كتبت يوماً لوالدي الحبيب رسالة أبلغه فيها بعزمي على بدء حياة جديدة حال قدومي لأرض الوطن في إجازتي القادمة حينها وأردت موافقته ومباركته لي على هذه الخطوة.. ووجدتني أسترسل بالحديث الخاص معه وعني وعنه وعن علاقتنا وحبي له مع كل تقديري لما قدمه لنا جهدا مبذولا وأخلاقا زرعها فينا وكلما رأيت حال الكثير من العرب وغيرهم حمدت الله على نعمة الأهل والأسرة والتربية وعلى هذا الأب العظيم وإن كنت أكثر إخوتي إن لم أكن الوحيد المتمرد أحياناً على بعض الأمور ولا أتفق معه فيها وهي قليلة جداً مع كثيره الرائع المصبوغ
بحب وحكمة وتجربة سنين لو فعلنا ما فعلنا ما قدرنا على الإتيان بمثلها إضافة لتضحياتهم الكبيرة ..ما فاجأني برسالتي هو كسري للحاجز الذي نضعه أمام عواطفنا وما نشعر به تجاه من نحب وكأنه قانوناً لا يجب تجاوزه !! فعلى الرغم من نقاشاتنا الكثيرة الأسرية والعامة التي نماها هو فينا إلا أن الحاجز للعواطف وعدم إظهارها يبرز بقوة من كلا الطرفين وكأنه جرماً لو أعلناه بيننا !! وهكذا بين سائر أعضاء
الأسرة فمع الوالدة بكل طيبتها وحنانها تجدنا نقف في لحظات معينة ومناسبات خاصة وكأننا غرباء أمامها !! فحتى تقبيلها كان يعد عيباً ولم نقم به إلا بعد مدة طويلة وفي مناسبات توديعية أو إستقبالية بعد غياب سنين وبمبادرة لكسر هذا الحاجز الغبي !! والأخ تراه صديقاً صدوقاً مع صاحبه ويلتقيان ويمرحان ويتناقشان والود بينهما بينما نراه غريباً مع أخيه ومبتعداً !! ليس فقط لفارق السن بينهما فغالباً يكون فارق السن بين الإخوة في مجتمعنا ليس بالكبير بل متقارب ولكنها الرسميات والنظر للعلاقة الأسرية بحذر ومحدودية وعمل الحواجز بينها بينما بعد أن ندرك الحياة جيداً نأتي لنعلم أنه ليس هناك مثل الأخ !! أخاك أخاك إن من لا أخ له كالساعي في البيداء بلا سلاح !! فلماذ لا
يكون إخوتنا أصدقائنا أيضاً !! ويكون لنا معهم جلسات وأسرار وخصوصيات وخرجات !! ونرى على نفس المنوال وبتشدد أكبر وجفاء لا سبب له علاقة الأخ بأخته !! فتجدها غالباً علاقةً قاسيةً بتسلط وحذرةً بتوجس !! ولا نجد اخاً يتقرب لأخته كأخت وصديقة فيتجاذب معها أطراف الحديث عنها وعن ما تحب ويستمع لها ويعرف هواياتها وماتطمح في الحياة ودراستها وغيرها من شوؤنها في البيت والمدرسة وإحتياجاتها ويجعلها تسأله عنه وعن تفكيره في الحياة فيلتقي معها في الحوار كإنسانة وأخت وصديقة..لم يفكر الأخ يوماً أن يخرج في نزهة خاصة مع أخته فتزداد قرباً له وثقة فيه ورجوعاً له في أمورها فلا تحتاج غيره !! .
أعادتني رسالتي لأبي لما نعانيه من غربة عاطفية بيننا في الأسرة اليمنية والعربية وحواجز تمنع عنا الكثير من التقرب والود والتفاهم وإعلان للحب بيننا... وهذه الحواجز لها أثار سلبية كثيرة فهي تلغي مشاعرنا وإنسانيتنا وتعكسها على علاقاتنا بالآخرين وما مشاكل العالم والمجتمع إلا لجفاء وجفاف مشاعر البشر الصادقة .. وهذه الحواجز تبني وتساعد على هروبنا للغير قد لا يكون هروبا آمنا ولا تحمد عقباه !! وكما قلت لأبي في رسالتي بأني لا أعرف كيف كتبت كل هذا أهو البعد أم شجاعة القلم !! ولكنها مشاعرنا ومن حقنا إعلانها لمن نحب .
التعليقات (0)