تشييدا على أحدث طراز وصرف عليها أكثر من نصف مليون وأوقف عليها كذلك من الزياتين نحو هذا القدر تصبح قصر هلال زاهرة بحركتها الدينية والاقتصادية والعلمية. قرن الله مساعي المخلصين بالنجاح والفلاح".
أصدرت جريدة "النديم" عددا ممتازا يوم 15 فيفري 1930 نشرت فيه مقالا تحت عنوان "مدرسة الحاج علي صوة بقصر هلال" ورأت فيها مثلا أعلى لقيام المستطيع بما يجب عليه نحو أمته ووطنه" وأرفقت المقال بثلاث صور قال حسين الجزيري – صاحب الجريدة – أنه التقطها بنفسه وقد وردت الصور نفسها بالنشرية السنوية الأولى لجمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين بفرنسا لعام (1928-1929) مع مقال تنويه بالمؤسسة ومؤسسها وتبدو المدرسة من خلال الصور غير مكتملة البناء. (الوثيقة 15).
جريدة "الوزير" : 30 جانفي 1930: "فتحت مدرسة قصر هلال القرآنية أبوابها وأقبل عليها المتعلمون حتى من الجهات القريبة فنجد السيارات تنقل أبناء القصيبة ولمطة وصيادة وبوحجر ذهابا وإيابا صباحا ومساء إلى قصر هلال ...".
جريدة "النهضة": 20 أوت 1930 : رأى الطاهر صفر في إنشاء مدرسة "الهلال" انتشالا من عصور التأخر والانحدار" (الوثيقة 14).
جريدة "النهضة": 27 أوت 1932، تحدثت عن حفل أقيم بالمدرسة يوم 24 جويلية لتقييم النتائج الحاصلة منذ إنشاء المدرسة وعن الحفاوة البالغة (توزيع المرطبات الرفيعة من صنع معمل الحاج علي صوة المؤسس لفائدة المدرسة).
جريدة "لسان الشعب": 10 أوت 1932 و 17 أوت 1932 و31 أوت 1932: مقالات لوصف الحفل الذي أقيم بالمدرسة يوم 24 جويلية 1932: حضر الحفل محمد بن مصطفى المعتمري وعلي بن الحارث من اللجنة المركزية للحزب الحر الدستوري ومديرو مدارس المكنين والقيروان ومساكن. ولم يحضر أحد من إدارة التعليم ولا عامل الجهة ولا الكاهية.
جريدة "الزهرة": 17 أوت 1942: الحاج علي صوة "...أشاد للعلم صرحا شامخا بقصر هلال".
جريدة الزهرة 5 فيفري 1945: نعتت مدرسة "الهلال" بـ "القصر العظيم" وأضافت بأنها "مؤسسة عظيمة صالحة لأن تكون كلية ثانوية أو عليا من أحسن الكليات".
جريدة "النهضة": 20 جوان 1945: شكرا للمدرسة ومعلمها عبد الحميد سليم (أحسن نتيجة بمركز المكنين).
جريدة "تونس": 1 جوان 1949 : الحاج علي صوة... "ابتنى حماما وأنفق عليه ثلاثة ملايين. فلما أنجز وأصبح ذا دخل حبّسه وقفا على المدرسة القرآنية بقصر هلال. وفي المدرسة اليوم 11 قسما. فأذن السيد الحاج علي صوة ببناء 4 أقسام أخرى لتصبح 15 قسما على حسابه. ووافق البناء سطا عمر بوزقندة المنستيري لبناء الأقسام الأربع بمليونين فرنك وخصص مائتي ألف لتأثيثها".
جريدة "النهضة" 8 فيفري 1950: "زرت صحبة نخبة من شباب البلاد التونسية المدرسة الهلالية التي أسسها الرجل العامل الحاج علي صوة فرحب بنا نائب مديرها الأستاذ رحيم بن صالح وقد يرجع إليه الفضل في تكوين الروح الثقافية وتغذية عقول الناشئة بهاته البلاد ووجدت بالمدرسة ما يقرب من 700 تلميذ في أربعة عشر قسما. وقد علمنا أنهم بصدد بناء أربعة أقسام أخرى... .
أما الطرف المقابل – أي سلطة الحماية- فقد بدأت بالامتعاض وانتهت بالعداء السافر. وقد حرر مدير الأمن أربعة تقارير مطولة عن مدرسة "الهلال" مؤرخة في 8 و 12 نوفمبر 1929 و 13 و 18 جانفي 1930 ختمت كلها بخاتم "سري" وكان ذلك بطلب من مدير الداخلية الذي رغب في تكليف عون "ذكي ومتكتم" Intelligent et discret (تقرير 12 نوفمبر 1929) وهي تقارير أجمعت على عناصر نلخصها فيما يلي:
مدرسة الهلال – ونظيرتها بالمكنين- يسيرها دستوريون ينقلون أفكارهم إلى التلاميذ.
قدم محمد بن الحاج علي صوة الترخيص وسانده امحمد شنيق كاهية القسم التونسي بالمجلس الكبير باعتبار أن المدرسة الحكومية "غير كافية".
عارض فرناند ريكار – مدير المدرسة الحكومية – إنشاءها لثلاثة أسباب: 1- التلاميذ المسجلون لديه قليلون 2- لا يمكن أن يكون الإقبال أكبر 3- وجود مشروع لبناء مدرسة حكومية بلمطة وصيادة.
الحاج علي صباغ ونساج (12 فيفري 1929) فلاح ونساج (13 جانفي 1930) أب لأربعة أطفال (هكذا). جمع في بضعة أعوام ثروة تقدر بعشرة ملايين. تمكن من اقتناء هنشير شراحل أواخر 1922 بثمانمائة ألف فرنك من الدكتور شطبون Sitbon من سوسة وباع من أجل ذلك كل أملاكه وهو يرغب في عمل ما يرضي الله.
اقترح عليه محمد بوزويتة إنشاء مدرسة ثانية "تستجيب لحاجيات السكان"
ساهم الطاهر صفر - صديق بوزويتة- الذي كان أدار مدرسة الجمعية الخيرية (العرفانية) بالعاصمة.
البرنامج التربوي ضبطه العربي بن مامي وهو كاتب بإدارة الشؤون العدلية وساهم في إدارة مدرسة "العرفانية".
انتدب الطاهر صفر المعلمين الثلاثة الأوائل: العربي الطبربي (باكالوريا – لتعليم الفرنسية) التهامي البناني وحسن قارة مصلي (تطويع – لتعليم العربية) أعفوا بعد ثلاثة أشهر "لقلة خبرتهم".
منافسة شديدة للمدرسة الحكومية : بين 30 و 50 تلميذا انتقلوا إلى "الهلال".
أصر الحاج علي صوة على القيام بشؤون المدرسة بمفرده
اجتماعات يومية لإطار المدرسة بمنزل محمد بوزويته
سوف تكون المدرسة منبتا pépinière للحركة الوطنية. وجوب مراقبتها حتى لا تصبح بؤرة Foyer للحركة الوطنية.
اعتزام إنشاء مشفى تابع للمدرسة (علاج الأطفال وأدوية مجانا)
مدير المدرسة -محمد صوة- لا ينتسب إلى أي حزب.
وقد تميز تقرير 18 جانفي 1930 بجانب كبير من الأخطاء والأحقاد ويبدو أن مصدره لا يتصف بالذكاء المطلوب : فالمدرسة افتتحت يوم 15 نوفمبر (هكذا) والحاج علي صوة رجل مسن وساذج أثرى بتجارته أثناء الحرب وابنه منخرط بالحزب الدستوري وعضو بالشعبة المحلية وهو الذي أثر في أبيه وجعله يفكر في الموت. حصل على الرخصة بفضل مؤامرات المتفقد التلاتلي. والمعلمون الثلاثة استقالوا والبشير القصاب – معلم الفرنسية الجديد – رجل محكوم عليه بالسجن من أجل الفساد ومحمد بوزويتة – المدعو المعيرش – عدو فرنسا اللدود – يكرهه غير الدستوريين ولو كانت الحكومة أكثر حزما لطردته منذ أمد بعيد (وثيقة 28)، أخطاء وسموم ذكرناها ليعرف القارئ الكريم ما كان يدور في كواليس المدرسة ويدرك حقيقة ما كانت تمثله مدرسة "الهلال" وبالتالي حقيقة ما أنجزه الحاج علي صوة.
وقد استنتج مدير الداخلية من كل تلك التقارير خلاصة رفعها إلى المقيم العام يوم 10 فيفري 1930 (بالخاتم السري) وعبر فيها عن:
1 - خشيته من تفشي الوعي الوطني بين الناشئة
2 - منافسة رآها "غير شريفة" للمدرسة الحكومية
3 – وجوب التعاون بين إدارة التعليم العمومي والداخلية عند إسناد الرخص للعمل على "استبعاد التعليم الحامل لأفكار إصلاحية" .
وبعد التقارير جاءت التضييقات والمضايقات وحتى الملاحقات.
بدأت بمنع انتقال التلاميذ من المدرسة الحكومية إلى مدرسة "الهلال" بدون أن يقع المنع المعاكس بعد أن لوحظ نزوح واضح. فقد أجبر الطاهر بوغزالة - مثلا- على إرجاع أخيه إلى "مكتب الشوك" رغم استناده إلى قصر المسافة بين مسكنه ومدرسة "الهلال" .
التلكؤ في الترخيص بفتح أقسام جديدة. فقد كتبت جريدة الزهوة يوم 7 فيفري 1945 : "نأسف لضيق المدرسة عن إيواء نحو السبعين طالبا لم تأذن الإدارة في فتح قسم لهم والحال أن ذلك القسم تام الموجبات من جميع الجهات. ولو أسرعت بالإذن في فتحه لصارت الأقسام بدل عشر احد عشر". مع العلم أن معدل عدد التلاميذ بالقسم الواحد كان سنة 1937: 61 تلميذا. وهذا وحده يشير إلى مبلغ الإقبال.
ملاحقة المعلمين بتعلات مختلفة: فهذا عبد الحميد بن حمودة سليم (1932-1946) أصيل المكنين "لا يعرف شيئا عن البيداغوجيا" مرة (تقرير 8 نوفمبر 1929) وهو "معروف بعدائه لفرنسا مرة أخرى (تقرير 13 جانفي 1930) .
وهذا محمد علي بن صالح الفريقي – أصيل قصيبة المديوني (1934-1937) "يقوم بالدعاية النشيطة ضد فرنسا ونظام الحماية" وهو مناهض للتجنيس.
وهذا ابراهيم عبد الله يبلغ رئيس قسم الجندرمة بسوسة عن تعيينه معلما بالمدرسة يوم 6 فيفري 1940 واصفا إياه بأنه "دستوري عنيد « Destourien acharné » ويقول "هذه المدرسة هامة جدا فهي تضم كل أطفال قصر هلال عدا بضع عشرات" ويحذر من تأثير ذلك على "الأجيال الجديدة" وتبعا لذلك التقرير أجبر محمد صوة على فصل ابراهيم عبد الله. وقد أضاف الكاتب العام للحكومة يوم 11 مارس 1940 بأن المعني لا يملك الشهادات القانونية التي تمكنه من التدريس .
ولكي ندرك – ولو بعض الإدراك- مبلغ ما عاناه معلمونا بالإضافة إلى المراقبة اللصيقة يجب أن نتذكر أن مدرسة "الهلال" – في عرف القانون – مدرسة حرة وأن معلميها – بالتالي – لم يكونوا يتمتعون بأية عطلة مأجورة مهما كان نوعها وأن مرتب المعلم بالمدرسة الحكومية كان يفوق ضعف ما تلقاه أرفع مرتب بمدرسة "الهلال" (الوثيقة 12).
وقد بلغت المضايقات أقصاها حين اعتقل مدير المدرسة محمد بن علي صوة صحبة حارس المدرسة أحمد بن محمد البهلول يوم 8 مارس 1952 لأن الكلبة البوليسية Bella رأت أنهما من قاطعي أعمدة الهاتف وقد بقي الرجلان رهن الاعتقال لمدة 24 ساعة . وقد أصدر معلمو المدرسة لائحة استنكار جاء فيها "إن مثل هذا الإجراءات التي تعتمد فيها الكلاب لهي أكبر هزء لبني الإنسان" ونحن تشتم من هذا رائحة المعلم رحيم بن صالح.
والحقيقة هي أن رجال التعليم بمدرسة "الهلال" كان لهم دور فاعل في استنهاض الهمم وتحريك السواكن لا بالمدرسة وحدها بل بالقرية ومحيطها. ولعل ذلك يستوجب دراسة كاملة. غير أننا نكتفي هنا بذكر نقاط لها دلالتها:
محمد زخامة الذي باشر التدريس بمدرسة "الهلال" من 1931 إلى 1937 كان من أبرز قادة الحركة الدستورية بالمكنين.
فرج بن سالم جمعة الذي باشر التدريس بها من سنة 1938 إلى 1946 انتقل إلى مسقط رأسه طبلبة ليؤسس بها المدرسة القرآنية "الهداية".
محمد بن محمد البحري الذي باشر التدريس بها (1936-1937) انتقل إلى جمّال ليؤسس بها المدرسة القرآنية "الهداية" ثم إلى مسقط رأسه حمام سوسة ليؤسس بها المدرسة القرآنية "الأخلاق" ومن تلاميذ مدرسته رئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بن علي. وقد أبقى على صلاته بقصر هلال حتى وفاته. وقد حضرنا حفل تكريم له أقيم بحمام سوسة بمناسبة توسيمه أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
مشهد للحاضرين في محاضرة ألقيناها في أول جوان 1990 بمدرسة "الهلال" ويرى الشيخ البحري إلى يسار الصف الأمامي بطربوشه وجبته المألوفتين كما يرى الحاج صالح صوة إلى اليمين.
رحيم بن صالح بن بوذينة الجبالي الذي قضى بالمدرسة 22 عاما (من 1934 إلى 1956) كان أحد دعائم التطور الثقافي في البلد وما جاورها. وقد اعترفت جريدة النهضة يوم 8 فيفري 1950 بفضله في "تكوين الروح الثقافية وتغذية عقول الناشئة بهاته البلاد" وقد كان له دور ثقافي بارز في المنطقة بأسرها. ولم يتناقص إشعاعه إلا بعد انتقاله إلى العاصمة سنة 1956.
كان رحيم بن صالح – كما يسمي نفسه – نظاما ماهرا (إن لم يكن شاعرا) فقد عرف بقصيد ضمنه كل الكلمات التي بها "ظاء". وقد ذاق الكثيرون مرارة العصا في سبيل حفظها وقد جاء فيها :
لا تظلمن وحافظ وانتظم أبـــدا وظن خيرا وحاذر غيظ من حقـدا
إليك نظما به الظاءات قد جمعـت ما شذ في اللفظ وما فيه قد عهـدا
العظم والظهر والتنظيف مع ظمـإ ظلف ولحظ وحظ الظبي ظل سدى
غيظ شواظ لظى والفظ في شظـف كظم غليظ وظل باهظ مــــددا
ويقظة ثم ظلع نظرة حظـــرت ظرف وظيف ووعظ فيه معتمـدا
وحنظل ثم عظب ظفر منتصــر حد القريظ ولا تحظل إذا وجــدا
كظ فظيع وظئر الظعن حاظيــة وجاحظ في عكاظ والتعاظــل دا
فهذه جملة المشهــود من كـتب واظب على الدرس تكن من السعدا
وقد قرأنا "للشيخ رحيم" – كما كان يسميه الهلاليون – قصيدا طريفا تضمن استقالة من نقابة ذات اتجاه شيوعي حين أبدت مناهضة للحركة الوطنية في مقال نشره بجريدة "الصباح" ليوم 13 ماي 1946 تحت عنوان "استغفر الله" وجاء فيه: "إني الممضي أسفله أعلن عن انسحابي من نقابة المدارس القرآنية ما دامت متمسكة بأذيال جامعة CGT التي أصبحت تضرب الأمة التونسية في الصميم خصوصا موقفها الأخير نحو القادة الأبرار:
يا رب عز بلادي هو أمنيتــي فأقبل رجائي وكفر عني سيئتــــي
قد اندمجت زمانا ضمن جامعة تسير عكس مرادي اسمهــا س.ج.ت
لا در در أمرئ يرضى بمهزلة وإن يعاتب أجاب القصد مصلحـتـي
إني انسحبت بتاتا من نقابتنــا إن هي قد بقيت في حضرة الس.ج.ت
استغفر الله للأخوان كلهــــم ما دام قائدهم هو نافــع الس.ج.ت
ولعلها أول مرة تقدم فيها الاستقالة شعرا
صورة أمدنا بها بوبكر بن أحمد الممي. ولم نتمكن من الحصول على صورة أوضح رغم مساعينا لدى إبنيه توفيق الجبالي وياسين بوذينة (للتاريخ والاعتبار)
أما فرحات بن محمد صالح (1930-1931) فهو شاعر ملتزم وجدنا له قصيدا نشره بجريدة "الزمان" يوم 17 نوفمبر 1930 وهو معلم بمدرسة "الهلال" تحت عنوان "فتاة تونس" جاء فيه:
يا قوم هبوا علمــوا فتيـــاتكم ودعوا التصامم فهو صعب المصرع
أو نرضى أن تبقى النساء جواهلا ونروم عزا للبـــلاد وندعـــي
كلا فتونس لا نهوض لهـــا إذا بقـي النســاء بجهلهن الأشنـــع
وأما الهادي بن علي الشاوش (1924-1995) فقد غادر الهلال ليدخل المحتشدات لنشاطه السياسي ثم يرأس الجمعية الخيرية الإسلامية بقصر هلال ويؤسس المدرسة القرآنية الثانية للذكور "المأوى الخيري" سنة 1952.
الهادي بن علي الشاوش صحبة تلاميذه في شهر مارس 1948 ويرى كاتب هذا متربعا إلى يمين الصف الأمامي من الصورة.
ولكي ندرك الجو الثقافي الذي كان يتنفس فيه تلاميذ مدرسة "الهلال" يحسن أن نتوقف برهة عند فعاليات احتفال نظمته المدرسة يوم 24 جويلية 1932 لتقييم مسيرتها : فقد بدأ الحفل بتلاوة سورة الفتح من طرف التلاميذ وبعد إجراء اختبارات دامت ثلاث ساعات ألقى التلميذ أحمد قعليش (الحبشي) قصيدا من محفوظاته وخطابا من إنشائه. ثم تحدث المعلم البشير بن محمد زنيتة (1930-1934) عن أسباب الانحطاط التونسي كما تحدث المعلم محمد الصادق الميلادي وهو معلم من صفاقس عن الاعتماد على النفس. وليس عجبا أن تمتنع إدارة التعليم العمومي أو السلطة الجهوية والمحلية عن الحضور .
صورة نرجح أنها التقطت يوم 24 جويلية 1932 ويرى الحاج علي صوة رفقة ابنه محمد مدير المدرسة
ولكي ندرك التأثير الذي كان لذلك الحضور الثقافي والإصلاحي وجب أن نحضر حفل زفاف الأخوين محمد وعبد الله ابني الحاج علي صوة يوم 26 أكتوبر 1930. فهي الأعلام ترفع وهي الأناشيد الوطنية يلقيها التلاميذ أمام بيتي العريسين ثم هو ثمن من القرآن يتلونه ويكفي أن تنقل الصحف صورة عن ذلك الحفل لندرك أنه تحول إلى عرس وطني .
وقد حاول وفد هلالي إقامة حفل زفاف مماثل بطبلبة فطردهم شيخ القرية وانتقلت "عدوى" ذلك الزفاف إلى فرج بن محمد القابسي يوم 16 جوان 1933 وأحمد بن حسن جمور يوم 20 أكتوبر 1933 الذي تحول إلى عكاظية للشعر الوطني .
وقد كان مدير الإدارة العامة على حق حين أبلغ يوم 25 فيفري 1940 عما دعاه بـ"الدعاية السياسية" التي تقوم بها مدرسة "الهلال" .
وحتى تلاميذ مدرسة "الهلال" لم يسلموا من سهام السلطة. وقد تذمر ضابط الشرطة بالمنستير يوم 16 أكتوبر 1934 –أي بعد حوادث سبتمبر بشهر ونصف – من تلاميذ المدرسة الذين اعترضوه وهو مصحوب بعون يحمل الزي الرسمي فصاحوا في وجهه "تحيا تونس" وطالب بإجراء بحث عمن يقف وراءهم .
وحتى قدماء مدرسة "الهلال" لم يسلموا من مظاهر المضايقة. فقد تذمر الناصر (الصادق) بن علي الشايب – الكاتب العام "لجمعية قدماء المدرسة بقصر هلال" من عدم الحصول على إجابة بعد تقديم القانون الأساسي يوم 17 أكتوبر 1937 والناصر الشايب هو أول تلميذ أنهى تعليمه العالي من مدرسة الهلال .
ولم يكتب لتلك الجمعية أن ترى النور إلا أوائل شهر أفريل 1946 أي بعد زهاء العام وأنشأت مكتبة "فتى الهلال" التي كان الإقبال عليها كبيرا. وأشرفت علي تسييرها الهيئة التالية .
المدير : حسن قاسم
الكاتب العام : الطاهر الصانع
مساعده : محمد الدوس
الحافظ : البشير سعيدان
كاهيته : الصادق القنجي
نائب القدماء : عبد السلام خليفة
بمساعدة المعلمين: رحيم بن صالح ويوسف بايع راسه
وقد كتبت جريدة النهضة عن تلك الجمعية يوم 8 فيفري 1950 وعبر مراسلها عن أسفه لما أصاب أفرادها من خمول وكسل" .
لقد أحسّ السكان بضرورة مساندة مدرستهم فحرروا يوم 21 ديسمبر 1930 عريضة يطلبون فيها الترخيص بتكوين لجنة "تتولى قبض التبرعات وإدارتها في صالح المدرسة" وهي عريضة أمضى بها 32 شخصا ووقع السكوت عنها .
وأصابت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد التونسية سنتي 1931 و 1932 الحاج علي صوة فكتب محمد صوة – مدير المدرسة- إلى الوزير الأكبر يوم 20 فيفري 1932 ملاحظا أن المدرسة لا تتمتع بالإعانة الحكومية التي تتمتع بها بقية المدارس القرآنية وأن الأزمة الاقتصادية تدعوه إلى طلبها وقد ساندت جريدة صوت التونسي La voix du Tunisien يوم 15 مارس 1932 ذلك الطلب مؤكدة أن المدرسة لا تتلقى أية مساعدة.
وبعد أن أمضى الحاج علي صوة عقد تحبيس المدرسة يوم 2 جويلية 1932 طلب منه أن يدفع معاليم التسجيل. وقد تجرأ عامل المنستير الهاشمي بن خليفة بشجاعة نادرة على أن يطلب من مدير المالية يوم 15 أوت 1934 إعفاء المدرسة من تلك المعاليم الموظفة على عقد التحبيس واعتبر ذلك الإعفاء – عن حق – عملا سياسيا من شأنه أن يرضي السكان ويرد الغاضبين . وقد رد مدير المالية – لغباوته- بأن ذلك الإعفاء غير ممكن وأن الإجابة نفسها وجهت إلى امحمد شنيق الذي تدخل للغرض نفسه .
دفعت تلك التضييقات بمراسل جريدة النهضة إلى أن يكتب يومي 24 جانفي و 9 فيفري 1937 تحت عنوان "ما هو مستقبل "الهلال" وخريجيها بقصر هلال ؟": ... الحكومة تفضل إعانة"جامع اليهود ومساعدة دير الرهبان على إعانة المشاريع القومية" داعيا إلى المساندة المادية لجهود الحاج علي صوة. وسوف نرى أن الحاج علي صوة قد استجاب لذلك الطلب على صعيد المدرسة ثم على صعيد خريجيها. فقد بنى بجوار المدرسة سنة 1948 حماما ثم حبسه عليها ليضمن لها الموارد الضرورية ثم أنشأ بالعاصمة مبينا للطلبة.
وردا على مزاعم الحكومة بأن المدارس القرآنية تتلقى منحة مالية. كتب الجيلاني حمزة – مدير المدرسة القرآنية بالمهدية- بجريدة النهضة يوم 9 مارس 1938 : ... "هناك مدرسة قصر هلال..." باعتبارها مثالا حيا للمدارس التي لا تتلقى مساعدة من الدولة. وقد لاحظنا تعاونا بين المدرستين القرآنيتين بقصر هلال والمهدية بلغ حد الانتداب المشترك عن طريق الصحافة .
أصاب الجفاف الحاج علي صوة فيمن أصاب من الفلاحين ودام طيلة سنوات 1946 و 1947 و 1948 فعجز عن دفع ربع مرتبات المعلمين بمدرسة "الهلال". وهي التكملة التي كان عليه دفعها حسب التراتيب الجديدة. وقد كتب المعلمون وعددهم اثنا عشر عريضة يشكون فيها أمرهم إلى إدارة
التعليم العمومي التي ردت في شماتة واضحة بان الأمر لا يهمها، فالرجل عاش ضائقة مالية خانقة – وخاصة بعد اقتنائه لهنشير البزازية خلال سنتي 1944 و1945 – جعلته ينوء تحت أعباء قد تعجز عنها حكومات.
هذه المضايقات والتضييقات قابلتها إجراءات حاتمية إزاء المدرسة الحكومية. وقد تظاهر الكاتب العام للحكومة بالعطف والإعجاب إزاء مدرسة "الهلال" يوم زارها أواخر شهر نوفمبر 1939 وتلا عليه أحد التلاميذ كلمة ترحيب وتساءل متخابثا: هل من الضروري أن نعطي شيئا للتذكير بزيارتي؟" . وقاد أجابه مركز الاستعلامات بالقيروان يوم 29 نوفمبر 1939 بأنه يجب تدعيم المدرسة الحكومية وان إنشاء مطعم مدرسي بها قد تكون له نتائج طيبة "وقد ساند الكاتب العام للحكومة وأبلغ الاقتراح إلى مدير التعليم العمومي معتبرا ذلك "دعاية عن طريق البطن" .
وقد كتبت جريدة الزهرة يوم أول ديسمبر 1939 معلقة على تلك الزيارة: "خطب صبي من نجباء تلامذة المدرسة القرآنية بقصر هلال خطايا بديعا تأثر له جناب الوزير المفوض أشد التأثر". وليت كاتب التعليق كان يعرف حقيقة ذلك الإعجاب وتداعياته.
ورغم كل تلك المضايقات والتضييقات فقد تذمر مدير الداخلية يوم 10 فيفري 1930 من أن مدرسة "الهلال" تقوم بمنافسة "غير شريفة" .
وخلاصة القول فإن الأوساط التونسية اعتبرت مدرسة "الهلال" مدرسة "تعلم القراءة والكتابة والحساب" واعتبرتها السلطة عدوا. وموقف السلطة –في نظرنا- هو الصحيح.
ولم يربط أي تونسي بين نشأة المدرسة سنة 1929 من جهة وانعقاد مؤتمر "البعث" بقصر هلال يوم 2 مارس 1934 من جهة أخرى إلا الفرنسي فرناند ريكار مدير المدرسة الحكومية (الوثيقة 6) وسانده رئيسه – متفقد اللغة الفرنسية- الذي أعلن أن مدرسة "الهلال" خطر على الحضور الفرنسي بالإيالة. وقد أثبتت الأيام رأيهما وراح بعضهم ينوه "بالرجل الصالح" – الحاج علي صوة – جاهلين أو متجاهلين ما كان يجري وراء ستار الواجهة المدرسية من صراع من أجل الوجود القومي، لذلك أيقنا أن الاتصال الشخصي قد يعمي البصيرة فتحول "المعرفة" السطحية دون العرفان.
المدرسة ومديرها محمد صوة في أوج الكهولة. نلاحظ ولع الحاج علي صوة ببناء الطراز الأغلبي (أقواس وأعمدة) في المدرسة ومبيت العاصمة والمستشفى ومنزله: قيل لنا في القيروان أنه ربط علاقة بنظيره الصغير نقرة وأنه زار مدرسة الفتح التي أنشأها بالقيروان كما زار المدرسة الصادقية بالعاصمة.
منزل الحاج علي صوة
ذلك كان إشعاع مدرسة "الهلال" على محيطها. وإذا رحنا اليوم نتحدث عن "تفتح المدرسة على المحيط" حديثا فيه الكثير من الالتباس فقد كانت مدرسة "الهلال" تغزو محيطها مؤمنة برسالتها راسخة الخطى.
أما عن المدرسة فقد أحيلت يوم 23 نوفمبر 1960 على وزارة التربية القومية (كتابة الدولة سابقا) بعد صدور قانون 2 مارس 1956 القاضي بضم الأحباس العامة إلى أملاك الدولة.
وإذا كانت تلك الإحالة أمرا طبيعيا فإن إحالة الحمام المحبس عليها على البلدية لا يخلو من الغموض، نعم إنه ملك عمومي. لكن ما علاقة البلدية بالموضوع ؟ هل زودت المدرسة بما يقابل ذلك ؟ هل بنت لمدير المدرسة مسكنا مثلا ؟ هل هو "رزق بلاش أمالي" ؟ أم أنه كتب للحاج علي صوة أن يعطي وللآخرين أن يأخذوا ؟ وحتى أرشيف المدرسة الذي يضم كميّة لا بأس بها من الوثائق لا يتضمن نسخة من عقد تحبيس الحمام ولم نتمكن من نشره.
نكتب هذا مع الاعتذار للقارئ الكريم لأن التاريخ – كما قال ابن خلدون- عبر
تصويبات
جاء في كتيب نشره فوج الكشافة التونسية بقصر هلال بمناسبة المخيم العربي الرابع في أوت 1960 مقال تحت عنوان "قصر هلال والتعليم" جاء فيه : كانت قصر هلال منذ عهد ليس بالبعيد تتخبط في جهل كبير إذ المتعلمون في القرية حوالي سنة 1920 كانوا يعدون على الأصابع إذا لم نقل منعدمين تماما ... لكن أراد الله خيرا بهذه البلدة فمن عليها برجل الفضل المرحوم الحاج علي صوة الذي أشرق نور العلم على يديه في وجه أبناء البلدة بتأسيس مدرسة قرآنية عصرية للذكور سنة 1928 تحتوي على أكثر من 15 قسما وازدادت الحال تحسنا حين استجاب المستعمر لمطالب القرية وأسس بها مدرسة ثانية عربية فرنسية...".
وهو كلام مردود جملة وتفصيلا
- مدرسة "الهلال" فتحت أبوابها يوم 2 نوفمبر 1929 ولا سنة 1928. وهو الخطأ الذي وقع فيه الدكتور أحمد بن بكير محمود .
- لم تضم عن افتتاحها "أكثر من 15 قسما" ولا على ستة أقسام – كما جاء في مقال محمد الصالح المهيدي بل على خمسة أقسام.
- لم تكن مدرسة "الهلال" الأولى بقصر هلال. فقد سبقتها المدرسة الفرنكوعربية – ولا عربية فرنسية – منذ سنة 1909.
- لم يكن فتح المدرسة الحكومية استجابة لمطالب السكان بقدر ما كان محاولة للسيطرة على النشاط الصناعي الذي كان يميز قصر هلال باستقلالية واضحة. ومتى كان المستعمر يصغي إلى مطالب السكان ؟ إنه مدح لا يستحقه !
لو اطلع كاتب المقال على الحركة الإصلاحية بقصر هلال في العشرينات من القرن الماضي لما زعم بأن قصر هلال كانت – آنذاك- "تتخبط في جهل كبير" وقد كان بالمدرسة الحكومية سنة 1920 بالضبط 141 تلميذا. يقيننا أن كاتب ذلك المقال هو الذي يتخبط فيه.
وقد رأى الدكتور احمد محمود أن تطوير صناعة النسيج كان بوازع تلقائي من سكان قصر هلال ونحن نرى من باب الدرس الموضوعي – أن ذلك غير صحيح. فقد كان للمدرسة الحكومية عمل رائد فهي التي أدخلت نول جاكار Jacquard وهو نول معدل يقع بين النول التقليدي والنول الميكانيكي. وقد ضمت المدرسة سنة 1914 أربعة أنوال : ثلاثة من مدينة Lyon لنسج الحرير Shappe وواحد من مدينة Orléans لنسيج القطن في حين كان عدد الأقسام العادية اثنين فقط.
كتب محمد الصالح المهيدي: "لم يمانع مدير المدرسة الابتدائية الفرنسية بقصر هلال من فتح مدرسة قرآنية بالمكان" وذلك غير صحيح. فقد كان منذ البداية وحتى بعد ذلك بأعوام من ألدّ أعدائها.
المدرسة كما ترى اليوم
المدرسة الهلالية بالعاصمة
كتب احمد بن الحاج علي صوة في مذكراته: "لما عزمت أنا وأخي صالح على الالتحاق بالتعليم الزيتوني اضطررنا إلى السكن مؤقتا في نزل متواضع بنهج القصبة مع علي بن محمد عياد والهادي بن علي الشاوش في غرفة واحدة إلى أن نجحت الوساطات في تمكيننا من السكنى في إحدى الغرف بالمدرسة اليوسفية بنهج الصباغين وطردنا من المدرسة في نهاية السنة الدراسية. ثم انتقلنا إلى المدرسة الصالحية بنهج سيدي بن عروس وكنا ثلاثة أنا وأخي وعلي عياد ثم التحق بنا عبد العزيز بن محمد حشانة فأصبحنا أربعة نعيش في ثمانية أمتار مربعة نستعملها للنوم والمراجعة والطبخ والخزين".
هذه صورة لما كان يجتازه الطالب من اختبارات تسبق الاختبارات الدراسية بل هي صورة عن رحلة العذاب التي كان على طالب العلم أن يقطع مراحلها. بل هي صورة عن مشاق لا تبتعد عن المستحيل إلا قليلا.
وهي التي دفعت مراسل جريدة "النهضة" أن يتساءل يومي 24 جانفي و9 فيفري 1937 في حيرة صارخة ما هو مستقبل "الهلال" وخريجيها بقصر هلال ؟ " وإذا رأينا كيف جاءت الإجابة عن السؤال المتعلق بالمدرسة من طرف مؤسسها إذ حبس عليها حماما ليضمن لها موردا فقد جاءت الإجابة عن السؤال المتعلق بالخريجين من المؤسس نفسه.
قال أحمد صوة: "فأدرك الوالد آنذاك أهمية السكن بالنسبة إلى الراغبين في مواصلة الدراسة وأحس بقساوة العقبات التي تعترض الكثيرين من خريجي المدرسة القرآنية ففكر في إنشاء مدرسة للمبيت تخصص مبدئيا لأبناء قصر هلال ثم تتسع لغيرهم من الراغبين لا فرق في ذلك بين زيتوني أو مدرسي".
ولقد تتبعنا مسيرة المشروع منذ طلب الحاج علي صوة من الوزارة الكبرى سنة 1938 – أي بعد عام من صدور المقال – تمكينه من أرض صالحة لبناء المبيت بالعاصمة. وأحال الوزير الأكبر الهادي الأخوة الطلب مع المساندة على جمعية الأوقاف يوم 11 جانفي 1939. وقد كان رد رئيس جمعية الأوقاف محمد الحبيب الجلولي – ولا محمد سعد الله كما قال أحمد صوة – يوم 10 ماي 1939 قائلا: "لا يوجد براح بالحاضرة يصلح أن تبنى به المدرسة سوى البراح الذي بصحن جامع الهواء. وهو الذي كان وقع العزم على إحداث مدرسة به من فواضل الزاوية العياشية (بطبلبة) منذ جانفي 1927 ولم يتم من ذلك إلا بناء الأسس وتوقفت الأعمال إلى الآن. ولما نظر مجلس الجمعية فيما ذكر قرر الموافقة على بناء المدرسة بذلك البراح" .
وبدأت الأشغال
غير أنه تبين للحاج على صوة الذي لم تكن ترضيه أنصاف الحلول أن مساحة الأرض غير كافية فسعى لدى الوزارة الكبرى – مجددا – كي تمكنه من التضحية بخمسة عشر من زياتينه بقصر هلال مقابل دكان موقوف على جامع الهواء قصد توسيع المكان المخصص للمبيت. وأذن الوزير الأكبر – باسم الباي- بإجراء المعاوضة يوم 21 ديسمبر 1941 .
وانتهت الأشغال في شهر أوت 1942 فكتبت جريدة الزهرة يوم 17 أوت 1942 تحت عنوان "المدرسة الهلالية بالعاصمة": "من هو الذي يجهل ذلك الرجل الخيري العظيم السيد الحاج علي صوة الذي صدق فيما عاهد الله عليه؟ فبالأمس أشاد صرحا شامخا بقصر هلال واليوم أقام لطلاب العرفان أرقى مدرسة على أحدث طراز وأبدع هيئة بالمركاض بتونس. وقد تسلم صديقنا الأستاذ محمد صوة مفاتيح المدرسة بعد إتمامها ليقع توزيع بيوتها على طلبة العلم المتعطش. فلتحي هذه الروح الكريمة الفياضة بكل خير".
وصفها أحمد صوة – وهو أول ناظر لها – فقال: تحتوي على طابقين يشتملان على 43 غرفة تتسع الواحدة لثلاثة سكان وجناح خاص بالأدواش ومصاطب للطبخ والمراحيض ... كان البناء جميلا فرشت ساحته بالرخام الأبيض وكذلك درجه ...".
وما أن انتهت الأشغال وعند إدخال النور الكهربائي تعرضت العاصمة إلى القصف الجوي وفضل الطلبة العودة إلى ديارهم.
وافتتحت المدرسة الهلالية يوم 5 نوفمبر 1942.
وعند بداية سنة 1943 طلب شيخ المدينة تسخير المدرسة للحفاظ على رفات ضحايا القصف فلبى الحاج علي الطلب.
لكنه فوجئ باحتلال المدرسة من طرف طبيب الأسنان الشاذلي زويتن الذي "سمح لنفسه بخلع باب المدرسة واحتلال غرفها التي شغلها باعتباره رئيسا للهلال الأحمر" وطالبه الحاج علي صوة بإخلاء المدرسة بدون جدوى. وقد أجاب بأن المحلات مخصصة للإغاثة بينما هو يخصص قاعتين منها لجمعية الترجي الرياضي التي يتولى رئاستها وأن القاعات الأخرى يشغلها أناس قدموا من داخل البلاد".
وقد اضطر الحاج علي صوة إلى تقديم شكوى يوم 21 مارس 1944 – أي بعد عام كامل – إلى كل من الباي والوزير الأكبر والمقيم العام الفرنسي الجنرال ماست (الوثيقة 7).
وقد علقت جريدة الزهرة يوم 27 أفريل 1944 على ذلك الوضع تحت عنوان "مدرسة سكنى الطلبة بالمركاض تعبث بها الأيدي". وتحدثت عن استيلاء "بعض الهيئات" على المدرسة باسم "الإسعاف" وعن حالة الطلبة الذين وقع اغتصابها منهم "حتى أن هناك بيتا من أحسن بيوت المدرسة قد أخذت كمكتب خاص لأحد مسيري تلك المنظمات المنحلة اليوم وهي المدرسة التي شادها المحسن البار الشيخ علي صوة".
وما دامت خالية من الطلبة فقد استخدمت يوم 9 نوفمبر 1944 لإقامة الدستوريين القادمين من الساحل للمشاركة في أربعينية عبد العزيز الثعالبي .
وحين صدر الأمر بإخلائها من اللاجئين وتسخير إحدى الثكنات لإسكانهم استوجبت حالتها إصلاحات دعت ناظرها أحمد صوة إلى أن يطلب يوم 2 نوفمبر 1945 ترخيصا في اقتناء كمية من البلور والدهن – لأنها من المواد المقسطة – لإصلاح ما لحق المدرسة من أضرار .
وكتب أحمد صوة عن تلك الفترة : "كلما خلت غرفة من اللاجئين سكنها الطلبة حتى بلغ عددهم 128 نصفهم تقريبا من قصر هلال والقرى المجاورة و 9 من الجزائر والبقية من سائر البلاد. من ذلك أن قلعة الأندلس التي لم يكن يوجد منها طالب واحد يواصل دراسته الثانوية مكنت المدرسة 13 طالبا منها دفعة واحدة من السكن ومواصلة الدراسة".
أوقف الحاج علي صوة ذلك المبيت على جامع الزيتونة ثم فعل ما فعله إزاء مدرسة "الهلال" فضمن له موردا وحبس علي المبيت نزلا بالعاصمة كتبت عنه جريدة "تونس" يوم أول جوان 1949 : "الأوتيل في نهج بن عياد من العاصمة التونسية يقدر ثمنه بأربعة ملايين تبرع به مالكه السيد الحاج علي صوة لسكنى الطلبة وسلمه لمشيخة الجامع الأعظم...".
وقد أجاب أحد القراء عن ذلك بالجريدة نفسها يوم 15 جوان 1949: "الحاج علي صوة الذي كتبتم عن مبراته في العدد الماضي هو صاحب مبرة المدرسة المعروفة باسمه في الربض الأعلى من العاصمة التونسية والتي يسكنها اليوم 150 طالبا نصفهم من إخواتنا الجزائريين. وهي أحدث مدرسة عصرية يجد فيها الطلبة المرافق العصرية والتنوير الكهربائي والمياه الجارية والنظافة".
ولقد قدر لكاتب هذا العمل أن يقضي بذلك المبيت أسبوعين من شهر أكتوبر 1950 في انتظار أن يمكنه مدير المدرسة العلوية – وهو فرنسي- من دخول مبيتها بعد أن أهداه والدي "بيدون زيت".
تولى الإشراف على "المدرسة الهلالية" تباعا
أحمد بن الحاج علي صوة (1942-1946)
عبد العزيز بن محمد حشانة (1946-1951)
أحمد بن بكير محمود (1951- 1952)
خليفة بن أحمد صوة (1952 – 1955)
حمادي بن حسين بوزويته (1955- 1956)
امحمد يدعى الهاشمي بن محمد كشيدة (1956-1958)
المنجي بن محمد كشيدة (1958 – 1960)
وقد كان قبول المطالب منظما يتطلب الأوراق التالية: بطاقة مدرسية–العنوان- شهادة فقر – شهادة في حسن السيرة .
ويوم 12 نوفمبر 1954 جرى بها إحياء الذكرى الأولى لوفاة مؤسسها الحاج علي صوة بإشراف جمعية الشباب الأدبي الهلالي"(الوثيقة 24).
وختم أحمد صوة شهادته فكتب: "... واستمرت هذه المدرسة في أداء مهمتها إلى سنة 1961 حيث وقع الأمر بهدمها مع منزل الدكتور الماطري بدعوى توسيع الساحة وإبراز المنزل الذي كان يسكنه الزعيم الحبيب بورقيبة (ساحة معقل الزعيم حاليا).
وقد يكون السبب الحقيقي تهديم منزل الدكتور محمود الماطري المجاور للمدرسة.
المستشفى
مسيرة الحاج علي صوة مسيرة ناصعة لست تجد فيها مأخذا مهما كان اتجاهك الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني لأنها أخذت دعائمها من ثوابت الإنسانية وهمومها. وهي هموم عاشها في نفسه وفي ذريته وفي مجتمعه : عاش الأمية الحرفية وقيودها وعاش الفقر وخصاصته وعاش فتك الأمراض بالناس.
الحاج علي صوة كان عين قصر هلال المبصرة وكان أذن قصر هلال الصاغية وكان عزيمة قصر هلال الفاعلة.
أما الأسباب التي وقع عليها بصره فآلمته أو بلغت مسمعه فأزعجته فهي قسمان: عامة وخاصة.
فأما الأسباب العامة فتتمثل في الأمية التي جعلت الناس لا يجدون "من يقرأ لهم رسائلهم والحالة الصحية المتردية بقصر هلال وما جاورها فهي الكوليرا والتيفوس والجدري والحصبة والتيفويد وحمى المستنقعات تحصد الآلاف.
وهي الحوادث التي لا تجد الإسعاف
وهي الكلاب المسعورة تعيث في الناس نهشا
وهو الرمد الذي يجعل نصف المجندين يعفون من الجندية
وهي العقرب تسود القرية كلما جن الليل صيفا.
وأما السل فقد كان يفتك بأوساط النساجين وعائلاتهم فتكا. ولعل بعض شيوخنا يتذكرون الطبيب الشاب حامد القروي وهو يحارب السل بمستوصف دار النزالة بقصر هلال طيلة شهري جويلية وأوت سنة 1957.
وقد تراوحت ردود فعل السكان إزاء تلك الحالة المتردية بين الاحتجاج طورا والاستسلام للمتاجرين والمشعوذين في أغلب الأحيان.
فقد حرروا يوم 11 نوفمبر 1921 عريضة بها 126 إمضاء موجهة إلى المقيم العام للمطالبة بتعيين طبيب قار عوضا عن الاقتصار على يوم الأربعاء وتساءلوا بسخرية مرة: هل يجب على المعوزين أن يمرضوا يوم الأربعاء فقط ؟ .
وقد وجب انتظار سنة 1927 لنرى نشأة أول مستوصف بقصر هلال بمقر دار النزالة سابقا قبل أن تستغله اللجنة الثقافية فالكشافة التونسية ثم الشعبة الدستورية لوسط المدينة وبقي المستوصف بدون طبيب حتى بدأت طبيبة الاستعمار بالمنستير يوم 30 أفريل 1932 زياراتها صباح كل يوم أربعاء. وقد جاء في البلاغ أن "سي عبد السلام كشيدة - ممرض المستوصف- يضع نفسه تحت تصرف سكان قصر هلال وأحوزها لختان الأطفال مجانا" . وقد كان ذلك بعد أن أدى الدكتور Mazeres – مدير الصحة العمومية- زيارة إلى قصر هلال أواخر جانفي 1932 لمعاينة الوضع بشأن الرمد والتهاب العيون .
هذا المحل بناه حسين المكسي حين كان خليفة قصر هلال من سنة 1893 إلى 1897 ثم استقر به أول مستوصف بقصر هلال من سنة 1927 وفيه حارب الدكتور حامد القروي داء السل سنة 1957.
لكن الوضع الصحي بقصر هلال لم يتحرك في طريق التحسن الجدي إلا بتدخل من بلدية قصر هلال في 25 سبتمبر 1950 لدى وزارة الصحة العمومية (الحكومة التفاوضية) التي وافقت على تعيين الدكتور عبد الله القاضي طبيبا بلديا بعد نقلته من رادس .
فالوضع الصحي – كما رأينا- شديد التردي لا يمكن لرجل كالحاج علي صوة أن يغض عنه الطرف. وتزداد فظاعة الوضع إذا ركزنا النظر على نسبة الوفيات بين الأطفال.
وإذا كنا لا نملك عن تلك النسبة أرقاما موثوقا بها فإن درسنا للأشجار العائلية مكننا من العثور على عائلات اندثرت بكاملها بفعل وفيات الأطفال في مرحلة التوليد أو بعد ذلك. وما المثل القائل "ما يعمر حضن إلا ما تعمر الجبانة "إلا شاهد على ذلك. وما كانت كثرة الإنجاب إلا ردا على ذلك الوضع. إذا ذهبوا اليوم في تعليل الانحسار الديمغرافي مذاهب شتى قلنا إن السبب الأساسي – في نظرنا- هو انحسار الوفيات بين الأطفال والأمهات.
أما الحاج علي صوة فقد أنجب أبناء كثيرين توفاهم الله صغارا. منهم أربعة دعاهم تباعا باسم أحمد (1910 و 1914 و 1928 و 1931) وهم مسجلون بدفاتر الحالة المدنية. وخامسهم هو الفقيد أحمد الذي استصدر حكما يقضي بولادته سنة 1924. كما رزق الحاج علي توأمين سنة 1915 وصالح سنة 1920 وهو سمي ابنه الموجود والذي استصدر بدوره حكما يقضي بولادته سنة 1923.
مع العلم أن صالحا ثالثا ورد تسجيله بدفاتر الحالة المدنية سنة 1926. وأنجب من زوجته الثالثة حفصية بنت محمد كشيدة. بالإضافة إلى أحمدين من الخمسة كما أنجب ابنا سنة 1912 دعاه خليفة – ولعله تفاؤل بأن يخلف ابنه أحمد الأول (1910). وتوفي الطفل خليفة وعمره عامان- وما حفيده خليفة بن امحمد إلا ثاني الخليفتين.
سبعة أولاد فقدهم صغارا وقد يكون هنالك آخرون !
وأما صديقه محمد بوزويتة فقد رزق ستة أبناء : صالح (1915) وعثمان (1917) والصادق (1922) والطاهر (1923) وحسن (1923) ولم تكتب الحياة إلا لعمر الذي ولد سنة 1914.
ولقد كانت تلك المآسي كافية لتغرس في نفس الحاج علي صوة ورفيقه بذرة المساعدة الإنسانية في الميدان الصحي. ولقد جاء في تقرير من مدير الأمن إلى مدير الداخلية مؤرخ في 12 نوفمبر 1929 – أي بعد أحد عشر يوما من افتتاح مدرسة "الهلال" واعتبر "سريا جدا" ما يلي: "أضيف – وهذا ذو دلالة – أن نفس الأشخاص وخاصة الحاج علي صوة ومحمد بوزويتة – يعتزمون إحداث فرع للمدرسة كمشفى ومستوصف infirmerie dispensaire يجد فيه الأطفال المسلمون بالمنطقة سواء كانوا تلاميذ المدرسة أو لا العلاج الطبي والدواء مجانا .
نضيف إلى كل تلك الدوافع العامة والخاصة تعرض ابنه البكر امحمد إلى حادث أودى بحياته بمعصرة الزيتون بهنشير شراحل سنة 1938. ولاشك أنه كان لذلك الحادث وفقدان الإسعاف من التأثير على الحاج علي ما حرك رغبة الإسعاف لديه.
حتى إذا كانت الحرب العالمية الثانية وانتقل مستشفى سوسة إلى قصر هلال. وأتخذت مدرسة "الهلال" مقرا له بداية من يوم 14 جانفي 1943 واحتضنت قصر هلال آنذاك بعض العائلات اللاجئة ثبت منه العزم واتخذ القرار.
وإذا اعتبر أحمد صوة في مذكراته أن أحداث الحرب العالمية هي التي أوحت إلى والده بانجاز المستشفى فقال: "من هناك نشأت في ذهن الوالد فكرة بناء مستشفى يغطي حاجة قصر هلال وجاراتها" رددنا بأن تلك الأحداث وما شاهده خلالها قد تكون القطرة التي أفاضت الكأس والشجرة الأمامية من الغابة. وقد رأينا ما يثبت أن الحاج علي صوة كان يفكر منذ سنة 1929 في إنشاء مستشفى للأطفال قبل أن ينمو المشروع ويتحول إلى مستشفى لكل الأعمار.
وقد صدر بجريدة "الزهرة" يوم 13 جانفي 1951 مقال تحدث عن حاجة قصر هلال إلى الماء والمستشفى وأضاف "وعد المحسن الكبير الحاج علي صوة ببذل جانب كبير جدا من المال يقدر بالملايين العديدة إذا أنجزت الحكومة بناء مستشفى طبق رغبة أهالي البلدة" مع العلم أن الحكومة آنذاك كانت حكومة امحمد شنيق المتعاطف مع الأوساط الوطنية (أوت 1950 – أفريل 1952). ولما لم يجد أذنا صاغية أقدم علي الانجاز بمفرده.
وعلى كل حال فقد نضج المشروع وفضت مساء الأحد 9 سبتمبر 1951 رسائل المناقصة لبناء مستشفى قصر هلال وتم الاتفاق مع المقاول عمر بوزقندة من المنستير .
وفي نطاق المساعي الجارية ليأخذ المشروع أبعاده القومية في ظل الوزارة التفاوضية تم السعي لدى وزير الفلاحة محمد سعد الله كي يبلغ الباي محمد الأمين – باعتباره رئيس الدولة- رغبة أهالي قصر هلال في ايفاد من ينوبهم لدعوته إلى وضع الحجر الأساسي للمستشفى.
وتم ذلك واقتبل الباي صبيحة يوم الخميس 13 سبتمبر 1951 (12 ذي الحجة 1370) أي بعد أربعة أيام من عقد المقاولة واليوم الثالث من عيد الأضحى – وفدا من قصر هلال يقوده الحاج علي صوة قدم على تمن ثلاث سيارات ساقها كل من عمر بن الحاج قارة هلال وجابر بن امحمد فنطر (التليلي) وعبد القادر بن حسن ابراهيم (الدندان) وضم الوفد بالإضافة إلى الحاج علي صوة: حسن بن سليمان ساسي والحاج علي بن البشير الصانع اللذين اعترضا بقية الوفد بالعاصمة وفرج بن خليفة الاميم والحاج محمد بن سالم سعيدان ومحمد بن سالم بن الشيخ وسالم بن حسن جمور واسماعيل بن ابراهيم سعيدان والحاج الصادق بن علي الديماسي واحمد بن الحاج ابراهيم بورخيص والطاهر بن حمدة بوغزالة وأحمد بن الحاج قاسم قعليش وهي قائمة تحصلنا عليها بفضل جهود الأخ سالم قاسم وتضم وجوها وطنية كان لها دورها في الحياة الاجتماعية والسياسية بالبلد وقد أضاف بعضهم صديق الحاج علي صوة أحمد بن بوفارس بوفارس(1917-1982). ولعل عدم وجود بعض الوجوه الأخرى التي كانت تعتبر – أو تعتبر نفسها- بارزة يكشف مواقفها المحترزة من الحاج علي صوة الذي نأى بنفسه عن التكتلات والشبهات.
وقد ألقى أحمد قعليش باسم الوفد خطابا بليغا نشرت نصه جريدة الصباح يوم 19 سبتمبر 1951 (الوثيقة 18).
وقد وعد الباي بتلبية الدعوة غير أن تسارع الأحداث السياسية حال دون التنفيذ من جهة وحال دون أن يلقى المشروع حظه من الإعلام من جهة أخرى . ومن طريف ما يذكر أن الباي عرض على الحاج علي صوة أثناء ذلك الحفل مشروبا فأجاب: إن أحسن ما يمكن تقديمه إلي هو تعيين قابلة بقصر هلال وقد لبي طلبه وعينت قابلة عرفها الهلاليون باسم روزا. وهي أول قابلة رسمية بقصر هلال .
وحال عودة الوفد إلى قصر هلال قام الحاج علي صوة بتحبيس الأرض على المستشفى وكان ذلك يوم 17 نوفمبر 1951 بمساحة 4557 مترا مربعا بالمكان المسمى بئر بوعجيل والذي كان يدعى قبل ذلك بئر القصار (أنظر عقد التحبيس).
تلك الأرض تتكون من تربيعتين – حسب تعبير العدول القدامى – أي قطعتين ورث الحاج علي صوة احداهما عن والدته فاطمة سعيدان التي توفيت سنة 1922 واقتنى الثانية سنة 1907 من "المركانتي صالبو بن كرملو دياكنو وهو انكليزي مقيم بالمنستير (الذي اشتراها بدوره من عبد الله بن خليفة الكعلي سنة 1902) ونحن نذكر ذلك للذكرى والاعتبار فالله وارث الأرض وما عليها.
وقدر للأشغال أن تبدأ متزامنة مع اندلاع الثورة الوطنية التي طغت أحداثها على أشغال البناء التي لم ترد عنها بالصحافة كلمة واحدة على عكس ما جرى بالنسبة إلى المدرسة. ولم تجرؤ الصحف على طرق موضوع لم يكن لدى الناس جديرا بالاهتمام، وهل كان من الممكن أن تتحدث عن المشاريع الإنسانية وآذان الناس مشدودة إلى أحاديث "البطولات"؟
لذلك أنكب الحاج علي صوة على البناء في جد وصمت وإصرار رغم ثقل السن واشتداد المرض. ولقد خشي على المشروع أن يتوقف قبل نهايته وهو الرجل الذي ما ألف الفشل وما أخلف قط وعدا. ولا شك أن الأمر قد تحول في نفسه إلى هم مقيم.
حتى جاء يوم 28 أوت 1953 أي قبل شهرين وثلاثة أيام من وفاته – فقام بتحبيس أرض فلاحية شاسعة تدعى هنشير البزازية الكبرى مساحتها 318 هكتارا واقعة على الطريق رقم 64 الرابطة بين مجاز الباب ومنزل بورقيبة وبها منزلان. تلك الأرض كان اشتراها من عائلة بسيس (ادمون وجورج وروني وموريس وألبير) خلال سنتي 1944 و 1945.
وقد نص عقد التحبيس على أن مداخيل تلك الأرض تخصص "لإتمام بناء وتأثيث ما يلزم للمستشفى وجميع لوازمه ... والقيام بلوازم المستشفى من أجرة أطباء وممرضين ومستخدمين وإصلاح ما يلزم إصلاحه من ترميم وتبييض ودهن متى أحتاج لذلك وشراء آلات تابعة للمداواة به..." وجاء في النص أن الرجل كان على فراش المرض "وهو ثابت العقل والميز عارف ما يقول وما يقال له".
وجاء قانون 2 مارس 1956 القاضي بحل الأحباس وضم الأحباس العامة إلى أملاك الدولة.
ثم جاء قانون 18 جويلية 1957 القاضي بإلغاء الأحباس الخاصة وأحباس الزوايا وتوزيع الأحباس الخاصة على الورثة والنزلاء. وبذلك أعيد إلى الورثة نصف الهنشير واحتفظت الدولة بالباقي.
وبذلك تحول المستشفى إلى ملكية الدولة وإن كان من قبل محبسا على وزارة الصحة العمومية.
وقد انتهت أشغال البناء سنة 1956 بفضل جهود أبناء الحاج علي صوة وخاصة الحاج صالح وزار الحبيب بورقيبة البناية الجديدة يوم 17 أوت 1956 عقب وضعه للحجر الأساسي لمعمل النسيج بقصر هلال بحضور الهادي نويرة والباهي الأدغم وأندري باروش .
أما افتتاح المستشفى فنحن لا نملك عنه المعلومة الدقيقة غير أننا نستند إلى صورة مؤرخة في جويلية 1958 لتفترض أنه حدث آنذاك.
جويلية 1958 : الفريق الطبي صحبة أعضاء أول هيئة بلدية بقصر هلال بعد الاستقلال
وعلى كل حال فقد أحدثت يوم 25 ديسمبر 1958 بقصر هلال منطقة طبية ملحقة إداريا بالمستشفى الجهوي بسوسة وتشمل المنطقة قرى لمطة وبنان وقصيبة المديوني وصيادة وبوحجر .
وأما التدشين فقد ذكرت نشرية محلية صادرة سنة 1960 أنه جرى من طرف رئيس الجمهورية سنة 1958. وكتب أحمد صوة أنه وقع سنة 1960 وقد أوقعتنا المعلومة الأولى في الخطأ.
وفي العدد الخاص الذي أصدرته مجلة المؤتمر بقصر هلال في مارس 1984 بمناسبة الذكرى الخمسين لمؤتمر البعث كتب محمد الهادي الصانع قائمة لزيارات الحبيب بورقيبة لقصر هلال وكتب تجاه تاريخ 6 مارس 1959: "زيارة المعمل وتدشين مقهى النصر" ولا أثر لتدشين المستشفى. فالمقهى – لدى بعضهم – أهم من مستشفى الحاج علي صوة وأبقى.
لقد وقع التدشين ذلك اليوم وهو اليوم الختامي لمؤتمر "النصر" المنعقد بسوسة والذي وقع اختتامه بقصر هلال إحياء للذكرى الخامسة والعشرين لمؤتمر البعث. قام رئيس الجمهورية بالتدشين مصحوبا بحرمه مفيدة واقتبله أحمد بن صالح كاتب الدولة للصحة العمومية والشؤون الاجتماعية صحبة حسن ساسي رئيس بلدية قصر هلال والدكتور المسعدي والتحق بالركب أعضاء الديوان السياسي الجديد الذي تم انتخابه في اليوم السابق وبقية أعضاء الحكومة ثم نحر رأس بقر قبالة المستشفى. واستقبل الجمع من طرف الممرضين والممرضات وعددهم أثنا عشر ثم من طرف المرضى المقيمين .
والجدير بالذكر أن أحمد بن صالح كان يرغب في إطلاق اسم أحد القادة الحزبيين على المستشفى وأنه لقي معارضة محلية. لذلك لم تلق بالمستشفى أية كلمة ولم يصدر أي تنويه بشأنه أو شأن مؤسسه.
أصبح مستشفى جهويا منذ سنة 1989.
مستشفى الحاج علي صوة كما يرى اليوم
إنجازات أخرى
ليست غايتنا الأساسية من هذا العمل تسجيل مآثر الحاج علي صوة أو إحصاء أعماله لأنها مآثر وأعمال تجاوزت حدود قصر هلال ويعسر بالتالي حصرها وتوثيقها. إنما غايتنا الأساسية رسم مسيرة الرجل على أساس أن التاريخ عبر وغذاء. لذلك ركزنا اهتمامنا على ثلاث ملفات: مدرسة قصر هلال ومسكن الطلبة بالعاصمة ومستشفى قصر هلال. وهي ملفات يستوجب كل واحد منها حياة كاملة.
غير أن الصمت عما بلغنا من الأعمال الأخرى قد يكون تقصيرا لا مبرر له.
تحدث بلقاسم بن جراد في كتابه "قابس عبر التاريخ" عن الزاوية الزمزمية "...صارت تلك الزاوية البسيطة من حيث البناء قبل ترميمها وتحسينها جامع جمعة إذ تبرع أحد المحسنين من أهل الخير من بلدة قصر هلال وهو الحاج محمد صوة ببناء هذا الجامع الملاصق للزاوية على حسابه الخاص وأضاف بالزاوية مكانا خاصا لصلاة النساء يوم الجمعة وكذلك يأوي إليها الغرباء وأبناء السبيل إلى الآن وأصبح الجامع الجديد جامع الجمعة يحمل اسمها أيضا ..." وقد أفادنا الكاتب الكريم بأنه يقع بعين سلام بمنزل قابس وأن الأشغال جارية لتجديد الجامع. وأما تاريخ ذلك الانجاز فقد تضاربت حوله الأرقام ونرجح أن يكون سنة 1951.
كتبت جريدة تونس يوم أول جوان 1949 : "...وابتنى مسجدا في شراحيل وحبس عليه بنايات حوله ابتناها 9 حوانيت. وكذلك دارا ومكتبا بشراحيل هذه. فدخلها جميعا للجامع. وأقام ابنه السيد صالح صوة من خريجي الجامع الأعظم أن يكون قائما بالإمامة فيه...".
صورة بشراحيل
ويرى من اليمين إلى اليسار : أحمد صوة، صالح صوة، الحاج علي صوة، خليفة بن امحمد صوة (صبي)، امحمد بن الحاج علي صوة قد تكون التقطت أوائل 1938 (أبناء الأرض لا ينتعلون !).
في شهر جانفي 1930 أعلن الحاج علي صوة أنه اشترى دارا وحانوتا ملاصقين للجامع الكبير بقصر هلال قصد توسيعه .
وتحدثت المصادر المكتوبة عن مسجد بناه بقرية بنان المجاورة لقصر هلال وإن كنا لا نملك له توثيقا وقد وجدنا ملفه بالأرشيف الوطني فارغا.
وقد قام بتوسيع مسجد بوزير المعروف بجامع سويد سنة 1952
وأعاد بناء مسجد الباب الجبلي المعروف بجامع الجبل سنة 1952 أيضا
كما أدخل تحسينات على مسجد الباب الشرقي المعروف بجامع الخميري الذي كان والدي –رحمه الله- إماما به.
بنى فسقية عمومية للشراب في طريق العبابسة بالجم
حفر بئرا بمنطقة شربان يستقي منها الناس وتعرف باسمه إلى اليوم.
اشترى 80 زيتونة أهداها لتوسيع مقبرة البلدة (قرب دار الشباب بقصر هلال حاليا).
أسس أثناء الحرب العالمية الثانية مخبزة لنجدة المواطنين ووزع أطنانا من الخبز مجانا وأعاد الكرة أثناء الإضرابات إبان المعركة التحريرية مع إكساء المعوزين وأبناء المساجين
أعان كل محتاج بترميم مسكن أو ختان أطفال فقراء وإكسائهم.
قلنا في افتتاح ملتقى العلوم الاقتصادية والاجتماعية بقصر هلال يوم 7 ماي 1992: "لكائني بالحاج علي صوة كان في سباق مع الزمن. فهو ما إن يحصل على ثمار حتى يحولها إلى إعمار. وأيدت النعت الذي أطلقه أحمد صفر على الحاج علي صوة بأنه "المؤسس الأكبر".
تعليم البنات
من اللافت للنظر ما لاحظناه من تضارب الآراء حول موقف الحاج علي صوة من تعليم البنات. فمن قائل إنه كان مناهضا له إلى قائل بعكس ذلك. وقد حاولنا أن نتبين الحقيقة وطرحنا على المائدة ما لدينا من الثوابت:
1- جاء في عقد تحبيس مدرسة "الهلال" المؤرخ في 2 جويلية 1932 ما يلي: "... ويزاد بها أقسام للمدرسة المذكورة كلما احتاجت إلى ذلك وأقسام للإناث على شرط أن تكون البنت مصونة من عبث العابثين ولم يبلغ عمرها عشرة أعوام مدة قراءتها بالمدرسة ...".
2- قدم الحاج علي صوة إلى أحمد صفر – متفقد التعليم العربي بالمدارس الابتدائية يوم 17 جويلية 1944 – أي بعد انتهاء معارك الحرب العالمية الثانية بالبلاد التونسية- طلبا لتمكينه من ترخيص لاقتناء كمية من الخشب لصنع المقاعد الدراسية اللازمة لأقسام أعدها للبنات و "لا ينقصها إلا الطاولات والمعلمات" (الوثيقة 26).
3- نشرت جريدة "الزهرة" يوم 7 فيفري 1945 مقالا جاء فيه "... جازى الله السيد الحاج علي خير الجزاء وأعانه على تنفيذ برنامجه في إنشاء مدرسة لا تقل كما بلغنا حسنا عن زميلتها الموجودة الآن لتعليم بنات قصر هلال المسلمات ووفق غيره من سكان هاته البلدة لإعانة هذا المشروع بالتحابيس أو التبرعات على المدرسة حتى تقدر على أداء رسالتها التثقيفية بالوجه الأكمل...".
4- يوم 11 جانفي 1947 طلب الوزير الأكبر من مدير التعليم العمومي رأيه في رغبة سكان قصر تنظيم اكتتاب لبناء مدرسة قرآنية للبنات بقريتهم وساند مدير التعليم الطلب وتألفت لذلك الغرض لجنة يوم 10 ماي 1947 ترأسها محمد بن الحاج علي صوة حملت اسم "لجنة اكتتاب جمع المال لبناء مدرسة قرآنية عصرية للبنات المسلمات ببلد قصر هلال" (الوثيقة 19).
5- يوم 8 فيفري 1950 : كتب الشاذلي زوكار بجريدة النهضة: "سمعت بأن الأهالي قد شرعوا في بناء مدرسة للبنات المسلمات تحتوي على اثني عشر قسما. وإن قصر هلال لفي حاجة إلى هاته المدرسة".
6- في أول أكتوبر 1950 عمدت إدارة التعليم العمومي إلى مجاوزة المشروع بفتح أقسام للبنات بالمدرسة الفرنكو عربية للذكور بقصر هلال.
7- يوم أول مارس 2007 ألقينا على الحاج صالح صوة هذا السؤال : "هل كان الحاج علي متحمسا لتعليم البنات ؟" فأجاب: لا.
يتضح من تلك الحقائق:
1- أن الحاج علي صوة لم يكن مناهضا لتعليم البنات وإن وضع لذلك التعليم شروطا
2- أنه كانت تخامره سنتي 1944 و 1945 نية إنشاء مدرسة قرآنية للبنات
3- أن تنظيم الاكتتاب تسبب في إقصاء الحاج علي صوة الذي كان يرفض المشاركة حتى ولو كان رئيس اللجنة ابنه
4- أن ذلك الرفض أسيء فهمه
وعلى كل حال فقد افتتحت مدرسة "الفتاة" يوم أول أكتوبر 1952 بعد أن حرصت الإدارة على إنشاء مدرسة حكومية موازية افتتحت في اليوم نفسه حتى لا تترك الفضاء للتعليم الأهلي وحده.
بين الحاج علي صوة وقصر هلال
الحاج علي صوة هو قصر هلال – حياته حياتها- تطوره تطورها – مسيرته مسيرتها مع مراعاة أن حياة الرجل الجسدية توقفت بوفاته يوم 31 أكتوبر 1953 لذلك فإن المقارنة بين المسيرتين متوقفة عند ذلك التاريخ.
قصر هلال كانت أول أمرها قرية فلاحية صغيرة منحصرة في حومة القصر "ثم أضيفت إليها حومة الربط". تحيط بها غروس وحدائق تشهد عليها الآبار التي لم يبق إلا أسماء أصحابها التي أحصيت منها سنة 1840 سبعة وخمسين بئرا.
هذا عدا آبار أخرى غدت أثرية هي الأخرى في أزمان لاحقة. ومنها بئر بوعجيل أو بئر عيسى الذي بنيت بأرضه مدرسة الهلال.
ثم تحولت قصر هلال في بداية القرن التاسع عشر إلى الفلاحة البعلية – أي الزيتون- إثر انخفاض المائدة المائية من جهة وحلول كارثة الثورة الشعبية سنة 1864 وتداعياتها. فأعرض الهلاليون- أي أبناء هلال- عن الفلاحة و"نزلوا" إلى النول.
والحاج علي صوة عمل كل ذلك. وقد تعددت أنشطته وتداخلت حتى أن التقارير التي تحدثت عن شغله تضاربت فقد ذكر سنة 1915 أنه تاجر وذكر يوم 12 نوفمبر 1929 أنه صباغ ونساج وذكر يوم 13 جانفي أي بعد ذلك بشهرين – أنه فلاح ونساج وذكر يوم 10 فيفري 1930 – أي بعد شهر واحد- أنه ملاك .
كتب أحمد صوة : بدأ يعمل أجيرا في صناعة النسيج من تكبيب وصباغة وحياكة إلى جانب فلاحة الأرض من حراثة وزراعة وري وحصاد في سانية بئر صوة أولا ثم في سانية بئر بوعجيل. ثم أضاف التجارة في القطن الذي كان يجلبه من مدينة سوسة. كما شارك في صناعة المشروبات الغازية مع علي بوسلامة والحاج محمد سعيدان وغيرهما".
فهي إذن موازاة كاملة بين قصر هلال والحاج علي صوة في المستوى الاقتصادي.
ولقد كانت الثقافة السائدة في الإيالة التونسية – ومنها قصر هلال- في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ثقافة الزوايا، وقد وجد البايات كما وجدت سلطة الحماية ضالتها في تلك الثقافة التي تقوقع فيها الناس وانكمشت فيها عزائمهم فغدوا أشباحا وغدت بلادهم "بلاش أمالي" وفي نطاق تلك الثقافة تولى الحاج علي مشيحة زاويتي سيدي عبد السلام بقصر هلال يوم 25 جويلية 1911.
غير أن الحركة الإصلاحية بالعاصمة سرعان ما بلغت أصداؤها قصر هلال وحمل مشعلها رجلان لا محيد عن ذكرهما كلما تعلق الأمر بإصلاح العقول واستنهاض الهمم: الحاج سالم عياد ومحمد بوزويتة. أما الأول فقد كان يمثل التيار الإصلاحي من التعليم الزيتوني وأما الثاني فقد أضاف إلى ذلك اتخاذه لعبد العزيز الثعالبي مثلا أعلى.
وفعل الرجلان في نفس الحاج علي صوة فعلهما. ولم يكن تأثيرهما في الدفع أو التحريك. فالرجل كما رأينا لم يكن بحاجة إلى ذلك. بل في تحويل الاتجاه من النشاط الطرقي المستقيل من المجتمع إلى النشاط المؤثر فيه.
وتخلى الحاج علي صوة عن تعهد زاويتيه. واغتنم فرصة شكوى قدمها أتباع الزاويتين بسبب ذلك الإهمال فقدم استقالته منها يوم 16 ديسمبر 1919.
وقد وجد الرجلان – الحاج سالم عياد ومحمد بوزويته – عنادا وتحملا الكثير من المعاناة مما شرحناه في غير هذا المكان . وكذلك وجد الحاج علي صوة لانجاز ما أنجز شيئا غير قليل من العناء مما تعرضنا إليه فيما سبق. فقد عزل الحاج سالم عياد بسبب نشاطه الإصلاحي ثم السياسي من الإمامة الأولى بالجامع الكبير يوم 29 نوفمبر 1929 لمنعه من الاتصال بالناس "وتسميم أفكارهم". أما عما لحق محمد بوزويته فحدث ولا حرج .
ولعل تزامن استقالة الحاج محمد بن علي بوراس من زاوية بنعيسى – وهي العمود الفقري للنشاط الطرقي بقصر هلال- يوم 2 فيفري 1929 مع افتتاح مدرسة "الهلال" يوم 2 نوفمبر 1929 يمثل رمزا للنقلة النوعية التي شهدها المجتمع الهلالي وهي ذات النقلة النوعية التي عاشها الحاج علي صوة سنة 1919.
لذلك قلت إن الحاج علي صوة هو قصر هلال.
فكيف نعجب إن كانت كل الأحاديث في قصر هلال موصلة إلى الحاج علي صوة ؟
بين الحاج علي صوة والغزالي
عنوان يبدو غريبا غرابة المقارنة بين الثرى والثريا. أو هكذا يبدو. فالغزالي رجل تلقى من العلم ما أهله ليحتل مرتبة "حجة الإسلام". رجل تبحر في علوم الفقه والعلوم الشرعية ومبادئ الفلسفة على كبار الشيوخ في زمانه وعلمها للمئات من الطلاب رجل نال حظوة لدى الملوك والسلاطين. رجل كتب من الكتب ما يعتبر اليوم من العيون. والحاج علي صوة لم يتلق من العلم شيئا ولم يعرف من الحروف إلا حروف إمضائه ولم يحفظ من سور القرآن إلا ما كان يسمح له بأداء الصلوات. رجل لبس الكدرون والبلغة وغطى رأسه المحلوق بشاشية متواضعة لف حولها قماشة.
فما وجه الشبه ؟ وما الداعي إلى المقارنة ؟
لقد كان كلا الأبوين فقيرين. وإذا كان الغزالي ابن رجل يعمل في غزل الصوف ويميل إلى التصوف فقد كان الحاج علي صوة ابن رجل نساج لا نعلم إن كان يميل إلى ارتياد الزوايا. وإذا قال أحدهم بان الفقر منبع التصوف فإن الفقر كان سمة الرجلين في البداية.
لكن البداية لم تكن شبيهة بالنهاية. وذلك شبه آخر. إذ كلاهما انتهى بغير ما ابتدأ.
قال ياقوت الحموي عن الغزالي إنه "نال من الدنيا إربه ثم انقطع إلى العبادة فحج بيت الله الحرام وعمره 38 عاما. تخلى عن التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد سنة 1095 م في أوج عطائه وأصبح زاهدا إلى درجة أنه تجاهل احتلال مدينة القدس من طرف الصليبيين سنة 1098م وتوفي متزهّدا سنة 1111م.
والحاج علي صوة حج سنة 1909 وعاد ليتولى شؤون زاويتي عبد السلام بقصر هلال سنة 1911 وعمره 46 عاما. فكلاهما دخل الزاوية بعد الحج. وكلاهما دخل الزاوية في أوج كهولته. وإلى هنا يتوقف التشابه.
كلاهما دخل الزاوية كهلا. لكن الغزالي دخلها ليبقى هناك ويقضي بقية عمره أي 17 عاما بين جدرانها. أما الحاج علي صوة فقد دخلها وعجل بمغادرتها بعد ثمانية أعوام بعد أن أطبق الباب بعنف. وراح يبني جدرانا أخرى. ولو قسنا مسيرة الرجلين بمقياس الحديث النبوي القائل "خيركم أنفعكم للناس" لوجب أن تعترف بتفوق الحاج علي صوة.
رسم الدارسون خطا بيانيا لحياة الغزالي في صعودها واضطرابها وهبوطها فاعتبر بعضهم أنها هبوط بعد صعود حتى قال إن مرضا عقليا أصابه دعاه أحدهم بالاحتراق الروحي واعتبرها آخرون صعودا بعد هبوط وإذا كان انزواء الغزالي صعودا فهل نعتبر مغادرة الحاج علي صوة للزاوية وكل أعماله هبوطا ؟
على كل حال فإن موازاة غريبة وسمت مسيرة الرجلين لكنها عكسية الاتجاه لماذا ؟ أين يكمن السبب ؟
دخل الغزالي – المفكر العظيم- الزاوية وانطوى على نفسه بعد أن كان متفتحا على الدنيا وأهلها. وخرج الحاج علي صوة من الزاوية متفتحا على الدنيا وأهلها فبنى المساجد والمدارس والمستشفى.
لم هذه المعاكسة ؟
إنه المجتمع وإنها التربية أما الطينة فواحدة
الغزالي رجل تعلم وتناوله بالتربية رجال متصوفون تركوا فيه بصمات لم تقدر ظروف الحياة الصاخبة على محوها بل ربما تسببت مظاهر البذخ في تنفيره منها فانتهى به الأمر إلى الاستقالة. والحاج علي صوة لم يتعلم فبقيت نفسه بكرا حتى جاء كل من الحاج سالم عياد- الرجل الإصلاحي العظيم- ومعه محمد بوزويته – رائد النهضة – فحولا دفته صوب العمل. خاتمة سلبية هناك وخاتمة ايجابية هنا ووراءهما رجال ومجتمع. إذ لا ننس أن قرية قصر هلال ليست مدينة بغداد. فهذه الأخيرة عاصمة الدولة العباسية ضمت كل المتناقضات. وقصر هلال قرية أهلها نساجون كادحون. ولا شك أن مصير الرجلين لم يكن ليبقى على حاله لو كان الغزالي هنا والحاج علي صوة هناك.
الحاج علي صوة والتاريخ
حين أقدم الحاج علي صوة على تأسيس المدرسة القرآنية لم يجد الأرض بكرا ولو وجدها كذلك "لاقتصرت مهمته على مقاومة الأمية. وجد بها مدرسة رسمية بذلت السلطة في سبيل زرعها جهودا كبيرة. ولم تكن مستعدة لأن تترك للتنافس الحر مجالا كما يجب أن نذكر بأن المدرسة القرآنية كانت – في نظر القانون- مدرسة حرة. ولنتصور أن مدرسة حرة تنشأ اليوم بقصر هلال وتحاول أن تنافس المدارس الرسمية مجتمعة. وأنها تنجح في ذلك. ولنتصور ما يمكن أن يحدث داخل تلك المدارس من جهة وجنس العلاقات بين تلك المدرسة الحرة والحكومة. هذا رغم أن البرامج والأهداف واحدة.
1- منعت نقلة التلاميذ من مدرستها إلى مدرسة "الهلال" وسمحت بالعمل المعاكس.
2- ضيقت على مدرسة "الهلال" بتعلّة اكتضاض الأقسام ولم يقع تحديد سقف لعدد تلاميذ القسم الواحد بمدرستها حتى وصف أحمد عياد أقسام مكتب الشوك يوم 8 فيفري 1950 "بحقق السردينة طبق على طبق" .
بدأت المضايقات منذ سنة 1930 حين تلقى محمد صوة – مدير المدرسة- لوما لقبوله التلميذ محمد بوغزالة وأرغم على إرجاعه ثم انعقد مؤتمر البعث للحزب الحر الدستوري بقصر هلال يوم 2 مارس 1934 واندلعت حوادث سبتمبر 1934 فوجه الأصبع الاستعماري إلى مدرسة "الهلال".
يوم 14 مارس 1937 كتب فرناند ريكار من القيروان ليحتج على إحداث مدرسة قرآنية بها ويذكر بمعارضته لإحداث مدرسة الهلال حتى حدث في المنطقة ما حدث وأضاف بأنه يلتمس أن يبقى تقريره طي الكتمان فلا يعرف محتواه أحد من الأهالي ومتفقدي العربية. (الوثيقة 6).
يوم 15 مارس 1937 عقب مارصو مارتان متفقد التعليم الفرنسي ليقول حرفيا: "إن مدرسة الهلال سيدة الوضع بقصر هلال وهي خطر على التأثير الفرنسي في هذا القطر".
وقد اطلعنا فيما سبق على زيارة الكاتب العام للحكومة أواخر نوفمبر 1939 للمدرسة القرآنية التي تؤوي 600 شاب دستوري" وما لحق تلك الزيارة من إنشاء مطعم مدرسي بالمدرسة الحكومية.
جيء بالمدير الفرنسي سنة 1928 استعدادا لمواجهة المدرسة القرآنية التي كانت بصدد البناء وأصبح الوضع في أول أكتوبر 1930 على النحو التالي: أربعة أقسام بالمدرسة الحكومية – وعمرها 21 عاما- وبها 151 تلميذا مقابل خمسة أقسام بها 256 تلميذا بمدرسة الهلال وعمرها عام واحد.
كان صراعا وكان الحاج علي صوة قطبه
في شهر مارس 1937 كانت السيدة ريكار وهي معلمة بالمدرسة الحكومية تتقاضى 1653 فرنكا شهريا أي ما يزيد عن ضعف ما تقاضاه عبد الحميد سليم وهو صاحب أرفع مرتب بمدرسة "الهلال" ومقداره 800 فرنك وما يزيد عن ثمانية أضعاف ما تقاضاه البشير الشريف الطرابلسي الذي تقاضى في ذلك الشهر 200 فرنك.
وقد شكرت الصحف عبد الحميد سليم ولم تشكر السيدة ريكار
ولم نكن نحس بما كان يتعرض له معلمونا من الحيف.
لم يكن عمل الحاج علي صوة وعمل جنوده المعلمين مقتصرا على مقاومة الأمية بل تعداها إلى الدفاع عن الذات. إنها قضية وطنية أدرك أبعادها كل من ريكار والكاتب العام للحكومة كارترون حين نعت الرجل بأنه "ذو اتجاه دستوري" لقد دعا آخرون غيره إلى الإصلاح. أما الحاج على صوة فقد أصلح.
لقد تعود بعض المؤرخين على الفصل بين الحركة التربوية والوعي الوطني فصلا يتضمن الاعتقاد بأن الوعي الوطني بضاعة مستوردة أوانها وحي يوحي.
وكان من نتائج ذلك الفصل أن أغمط الحاج علي صوة حقه على منصة التاريخ. فلم يتحدث عنه مقال واحد في كتاب يتحدث عن الإصلاح والمصلحين بينما تحدثت كتب كثيرة عن دعاة. وشتان بين مصلح وداع إليه .
لم ينل حتى ما نالته العزيزة عثمانة التي كتب عنها حسن حسني عبد الوهاب طويلا في كتابين من كتبه. ولم يتفضل بذكره محمد بوذينة في كتابه "مشاهير التونسيين". وهو في نظر المنشورات الهلالية نفسها "الرجل الخيري الصالح المرحوم الحاج علي صوة". ولعل صفة الحاج التي التصقت باسمه ساعدت على إبراز الجانب الديني على حساب الجانب الإصلاحي من عمله.
سألت أحد المسؤولين في قصر هلال أواسط الستينات عما يحول دون إقامة تمثال للحاج علي صوة فمط شفتيه وقال كالمتأسف" لم يكن المرحوم دستوريا". ولم أكن أملك شهادة الأعداء ريكار ومارتان وكارتون ولم أكن أملك شهادة الطيب المهيري فلجأت إلى الصمت.
الحاج علي صوة رجل مكافح صعب المراس لا ملاك ولا درويش ولا ساحر. إنسان أحب الخير لغيره وأحب موطنه وأحب وطنه.
الحاج علي صوة إنسان عاش يتم الأب وعاش أمية الحرف وعاش فقر الجيب. قربت الإنسانية بينه وبين الناس فتبناهم وتبنوه فإذا هو منهم وإذا هو لهم. فغاب اليتم وجاء الوعي وكان الغنى.
كان من نفسه في جيش. أثبتت الوقائع أنه لم يكن يعبأ بصعوبات المكان والمسافات.
اقترحت يوم 7 ماي 1992 إنشاء جائزة أو جوائز سنوية تحمل اسمه على أن يقع إسنادها للأعمال الاجتماعية والإنسانية الهادفة على الصعيد المحلي أو القومي أو على الصعيدين معا.
بين الحاج علي صوة ومحمد بوزويته
لقد لاحظنا من خلال درسنا لمسيرة الرجلين الحاج علي صوة ومحمد بوزويته تشابها غريبا نكتفي بتسجيل مظاهره بدون أن نحاول الإدلاء برأي فضلا عن إصدار حكم. وقد تفيد ملاحظاتنا علماء النفس أو علماء الإجتماع وقد لا تعني شيئا.
كلاهما عاش يتيم الأب وربته إمرأة
كلاهما عاش منعزلا في أسرته بلا إخوة ولا أعمام
كلاهما دخل معترك الحياة مبكرا
كلاهما أمي وإذا تمكن محمد بوزويتة من كتابة بعض الجمل بطريقة عصامية فالحاج علي صوة لم يتعلم سوى الإمضاء.
كلاهما مارس مهنا عديدة مكنته من أن يجوب البلاد طولا وعرضا ويختلط بأوساط مختلفة.
كلاهما تأثر بالحاج سالم عياد واستجاب للدعوة الإصلاحية وعمل – كل في نطاقه- علي تحقيقها.
كلاهما كرس حياته لخدمة المجتمع حسب مؤهلاته وإمكانياته
كلاهما كان صعب المراس قوي الشخصية صلبا حتى العناد لا يقبل أنصاف الحلول. وقد تجلى ذلك لدى الحاج علي صوة في :
- استقالة من الزاوية لا رجعة فيها.
- إصرار على تسمية أبنائه بأسماء معينة (أحمد: أربع مرات – صالح: مرتين – خليفة : مرتين).
- إصرار على إنجاز المشاريع بمفرده
- إصرار على أن المال مال الله وأن المرء مجرد موزع كنادل بمقهى أو مطبخ.
- توزيع الأدوار على أبنائه توزيعا شبه عسكري وتشهد على ذلك عقود التحبيس. وقد قالت جريدة تونس يوم أول جوان 1949 إنه "طوعهم لعمل الخير والتبرع بالجهد" وقال الصادق الشايب عن معاملته لابنه أحمد: "اعتبره أصبح مدرسا ولذا فما عليه إلا أن يعيش من دخله وهذه دائما طبيعة والده" .
وتجلي ذلك لدى محمد بوزويته في:
- التصدي لكل مظاهر الجمود والعادات البالية
- الصمود أمام التهديد والملاحقات القضائية والخطايا والسجون
- جند كافة سكان قصر هلال وشبهه أحدهم ببسمارك
- التضحية بحياته المهنية وتجارته في سبيل القضية الوطنية
- التصدي لما اعتبره انحرافا في مسيرة الكفاح الوطني
- مقاطعة الشعبة الدستورية بقصر هلال
نلاحظ شبها أعده القدر منذ نشأة الرجلين. كل منهما عاش الوحدة العائلية ولم يعرف أخا أو شقيقا وكذلك أبواهما. كل منهما استعاض عن تلك الوحدة العائلية بأنس عائلي موسع. وكلاهما انفتح على العائلة الإنسانية وانتسب إليها في التحام عجيب وكلاهما احتضنته قصر هلال بمحبة واعتزاز.
إنها ملاحظة تدعو إلى التأمل وتحرك المشاعر أحببنا أم كرهنا.
فهل أن كل من ينشأ تلك النشأة الانفرادية يلقي بنفسه في خضم المجتمع؟ أم هل هي الصدفة؟ لا ندري. وقد يكون للباحثين في علم النفس الاجتماعي قولهم في هذا الصدد – لعلها العزلة العائلية التي أضيفت إليها عزلة الأمية دفعت بالرجلين إلى كسر الطوق ومد الذراعين إلى الناس. أليس الإنسان اجتماعيا بطبعه ؟
هل تستطيع النحلة أن تعيش بمفردها بدون أن تفقد كيانها ؟ هل يمكن أن نتصور الحاج علي صوة أو محمد بوزويته خارج الحلبة الاجتماعية ؟
يقيننا أن مصيرهما كان مقررا منذ المنطلق وأن ضربا من الحتمية قد رسم الطريق. لقد حكم عليهما بأن يعيشا في المجتمع وللمجتمع. أما العطاء فهو يختلف باختلاف ما يملكه المرء. ولا وجود لكائن حي لا يملك شيئا إذ هو يملك – على الأقل- حياته. لذلك فهو يملك ما يمكن أن يعطي. وقد تعودنا – خطأ- أن نقصر العطاء على المال. وما هو إلا جزء ضئيل مما يمكن للمرء أن يعطبه. وإذا كان بوزويته قد وهب ماله ونفسه فإن الحاج علي صوة وهب ماله ونفسه وأولاده.
بين الثري والغني
لقد ثرت مرة على نعت أطلقه أحمد بن بكير محمود على الحاج علي صوة بأنه "أحد أثرياء قصر هلال وأتقيائها ورأيت تناقضا بين الثراء والتقوى باعتبار أن التقوى الحقيقية لا تمكن المسلم من أن يصبح ثريا إذا طرح من ماله "الحق المعلوم للسائل والمحروم" واستنتجت أن الحاج علي صوة كان غنيا ولم يكن ثريا. والفرق بين الكلمتين شاسع وعميق.
جاء في القواميس أن الثروة هي الكثرة وأن الثري هو من كثر ماله. وأن الغنى ضد الفقر. ونحن نلاحظ أن الغني هو أحد أسماء الله ولا ينعت الله بالثري. فالثراء أقرب إلى الصفات الذميمة. لذلك ينعت أحيانا بأنه فاحش لأن الثراء جار الفحش. ولا ينعت الغنى بذلك لأن الغنى هو الكفاف. وقد قال المثل الشعبي الذي منه تغذى الحاج علي صوة "الغنى في القلب".
فالحاج علي صوة كان غنيا، أي غنى القلب. كان غنيا لكنه لم يكن ثريا. فإن من تحصل على الكفاف واكتفى به كان غنيا فاستغنى عن المزيد . أصابته الأزمة الاقتصادية فيمن أصابت سنة 1932 فراح ابنه يطلب لمدرسته ما تتمتع به نظيراتها. وقد عجز والده عن تلبية رغبة الناس في توسيع الجامع الكبير بقصر هلال سنة1933 "لتحرّج الحالة الاقتصادية" وأصابه الجفاف فيمن أصاب من الفلاحين ودام طيلة سنوات 1946 و1947 و 1948 فعجز عن دفع ربع مرتبات المعلمين بمدرسة الهلال وهي التكملة التي كان عليه دفعها حسب التراتيب الجديدة. وقد جاء في رد الإدارة على شكوى المعلمين يوم 31 ماي 1948 "أعلمكم أن مؤسس المدرسة وعد بأن يقضيكم بعد شهر ما تأخر من حقكم لعام 1946 بيد أنه غير قادر على دفع ذلك بالنسبة لعامي 1947 و 1948 وتدل عبارات "حقكم" و "وعد" و "غير قادر" على شماتة واضحة ورغبة في تأليب المعلمين وايغار صدروهم. وهي لم تكن لتجيب كذلك لو كان التأخير صادرا عنها.
فالرجل – إذن عاش ضائقة مالية خانقة.
بلى إنه يبدو عليه الثراء لأنه كان غنيا وقد قال المثل الشعبي: "خوذها من يدل الشبعان إذا جاع وما تاخوهاش من يد الجيعان إذا شبع" –رائع !
البركة هي النماء والزيادة. نسمي بها ذريتنا: مبروك، بركة، مبارك، مباركة. ونستعملها كل يوم: الله يبارك، الله يبارك فيك، فيها البركة، نهارك سعيد مبارك، عيدك مبروك، مبروك ما عملت، الله يبارك لك، البركة فيك، تبارك الله...
وإذا تعذر عليك شرح كلمة "بركة" ومشتقاتها تذكر حياة الحاج علي صوة : كل عمل قام به أثمر "الخير والبركة" من حيث يدري ولا يدري. لم يسع إلى الربح فجاء الربح وفيرا. لم يسع إلى الكسب فكسب. أعطى فنال أضعاف ما أعطى وما زال يعطي وما زال ينال. لذلك قيل: أنت عليك بالحركة وربي عليه بالبركة".
كل الأجساد تفنى والويل لمن نسي ما بداخلها.
بلى. كان غنيا وما يزال
لخص الحاج علي صوة كل ذلك "التفلسف" بعبارة رائعة كان يرددها لأبنائه: ربي عطاني وعطيتو وعطيتكم .
التاريخ والعاطفة
طلبت من الفقيد أحمد بن الحاج علي صوة – وهو متفقد عام بوزارة التربية القومية- أن يكتب دراسة عن والده فلم يجب. فاستغربت صمته. ثم مرت الأيام والأعوام وأدركت سر ذلك الصمت.
أدركت ذلك حين لاحظت – عبر التجربة- أن المربي يحتاج إلى غيره لتربية أبنائه وأن الطبيب يحتاج إلى الأطباء لمعالجتهم ولمست من تجربتي بالمعاهد فشل المربين الذين رفضوا الاعتراف بذلك وأقحموا أنفسهم في شؤون أبنائهم إقحاما. وهي شؤون لا تعنيهم إلا بقدر ما تعني غيرهم من الأولياء.
قال عيسى عليه السلام: "إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وبنيه وإخوته وأخواته بل نفسه أيضا فلا يستطيع أن يكون لي تليمذا".
وقال عبد الملك بن مروان عن ابنه الوليد: "أضرّ بنا في الوليد حبنا له فلم نؤد به".
وقال حطان بن المعلى الطائي:
لولا بنيات كزغب القطـــا حططن من بعض إلى بعــض
لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعـرض
وإن أولادنا بيننا أكبــــا دنا تمشي عــــلى الأرض
وقال المثل الشعبي: "أحن مني على ولدي كذاب وأحرص مني على مالي خناب".
وهي أقوال تشهد كلها أن العلاقة العاطفية قد تحول دون الرؤية الواضحة وأن التجرد – أي نزع الثوب العاطفي- قد يكون عسيرا .
تلك الشهادات تثبت أن الاقتراب من منابع النور يبهر الأبصار فيحول بينها وبين الإبصار ولا تبقى عندئذ إلا البصيرة. وأن الاقتراب المفرط من الصورة يغلب الجزء على الكل بحيث يعرف الناظر شيئا وتغيب عنه أشياء لشدة قربها منه أو قربه منها.
نعم، إن الغابة كلما دنوت منها بدت لك شجرة أو بعضها
ولقد كان أحمد صوة على حق. ولو طلب مني أن أكتب عن والدي لرفضت.
وإني لأحمد الله على أنني لم اقترب من الحاج علي صوة اقترابا يعشي البصر أو يعوق البصيرة. ولقد كان لا بد أن يأتي شخص مثلي يتصف بالقرب والبعد معا ليحاول الفهم ثم الإفهام. ولا يقنع إلا من كان مقتنعا لأن مسيرة الحاج علي صوة مليئة بالألغاز والرموز.
قالــــــوا عنه
كتب الزعيم الوطني الطاهر صفر في العدد الأول من النشرية السنوية التي أصدرتها جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا سنة 1929: "هو أول تونسي حرك فيه حب العلم أريحية نادرة وعطفا فريدا" وأضاف أن عمله "خلد له ذكرى حسنة ردد صداها العالم الإسلامي" .
اعتبره حسين الجزيري – صاحب جريدة النديم- يوم 15 فيفري 1930 "مثالا أعلى لقيام المستطيع ما يجب عليه نحو أمته ووطنه".
لم تكتب عنه السلطة الفرنسية إلا القليل مكتفية بالقول إنها لا تستطيع أن تمنع رجلا يرغب في "نشر التعليم بين مواطنيه". جاء ذلك في مذكرة مؤرخة في 13 جانفي 1930. لكنها صبت جام غضبها على محمد بن عمر بوزويته -رئيس الشعبة الدستورية بقصر هلال- الذي قالت إنه يتصل بالحاج علي صوة يوميا واعتبرته يوم 12 نوفمبر 1929 "عدو فرنسا بلا منازع" .
رأى الطيب بن عيسى – صاحب جريدة النديم- يوم 13 نوفمبر 1930 في الحاج علي صوة رجلا عظيما "يؤثر بأفعاله مالا يؤثر الخطيب والزعيم بأقواله".
كتب الجيلاني حمزة – مدير المدرسة القرآنية بالمهدية يوم 9 مارس 1938 بجريدة النهضة، "الحاج علي صوة سارت بحديثه الركبان وأثنت على غيرته على الأمة في كل آن".
لم تلبث اللهجة الرسمية إزاء الحاج علي صوة حتى تغيرت إذ نعته الكاتب العام لحكومة الحماية Carteron يوم 17 نوفمبر 1937 حين زار مدرسة "الهلال" بأنه "رجل زيت ذو اتجاه دستوري un huileux à tendance destourienne
دعاه أحمد صفر متفقد اللغة العربية بالمدارس الابتدائية 3 جويلية 1944 "بالمؤسس الأكبر". وكان ذلك بمناسبة التفكير في إنشاء مدرسة قرآنية للبنات بقصر هلال (وثيقة 27).
نعته الطيب المهيري – مدير الحزب الدستوري– "بالزعيم الصامت". وكان ذلك يوم 12 نوفمبر 1954 بالمدرسة الهلالية برحبة الغنم بالعاصمة أثناء إحياء الذكرى الأولى لوفاة الحاج علي صوة. وهو إحياء نظمته جمعية "الشباب الأدبي الهلالي" برئاسة محي الدين حافظ الشملي وحضره رؤساء المنظمات القومية وقد جعلنا ذلك النعت عنوانا لكتابنا (الوثيقة 24).
كتبت جريدة الوزير يوم 30 جانفي 1930: مما يؤثر عن مؤسس المدرسة القرآنية الهلالية أن أشخاصا أسخياء عرضوا عليه مساعدتهم بالمال سعيا وراء الثواب ... فأجابهم بقوله: "إذا رغبتم في ذلك فأحدثوا غيرها" وكان يشارك العمال في البناء من رفع الأحجار وجر الأثقال بنفسه والحال أنه لم يكن من أرباب صناعة البناء وإنما جره لهذا العمل الشاق سعيه في الخير وكفى.
شرع في بناء مدرسة الهلال سنة 1927 وساهم في أشغال البناء بنفسه مساهمة اعتبرها المستشرق Jacques Berque تحولا في العقليات. وهو تفاؤل لم تؤكده الأحداث. فقلما نجد اليوم رجلا يعمل لصالح المجموعة بماله وذراعه كما فعل الحاج علي صوة منذ ثمانين عاما.
سنة 1968 قارن محمد صالح المهيدي – الكاتب والصحفي- بين الحاج علي صوة من جهة والعزيزة عثمانة وألفريد نوبل من جهة أخرى. ولست أوافق على تلك المقارنة رغم سلامة ظاهرها. ذلك أن الحاج علي صوة لم يكن أميرا أو ابنا لعثمان داي ولم يتعلم ما تعلمته العزيزة عثمانة (1606-1669) من أصول الدين ودروس الأدب بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم. ولم يكتشف المتفجرات التي اكتشفها ألفريد نوبل ولم يحدث جائزة للتكفير عن ذلك. وإذا اعتبر المهيدي جائزة نوبل "تاجا يوضع على الرؤوس" فهو محق في ذلك ولكنه لم يكن محقا في الحديث عن الروح السامية التي تحلى بها ألفريد نوبل. فقد بدأ نوبل بمشروع يتمثل في إنشاء مواقع لإحراق الجثث Crematoire قبل أن يتخلى عنه للمعارضة الشديدة التي لقيها من البابا .
سنة 1969 – بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لوفاة الحاج علي صوة – تحدث حسن بن محمد الحجري- الكاتب العام لشعبة قصر هلال الدستورية- عن التجاوب واللقاء بين رجل السياسة محمد بوزويته ورجل البر والخير علي صوة وتأثرهما بالدعوة الإصلاحية في المشرق كيف ذلك؟ كيف ذلك والرجلان أميان ؟
نعته حافظ بن أحمد الشرفي – رئيس اللجنة الثقافية المحلية بقصر هلال- خلال تلك الذكرى "بالرجل الصالح". هكذا الرجل الصالح أي الرجل الذي يصلح (بفتح الياء) لا الرجل الذي يصلح (بضم الياء).
تحدث البشير بن محمد قم- الكاتب العام لفرع منظمة التربية والأسرة بقصر هلال- خلال المناسبة نفسها عن أيادي الحاج علي صوة البيضاء نعم لكن متى أبيضت ؟ وكيف أبيضت سنة 1927 وعمره ستون عاما ؟
تحدث حسن بن علي الأحول- الكاتب العام لفرع التضامن الاجتماعي بقصر هلال- خلال المناسبة ذاتها عن إنشاء المستشفى بقصر هلال سنة 1948 (هكذا) وقال إن الحاج علي صوة كان ذا روح إنشائية عالية جبلت على الخير وحب البشر والعمل الدائب من أجل التقدم والرقي هكذا "جبلت" ؟ هو إذن من طينة الأنبياء. ما فضله إذن؟ ما فضل من خلق آلة لفعل الخير ؟ هل تحاسب الآلات ؟
سئل أحدهم عن قصة سيدنا يوسف عليه السلام فقال باختصار شديد: طاح في البير وطلعوه". أما ما حدث قبل ذلك وما حدث بعده فلا يهم.
سنة 1975 تحدث أحمد بن بكير محمود عن الحاج علي صوة فكتب أنه "أحد أثرياء قصر هلال وأتقيائها وقد رددت أكثر من مرة على ذلك الرأي.
وأما إبراهيم عبد الله فهو لم يذكر اسم الحاج علي صوة بكتابه الذي يضم 230 صفحة وخصصه للحديث عن جذور الحركة الوطنية التونسية عموما فيما دعاه بالشروق وقد غاب عنه – رغم أنه من مواليد 1917 أن الحاج علي صوة ومدرسته قد واكبا ذلك الشروق مواكبة فاعلة. وقد أثبتنا ذلك بالأدلة والبراهين. صحيح أنه درس بالمدرسة الفرنكوعربية لكنه زاول التدريس بمدرسة "الهلال" بضعة أشهر من سنة 1940 قبل أن يجبر محمد صوة – مدير المدرسة- على فصله لأسباب سياسية. ولعل ذلك الفصل قد حز في نفسه وترك بها ألما جعله يقف من المدرسة ومنشئها موقفا سلبيا. وما يزيدنا اقتناعا بذلك أنه أغفل ذكرها في تسجيلات صوتية دامت خمس ساعات أدلى بها إلى المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية سنة 1994- هكذا نحن !
تحدث أحمد بن الحاج علي صوة عن أبيه يوم 7 ماي 1992 فقال إن حوارا دار بدكان عثمان الشملي وبحضور محمد بوزويته عن رغبة السكان في إنشاء مدرسة قرآنية وأنهم يبحثون عن الموقع المناسب فعرض الحاج علي صوة أرضه ببئر بوعجيل. ثم أثير موضوع التمويل وعجز الناس عنه فتطوع الحاج علي صوة. هكذا وبكل بساطة لماذا طرح القوم السؤال على الحاج علي صوة بالذات ؟ ثم لماذا تبرع بأرضه وهو الرجل الأمي؟ لماذا كان ما كان؟ هل كل من تلقى عليه تلك الأسئلة يجيب بما أجاب به الحاج علي صوة ؟ ليت الفقيد أحمد صوة – وهو المتفقد العام للتربية القومية- ذهب إلى أبعد مما فعل.
تحدث عنه أحمد بن الحاج قاسم قعليش أمام الباي يوم 13 سبتمبر 1951 فقال: وجدت منه الحركة الوطنية بالساحل خير ساعد في الملمات وأقوى عضد في المهمات وخير سند في المبرات" .
ما نلاحظه من أقوال الناس عن الحاج علي صوة:
- أنها تتضمن أحكاما. فهم لا يحاولون فهمه بقدر ما يجرؤون على الحكم له أو عليه. غاب عنهم أن الحكم لله والتاريخ. ذلك التاريخ الذي عبر عنه تعالى بقوله: "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض (الرعد 17).
- أنهم يتحدثون عنه حديثهم عن كائن يقع بين السماء والأرض بل أقرب إلى السماء منه إلى الأرض. فلا هو ملاك ولا هو إنسان. لقد غدا عندهم كائنا أسطوريا. أصبحت حياته خرافة وأصبح الحديث عنه تخريفا. وذلك هو شأن كل حديث خلا من التوثيق. وقد غاب عنهم أنهم بذلك يفصلونه عن بني جنسه ويجعلون محاولة الاقتداء به شبه مستحيلة. إذ كيف يمكن الاقتداء بالملائكة؟
نشرت جمعية الشباب الأدبي الهلالي في الذكرى الأولى لوفاة الحاج علي صوة نشرية بها مقال طويل به وعظ منبري يقارن بين الحاج علي صوة ورجال المال والأعمال. فإذا هي حملة عشواء عليهم وإذا هي الهوة تزداد عمقا وإذا هو الثريّا أو فوقها وهم الثرى أو دونه. وكيف يلتقي الثرى والثريّا ؟
كما ساهم حفيده خليف بن امحمد صوة في تحرير النشرية بمقال تحت عنوان "حياته وأثاره" أغفل أن يذكر أنه سبق أن نشره بجريدة الأخبار بداية من يوم 5 نوفمبر 1953؟
أما هو فقد قال عن نفسه: "إذا ما ربحت في الدنيا نربح في الآخرة" .
وبعــــد،
نرى أن الله قد أكرم الحاج علي صوة إذ أراحه من حضور مشهدين فظيعين:
1- مشهد رئيس الجمهورية وهو يدشن مستشفى قصر هلال يوم 6 مارس 1959 صحبة أعضاء الحكومة والديوان السياسي. وقد مضى عام على اعتقال ابنه أحمد لأسباب سياسية في نطاق ما دعي بالمؤامرة اليوسفية أو "قضية التآمر على أمن الدولة" والتي اعتقل فيها 56 شخصا من بينهم أحمد صوة وابراهيم عبد الله والصادق الشايب .
اعتقل يوم 25 فيفري 1958 ليلا وهو مصاب بمرض صدري وأغمي على والدته أثناء اعتقاله. وقع تعذيبه طيلة شهرين و"تعليقه" طيلة عشرين يوما. وما آلمه أكثر هو شتم والده – أي الحاج علي صوة. وقال له رئيس المحكمة – كما قال آخر عن الحاج علي صوة- : إنك لم تكن دستوريا .
وقع الإعلان عن الاعتقال يوم 5 مارس وصدر الحكم يوم 23 ديسمبر 1958 على أحمد صوة وابراهيم عبد الله بالسجن لمدة خمسة أعوام وعدم سماع الدعوى للصادق الشايب بعد أن طلب المدعي العام الطاهر دبية عشرين عاما. وكان محمد القنوني عضوا بالمحكمة صحبة محمود زهيوة وكان رئيسها محمد فرحات.
أطلق سراحه يوم 30 ماي 1960 صحبة إبراهيم عبد الله إثر عفو رئاسي مع السراح الشرطي وولدت ابنته فاطمة وهو بالسجن.
جرى التدشين وأحمد صوة محكوم عليه بخمسة أعوام سجنا لأن صالح بن يوسف حضر حفل زفافه بالقاهرة !
فهل كان الحبيب بورقيبة يعرف أن ابن واهب المؤسسة التي يدشنها رهن سجونه السياسية ؟
2- مشهد المبيت الذي شيده بالمال والمعاناة ووهبه لطلاب العلم ونوهت به كافة الأوساط والجرافات تهدمه لتوسيع "ساحة معقل الزعيم" ولم يمض على بنائه عشرون عاما. سنة 1960.
وأنا لنحس اليوم بغصة كلما مررنا اليوم بتلك الساحة التي أصبحت اليوم خالية موحشة.
يا أيتها النفس...
شهدت قصر هلال في تاريخها المعروف جنازتين عظيمتين شيعت فيهما ابنين من أبنائها:
- كانت إحداهما جنازة الحاج سالم عياد يوم 5 جوان 1928 وتحدثت عنها جريدة "الصواب" يوم 6 جويلية 1928 (أنظر الوثيقة).
- وكانت الثانية جنازة الحاج علي صوة يوم أول نوفمبر 1953 وتتحدث عنها الصورتان التاليتان.
من النادر أن نرى نعشا يرفع على الأكف
وللتاريخ نعيد نشر البلاغ الصادر بجريدة النهضة يوم 8 نوفمبر 1953: إن آل صوة يشكرون جميع السادة الذين شاركوهم في مصابهم الجسيم بفقد والدهم صاحب المبرّات العديدة الحاج علي صوة سواء بالحضور في تشييع الجنازة أو برسائل التعزية ويتمنون أن لا يريهم الله تعالى مكروها في عزيز عليهم إنه سميع مجيب.
رزنامة الحاج علي صوة
1909 الحج
25 جويلية 1911 تولي مشيخة زاويتي سيدي عبد السلام بقصر هلال
15 ديسمبر 1919 استقالة من مشيخة الزاويتين
2 فيفري 1920 التصويت لفائدة خلفه بالزاويتين
25 أفريل 1922 وفاة أمه فاطمة بنت الحاج علي سعيدان
1922-1923 اقتناء هنشير شراحل
1927-1929 بناء المدرسة القرآنية "الهلال" بقصر هلال
2 نوفمبر 1929 افتتاح مدرسة "الهلال"
21 جانفي 1930 اقتناء دار ودكان لتوسيع الجامع الكبير
26 أكتوبر 1930 حفل زفاف لابنيه محمد وعبد الله
2 جويلية 1932 تحبيس مدرسة "الهلال"
ديسمبر 1938 طلب أرض من الوزارة الكبرى لبناء مبيت بالعاصمة
5 نوفمبر 1942 افتتاح المدرسة الهلالية بالعاصمة
21 مارس 1944 شكوى إلى المقيم العام من احتلال الدخلاء للمبيت
17 جويلية 1944 رسالة للإعلان عن اعتزامه فتح أقسام للبنات
1948 بناء حمام بقصر هلال وتحبيسه على المدرسة
1951 بناء جامع الزمزمية بمنزل قابس
13 سبتمبر 1951 دعوة الباي لوضع الحجر الأساسي لمستشفى قصر هلال
17 نوفمبر 1951 تحبيس المستشفى وبداية الأشغال
1952 توسيع جامع بوزير (الحاج سويد) بقصر هلال
1952 إعادة بناء مسجد الباب الجبلي (جامع الجبل) بقصر هلال
1952 تحسين مسجد الباب الشرقي (جامع الخميري) بقصر هلال
28 أوت 1953 تحبيس هنشير البزازية على المستشفى
31 أكتوبر 1953 الوفاة (دفن يوم 1 نوفمبر 1953)
الوثيقة 1:
تونس في 12 نوفمبر 1929
سري جدا
من مدير الأمن العمومي إلى السيد المدير العام للداخلية بتونس
كنتم تفضلتم بطلب معلومات خاصة بافتتاح مدرسة قصر هلال والاستعانة بخدمات عون خاص كتوم وذكي وإني أوافيكم أسفل هذا بنتائج البحث:
سي الحاج علي صوة (كذا) صباغ ونساج بقصر هلال أب لأربعة أطفال ربح في بضعة أعوام ثروة هامة تقدر بعشرة ملايين.
وفعلا فقد اضطر هنا الرجل إلى بيع كل ما يملك ليشتري هنشير شراحيل (800 ألف فرنك) الذي كان على ملك الدكتور شطبون بسوسة. وكان ذلك منذ سبعة أعوام تقريبا. وقد أثمر استغلال ذلك الهنشير ثروته السريعة.
وبعد عودته من الحج لم يعد للحاج علي صوة وهو شخص تقي إلا غاية واحدة وهي إنفاق نصيب من ماله في عمل ينال به الرضا الإلهي.
وقد عبر عن رغبته للكثيرين ومن بينهم محمد بوزويته ممثل الحزب الدستوري بقصر هلال الذي اقترح تشييد مدرسة مثالية بالقرية متذرعا بأن سكان البلاد ما انفكوا يطالبون بدون جدوى بإحداث مدرسة ثانية لأن المدرسة الموجودة لم تعد تستجيب لحاجيات السكان.
وشرع الحاج علي بحزم في الانجاز بمساهمة من المحامي الطاهر صفر أصيل المهدية والصديق الحميم لبوزويته وسي امحمد شنيق كاهية رئيس القسم التونسي من المجلس الكبير.
وبعد أن أحرزت مساعي سي امحمد شنيق لدى إدارة التعليم العمومي للحصول على الترخيص نجاحا رغم معارضة المدرسة المحلية وقع انجاز المدرسة بتصميم منقول عن المدرسة الصادقية بالعاصمة واستخدام أربعة عشر عاملا من المنستير. وكان ذلك منذ عامين.
وفتحت المدرسة أبوابها يوم السبت 2 نوفمبر الجاري بعد أن اكتملت وجهزت تجهيزا عصريا. وأسندت إدارة المعهد إلى سي محمد بن الحاج علي وهو آخر أبناء سي الحاج علي صوة (الأبناء الثلاثة الآخرون يستثمرون الهنشير الأبوي).
محمد بن الحاج علي صوة زاول دراسته بالجامع الأعظم بتونس وغادره بعد التطويع. يتركب إطار المدرسة من ثلاث أساتذة وكلهم من المرسى: العربي الطبربي والبناني والتهامي وسوف نوافيكم بالمعلومات التي سنجمعها عن هؤلاء الأشخاص أحدهم يحمل شهادة الباكالوريا ويدرس اللغة الفرنسية.
وقع ترسيم 300 تلميذ إلى حد اليوم، لكن 235 فقط يزاولون الدروس. كان سي الصادق التلاتلي متفقد التعليم العربي حاضرا يوم افتتاح المدرسة .
كان نجاح المدرسة كاملا، فقد انتقل إليها 30 تلميذا من المدرسة الفرنكو عربية مع أغلب تلاميذ المدارس القرآنية المجاورة.
المدرسة – وتدعي المدرسة الهلالية- تضم ستة أقسام. ويشمل برنامج الدروس اللغة العربية وتعليم القرآن مع اللغة الفرنسية على غرار المدارس الابتدائية. وتعتزم المدرسة تقديم تلاميذها إلى الاختبارات القادمة للشهادة الابتدائية.
وهي إذ بنيت على بعد 500 متر من المدرسة الفرنكوعربية فهي ستكون لها منافسة شرسة.
وبالإضافة إلى الدروس النهارية التي تدوم ست ساعات فقد نظمت بها دروس ليلية للكهول ويحضرها الكثيرون .
ينتدب التلاميذ من جميع الطبقات بدون تمييز. وقد رحب السكان بمبادرة الحاج علي صوة وهو يهنئون أنفسهم بوجوده.
وقد رغب هذا الأخير في أن يقوم بشؤون المدرسة بمفرده. ورفض كل العروض ولعله قام بتحبيس بعض أملاكه لضمان مستقبل المدرسة.
محمد صوة مدير المدرسة وكذلك الأساتذة لا تبدو لهم صلات بحزب الدستور. ورغم ذلك فإن هذا الأخير ينسب لنفسه هذا العمل بفضل اقتراحات محمد بوزويته. ومن الطبيعي أن تكيل تعاليق الجهة والساحل المديح لآل صوة والدستور.
الاتجاهات الوطنية سوف تنمو بصفة خاصة وبدون شك بالمدرسة الهلالية ويتوقع الرأي العام أن تكون المدرسة رجالا متعلمين قادرين على الدفاع عن مصالح البلد والتونسيين.
سي الطاهر صفر الذي قام بانتداب أساتذة المدرسة وبذل جهده لإنجاحها ساهم في جريدة L’Etendard. وقد لا يكون منخرطا في أي حزب سياسي. وإذا كان قد مد يد المساعدة لعمل الحاج صوة فقد لا يكون ذلك إلا لرفع معنويات مواطنيه .
وأضيف أمرا له دلالته وهو أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يعتزمون إحداث فرع للمدرسة في شكل مشفى يتلقى فيه الأطفال المسلمون – سواء كانوا من تلاميذ المدرسة أولا – الفحص الطبي والأدوية مجانا.
ثم أن أهالي المنطقة الذين كانوا يبدون الاحترام والتبجيل لمدير المدرسة الفرنكو عربية سابقا أصبحوا يبدون إزاءه نوعا من البرودة منذ إنشاء المدرسة.
وتلخيصا لما سبق فإنه إذا لم يكن من الممكن أن يلام سي الحاج علي صوة على إنفاق ما له لهدف سياسي موجه ضدنا فمن المؤكد أن هذه المدرسة سوف تصبح بمنطقة الساحل – إن لم تكن قد أصبحت – بؤرة للحركة الوطنية التونسية وأن كل حزب ذي اتجاه مماثل سوف يجد فيها مشتلة (Pépinière) للمنخرطين وحتى النجوم (Vedettes).
إمضاء: مدير الأمن العمومي
المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية، بكرة R676 ملف 4
(ترجمة الحبيب ابراهم)
الوثيقة 2:
مدرسة الحاج علي صوة بقصر هلال
سافرت مرات وزرت الكثير من بلدان المملكة ولا أذكر أني رجعت مفعم الصدر سرورا وحبورا كيوم حللت ببلدة (قصر هلال) وبارحتها أرقص طربا مما رأيت.
رأيت مثلا أعلى لقيام المستطيع بما يجب عليه نحو أمته ووطنه. بل رأيت نموذجا جميلا لوضع المال فيما خلق له وبذله مهرا للسعادة ووقاية من النصب والشقاء.
وما أدراك ما صنيع الخير الغيور السيد الحاج علي صوة مشيد مدرسة قصر هلال ومقدمها بين يدي نجواه مبرة خالدة وحسنة كبرى. ولمثل هذا فليعمل العاملون مدرسة شاسعة الأكناف مترامية الأطراف يبهرك بديع نظامها وتنسيق أقسامها ولا يلهيك عن الاهتمام بما لها من بهاء ورواء بما لها وراء غير حديث صاحبها ذلك الشيخ الوقور والمحسن الغيور.
حادثناه بشأن عمله الصالح فقال – بالرغم من أميته- ما معناه: العلم أفضل ما يسعى الإنسان لحصوله. وتخلية الأبناء في ظلمات الجهل أفظع جريمة يقترفها الآباء. وأنا أؤمل أن أكون بعملي هذا قد سهلت لأبناء بلدي إسعاد أولادهم. وذلك بعض ما يفرضه الواجب على الإنسان. أنفقت مئات الألوف في تشييد مدرستي هذه ولازلت أنفق لإتمام معداتها وأراني أشعر بأكبر لذة وأشمل غبطة كلما زدت بذلا وكيفما أكثرت إنفاقا.
هذا ما كان يقوله ذلك الرجل البسيط لزواره أيام كان منهمكا في العمل مع البنائين كأحدهم وهو يعتقد أن له من وراء عمله ذلك أعظم شرف وأكبر فخر.
على أننا لا ننسى ما رأينا عليه أولئك البنائين الأجراء من كبير النشاط ووافر الاعتناء وكيف كانوا متأثرين بتأثر مؤجرهم. يعملون لا على قدر أجورهم بل بنسبة ما يدور في خلدهم من عظيم التقدير لثمرة ما هم يعملون.
وحيث كنت في أثناء تلك الزيارة مصطحبا آلة التصوير فقد بادرت برسم الصور الثلاث المثبتة خلال هذه السطور. وهي تمثل السيد الحاج صوة واقفا أمام باب مدرسته. ثم ناحية من صحن المدرسة ويرى بها البعض من أخشاب البناء ثم منظر البنائين وترى بعضهم في الصورة يحملون آلات شغلهم لتكون لهم لدى الرائي شعارا .
وبعد فلعل القارئ يفهم أن الذي يحدو بنا إلى التحدث تكرارا عن هذه المدرسة هو حض اغنيائنا إلى الانتباه إلى الواجب لعلهم يحذون حذو هذا الوطني الأبرّ فيجعلون في أموالهم نصيبا لخدمة العلم وإعلاء شأنه والله ولي التوفيق.
من جريدة النديم 15 فيفري 1930.
الوثيقة 3 :
حفل زفاف
قصر هلال
"على الساعة الثامنة من مساء 26 أكتوبر 1930 كنت ترى بسوق بلد قصر هلال وهو المركز الذي اتخذه الهلاليون مكانا للسير منه بالعريس ليلة دخوله تلاميذ مدرسة "الهلال" القرآنية واقفين بشعارهم المدرسي الذي يمثل الوحدة والنظام صفين متقابلين يربط بينهما من الخلف العريسان السيدان الفاضلان محمد بن الحاج علي صوة مدير المدرسة وأخوه عبد الله وأربعة من كبار التلاميذ يحمل اثنان منهما العلم التونسي ويحمل الآخران باقة كبرى من الزهور ووراءهم جمعية الموسيقى الصفاقسيّة تصدح بألحانها الشجية وتبعث برخيم نغماتها في نفوس الحاضرين الفرح والسرور. وكنت ترى من خلف الموسيقى جمهورا كبيرا لا ترى العين نهايته أتوا لمشاركة رجلهم العظيم في سروره وإظهارا لإحساسهم الشريف نحو من مد يده البيضاء لإقامة قصر فخم ينير العقول ويطرد منها جيوش الجهل الغاشمة – تلك المبرة التي ستبقى ذكرى خالدة ترتل آيات الثناء لبانيها ما مرت سنون وكرت دهور.
وبعد الانتظام سير بالعريسين في ذلك الموكب الحافل إلى الدار وبها وقف التلاميذ على شكل نصف دائرة (هلال) مقبلين نحو بيتي العريسين اللتين كانتا متجانبتين ومنشدين جمعا أناشيد مدرسية وطنية قوبلت بالهتاف والتصفيق الحاد ثم تقدم ستة من كبار التلاميذ وصعدوا فرادى على منصة وألقوا قطعا أدبية وطنية وحماسية قوبلت كلها بالتصفيق الحاد ثم صعد تلميذ آخر وتلا على مسمع الحاضرين ثمنا من القرآن الكريم أتقن قراءته بالأداء فأثر على الحضور وأبكى البعض منهم ثم تقدم السيد البشير زنينة معلم العربية وألقى خطبة شكر فيها الحاضرين على جميل إحساسهم وتقديرهم لرجل البر والخير حق قدره وبين الرابطة العظمى التي تربط بهذا العظيم الذي شيد قصرا عديم النظير سيخرج لنا رجالا يخدمون البلاد أجل خدمة ... ثم صعد السيد فرحات بن محمد الصالح وألقى خطبة حث فيها الناس على العلم وتكلم على العادات الفاسدة والبدع الممقوتة ... حقا إن الرجل العظيم الذي يتجلى إخلاصه ويظهر بره وتقواه يؤثر بأفعاله ما لا يؤثره الخطيب والزعيم بأقواله...".
البشير بن محمد زنينة
معلم بمدرسة الهلال القرآنية
من جريدة "الوزير" : 13 نوفمبر 1930
الوثيقة 4
الوثيقة 5
الوثيقة 6
الوثيقة 7
سيدي الجنرال ماست المقيم العام لفرنسا بتونس
إني الممضي أسفله الحاج علي صوة، فلاح مقيم بقصر هلال أتشرف بإبلاغكم ما يلي: كنت لاحظت أن مدينة تونس تعوزها بناية لائقة لإيواء طلبة جامع الزيتونة القادمين من داخل البلاد وأن هؤلاء كانوا يقيمون بمحلات غير صحية مما كان يعرضهم إلى أمراض مختلفة
ولكي أضع حدا لذلك الوضع المزري أنشأت بساحة الغنم بتونس مدرسة تضم خمسة وأربعين غرفة لإيواء الطلبة المعنيين بأرض تابعة لأحد المساجد.
وما أن انتهت الأشغال وعند إدخال النور الكهربائي تعرضت العاصمة إلى القصف الجوي. وقد فضل الطلبة العودة إلى ديارهم خوفا على حياتهم.
وعند بداية سنة 1943 عبر شيخ المدينة عن رغبته في وضع المدرسة تحت تصرف مصالح الدفن للحفاظ على رفات الضحايا. فلم أتردد لحظة في تلبية رغبته لأسباب مقدسة وإنسانية.
وكم كانت دهشتي حين علمت بعد ذلك ببضعة أيام أن السيد الشاذلي زويتن وهو طبيب أسنان سمح لنفسه بخلع باب المدرسة واحتلال غرف المدرسة التي شغلها أعضاء "الهلال الأحمر".
ومنذ وقع حل تلك الجمعية لم أتوقف عن المطالبة بحمل السيد زويتن على إخلاء المدرسة لتقوم بالدور الذي أنشئت من أجله. لكن بدون جدوى.
وبعد زوال أخطار الحرب عاد الطلبة إلى العاصمة منتظرين أن تعود إليهم المدرسة بفارغ الصبر ولم تثمر المساعي العديدة التي قمت بها لدى السيد زويتن. وقد أجاب بأن المحلات مخصصة للإغاثة بينما هو يخصص قاعتين منها لجمعية الترجي الرياضي التي يتولى رئاستها وأن القاعات الأخرى يشغلها أناس قدموا من داخل البلاد.
هؤلاء الناس فضلوا البقاء بالعاصمة عوضا من العودة إلى ديارهم وقد وجدوا بالمدرسة أسباب الراحة. وقد تحولت مدرستي إلى سوق فوضوية لأناس مشكوك في سلامة أخلاقهم إذ هم يعاقرون الخمر ويغذون السوق السوداء. وكل الناس يعرفون أن المدرسة مكان مقدس يجب احترامه.
أسمح لنفسي بأن ألفت نظركم إلى هذا الوضع الذي دفع بالطلبة إلى الإقامة بمحلات لا تليق بهم. إنه وضع فيه انتهاك للدين الاسلامي الذي تعهدت فرنسا باحترامه.
لذلك استنهض همتكم لتأذنوا بالجلاء عن مدرستي.
ملاحظة: وجهت نسخة من هذا إلى السيد الوزير الأكبر وإلى جلالة الباي.
الإمضاء
الحاج علي صوة
تونس في 21 مارس 1944
ترجمة : الحبيب ابراهم
الوثيقة 8
فقيد الإصلاح
قليل من علماء الحلف من يسير على منوال السلف متبعا الكتاب والسنة وشروح الأئمة. ومن النادرين فضيلة العالم التحرير والقدوة الشهير الشيخ السيد الحاج سالم عياد عمدة قصر هلال في مراجعة أصول الدين وفروعه وتطبيق القواعد على صحتها مع مقاومة البدع والضلالات الملصقة بالدين والمنسوبة إليه اعتباطا بل افتراء. فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا تغره في الحق لومة لائم. ولكن ويا للأسف قد انتابته يد المنون فأطفأت نورا كان مضيئا.
نعم مات "الإمام" ولم تمت حسانة، فبالأمس كان يخطب ويعظ ويدعو الناس إلى الخير ويحرضهم على فعله وينهاهم عن الشر ويحذرهم من عواقبه واليوم أبقى لنفسه ذكرا خالدا ودعاء مستمرا. أما الذكر الخالد فهو النصح والإرشاد وإصلاح أخلاق العباد وإما الدعاء له بالخير فمتسبب عن الجامع الذي بناه من ماله الحلال الطيب وصرف عليه مالا ذا بال وقد أوشك بنيانه أن يتم وعن السبيل الذي أحدثه في طريق المهدية وعن العين الجارية التي في أرضه بطريق بني حسان والتي أوقفها على العموم ينتفع بها الأجوار المعطشة أراضيهم وجميع مؤسساته ومشاريعه الخيرية أوقف عليها الزياتين الكثيرة لدوام نفعها. ومع كل ذلك فقد ترك ثروة معتبرة لأبنائه وأعقابه فيها الكفاية.
أوصى الفقيد بأن لا ترفع عليه نائحة صوتا ولا تلطم عليه نادبة خدا وأن تسير جنازته طبق الكتاب والسنة بلا أصوات مرتفعة ولا قراءة في الطرقات فتمم أنجاله وصايته برا بوالدهم المرحوم.
وبالجملة فالمصيبة عظمى والنكبة كبرى لأن فقد العالم الموفق خسارة لا تعوض رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه.
ونحن نعزي فيه أمثاله من العلماء النصحاء وندعو الله أن يلهم أنجاله وأقاربه جميل الصبر لنيل جزيل الأجر.
من جريدة الوزير 9 أوت 1928
الوثيقة 9
ما مات من لم يمت ذكره
إنما المرء حديث بعده – كن حديثا حسنا لمن وعى
-
في اليوم السادس عشر من ذي الحجة الحرام ختام عام 1346 ختمت أنفاس الفاضل الزكي التقي بقية السلف وقدوة الخلف الإمام الواعظ الأبر الشيخ سيدي الحاج سالم عياد ببلدة قصر هلال إثر مرض لم يفقد فيه قوة إدراكه واستقامة شعوره حتى الساعة التي لبى فيها نداء ربه آمنا مطمئنا مستبشرا بلقاء مولاه الكريم. من أحب لقاء ربه أحب الله لقاءه.
كان هذا الشيخ الفاضل مثالا أعلى في الكمال والخيرية والورع والتقوى مواظبا على أداء فروضه الدينية إلى آخر فترة من حياته. فقد أدى فريضة الصبح يوم وفاته وكان رحمه الله محترما محبوبا من الخاصة والعامة له مبرات جليلة. قضى في الإمامة والخطابة أمدا طويلا إلى أن أعفي من ذلك أخيرا بسعاية البعض هداهم الله وعفا عنهم لدى بعض المراجع الحكومية بأن الشيخ أثابه الله سمح بعقد اجتماع سياسي بداره. وهل أدل على مقدار كمالات الشيخ وسعة أخلاقه من عفوه على ذلك الساعي قبيل وفاته ودعائه له بالهداية والتوفيق.
فأرق هذا الشيخ الكريم دار الفناء وارتحل إلى دار البقاء بعد أن قضى في هاته الدنيا ستة وسبعين حولا قضاها في الصالحات فلا بدع إن كان لنعيه التأثير العظيم والأسف العميم وقد تجلى ذلك بأجل مظهر في موكب جنازته. فقد حضره عدد لا يحصى من سائر جهات الساحل ناهيك أن الذين باشروا الصلاة عليه يتجاوز عددهم الأربعمائة. وكان الذي أمهم الفاضل الخير الفقيه الشيخ محمد بن حسين الورداني بوصاية من الفقيد ولقد كان ممن أكرمه الله بصحة إدراكه وثباته إلى آخر نفس من حياته وبذلك تهيأ له أن يملي وصايته كما شاءت له نفسه الكريمة فأوصى بأن لا ترفع عليه نائحة صوتا ولا تلطم عليه نادبة خدا وأن يساق بجنازته على السنة الطاهرة. فلا أصوات ولا قراءة ولا جلبة ولا ضوضاء فنفذت وصايته ولله الحمد فخدم السنة رحمه الله بمماته كما خدمها في حياته ودفن بمقبرة أعدها لنفسه ولأسرته. ليس هذا فحسب كل أعمال الرجل فهناك ما هو أعظم وأدعى للشكر وأبقى للذكر وهو ما نريد تدوينه ونشره بهاته الصحيفة المنتشرة عسى أن يكون فيه ما يدعو الأغنياء المثريين وأهل الثراء المسرفين وأولئك الذين يكتنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله إلى القدوة والتأسي بهذا الرجل الكريم فيجودون على الأمة والوطن بنزر مما أفاض الله عليهم كما فعل أسلافهم الأكرمون. أولئك الذين شادوا المدارس والمساجد والنكايا والمستشفيات وأقاموا الجسور والقناطر وغيرها من معالم البر والإحسان ومعاهد العلم والعرفان وقد انقرضوا وبقيت آثارهم ماثلة وذكرهم مرددا بالرحمة والإجلال حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
أجل لم يكن ما ذكرناه لك كل أعمال الرجل الصالح. فإليك ما هو أجل وأعظم بنى مسجدا فسيحا على أحسن طراز مناسب قرب داره وقد صرف عليه مبلغا له بال ومنذ مدة والعمل مستمر في تشييده وقد أوشك على التمام ولم تبق به إلا تحسينات فأوصى لإتمامه بجانب من المال أوقف عليه مائتين وخمسين زيتونة من خيار كسبه ورتب به خمس قراء يتلون آيات الذكر الحكيم وأوقف عليهم خمسين زيتونة. وأحدث سبيلا عاما على طريق المهدية وحبس عليه ما يكفي لإدامة نفعه كما أن له بأرض على ملكه على طريق بني حسان بمكان معطش عينا جارية أوقفها على العموم وحبس عليها عددا من الزياتين لإصلاحها وتعهدها وإدامة الانتفاع بها ومع ذلك فقد ترك لورثته الخير الكثير بارك الله لهم فيه. فهو وإن مات بجثمانه فسيبقى حيا بذكره العطر وآثاره الخالدة ما بقيت الدنيا وهو إن انقطع عمل غيره بموته فعمله لم ينقطع كما ورد بذلك الحديث الشريف فطوبى له ولأمثاله الصالحين.
فهل لإخواننا الذين أفاض الله عليهم من نعمه أن يقتدوا بهذا الفاضل فيخلدوا من الآثار الصالحة ما يبقى لهم ذكرا جميلا وينيلهم مقاما جليلا يجدونه يوم لا ينفع مال ولا بنون ولمثل هذا فليعمل العاملون.
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال
والله المسؤول أن يمطر على جدث الفقيد شآبيب الرحمة والرضوان ويرزق أهله جميل الصبر والسلوان ويوفقنا للنسج على هذا المنوال مما هو خير وأجدى في الحاضر والمثال – (ر.ب)
من جريدة الصواب 6 جويلية 1928.
الوثيقة 10
قصر هلال
لحركة رجعية يقوم بها الإمام الثاني بجامع البلد لفائدة بقاء البدع الضالة منتشرة بقصر هلال قد تسنى له أن يؤثر على كاهية المكنين بواسطة فيكتب تقريرا ويوجهه إلى الحكومة ضد الإمام العالم الفاضل الشيخ السيد الحاج سالم عياد طالبا عزله وضد الأمثل المعتبر السيد محمد بوزويته بدعوى أنهما يسعيان في إحداث التشويش والانقسام بين أهالي قصر هلال ... فأنتج التقرير إيقاف الإمام الأول عن خطته التي كان يباشرها منذ 35 سنة وقد جاء الكاهية إلى قصر هلال ودخل الجامع وأعلم المصلين بتوقيف الإمام الأول وأمرهم بانتخاب الإمام الثاني بدلا عنه فوافق البعض من أشياع الناصر الشملي أو المنقادين إلى رغبة الكاهية وامتنع الجل العظيم منهم بل صرحوا علانية أنهم لا يصلون خلف الناصر أبدا ولا يرضونه لا إماما أولا ولا ثانيا فطرد الكاهية المعارضين ونهرهم وقال لهم من استدعاكم للحضور هنا (أي إلى بيت الله) وعند خروجهم من الجامع مطرودين قاموا بمظاهرة احتجاج مارين بالطرقات أمام كاهية المكنين وشيخ البلد ثم كتبوا عريضة احتجاج للمولى الوزير الأكبر ممضاة من أعيانهم طالبين إرجاع الإمام الأول وتخلي الثاني لأنه الرجل الوحيد الذي سبب الانقسام والتشويش وقدم العريضة وفد منهم ذهب إلى تونس لهذا الغرض لكنه لم يتمكن من مقابلة أمير الأمراء المولى الوزير الأكبر لمصادفة أيام رأس العام الجديد ولكن قابل الوفد الإدارة الداخلية فقبلت هيئتهم قبولا حسنا وهدأ خواطرهم ومكن روعهم فخرجوا شاكرين ممنونين والمؤمل نجاح مسعاهم كما أنتج التقرير استدعاء مراقب سوسة للسيد محمد بوزويته وتهديده أوائل ديسمبر ظنا منه أنه حقيقة من المشوشين ولكن أخيرا اقتنع المراقب بأن التهمة مفتراة مصطنعة وناتجة عن أغراض ومطامع الإمام الثاني في الإمامة الأولى باستعمال الحيل السياسية كآلة محركة ووسيلة موصلة.
وقد تحققنا أن صلاة الجمعة صارت تؤدى بالمكنين وغيرها من مدن الساحل البعيدة عن قصر هلال من ذلك الحين ولم يصل خلف الإمام الوقتي إلا أشياعه أو العجز والمسنون. أما الصلوات الخمس فكانت تؤدي فرادى بنفس الجامع.
نشرنا هذه الحقيقة وللمولى الوزير الأكبر سديد النظر.
جريدة الوزير 15 فيفري 1927.
الوثيقة 12
الاسم المستوى الثقافي تاريخ التعيين بالمدرسة عدد الساعات يوميا المرتبات الشهرية ما تقاضاه سنة 1936 الإمضاءات
عبد الحميد سليم البروفي العربي اكتوبر 1932 7 ساعات 800 ف 9600 غير واضحة
عبد العزيز النوري ديبلوم الصادقية اكتوبر 1934 650 ف 7800 غير واضحة
محمد زخامة الابتدائية – التطويع – الحقوق ديسمبر 1931 600 ف 7200 غير واضحة
محمد علي الفريقي التطويع في العلوم ماي 1934 385 ف 4620 غير واضحة
محمد البحري التطويع في العلوم أكتوبر 1936 350ف 1550 غير واضحة
أحمد الشرفي التطويع في القراءات سبتمبر 1935 300ف 3600 غير واضحة
المكي الراضوي الشهادة الابتدائية جانفي 1929 600ف 7200 غير واضحة
رحيم بن صالح التطويع في العلوم ديسمبر 1932 400ف 4800 غير واضحة
البشير الشريف الطرابلسي مؤدب أكتوبر 1931 200ف 600 غير واضحة
31 مارس 1937 إمضاء : محمد صوة
(من ملف المدرسة بوزارة التربية القومية)
الوثيقة 13
مدرسة "الهلال" القرآنية بقصر هلال
فتحت هذه المدرسة الحرة في شهر نوفمبر 1929 بهمة مواطننا الفاضل السخي السيد الحاج علي صوة أحد أعيان البلدة. ولقد بناها من كيسه الخاص على أحسن طراز واسعة الأقسام كثيرة المنافذ للهواء الكافي وقد رأى أبقاه الله أن يكون التعلم بمدرسته مجانا لجميع طبقات التلامذة ومن ذلك التاريخ إلى اليوم لم نستخلص من تلامذتها صانتيما واحدا. أما في الوقت الحاضر فهي تحتوي على عشرة أقسام فيها خمسمائة وسبعون تلميذا. وقد زرناها أخيرا واجتمعنا بأساتذتها وأخذنا منهم أمام مدخل المدرسة هذه الصورة الجامعة التي ننشرها مع هذا الكلام وقد ظهر فيها مدير المدرسة الحازم الأستاذ محمد صوة ومعه بقية المعلمين الأساتذة أحمد الشرفي – البشير الشريف - رحيم بن صالح – الطيب بن حميدة – فرج جمعة – محمد بن فرج – المكي الراضوي – عبد الحميد سليم- محمد قرطاس – محمود العياشي – ومعهم قيم المدرسة السيد أحمد البهلول ونحن نغتنم الفرصة لشكر جناب المؤسس وشكر جميع معلمي المدرسة على المجهودات الجبارة التي هم باذلوها في تهذيب الصغار متمنين للمدرسة حياة طويلة وسعيدة.
مجلة تونس المصورة 1 ماي 1939
(صاحبها: سعيد أبو بكر)
1- أحمد البهلول الباهي – عامل (1904 – 1978)
2- محمد قرطاس – معلم من 1938 إلى 1956
3- البشير الشريف الطرابلسي – مؤدب من 1936 إلى 1959
4- المكي الراضوي: معلم من 1929 إلى 1945
5- رحيم بن صالح بن بوذينة الجبالي: معلم من 1934 إلى 1956
6- عبد الحميد سليم: معلم من 1932 إلى 1946
7- محمود العياشي: معلم من 1938 إلى 1939
8- محمد صوة : المدير من 1929 إلى 1957
9- أحمد بن محمد الشرفي معلم وعدل من 1935 إلى 1943
10- الطيب بن حميدة : معلم من 1937 إلى 1942
11- فرج جمعة: معلم من 1938 إلى 1946
12- محمد بن فرج: معلم من 1938 إلى 1956
الوثيقة 14
"... لو درى البعض من التونسيين مقدار اعتناء الأمم بمدارسها الحرة وتجولوا في مدن فرنسا ومصر وسويسرا وغيرها وشاهدوا... لانفجرت أعينهم دمعا ولتصدعت أفئدتهم أسفا على ما يقاسيه أطفالنا نحن ... ولو درس أولئك الأفراد التاريخ العربي وحضارة الإسلام... من دمشق إلى الكوفة إلى مدينة بغداد إلى مدن الأندلس لأبصروا أن تلك الحضارة أسست وقويت على قاعدة اعتناء القوم بالتعليم... ولكن التونسيين غالبهم لم يتجولوا في البلدان ولم يطالعوا ما احتوت عليه بطون التاريخ فلم تحنكهم الأسفار ولا الأخبار فبقوا منكمشين على جملة من العوائد ورثوها عن عصور التدهور والسقوط ومنها عادة قلة البذل والإنفاق فذبلت مشاريعنا وتقلص ظل مؤسساتنا وبقينا نتخبط في حياة تأخر وانحدار إلى أن أتيح لبعض العظماء من رجال تونس وهو الفاضل الغيور السيد الحاج علي صوة ببلدة قصر هلال أن بحي عادة الأجداد القدماء وهي طبيعة الكرم والاستماتة في سبيل المجد والشرف فأسس بماله الخاص هيكلا عظيما طار ذكره في الآفاق وصيره مدرسة ابتدائية وأنفق عليه الأموال الطائلة ...
جريدة النهضة 20 أوت 1930
(من خطاب ألقاه الطاهر صفر بالمهدية بمناسبة الحفلة السنوية للمدرسة القرآنية بالمهدية يوم 13 أوت 1930).
الوثيقة 15
صورة الحاج علي صوة رب الحسنة الخالدة أثناء عمله في بناء المدرسة التي أسسها بقصر هلال
نرى فوق هذا الكلام صورة المحسن الكبير علي صوة الذي أسس المدرسة الوطنية ببلد قصر هلال. وهي مدرسة على نمط المدرسة الصادقية بالحاضرة. وهو أول تونسي حركت فيه حب العلم أريحية نادرة وعطفا فريدا فشيد لذلك من ماله الخاص بيتا جميلا خلد له ذكرى حسنة ردد صداها العالم الإسلامي ولم يكتف بالوقوف على بنائها فقط بل شارك بنفسه وعمل مع البناة فكنت لا تفرق بينه وبينهم والذي يلزم الإشارة له هنا هو أن البناة من أبناء قصر هلال. فطوبى لهم ولحاتمهم الذي عرف كيف يخدم العرفان.
منظر المدرسة الداخلي وهي من وضع المهندس محمد اسكندر
صورة البناة الذين شادوا بناء المدرسة
جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين بفرنسا - النشرة السنوية
(1928-1929) المطبعة التونسية 1929
الوثيقة 16
نسخة من حبس مستشفى الحاج علي صوة
الحمد لله، أشهد الأجل الخير الأبرّ الحاج علي بن المرحوم محمد بالفتح ابن الحاج محمد بالضم صوة الهلالي عمره أعوام 80 صناعته الفلاحة مقره قصر هلال أنه حبس ووقف وابد جميع القطعة بياضا في الوضع الجوفي من سانيته المعروفة ببئر القصار وتعرف الآن ببئر بوعجيل لصق جدران قصر هلال قيس القطعة المذكورة بإشهاده ضمن الوضع الجوفي قبلي مشرقا بغرب اثنتان وستون مترا وفي الوضع القبلي مشرقا فغربا اثنتان وستون مترا أيضا ومن الوضع الشرقي مقبلا فجوفا خمسة وستون مترا ومن الوضع الغربي مقبلا فجوفا اثنان وثمانون جملة مساحته 4557 مترا أربعة آلاف وخمسمائة وسبعة وخمسون مترا مربعا يحدها من أملاكه الآن قبلة بياض من بقية السانية المذكورة وشرقا طريق التنظيم الموصل للمنستير وجوفا بياض أولاد البحري منهم صالح بن محمد بن عبد الحميد البحري الهلالي ومنصور بن عبد الله جمور وغربا زياتين للوقف العام بقصر هلال لوقف القرابة ليقع بناء القطعة المذكورة مستشفى لمداواة المرضى من أهالي قصر هلال وغيرها وذلك على نفسه مدى حياته وبقائه بدار الدنيا ويكون النظر له مدة حياته ثم بعد وفاته فيرجع المستشفى المذكور لإدارة وزارة الصحة بحاضرة تونس يكون النظر لها في ذلك من تأثيثه بما يلزم تأثيثه به وتعيين أطباء وممرضين ومستخدمين بالمستشفى المذكور كسائر المستشفيات من أمثاله واشترط المحبس المذكور في تحبيسه لما ذكر كسائر المستشفيات من أمثاله واشترط المحبس المذكور في تحبيسه لما ذكر أنه إذا وجد من أولاده وأحفاده وذريتهم ذكورا وإناثا وأزواجهم وتناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام من يحتاج للمعالجة والخدمة فأنهم يقدمون على غيرهم في المعالجة والخدمة ومباشرة الخدمة من أطباء وممرضين ومستخدمين وغيرهم مما يحتاج لذلك المستشفى المذكور العمل بذلك حبسا مؤبدا حراما سرمدا ولا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يقض من دين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين أبي يوسف يعقوب صاحب الإمام الأعظم رضي الله منه عن سائر الأئمة أجمعين القائل بصحة التحبيس على النفس ثم على الغير من غير افتقار إلى حوز ولا إلى قبول ولا إلى حكم حاكم وهو ما جرى به العمل في سائر الأقطار والأمصار ترغيبا للناس في فعل الخير الصائر له ملكية القطعة المذكورة مع بقية السانية المذكورة بالابتياع له ولوالته فاطمة ابنة الحاج علي سعيدان الهلالي المتوفية في 27 شعبان وفي 25 أفريل 1340/1922 المنحصر ارثها فيمن ذكر بوثيقة إشهاد تامة الموجب شرعا مؤرخة بيوم السبت في 2 شوال وفي 17 جوان 1340/1922 منعقدة بشهادة العدلين في هذا محمد عياد والفقيه الشيخ حسين القصاب متنبر وحسب رسم الشراء المذكور.
بشهادة العدلين بالمنستير الشيخين أحمد بن محمد عباس ومحمد الدبابي مؤرخ بيوم الأحد من رجب في 8 أوت 1325/1907 وخلاص معلومه بسوسة في 23 أوت 1907 متنبر كيف بين ذلك برسم المضمون يمنى محوله وأن قيمة القطعة المحبسة المذكورة لذكر المحبس المذكور مائة واحدة ألف فرنك في ذلك 100000 شهد عليه بذلك بالسانية المذكورة بالحالة الجائزة والطموح والمعرفة في تاريخ الساعة الرابعة مساءا من يوم السبت السابع عشر من صفر الخير عام 1371 واحد وسبعون وثلاثمائة وألف والسابع عشر من نوفمبر 1951 واحد وخمسون وتسعمائة وألف خرج بعد خلاص معلوم نقله بالمنستير في جانفي 1952 تحت عدد 1036/95 قبلنا بصحته بينهم من غير شطب حسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.
1332
محمد بن سالم عياد الناصر الشملي
العدل بقصر هلال العدل بقصر هلال
الوثيقة 17
عقد تحبيس هنشير البزازية الكبرى على المستشفى
الحمد لله أشهد الأجل الأبر الفاضل السيد الحاج علي بن المرحوم محمد بالفتح ابن الحاج محمد صوة الهلالي المولود عام 1873 الافرنجي الملاك بقصر هلال المتزوج على مقتضى المذهب الإسلامي بالمرأة آمنة ابنة عبد الله بن أحمد جمور الهلالي المولودة في عام الساكنة بقصر هلال ومن الجنسية التونسية أنه حبس ووقف وأبد جميع القطعة أرضا وتسمى بزازية الكبرى قيسها 318 هكتارا و 27 آرات يحدها طبق نسخة من رسم التملك شرقا المبطوحة وجوفا طريق 64 الموصل من مجاز الباب إلى فريفيل المسجلة بدفتر خانة تحت عدد 132086 المحرر فيها مثال 131902 وفي إشهاد المحبس الحاج علي المذكور أن بالقطعة المذكورة داران يشتملان على مرافق ومساكن ولها مجرى من واد مجردة القريب منه لشرب بعض الأملاك التي بها صارت له بالشراء من بسيس أدمون وجورج وروني بسيس من سكان تونس تاريخه في 4 سبتمبر 1944 أيضا وخلص معلوم نقله في 14 مارس 1946 ومن ألبير بسيس تاريخه في 24 ديسمبر 1944 أيضا وخلص معلوم نقله بتونس في 14 مارس 1946 وذلك على نفسه مدة حياته وبقائه بدار الدنيا ثم بعد وفاته ولحوقه بالدار الآخرة فيرجع الحبس المذكور حبسا على المستشفى الذي أحدثه المحبس الحاج علي المذكور بقطعة بياض بسانيته المعرفة ببئر بوعجيل لصق جدران بلد قصر هلال قيس القطعة المحدث بها المستشفى المذكور ميتروات 4557 مربعة يحدها قبلة بياض للمحبس المذكور بقية من السانية المذكورة وشرقا طريق التنظيم الموصل للمنستير وجوفا بياض لأولاد البحري منهم صالح بن محمد بن عبد الحميد البحري الهلالي ولمنصور بن عبد الله جمور وغربا زيارتين للوقف العام بقصر هلال ولوقف القراء بها ويصرف جميع دخل القطعة المسماة بزازية الكبرى المذكورة بعد طرح المصاريف اللازمة لها من خدمة وغيرها وذلك على إتمام بناء وترميم وتأثيث ما يلزم للمستشفى المذكور وجميع لوازمه ثم بعد إتمام ما ذكر من بناء وتأثيث كيف ذكر فيصرف ما يتحصل من دخل القطعة المحبسة المذكور على القيام بلوازم المستشفى المذكور من أجرة أطباء وممرضين وممرضات ومستخدمين به وإصلاح ما يلزم إصلاحه من ترميم وتبييض ودهن متى احتاج لذلك وشراء آلات تابعة للمداواة به وجعل المحبس الحاج علي المذكور وعين المدير لشؤون المستشفى المذكور لمهنة التطبيب والمداواة وتعيين الأطباء والممرضين والممرضات والمستخدمين به هو ابنه الأجل الدكتور السيد حسن الطبيب الآن بسوسة ولابنه حسن الطبيب المذكور النظر الأتم في جميع الإجراءات الطيبة وغيرها بالمستشفى المذكور وجعل المحبس المذكور النظر في القطعة المذكورة من سائر الخدمات الفلاحية وغيرها كالتسويغات وغيرها متى احتاج لذلك ثم بعد وفاة صالح المذكور يكون النظر في شؤون القطعة المذكورة والتصرف فيها كيف ذكر لأخيه للأب الأجل السيد أحمد بن المحبس المذكور كيف ذكر ثم من بعد أحمد المذكور فيكون النظر في ذلك كيف ذكر لأخيها للأب الأجل الحاج عبد الله ثم بعد وفاته فيكون النظر للصالح الأكبر من أولادهم الذكور ومن أبناء أخيهم للأب الأجل الشيخ محمد ومن أبناء أخيهم المرحوم امحمد وهما خليفة والحبيب ولأبناء أخيهم السيد حسن الطبيب المذكور طبقة بعد طبقة ونسلا بعد نسل والطبقة السفلى لا تشارك العليا ومن مات منهم عن عقب ذكر قام عقبه مقامه ومن مات منهم عن غير عقب ذكر رجع حقه لمشاركه في الطبقة ويقدم الصالح المثقف في جميع الطبقات على غيره فإذا انقرض العقب وعقب العقب ممن ذكر إماما بعد إمام وما فضل من دخل القطعة المذكورة بعد لوازم القطعة المذكورة بعد القيام بلوازم المستشفى المذكور كيف ذكر يكون الفاضل المذكور لأبنائه صالح وأحمد والحاج عبد الله المذكورين ولابنيه الدكتور حسن الطبيب المذكور والشيخ محمد ثم لأحفاده المذكورين وأحفاد أحفاده طبقة بعد طبقة ونسلا بعد نسلا من المذكور فقط كيف بين آنفا ويقسم الفاضل المذكور على السواء بين كل طبقة كيف ذكر حبسا مؤبدا ووقفا حراما سرمدا لا يباع ولا يوجد ولا يورث ولا يقضي منه دين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم آخذ ومقلدا في تحبيسه المذكور مذهب الإمام الثاني أبي يوسف يعقوب صاحب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وعنح سائر الأئمة أجمعين القائل بصحة التحبيس على النفس ثم على الغير بدون افتقار لحوز ولا قبول ولا حكم حاكم وهو ما جرى به العمل في سائر الأقطار والأمصار ترغيبا للناس في فعل الخير وأن قيمة ما حبسه المحبس المذكور عشرون مليون فرنك وفي إشهاد المحبس الحاج علي المذكور أنه كان حبسي جميع القطعة بياضا المحدث بها المستشفى المذكور على نفسه مدة حياته ويكون النظر له فيه مدة حياته ثم بعد وفاته فيرجع النظر في المستشفى المذكور لإدارة الصحة بحاضرة تونس في ذلك من تأثيثه وتنظيمه وترميحه وتعيين الأطباء والممرضين والممرضات والمستخدمين بالمستشفى المذكور كسائر أمثاله حسبما الحبس المذكور مؤرخ بيوم السبت 17 صفر نوفمبر 1371/1951 وخلص معلوم نقله بالمنستير في 7 جانفي 1952 تحت عدد 126 منعقد بشهادة شهيديه هذا به الجواز والمعرفة .... وبعد ذكره لذلك أشهد المحبس الحاج علي المذكور شهيديه أنه حذف نظر إدارة الصحة العمومية المذكورة بالمستشفى المذكور كيف ذكر وبعد فالنظر في تعيين من يكون خلفا للدكتور المذكور أن الفقير الذي لا مال له ولا مشمول من أهل بلد قصر هلال ومن غيرها يداوى بالمستشفى المذكور مجانا من غير دفع شيء من أجرة التطيب والأدوية الموجودة به وفي إشهاد المحبس المذكور أيضا أنه إذا وجد من أولاده وأحفاده وذريتهم ذكورا وإناثا ومن أزواجهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام من فيه كفاءة للمعالجة والخدمة بالمستشفى المذكور فإنهم يقدمون على غيرهم فيما ذكر أشهد المحبس المذكور بجميع ذلك شهيديه وشهد على إشهاده بذلك وسط بيت جوفي من داره الكائنة بحومة بير بوعجيل بقصر هلال بحال مرض وهو جالس بفرشه هناك وهو ثابت العقل والميز عارفا ما يقوله ويقال له بتاريخ الساعة 9 صباحا من يوم الجمعة 17 من ذي الحجة الحرام 1372 و 28 أوت 1953.
الوثيقة 18
يا ملك البلاد المعظم أيها المنصور بالله
إن هذا الوفد من أبنائكم المخلصين بقصر هلال ليرفع إليكم على كاهل الاحترام والتقدير أعظم التمنيات بهذا العيد السعيد أعاده الله عليكم وعلى كل من انتسب إليكم وعلى شعبكم المجاهد لإرجاع حريته واستقلاله في عصركم الزاهر المنير وتحت لواء وعرشكم العالي الخفاق وبقيادة أبنائكم زعماء تونس الغر الميامين وينتهز هذه الفرصة السعيدة ليعرب لكم على متين تعلقه بعرشكم المفدى وعظيم امتنانه لما تقومون به من جليل الأعمال لتخليص هذا الوطن المقدس مما هو فيه من هضم حق ودوْس كرامة وذلة وهوان. وهي أعمال تشرفنا وترفع رؤوسنا عالية يا جلالة الملك وتجعلنا نستحق مكانا مكرما تحت قرص الشمس لا أثر فيه لمكر المستعمرين ولا لظلم الظالمين ولا لإرهاق المستبدين أعمال جبارة جاءت في إبائها وفي ساعة الاحتياج إليها وهي سوف لا تكتب فقط على صفحات تاريخكم الحافل الماجد بمداد الدم الزكي أو الذهب الأبريز بل ستكتب أيضا على صفحات قلوبنا. وفي هذه الكتابة الغالية العزيزة مطمع لشفاء ما في القلوب من كمد وزوال لما في الصدور من ضيق وحرج.
يا جلالة الملك المعظم: إن هذا الشيخ الوقور أبانا الحاج علي صوة الذي حظي الآن بالمثول أمامكم وتشرف بالوقوف على أعتابكم لاشك أنكم ترونه قد بلغ من الكبر عتيا وشيب رأسه كر الغداة ومر العشي. ولكن في الحقيقة والواقع ما شيبه إلا اقتحام الأهوال في مغالبة النفس لفعل البر والإحسان. فلقد وجدت منه الحركة الوطنية بالساحل خير ساعد في الملمات وأقوى عضد في المهمات وخير سند في المبرّات. فلقد ألم بنا فيما مضى جهل مرير قاهر فرغب منه أحرارنا الوطنيون أن يشعلها فيهم منارة وضاءة للعلم والهداية فشيد لها مدرسة قرآنية فريدة في نوعها بقصر هلال أنقذت شبابا كثيرا من الجهل والتشرد ثم أراد أن يسهل على هؤلاء الشبان تعلمهم الثانوي بتونس فبنى لهم بها مدرسة للسكنى من طراز رفيع بساحة الغنم فئاواهم بها بالفعل ثم حبس عليهم أخرى بحي تربة الباي، كل ذلك ابتغاء وجه الله الكريم ورغبة في أن يرى هذا الشعب يتقدم إلى الإمام بأبنائه المتعلمين الناهضين دون أن يلاقوا في طريقهم عقبات تكاثر النفقات في سبيل العلم والنور. أما أعماله الخالدة المبرورة في اقامة بيوت يذكر فيها اسم الله سواء بالساحل أو بالجنوب التونسي فحدث عنها ولا حرج. فهي تدل على أن قلبه امتلأ نورا وإيمانا فأضاء واهتدى ونفس شريفة تواقة إلى فعل الخير فنفذت ما تحب طاعة لله وطلبا لمرضاته. واليوم أيها الملك العظيم أخذت هذا الشيخ رأفة ورحمة بالفقراء المرضى والتعساء المتألمين الذين عز عليهم الدواء وفقد عندهم المواسي فعزم على أن يقيم لهم مستشفى بقصر هلال يجدون فيه دواء يخفف عنهم آلامهم ومواسيا حكيما يجبر خواطرهم ويعالج برفق وصبر أمراضهم وأحزانهم. وبعد أن صح منه العزم هيأ له الأسباب فتهيأت والحمد لله. ولكن بقي له سبب واحد يزيده شرفا ورفعة. وهو الذي جاء به إليكم وأوقفه أمامكم ألا وهو تشريف قصر هلال بزيارتكم لتتولوا بأنفسكم وضع الحجر الأساسي في هيكل هذا المستشفى الذي سيقام على تقوى من الله وعلى العطف والشفقة بعباده البائسين.
ولنا جميعا في الجناب العالي أيده الله أعظم الأمل لتحقيق الدعوة بقبولها والله الكفيل أن يكلل بالفوز والنصر كل عمل فيه سعادة هذا الوطن العزيز علينا. وهو وحده المسؤول أن تجازي عنا المحسنين خير الجزاء – إنه سميع الدعاء.
لا زال نجم ملكنا الأمين في صعود وأيامه كلها أعياد وسعود في وطن مستقل سعيد تحطمت فيه القيود فتجدد فيه عز الآباء والجدود.
أحمد بن الحاج قاسم قعليش (الحبشي)
جريدة "الصباح": 19 ديسمبر 1951.
الوثيقة 19
الوثيقة 20
الوثيقة 21
جناب الصدر الهمام العماد الأفخم أمير الأمراء سيدي مصطفى دنقزلي الوزير الأكبر بالإيالة التونسية حرسه الله آمين السلام عليكم التام اللائق بسامي المقام وبعد فالمنهي لجنابكم السامي هو أنه كان اعتدى منذ عام فارط المسمى محمد بوزويته الهلالي حفيد سي حسين بوزويته شيخ الجوفية بقصر هلال على سي الناصر الشملي الإمام الثاني بجامع الخطبة بالبلد عند صعوده على المنبر لأداء فريضة الجمعة وقد اشتكى هذا الأخير مما وقع من التعدي على ناموس وظيفه وحررت أوراق في النازلة على يد سلفنا أحيلت على جناب المجلس العدلي بسوسة صحبة مكتوب مؤرخ في 13 أكتوبر 1925 وحكم بها المجلس على دعوى التعدي بحفظ النازلة ومن حيث التشويش حكم على المدعى عليه بخطية قدرها 20 فرنكا.
وتعصب أناس مع المعتدي المذكور المدعي رئاسة الفريق الدستوري بالبلد من جملتهم سي سالم عياد الإمام الأول بالجامع المذكور وسي حسين بوزويته الشيخ المذكور سريا وتعصب آخرون ونكروا على أفعال محمد بن عمر بوزويته المذكور وأن السبب الوحيد في أحداث الخلاف المشار إليه هو أن محمد بوزويته المذكور كان سعى في تصيير كافة أهالي قصر هلال دستوريين ولما امتنع البعض منهم من السلوك في طريقته ادعى أن قراءة القرآن العظيم ودلائل الخيرات بجامع الخطبة فيما بين الأهاب الأول والثالث تشويش على المصلين ومن ذلك جماعة الحزب الدستوري تعرضوا لتلك القراءة وقصدوا إبطالها بالمرة والحزب الثاني صمم على مداومة القراءة حسبما جرت به العوايد بجوامع المملكة وعندئذ وقع شقاق بين الطرفين في أثنائه صدر إذن من الوزارة السامية لفضيلة الشيخ القاضي بالمنستير يتضمن إبطال قراءة ما ذكر بالجامع المذكور يوم الجمعة. وفعلا كان حضر في ذلك التاريخ الإمام الأول والثاني المذكوران وأعلما الأهالي بما صدر به الإذن الأمر الذي اعتبره الدستوريون انتصارا تاما على من خالفهم وصاروا يهنئون بعضهم بعضا ويتنكلون على قراء الأحزاب الذين امتثلوا لما جاء به الأمر وانكفوا عن القراءة بالجامع ومن ذلك التاريخ لم يبلغنا ما يشوش الراحة أو ما يحدث الهرج بالبلد وفي 15 سبتمبر الجاري أعلمنا سي حسين بوزويته شيخ الجوفية المذكور بأن المنصور مامة أحد سكان قصر هلال ومن المشيخة القبلية بالبلد أطلق بريحا بسوق البلدة المذكورة لإعلام العموم بأنه ورد إذن من الوزارة السامية أبطل ما جاء به الإذن الأول ولقراء الأحزاب أن يعودوا لقراءتهم حسب العادة. وحينئذ وقع تشويش بالبلد وتشاتم البراح ورئيس الحزب الدستوري محمد بوزويته المذكور كما عرفنا الشيخ المذكور بأن حفيده المذكور أعلمه بما وقع ورغب منه أن يحرر له تقريرا في النازلة وفعلا حرر له تقريرا وسلمه له يصل جنابكم نسخة منه صحبة هذا ونسخة من مكتوب وجهه لنا الإمام الثاني في الموضوع وعرضت علينا النازلة التي تعاطينا فيها إجراء الأعمال القانونية اللازمة لا من حيث التعلق بالقراءة أو عدمها حيث أنها خارجة عن أنظارنا بل من حيث توقع وإثارة الهرج بين القراء والحزب الدستوري الذين من جملة أعضائه الإمام الأول سي سالم عياد ومما يحقق لنا مشاركة الإمام المذكور للحزب الدستوري هو أنه في خلال عام 1924 كان قدم وفود دستوريون على بلدة قصر هلال وفتح لهم سي سالم عياد الإمام المذكور داره واجتمعوا فيها مع غالب أهالي البلد وألقوا خطبا دستورية وبموجب ذلك وقع إقبال تام على الوافدين بسبب وجود الإمام الأول بين أظهرهم وسي حسين بوزويته شيخ الجوفية على علم من ذلك الاجتماع وهذان الأخيران الطاعنان في السن لو أرادا إزالة الخلاف لأمكنهما ذلك بغاية السهولة لأنهما مسموعين الكلمة عند الحزب الدستوري الذي يرى اليوم أن قراءة القرآن العظيم ودلائل الخيرات هي من البدع ومن جملة ما وقع في ذات يوم كان تهدد المسمى محمد بوزويته الرئيس المذكور أحد القراء في أثناء تشييع جنازة بذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله حسب عادة المؤمنين ومنعه من القراءة وكانت تقدمت لنا شكاية في الموضوع وقامت عليه البينة فيها ولدى تعاطي إجراء الأعمال القانونية في شأنها إذ حضرت جماعة من أعيان البلد وتداخلوا بالصلح بين رب الدعوى ومحمد بوزويته المذكور ووقع إسقاط الدعوى (ذكرنا لسمو جنابكم هاته الواقعة لتتحققوا استمرار من ذكر على الترامي ومس ما يتعلق بالأمور الدينية) معتمدا في ذلك معاضدة من سبق ذكرهما اللذان انتمى إليهما ما يفوق عن الثلاثمائة نسمة من الشبيبة ونرى من واجبي إيضاح ما هو جار الآن بقصر هلال والذي بدون أدنى شك أن بقيت الحالة على ما هي عليه الآن تكون عاقبتها وخيمة ربما أدت إلى المضاربة بداخل الجامع لدى أداء فريضة الجمعة ومما نلاحظه لسامي الجناب هو أنه لا يقع شيء من ذلك في جمعة الإمام الأول سي سالم عياد المذكور الذي هو نفسه له أغراض شخصية مع الإمام الثاني منشأها أمور منها كان تقدما لامتحان التدريس بقصر هلال وفاز الإمام الثاني وحصل عليه. ومنها مشاركته في مباشرة صلاة الجمعة بالمناوبة ومنها كان أمل الإمام الأول السعي وراء التحصيل على رتبه إمام ثاني لابنه العدل محمد ولذا كان حقده وحسده للإمام الثاني في ازدياد. وفي 16 سبتمبر الجاري وفد علينا من أعلمنا بأن سي سالم عياد وسي الناصر الشملي قرءا في ذلك اليوم على المصلين إثر صلاة العصر مكتوبا ورد لهما من الشيخ القاضي المذكور مضمونه أن قراءة القرآن العظيم ودلائل الخيرات بجامع الخطبة قبل خروج الإمام بحصة وبصوت خفي رجعت لما كانت عليه قبل صدور الإذن الأول الأمر الذي حصل منذ سرور تام لقراء الأحزاب وعكس مقصد جماعة الدستوريين وكل منهما تأهب. أما الأول لقراءة الحزب وأما الثاني قصد التعرض له في ذلك. ... ويظهر جليا مما صدر منه أنه من المعاضدين للحزب الدستوري حتى أوصل الأمور الدينية وصيرها معرضا ليتوصل لأغراضه الشخصية يريد بذلك إسقاط الإمام الثاني لينفرد بالإمامة الذي يتوصل بها لزيارة النفوذ وليتخذونه قدوة ولتلويث سمعة غيره ولا يخفى على جنابكم أن ما قرر ينشأ عنه التهزئة بالأمور الدينية ويتسبب في تحمس المكابرين عن القيام بواجباتهم الدينية ويؤدي ذلك إلى ما لا يحمد عقباه هذا وخشية وقوع الثورة المشار إليها التي كانت متحققة الوقوع استصحبنا بعض الثقات من بلد المكنين وتوجهنا عاجلا يوم الجمعة 17 سبتمبر الجاري قبل صلاة الجمعة إلى جامع الخطبة بالبلد مصحوبين بشيخي البلد والإمام الأول والثاني ولدى حلولنا به وجدنا عددا وافرا من أهالي البلد يقرأون القرآن العظيم فرادى من المصحف وحزبا متركبا من نحو العشرين نفرا يقرأون الدلايل بصوت عفي مستحب بموجب حبس موقوف على قراءة ذلك قبل الجمعة وتحققنا عندئذ بأنه لا مانع من التمادي على القراءة بالصورة المقررة رغم تعرض محمد بوزويته زعيم الحزب المذكور المشاع عليه أنه تارك للصلاة وموجب تداخله في المسألة القصد منه للسمعة والرياء والمظاهرة بالضدية سعيا وراء التحصيل على شهرة بين أرباب العقول الضعيفة والاستيلاء عليهم وضمهم لحزبه وجعلهم تحت سلطته والتشويش على ولاة الأمور والذي يعتبر نفسه حرا هو ومن معه من سلطتهم ولا نفوذ لهم عليهم وبعد لذلك كذلك أتشرف بأن يسمح لي الجناب في طلب زجر محمد بوزويته المذكور المتسبب في إثارة التشويش ببلده هادئة ضعيفة الحال حسنة المستقبل من حيث معاملها التجارية وباتخاذها ما يراه الجناب من الوسائل اللازمة في ما يخص الشيخ وللإمام الأول ونرى إن لم يكن مانعا في تأخير الإمام الأول الذي في تأخيره راحة لأهالي البلدة ولجناب الدولة حيث مع طعنه في السن لا زال يتعاطى إتباع أفكار عصرية من شأن مثله التباعد عنها ويتسبب في إثارة الفتنة ليتوصل لأغراضه الشخصية بإصرار وبنية. هذا ما تحرر لدينا أعلمنا به جنابكم راجيا من غيرتكم على الأمور الدينية زجر المتسبب في مس كرامتها ودمتم بخير وعافية والسلام من معظمكم فقير ربه حمودة بن عمار كاهية المكنين وقصر هلال وكتب في 11 ربيع الأول في 28 سبتمبر 1926/1345.
الإمضاء
علق المراقب المدني بسوسة Fortier يوم 8 نوفمبر 1926 مطالبا بعقوبات صارمة لوضع حد لتأثير الحزب الدستوري بقصر هلال بتنحية الحاج سالم عياد وتسليط عقاب على الشيخ حسين بوزويته وتهديد محمد بوزويته بملاحقة قضائية كما لوحظ أن عائلة عياد وفية للحزب الدستوري وبالتالي فهي لا تستحق أي نوع من العطف. والابن لا يكف عن حركة مكوكية بين قصر هلال والجنوب. واعترض المراقب المدني على تعيين محمد بن سالم عياد إماما أول.
الأرشيف الوطني: ص 25 ملف 24 – سلسلة D.
الوثيقة 22
الوثيقة 23
عقد تحبيس المدرسة القرآنية "الهلال"
الحمد لله بعد أن استقر على ملك الفاضل الوجيه الأبرّ الحاج علي بن المرحوم امحمد صوة الهلالي جميع التربيعتين بياضا ببئر عيسى قرب جدران قصر هلال وشربهما من بئر عيسى المذكور يحدهما على مقتضى الرسم الآتي تضمينه قبلة كرملو ابن تونيز زميط وعبد الله حشانة وأخوه سالم وجوفا المبتاع وغربا فاطمة ابنة الحاج محمد حشانة الصائر له ذلك بالابتياع برسم خط اليد من المكرم ساسي بن محمد الصغير الهلالي بائعا في حق المكرم علي بن قارة ابن الحاج محمد حشانة بموجب توكيل منه منعقد بشهادة العدليين حسن ومحمد ابني القصاب مؤرخ في 12 شوال 16 نوفمبر 1325/1907 متنبر به حال الجواز والمعرفة مؤرخ رسم الابتياع المذكور بيوم الأربعاء في 29 شوال وفي 4 ديسمبر 1325/1907 وخلص معلومه بسوسة تحت عدد 136 وفي 23 جانفي 1908 وعقبه إمضاء ساسي المذكور وبأسفله وثيقة استدعاء تامة الموجب شرعا منعقدة بشهادة العدليين ثاني شهيديه وعبد الله عياد مؤرخة بيوم الأحد في 22 جوان 1349/1930 متنبرة مسجلة بها شهادة الحاج محمد بن علي بوراس والحاج امحمد سويسي الهلاليان بمعرفة ساسي المذكور وإن الإمضاء والحروف الذين برسم خط اليد المذكور هما خط يد وإمضاء ساسي المذكور وزكاهما الحاج عبد الله بن حمودة الممي وعلي بن محمد بوغزالة الهلاليان وبأسفل الوثيقة المذكورة رسم توجه به توجه الأجل عبد القادر بن محمد بن محمد الشك أمين البناء بالمكنين لعين التربيعتين المذكورتين وحددهما بحدودهما الوقتية قبلة خليفة بن عبد الله القاتي وسالم بن علي حشانة الهلاليان وشرقا طريق التنظيم الموصل إلى المنستير وجوفا وغربا الحاج علي المذكور وضبطهما بالقيس فوجد أن كلا من ضلعيهما القبلي الجوفي مشرقين مغربين ميتروات 50/59 وأن السيد الحاج علي صوة المذكور أحدث بهما في ناحيتهما القبلية مدرسة شرقية المفتح على أحدث نظام للإقراء وتشتمل على سقيفة بجنبي السقيفة ستة بيوت ثلاثة على يمين الداخل وثلاثة على يسراه وكل ثلاثة منهما يفتحون لبعضها بعضا وبكل واحد منها شباكان شرقيان وبعد السقيفة المذكورة صحن المدرسة المذكورة وهو محاط بالبرطال وبه ماجن كبير الحجم وترنبة لتخريج الماء منه وبالجانب الجوفي من البرطال المذكور ثلاثة أقسام قبلي المفتح للإقراء بكل قسم منهم ثلاثة شبابيك جوفية المفتح وبالجانب القبلي من البرطال المذكور ثلاثة أقسام للاقراء أيضا وبكل قسم منهم ثلاثة شبابيك أيضا قبلية المفتح ويشتمل كل قسم من الأقسام المذكورة على كل ما يلزم للاقراء العصرية من طواول وخزائن وغير ذلك وبالجانب الغربي من البرطال المذكور من ناحيته القبلية دويرة شرقية المفتح تشتمل على مخزن ومراحيض وميضاة وبئر وبيت طهر وبيت أثاث وبلصق الدويرة المذكورة من ناحايته القبلية مسجد شرقي المفتح تام المرافق به شباكان قبليان جميع بناء المدرسة المذكورة على أحدث طراز وفرشه بالجليز وحدد الأمين المذكور جميع المذكورة بحميع ما اشتملت عليه على عينها قبلة باقي التربيعتين المذكورتين قيس ضلعها الغربي مقبلا مجوفا ميتروات 13 وضلعها الشرقي مقبلا مجوفا ميتروان ونصف والوسط الذي بينهما على التدريج وذلك من ناحية المدرسة والمسجد الشرقي وشرقا باقي التربيعتين المذكورتين قيس ضلعها القبلي والجوفي شرقين مغربيين خمسة ميتروات وجوفا باقي البياض المذكور أيضا في كل واحد من ضلعيه الشرقي والغربي ثلاثة عشر ميترا مقبلين مجوفين وغربا باقي البياض المذكور أيضا قيس ضلعه من شوكة المسجد المذكور من الناحية القبلية إلى شوكة الدويرة المذكورة مشرقا مغربا ميتروات 14 منعقد رسم التوجه المذكور بشهادة العدلين ثاني شهيديه صالح الكعلي ومحمد عياد مؤرخ بيوم الجمعة في 01 جمادى الأولى و31 أكتوبر 1349، 1930 متنبر مسجل وأمام كل من رسم الوثيقة والتوجه المذكورين ختم مولانا العلامه النحرير الفاضل الزكي القدوة الشيخ محمد مخلوف قاضي المنستير حفظه الله – حضر لدى شهيديه الوجيه الفاضل الأبر السيد علي بن المرحوم امحمد صوة الهلالي المستقر على ملكه المذكور مقره قصر هلال صناعته الفلاحة عمره أعوام 67 وأشهد وكفى بالله شهيدا أنه حبس ووقف وأبد جميع المدرسة المذكورة بجميع ما اشتملت عليه من الأقسام والمسجد وجميع ما في التربيعتين المذكورتين ضمن المحدود المذكور المقيس جميع ذلك على أهالي بلد قصر هلال على أن يقرأ بالمدرسة القرآن العظيم والعلوم العربية الدينية والرياضية والعلوم الأجنبية على أحدث طريقة ويستريح التلامذة بباقي البياض المذكور وقت الراحة خلال الدروس ويزاد به أقسام للمدرسة المذكورة كل ما احتاجت إلى ذلك وأقسام للإناث على شرط أن تكون البنت مصونة من عبث العابثين ولم يبلغ عمرها عشرة أعوام مدة قراءتها بالمدرسة كما يزاد بالبياض المذكور دور للمعلمين والمدير وبيوت لمبيت التلامذة الغرباء وبيت طبخ على نمط المدارس المنظمة المحتوية على ذلك ويبنى أيضا على المدرسة المذكورة ما يحتاج إليه كما يقرأ بها العلوم الثانوية عربية دينية ورياضية وأجنبية كل ذلك إن كان لها مال فاضل أو تبرع ببناء ذلك أو بعضه متبرع على أن لا يكون له سيطرة على المدرسة المذكورة أو ما يبنيه. ويدير المدرسة المذكورة العالم الصالح القادر على إدارة شؤونها من أبنائه ثم أبناء أبنائه وهكذا طبقه بعد طبقة ونسلا بعد نسل ما تناسلوا وتسلسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام. فإذا وجد في الطبقة الواحدة أكثر من واحد وتساووا في العلم والصلاح قدم من بيده شهادة التطويع من جامع الزيتونة المعمور ثم الأكبر سنا إن كان قادرا على إدارة شؤونها وإذا أشكل الأمر رشح من ينتخبه أعيان ومفكرو قصر هلال ومن بيدهم شهادات علمية فإذا لم يوجد من أبنائه أو من أبناء أبنائه من هو مستوطن بل من هو مستوف للشروط المذكورة فمن استوفاها من أهل بلد قصر هلال بالانتخاب وإلا فمن بلد آخر وتؤلف لجنة للمدرسة المذكورة تتركب من رئيس وكاهية رئيس وكاتب وأمين مال وستة أعضاء عاملين لمراقبة سير المدرسة المذكورة ومراقبة برامج تعليمها وسير المعلمين والتعليم والمدير وضبط ميزانيتها دخلا وخرجا وجعل دفاتر خاصة لذلك وما يلزم للمدرسة من إصلاح وزيادة ومرتبات المعلمين والمدير وسائر القائمين بها وقبول التبرعات عليها ومراقبات أحباسها وهي التي تسن القانون الذي تسير عليه المدرسة واللجنة وأحباسها من بيع الغلة وكراء ما يكرى وحرث ما يحرث ويزبر ما يزبر وإصلاح ما يلزم اصلاحه وإذا تراضى أهل البلد عن تأليف اللجنة المذكورة فإن المدير المدرسة هو الذي يقوم بجميع الأعمال المذكورة وإذا خلت المدرسة من مدير سواء بتوقيفه أو تسليمه أو موته فإن رئيس اللجنة المذكورة هو الذي يقوم مقامه إلا أن يجعل لها مديرا آخر فإذا أغلقت المدرسة المذكورة ولا رجاء في فتحها ثانيا أو لم يوجد من يقرأ بها لا قدّر الله تكون هي وباقي البياض المذكور حبسا على التلامذة الفقراء من أهل بلد قصر هلال الذين يقرأون بحاضرة تونس بجامع الزيتونة المعمور فإذا لم يوجد فعلى التلاميذ الفقراء الذين يقرأون الثانوية من أهل البلد المذكور فإذا كان الدخل أوفر يعان به التلامذة الفقراء من أهل البلد المذكور الذين يقرأون بالكليات العليا فإذا لم يوجد تلميذ من أهل البلد المذكور فتلميذ من بلد أقرب إلى البلد المذكور فإذا لم يوجد تلميذ مما ذكر يصرف ما يتحصل من ريع ذلك على مساجد قصر هلال ومقابرها كجعل حارس تقي يحفظها من جميع التعديات وكإقامة صور بها. كل ذلك بعد طرح ما يلزمها من الإصلاح والترميم كلما احتاجت إليه بعد تمييز الدويرة المذكورة بها ومسجدها على حده وصرف ما يلزمها ويشترط في كل تلميذ أن يكون مسلما وتؤلف لجنة مثل اللجنة المذكورة للنظر فيها وفي أحباسها وتكون مثل اللجنة المذكورة من حسن القانون وكيفية الصرف – وحضر الأجل الفاضل السيد محمد ابن المحبس المذكور مقره قصر هلال عمره ثلاثون عاما مدير المدرسة المذكورة الآن وأذنه والده المحبس المذكور بقبول ذلك منه وحوزه عنه لأهل البلد المذكور فقبل منه ذلك وحازه عنه طائعا لجميع المدرسة المذكورة ماسكا بجدرانها وبتراب البياض المذكور قائلا قبلت بمعاينة شهيديه خاليا من جميع شواغل وأمتعة المحبس المذكور حبسا مؤبدا وقفا حراما سرمدا لا يباع ولا يوهب ولا يقض من دين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فمن بدله بعدما جمعه فإنما إثمه على الذين بدلوه إنه سميع عليم أخذا ومقاما المحبس المذكور في تحبيسه المذكور مذهب الإمام مالك إبن أنس رضي الله عنه وعن سائر أئمة الدين أجمعين وأن قيمة ما حبسه مائة ألف فرنك شهد عليها بذلك عند حلول الجميع بالمدرسة والبياض المذكورين حال جواز ومعرفة بتاريخ الساعة الرابعة مساء من يوم الأحد التاسع والعشرين من صفر 1351 واحد وخمسين وثلاثمائة وألف والثاني من جويلية 1932 اثنين وثلاثين وتسعمائة وألف.
الأرشيف الوطني: ص 284 ملف 44 – السلسلة E
الوثيقة 25
الوثيقة 26
الوثيقة 27
الوثيقة 28
ذكرى الفقيد الحاج علي صوة
تحييها المنظمات القومية
أقامت جمعية الشباب الأدبي الهلالي مساء أمس ذكرى رجل العمل والإحسان الفقيد الحاج علي صوة وأبت المنظمات القومية التونسية كلها إلا أن تشارك في هذا الحفل التذكاري تقديرا منها للرجال العاملين الذين أخلصوا لأمتهم وتفانوا في سبيل خدمتها بخير ما عندهم.
ففي الساعة الثالثة دخلنا ووجدنا قاعة الاحتفال بالمدرسة الهلالية وهي إحدى مؤسسات المعقور له غاصة بمختلف طبقات الأمة التونسية الذين أتوا ليعربوا عن إجلالهم وإكبارهم لعمل الفقيد الخالد.
وفي الثالثة والربع دخل الأساتذة: الطيب المهيري عن الديوان السياسي إبراهيم عبد الله عن الاتحاد العام للفلاحة التونسية محمد الأصفر بن جراد عن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وسالم حجل عن الاتحاد العام للطلبة التونسيين فدوى التصفيق والهتاف.
افتتاح الاجتماع
افتتح الاجتماع بترتيل أي الذكر الحكيم ثم بكلمة من الأخ إبراهيم عبد الله الذي أسندت إليه رئاسة الاجتماع جاء فيها: لي الشرف بأن أترأس هذا الحفل التذكاري لرجل كان مثالا عاليا للتجرد الخالص لعمل الخير وخدمة بلاده وأشكر جمعية الشباب الهلالي الناشطة التي هيأت لنا هاته الفرصة.
ثم ألقى الطالب عبد الحفيظ محي الدين الشملي كلمة جاء فيها: إن أهداف جمعيتنا ثقافية ولكن لا يمكن أن تنفصل الأهداف الثقافية عن الأهداف القومية ثم استعرض حياة الفقيد وأعماله.
واستندت الكلمة بعده إلى الطالب البشير بن خديجة فالحبيب بن يوسف عن جمعية اتحاد طلبة دقاش فعبد الكريم الصانع فاستعرضوا حياة الفقيد وأعماله ومؤسساته الخالدة.
ثم ألقى الشاعر منور صمادح قصيدا لطيفا وتوالت بعد ذلك كلمات ممثلي المنظمات القومية وقد جاء في كلمة ممثل اتحاد الفلاحة بسطة عن حياة الفقيد الزراعية جاء فيها:
نشأ الفقيد فقيرا فلم يترك أباؤه وأجداده الضيعات. وقد كسب جميع أملاكه بعرق جبينه وكد يمينه ولم تتغير نفسيته ولم يغير شيئا في حياته بتملكه للأراضي والأملاك الشاسعة فقام الحاج علي صوة وحسّن وغيّر وسائل الإنتاج الزراعي وجهز أراضيه بالآلات الحديثة وجند نفسه وأمواله لخدمة المشاريع التونسية فأسس المدارس والمستشفيات وبنى المشاريع الخيرية وكان رحمه الله مثال المزارع التونسي الناهض.
كلمة مدير الحزب
وفي عاصفة من التصفيق قام مدير الحزب الأستاذ المهيري فألقى كلمة جامعة جاء فيها:
إني أشعر في هذا الاجتماع العائلي بفخر واعتزاز كبيرين حينما أشارككم في ذكرى المواطن الفقيد الصالح الحاج علي صوة إذ أن الحظ والصدفة شاءت بأن أقف اليوم بذكرى زعيم صامت بعدما أقمنا في الشهور الماضية ذكرى زعماء عديدين لنا.
ويجدر بنا في هاته المناسبة أن نقيم ذكرى الفقيد صوة إذ أنه ليس برجل قصر هلال وحدها بل هو رجل تونس كلها. وها نحن نحتفل معكم بذكرى الفقيد الخالد باسم حزب الأمة جمعاء إذ كان من الذين كافحوا صادقين الاستعمار في الميدان الاقتصادي والاجتماعي ويحق لنا أن نرفع الفقيد الحاج علي صوة إلى صف المجاهدين الذين قاوموا الاستعمار مقاومة فعالة لأن البرامج الاستعمارية كانت تعمل لا على تقويض هيكلنا السياسي وحده بل هياكلنا الاقتصادية والاجتماعية فصمد أمثال الحاج علي صوة وانتصروا عليه. ثم حلل مغازي وعبرة الذكريات في تاريخ الأمم والشعوب منوها بخصال الفقيد الراحل.
وختم خطابه قائلا: بهاته المناسبة نتوجه إلى كل الذين في استطاعتهم أن يقوموا بمثل ما قام به الفقيد وكثير منهم يصرف أمواله فيما لا يجدي الأمة والشعب – أتوجه إليهم وأتوجه إلى الشباب لنجعل من الحاج علي صوة مثلا أعلى نقتفي خطاه ونسير على منهجه وبذلك انتهى الاجتماع في جو رائع من العبرة وجلال الذكرى – رحم الله شهداء هذه الأمة الذين عملوا لخدمتها في كل ميدان.
جريدة الصباح: 13 نوفمبر 1954
وثيقة 28
مذكرة 18 جانفي 1930
معلومات عن مدرسة قصر هلال
هاته المدرسة كانت للبيع في 15 نوفمبر 1929 أقيمت على نفقة المسمى الحاج علي صوة وهو رجل مسن وساذج أثرى بفضل المضاربات أثناء الحرب حتى أصبح يملك ثروة تعذر بثلاثة أو أربعة ملايين.
لهذا الرجل ابن اسمه محمد متحصل على التطويع بالجامع الأعظم انخرط بالدستور أثناء دراسته بالعاصمة وهو عضو بالشعبة الدستورية بقصر هلال.
وقد استخدم الحزب – وهو قوي جدا بهذه القرية – تأثير هذا الشاب على أبيه ليدفعه إلى بناء هذه المدرسة التي بلغت تكاليفها ثلاثمائة ألف فرنك. وقد قاوم الأب ضغوط ابنه وبعض القادة الدستوريين لكنهم تغلبوا عليه حين أقنعوه بأن الأمر يتعلق بعمل خيري يضمن له الثواب في الآخرة التي كان قريبا منها لتقدمه في السن وصحته المتداعية.
أما الرخصة فقد وقع الحصول عليها بفضل دسائس السيد التلاتلي المتفقد السابق للتعليم القرآني والمناصر العنيد.
يبدو أن السلطة المختصة أخذت من مدير المدرسة وابن المؤسس التزاما بأن لا يقبل تلاميذ المدرسة الفرنكو عربية وأن لا يطلب منحة من الحكومة. أما الالتزام الأول فلم يقع احترامه إذ تحولت المدرسة إلى مدرسة فرنكو عربية إذ يدرس الفرنسية بها معلم يحمل شهادة الباكلوريا وهو حسن الطبربي القاطن بالمرسى عدا اثنين لتعليم العربية.
وبعد شهر ونصف وعقب خلاف بين المدير والمعلمين قدم المعلمون استقالتهم ووقع تعويضهم بمعلمين انتدبوا على عين المكان.
تعليم الفرنسية يقوم به المدعو البشير القصاب وهو مترجم سابق بالمراقبة المدنية بقابس وقع فصله عن العمل في قضية فساد وحكم عليه بعام سجنا من طرف محكمة سوسة ثم برأته محكمة الجزائر. وهو يتقاضى شهريا 900 فرنك ويقال أنه ليس دستوريا.
المسمى محمد بوزويته ويدعى المعيرش رئيس الشعبة الدستورية بقصر هلال عدو فرنسا اللدود يواصل الدعاية بدون أن يزعجه أحد وقد خطر له أن يمسك بزمام إدارة المدرسة.
هذا المشوش الذي لو كانت الحكومة أكثر حزما لأبعدته منذ زمن بعيد يمقته غير الدستوريين لما ألحقه بهم من أذى وهو يسحبون أبناءهم من المدرسة شيئا فشيئا.
المصدر: المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية : البكرة R676 - الملف4.
حمدي بن الجيلاني بن عمر الأكحل.
المصادر والمراجع
كتب
• Repression et résistance, septembre 1934. MTE Sans date
• Le Maghreb entre deux guerres : Jacques Berque. Ed Seuil. Paris, 1962.
• عبد الأمير الأعسم : الفيلسوف الغزالي، الدار التونسية للنشر، 1988.
• الحبيب ابراهم : قصر هلال من النشأة إلى الاستقلال، مطبعة الشرق بسيدي رزيق، تونس 2002.
• الحبيب ابراهم : محمد بوزويته، مطبعة هيليا باك – قصر هلال 2007.
• العجيلي التليلي : الطرق الصوفية، كلية الآداب، منوبة، 1992.
• مؤتمر البعث: نشر الحزب الاشتراكي الدستوري، تونس 1962.
• أحمد بكير محمود: قصر هلال ومعركة التحرير، الشركة التونسية لفنون الرسم، 1975،
• صالح السويسي القيرواني : الديوان.
• بلقاسم بن جراد: قابس عبر التاريخ، مطبعة الخدمات السريعة، قابس، 2001.
• شروق وغروب ج1: ابراهيم عبد الله، مؤسسة سعيدان، سوسة، بلا تاريخ، معجم البلدان، ج3، ياقوت الحموي، القاهرة.
صحف ومجلات
La Dépêche tunisienne
12 جويلية 1893 11 جوان 1905 7 أوت 1935
22 أكتوبر 1893 11 نوفمبر 1921 25 جوان 1936
23 نوفمبر 1893 3 أكتوبر 1925 23 جوان 1937
24 نوفمبر 1896 30 جانفي 1932 23 أوت 1939
21 نوفمبر 1898 30 أفريل 1932
23 أوت 1901 24 ماي 1933
تونس لواء الحرية
1 جوان 1949 و 8 فيفري 1950 16 سبتمبر
تونس المصورة العمل
1 ماي 1939 8 مارس 1959
الصواب الزمان
21 جانفي 1927 17 نوفمبر 1930
6 جويلية 1928 الأخبار
4 نوفمبر 1954
الزهرة النهضة
17 جوان 1933 27 جويلية 1932
21 جوان 1933 9 فيفري 1937
1 ديسمبر 1939 24 جانفي 1937
17 أوت 1942 17 سبتمبر 1937
27 أفريل 1944 17 ديسمبر 1937
5 فيفري 1945 20 جوان 1945
الزهرة النهضة
7 فيفري 1945 13 أفريل 1946
17 جويلية 1947 8 فيفري 1950
11 أوت 1955
الصباح لسان الشعب
19 سبتمبر 1951 1 أكتوبر 1930
25 سبتمبر 1951 10 أوت 1932
5 أكتوبر 1951 17 أوت 1932
13 مارس 1952 31 أوت 1932
14 مارس 1952 31 ماي 1933
13 نوفمبر 1954 الوزير
26 جوان 1955 9 أوت 1928
10 أوت 1955 30 جانفي 1930
18 أوت 1956 13 نوفمبر 1930
7 ديسمبر 1958 21 جويلية 1932
7 مارس 1959 La voix du tunisien
الرائد التونسي والرائد الرسمي 15 مارس 1932
29 جويلية 1911
15 مارس 1916
30 ديسمبر 1958
مجلة مرآة الساحل : اللجنة الثفافية الجهوية بسوسة
جويلية 1968
أفريل 1969
المجلة التاريخية المغاربية : خالد عبيد، سبتمبر 2001
نشرية جمعية طلبة شمال افريقيا المسلمين (1928-1929)، المطبعة التونسية، 1929.
وثائق الأرشيف الوطني
دفتر 1652 ص 284 ملف 44 سلسلة E
دفتر 2447 ص 284 ملف 53 سلسلة E
ص 148 ملف 12 سلسلة A ص 563 ملف 2 سلسلة E
ص 148 ملف 15 سلسلة A ص 15/30 ملف 19 سلسلة 550 E
ص 25 ملف 24 سلسلة D ص 15/30 ملف 1210 سلسلة 550 E
ص 54 ملف 36 سلسلة D ص 13 ملف 260 سلسلة E
ص 96 ملف 14 سلسلة D ص 151 ملف 28 سلسلة D
ص 68 ملف 17 سلسلة D
المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية
بكرة 181 R
بكرة 676 R
بكرة 932 R
شهادات مباشرة
دفاتر الحالة المدنية ببلدية قصر هلال
مذكرات أحمد بن الحاج علي صوة : مذكرات مكتوبة سنة 1992 وتسجيل صوتي بالمعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية رقم 216 مؤرخ في 2 ماي 2001.
الحاج صالح بن الحاج علي صوة
محمد بن الحاج صالح صوة
خليفة بن امحمد صوة
امحمد يدعى الهاشمي بن محمد كشيدة
أسماء الأعلام
علي بن حسن ابراهم 25
عبد القادر بن حسن ابراهيم (الدندان) 69
الطيب بن حميدة 136
محمد بن سالم بن الشيخ 69
محمد بن فرج 136
فرحات بن محمد صالح 42
حسن بن علي الأحول 105
أم السعد الأكحل 6
حمدي بن الجيلاني الأكحل 173
فرج بن خليفة الإميم 69
يوسف بن عبد القادر بايع رأسه 46
محمد بن محمد البحري 39-40-134
صابر بن محمد البنبلي 4
أحمد بن محمود البهلول 38-136
فطومة البهلول 6
محمد بن علي بوراس 85
أحمد بن الحاج ابراهيم بورخيص 69
حمادي بن حسين بوزويته 60
محمد بن عمر بوزويته 20-24-35-66-84-85-94-95-96-114-156-172
امحمد بن عمر بوشارب 26-27
الطاهر بن حمدة بوغزالة 37-69
عائشة بنت الحاج حمودة بوغزالة 6
رحيم بن صالح بن بوذينة الجبالي 7-33-39-40-41-42-46-134-136
فرج بن سالم جمعة 39-136
آمنة بنت عبد الله جمور 6
سالم بن حسن جمور 69
حسن بن محمد الحجري 105
سالم بن علي حشانة 12
عبد العزيز بن محمد حشانة 60
عبد السلام بن الصادق خليفة 46
محمد بن علي الدوس 46
الحاج حسين بن محمد الديماسي 24
الحاج الصادق بن علي الديماسي 69
المكي الراضوي 24-134-136
محمد زخامة 39-134
الطاهر بن محمد الزراد 16
البشير بن محمد زنينة 121
حسن بن سليمان ساسي 69-74
اسماعيل بن ابراهيم سعيدان 69
البشير بن محمد سعيدان 46
الحاج علي بن الحاج احمد سعيدان 5
فاطمة بنت الحاج علي سعيدان 5-10
الحاج محمد بن سالم سعيدان 69
عبد الحميد بن حمودة سليم 37-92-134-136
الهادي بن علي الشاوش 43-55
الصادق (الناصر) بن علي الشايب 46-95-109
احمد بن محمد الشرفي 134-136
حافظ بن أحمد الشرفي 105
عثمان بن محمود الشملي 24
الطاهر بن بوبكر الصانع 46
الحاج علي بن البشير الصانع 69
محمد الهادي الصانع 74
احمد بن الحاج علي صوة 6-9-55-56-57-59-60-65-77-106-109
امحمد بن الحاج علي صوة 6-9-67-77
حسن بن الحاج علي صوة 6-9
خليفة بن امحمد صوة 9-60-66-77
صالح بن الحاج علي صوة 6-9-40-66-70-72-77-81
عبد الله بن الحاج علي صوة 6-9-67-77
محمد بن الحاج علي صوة 6-9-23-28-34-35-38-44-45-47-50-81-115-120-136
البشير الشريف الطرابلسي 134-136
علي بن محمد عبار 10
ابراهيم بن محمد عبد الله 38-106-109-110-158-168
احمد بن سالم عياد 17
الحاج سالم بن الحاج امحمد عياد 17-18-19-20-21-22-23-84-85-111-127-129-132-152
علي بن محمد عياد 55
محمود العياشي 136
محمد علي بن صالح الفريقي 37-134
جابر بن امحمد فنطر (التليلي) 68
فرج بن محمد القابسي 45
عمر بن محمد بن الحاج قارة هلال 68
حسن بن منصور قاسم 46
محمد قرطاس 136
البشير بن محمد القصاب 36-172
حسن بن حسين القصاب 19
احمد بن قاسم قعليش (الحبشي) 44-69-70-107-149
الصادق بن محمد القنجي 46
البشير بن محمد قم 105
حفصية بنت محمد كشيدة 6-66
عبد السلام بن عبد الله كشيدة 64
امحمد يدعى الهاشمي بن محمد كشيدة 60
المنجي بن محمد كشيدة 60
عبد الله بن خليفة الكعلي 71
احمد بن بكير محمود 52-60-97-106
حسين بن خليفة المكسي 64
بوبكر بن احمد الممي 42
محمد الصادق الميلادي 44
ملاحظة : لم نذكر الحاج علي صوة لوروده بكل صفحات الكتاب
الفهرس
إهداء 1
بطاقة تعريف 5
في زاوية سيدي عبد السلام 10
التحـــــول 15
المدرسة القرآنية "الهلال" 24
المدرسة الهلالية بالعاصمة 55
المستشفى 62
إنجازات أخرى 76
تعليم البنات 80
بين الحاج علي صوة وقصر هلال 83
بين الحاج علي صوة والغزالي 87
الحاج علي صوة والتاريـ خ 90
بين الحاج علي صوة ومحمد بوزويته 94
بين الثري والعتي 97
التاريـ خ والعاطفة 100
قالــــــوا عنه 102
وبعــــد، 109
يا أيتها النفس ... 111
التعليقات (0)