مواضيع اليوم

الحاجة إلى تجديدِ الخطابِ الديني الإسلامي اليوم كلمة سماحة السيد محمد علي الحسيني في الملتقى العلمي (بروكسل) التابع للمجلس الأوروبي للعلماء

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحاجة إلى تجديدِ الخطابِ الديني الإسلامي اليوم

كلمة سماحة  السيد محمد علي الحسيني

في الملتقى العلمي (بروكسل) التابع 
للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة


نشكر لكم هذه الدعوة العزيزة، ونشكر كل من ساهم فيها وسعى لهذه الجلسة الكريمة والتي نسأل الله عز وجل أن يكون له فيها رضا ولنا، ولكل المستمعين والمتابعين أجر وثواب وفائدة مرجوة إنه سميع مجيب الدعاء .
ففي عنوان كلمتنا في هذا الملتقى العلمي الكريم (الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي اليوم) نبدأ من كلمة ( اليوم! ولماذا؟) فيمكن الحديث عن سببين :
السبب الأول :داخليّ، إسلاميّ إسلاميّ، وهو تلك الصحوة المزيفة باسم الإسلام، المشبوهة العاملة من أجل أهداف وأجندة ضيقة ومعروفة الغاية والأهداف، وهي أشدّ خطراً من التدخل الخارجي ، لأنها تومِن له الأرضية للانقضاض على الإسلام وتعمل من أجل تشويه صورته وإعطاء انطباعات سيئة عنه. 
وهؤلاء الجهلاء المنحرفون عن الإسلام والمشوهون لتعاليم السماء أصبحوا يُرمز لهم بأنهم هم من يمثلون الإسلام. 
والنقطة الأهمّ أن عند القيام بأعمالهِم الوحشية الدموية الإرهابية .يستبقونها بتحريفٍ لمقاصدِ آيات الله في القرآن الكريم ولأحاديث رسول الله (ص) ولأقوال الفقهاء والعلماء الأجلاء، حتى يوهموا الناس بأن هذه الأعمال الإرهابية الوحشية مصدرها من الخطاب الديني الإسلامي!! وهنا الطامة الكبرى والمصيبة العظمى، فأصبحنا أمام إسلامين: إسلام حقيقيٌّ وإسلام مشوهٌ، إسلامٌ إنسانيٌّ وإسلام وحشيّ، إسلام منفتح معتدل وسطيّ يدعو للتسامح والعيش المشترك، وإسلام منغلق متطرف يدعو الى الإكراه وتكفير الآخر. فنحن اليوم بسبب صحوة وتحرك هؤلاء أصبحنا كمسلمين أمام صورتين مختلفتين تماماً.
السبب الثاني:خارجيّ ، إذ إن أعداء أمتنا الإسلامية المتصيدين بالماء العكر يعلمون علم اليقين أن هؤلاء الجماعات والمنظمات الإرهابية هم كشركة مساهمة تستغل باسم الإسلام الترويج لخطاب ديني قائم على التحريض على الفتن وغلّ الصدور والبغض والكراهية والتكفير والإكراه وشحن الأنفس نحو همجية القتل ولغة الذبح للتكسب من وراء الأعمال الإرهابية والمتاجرة بالدماء والأعراض لتمرير أهداف من قبل جهات استخباراتية محلية وإقليمية ودولية، تسعى لتنفيذ مشاريع وأجندات سياسية انتخابية تارة، وتوسعية أخرى، واقتصادية أيضاً، معروفة الواجهة والأغراض والغايات. 
ومن هنا نعلم حجم الإنفاق الهائل على الدعاية المشوهة لصورة الاسلام ولتعاليم السماء ومفاهيمِه الإنسانية ،كلها تصبُّ في هذه الأيام في مخطط واحد عبر إظهار المسلم وهو يحمل السيف تارة، وأخرى السلاح أو المتفجرات، ويُصور على أنه عائدٌ من الكهف يحمل كراهية للإنسانية يقتل يذبح يحرق يفجر الأبرياء والآمنين انطلاقاً من الخطاب الديني الإسلامي,
فهذا اذا ما يريدونه لنا اليوم.
 
 
الخطاب الديني الإسلامي : 
له معنيان: فالمعنى الأوّل هو ما يصدر عن مراجع الأُمة وعلمائها، بحيث يصبح كلام وموقف هؤلاء - ظاهراً - يمثل الدين على أساس ما يمثّلونه، وما وصلوا إليه ظاهراً يحسب على الدين، ولا إشكال في أنَّ هذا المعنى من الخطاب الديني، وخصوصاً على صعيد التطبيق، كان له الأثر السلبيّ على الأُمّة من خلال فكر وخطاب البعض المتصف -وللأسف - بالدين، والدين بريءٌ منه ومن أشكالِه، ولا نريد هاهنا أن ندخل في التفصيل أكثر، فإنّ اللبيب من الإشارة يفهم، وفي مقابل هؤلاء كان وما زال لدينا مراجع وعلماء لديهم الخطاب الديني القويم، السليم المتريث والمنفتح، والذي يدعو لمبادئ الإسلام الحقيقية، وينشر الدعوة الإسلامية بالتي هي أحسن وبلا عنفٍ وبلا تحريضٍ ولا تكفيرٍ وهذا هو حالنا وأسلوبُنا نحن. 
أمّا المعنى الثاني للخطاب الديني، وهو الحكم الشرعي المتمثّل بالقرآن الكريم وأحاديث الرسول (ص)، فأمكن القول إنَّ هذا المعنى من الخطاب الديني هو الأصل، والأساس، والنبع الّذي يستقي منه العلماء الأعلام.
ولفهم ومعرفة على ماذا يُحرّض الخطاب الديني سوف نسرد لكم الآيات والروايات والسيرة الّتي نفهم منها ما نريد فهمَه في المسألة. نأتي إلى المصدر الأوّل للتشريع الإسلامي، وهو القرآن الكريم، فقد أكَّد على وجوب تجنُّب الاكراه والكراهية والعنف بمختلف أشكاله وصوره، وحرَّض في الوقت نفسِه على السلم والعفو والصفح وعلى اللاّعنف والتسامح، من خلال الآيات الكريمة: 
- السلمِ: قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا{. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{.
- العفو والصفح: قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {. وقوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ.{
- النهي عن الفساد: قوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا{.
- ترك عنف اللسانِ: قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم{.
- ترك الإجبار على الدين: قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ{
-تأكيد على عدم تكفير المؤمنين بالله من اتباع أي دين:}ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم{
-المعاملة بالبر وتقديم المودة مع كل الذين لم يقاتلونا من اتباع الديانات الأخرى:} لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطُوا اليهم ان الله يحب المقسطُين{
وكذلك القرآن الكريم حث المؤمنين على الحوار مع الآخرين بقوله تعالى: { ادْفَعْ بِالتي هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِي حَمِيمٌ{ وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالتي هِي أَحْسَنُ{ إلى غير ذلك من الخطاب الديني المتمثل هنا في القرآن الكريم، وآياتِه المحكمة المحرّضة والداعية إلى اللاّعنف والسلم العفو والصفح والتسامح والحوار بالّتي هي أحسن.
 فالنتيجةُ أنّ القرآن الكريم - وهو الركن الأوّل في الخطاب الديني- ينفي العنف والاكراه وتكفير الاخر ويحثُّ ويحرّض على التسامح والسلم واللاّعنف .
 وأمّا الأحاديثُ النبويةُ والسيرةُ المحمّديةُ، فيشهد لها البعيد قبل القريب، والعدوُّ قبل الصديق، على أنَّ نبيَّنا الأكرم محمَّداً (ص) نبيَّ الأخلاق والمكارم، والسلم والسلام، والمحبَّة والرفق، والرَّحمة، هو القدوة لنا والموحي والداعي للتسامح والمحبة والمحرض دائماً على اللاّعنف.
 فإذا سردنا الأحاديث النبوية والسيرة العظيمة لوجدنا أن نبيَّنا الأكرمَ (ص)، كسائر أنبياء الله، وَسيرته العطرة تُصدِق قوله (ص)، بل هي شاهدة على أخلاقه وحثّه على نبذ العنف والعمل على مبدأ التسامح والصفح والعفو والرحمة، وخير شاهد ودليل على ذلك، حيث كان النبي (ص) في ذروة النصر وهو داخل مكّة، وكلُّ الذين ظلموه وآذوه، واعتدوا عليه، وحاربوه، تحت رحمته وقدرته، وله حقّ الاقتصاص منهم، ومع هذا لم يذبحهم ولم يقتلهم ولم يقتص منهم بل أبَتِ الرحمة المحمّدية والعفو والصفح والرحمة، ومبدأ اللاعنف حتّى على مثل هؤلاء . عندها هتف بهم بندائه الخالد (ص) اذهبوا فأنتم الطُّلقاء.ويطلب ويقول(ص):افشوا السلام بينكم.
 هكذا جاء رسول الله محمد(ص) بالرحمة والإنسانية وليس بالقتل والذبح كما روجوا هؤلاء الجهلة . 
فهذا الخطاب الديني الإسلامي الصحيح يحثّ ويؤكّد على مبدأ الرحمة والسلام والتسامح اللاعنف، وفي الوقت نفسه يرفض الاكراه والقتل والتكفير والعنف وممارستَه وأساليبَه . فهذه هي النظرة الإسلامية الحقّة والمحقَّة.

 
 
الحاجة إلى تجديدِ الخطاب الديني الإسلامي: 
هناك حاجة ملحة اليوم لتجديد الخطاب الديني الإسلامي من قبل أهل الاختصاص من مراجع وعلماء الأمة الإسلامية للعودة عن مسلسل التشويه والتحريف الجاري الذي أوجد الكثير من سموم الأفكار في معتقدات الفئة الضالة التي أخذت تتآمر على تحريف الخطاب الديني من فوق المنابر، وعندما أخذ بعض جهلائهم يتآمرون على الإسلام ويقدمون خطاباتِهم الدينية «بتصرف وتحريف وتشويه»، فلا يخطبون إلا بما يؤجج ويرفع «ترمومتر» الغلّ والكراهية
والحقد تجاه الأطراف الأخرى، والتركيز على القتل والذبح والدماء وهم رافعون راية التكفير. الخطاب الديني الإسلامي اليوم يحتاج إلى أن يكون متوازناً ومراقباً ومعرضاً للانتقاد من قبل أصحابه الفقهاء والحكماء والعلماء.
 
 
سبل تجديد الخطاب الديني الإسلامي: 
نظرا لما تقدم ذكره نرى اليوم الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في الخطاب الديني الإسلامي وتطويرِه وتنقيتِه وتجديدِه لمواجهة ما أُطلق عليه زوراً وبهتاناً -إسلام - ووصف بالتطرف والفتن والكراهية والتفرقة والتكفير والذبح والقتل والدم. وسبيل ذلك يبدأ كما قيل: لكلّ مقامٍ مقال ومقام، هنا أهله وهم أهل العلم والفقه.
حظي العلماء دوما بمکانة خاصة في الإسلام، فوصفَهُم الرسول الأکرم سيدنا محمد(ص) بأنهم ورثة الأنبياء. أما القرآن الکريم فقد أسبغ عليهم فيضاً واضحاً من القدر والتوقير عندما خاطب المسلمين في آيات عديدة: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). وفي آيةٍ أخرى {فسألوا أهلَ الذکرِ إن کنتم لا تعلمون{ من هذا المنطلق فإن مسؤولية هذه الشريحة الهامة ، حساسة جداً في سبيل تجديد الخطاب الديني الإسلامي، وتتطلب من العالم طرح آرائِه وأفکارِه وتصوراتِه ومقترحاتِه لمعالجةِ أمور المسلمين، بما يوافق کتاب الله وسنة نبيه، ويتلاءم وطموحات وآمال وتطلعات الأمة الإسلامية في کل أرجاء العالم.
إن المطلوب من علماء الأمة قيادة صحوة واقعية وغير مسيَّسة أو موجهة من أجل أغراض خاصة ، بل عاملة من أجل رفعة شأن الدين ، ابتداء من إظهار حقيقة جوهرِه الوسطي والمعتدل والمتسامح ، الذي يکتسح ويزيح کلَّ الخطابات الأخرى المشبوهة والمغالية المنحرفة ، ويوجه في آنٍ الأمة الى طريق النهوض . لا شك أن النقطة الأساسية للانطلاق بهذا السبيل المبارك هي في الإمساك بزمام الفتاوى والآراء المطروحة للأمة بخصوص مختلف المسائل والمواضيع والقضايا الآنية وتنظيمها وحصرها بمجالس أو مؤسسات أو هيئات جامعة مانعة تكون مرجعاً رسمياً تتصدى للشؤون الإسلامية، والمرجع الإسلامي الوحيد في كلّ بلد، وعند كلّ جالية إسلامية في أيّ بلد كحال مجلسِكم الكريم ، بما يمكّننا من اجتثاث کل الجهلاء المنحرفين عن الإسلام والذين يشوهون الدينَ ودخلوا عالم الفتوى الحساس، والبالغ الخطورة من دون أية أهلية مناسبة تؤهلهم لذلك وبلا مسؤولية، فعملوا على تحريف الخطاب الديني الإسلامي بما يتناسب مع نواياهم الخبيثة، وأعمالِهم الشريرة.
اللهم اجعلنا من الذين يقولون ويسمعون القول فيتبعون احسنه والحمدلله رب العالمين 
محمد علي الحسيني
بروكسل / 1 2017




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات