الجيوب الجهنمية.. لا تمتلئ
خليل الفزيع
ثمة جيوب لا تمتلئ أو هي مثل جهنم كلما امتلأت قالت: هل من مزيد؟، تلك هي الجيوب الجهنمية التي يسهل الربط بينها وبين جهنم في النهم المنقطع النظير، حيث لا حدود لهذا النهم ولا قيود، والعلة لا تكمن في الجيوب التي لا حول لها ولا قوة، بل تكمن في أصحاب تلك الجيوب الذين اتخذوا الطمع رفيقاً، والجشع قريناً، والشح صاحباً وخديناً، وهم على كثرة ما يكدسون من الأموال، يلهثون في جمع المزيد منها حتى وإن كان في ذلك ظلم للآخرين وهضم لحقوقهم، بل وابتلاع حقوق أقرب الناس إليهم، بعد أن انعدمت وتلاشت لديهم كل المحاذير الشرعية وغير الشرعية، لتتحول جيوبهم إلى جهنم من نوع آخر، فجهنم تحصد المغضوب عليهم والضالين، وهذه الجيوب تحصد الدينار والدرهم، الفرق أن وقود جهنم جناة يلاقون جزاء أعمالهم، ونقود الدنيا مجني عليها، ظلماً وعدواناً، ومصيرها التكدس لدى الذين يكنزون الذهب والفضة، ويتجاهلون أنه في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم.
أصحاب الجيوب الجهنمية هم من يسطون على المال العام، ويجسدون الفساد الإداري في أبشع صوره وأوسخ معانيه، وينسون أن الله غير غافل عما يصنعون، ولكنها النفس الأمارة بالسوء التي تدفعهم للخطأ وارتكاب الخطيئة.. إنهم ضعفاء حيال إغراءات المادة، وليس لديهم سلاح من الإيمان لمقاومة هذا الإغراء وما يدور في فلكه، وهذا الفساد الإداري ما شاع في مجتمع إلا فقد مناعته ضد أمراض فتاكة مثل الرشوة السرقة والسطو وغياب الضمير، وفي أجواء اجتماعية ملوثة بهذه الأمراض لا يمكن للوطن أن ينهض، ولا أن تعمل مؤسساته المدنية والرسمية على تقديم أي منجز وطني يمكن تصنيفه ضمن قائمة المنجزات الإيجابية التي يحتاج إليها الوطن والأمة.
وأصحاب الجيوب الجهنمية هم من يكونون شركات المرابحة الوهمية، ويجمعون من أموال الناس الملايين دون وجه حق، ثم يعلنون إفلاسهم أو يهربون للخارج بما جمعوا من أموال المواطنين ومدخراتهم، التي ما أن تقع بين أيديهم حتى تنبت لها (جوانح) فتطير وتوغل في طيرانها إلى أن تبتلعها سحب النصب والاحتيال، حتى إذا سأل أصحابها عنها، لن يجدوا جواباً، وإذا اشتكوا قيل لهم: إن الشكاوى في هذا المجال وصلت إلى حجم لا يمكن معه استقبال أي شكوى جديدة من هذا النوع، وضحايا الاحتيال يعدون بمئات الآلاف من الناس، ومعظمهم من دفع كل مدخراته، فما ربح غير الريح، ويا له من ربح لا يسمن ولا يغني من جوع.
وأصحاب الجيوب الجهنمية هم المتلاعبون بالأسهم، عندما يغرقون السوق بأسهم قليلة القيمة (وفق نظرية العرض والطلب) فإذا حذا الآخرون حذوهم، وباعوا ما لديهم من تلك الأسهم خشية كسادها، عاد أولئك (الهوامير) واستولوا على أسهم الآخرين المعروضة بذلك السعر الزهيد، حتى إذا ما أصبح معظم تلك الأسهم بين أيديهم.. رفعوا أسعارها ليبيعوها بأضعاف ما دفعوا قيمة لها، وهو احتيال يعجز النظام عن كبح جماحه في معظم الحالات.. وأصحاب الجيوب الجهنمية هي البنوك الربوية التي تربح المليارات من عملائها دون أن تقدم لهم ولا لمجتمعهم أي خدمات، ودون أن تقتطع نسبة من تلك الأرباح لأعمال وطنية بارزة، يستفيد منها المجتمع والوطن والأمة.. كثيرون هم أصحاب الجيوب الجهنمية، ويتساوى في ذلك مسؤولون كبار، ومهربو مخدرات، ومتاجرون بالبشر، ومتاجرون بالقيم، وقائمة طويلة يحتاج حصرها لفريق عمل لديه ما لدى أيوب من الصبر على الأذى، ومجرد محاولة حصر أصحاب الجيوب الجهنمية، هو أذى ما بعده أذى. ولا حولا ولا قوة ألا بالله.
التعليقات (0)