جلست على الكنبة قرب جدتي وبسطت عددا من صحيفة يومية تصل المنزل العائلي يوميا على الطاولة امامها لتقرأ المانشيت فتسأل عن ميشال عون ثم تقلب الصفحة الاخيرة وتتأمل الرسم الكاريكاتوري وتتبعه بعشرات الاسئلة عن وليد جنبلاط ثم تقف عند خبر عن احد الروساء العرب وتنهال على جدتي وعلي بالاسئلة ...لماذا يقتل شعبه؟ لماذا يعارضه شعبه وماذا يحصل؟
اجيبها هناك من يعترض على طريقة حكمه لبلاده وهو لا يحب ان يعترض احد على اسلوبه فقرر محاربتهم وقرروا النضال..تصمت صغيرتي وينقضي النهار في نشاطات مختلفة وزيارات عائلية ليأتي صباح يوم جديد تبدأه صغيرتي لين بالتمتع بشمس شتاء طرابلس مع جدتها في شوراع المدينة سيرا على الاقدام وابدأه انا في الوجبة الاحب على اي مغترب طرابلسي صحن فول اوفتة عند مطعم الدنون مع الاصدقاء ...صديقي مناضل مدني شرس قبل اسبوعين شارك في اعتصام في المدينة يدعو لعدم الاقتتال ونزع السلاح من شوارع طرابلس وقبل نحو 25 عاما شارك في تظاهرة جابت لبنان من شماله الى جنوبه نبذا للحرب والاقتتال والفتنة وهو اليوم يستعد ليشارك في حملة الجورة جورتك امام سنترال الميناء...يذكر سنترال الميناء ونتذكر معا اعتصاما "مجنونا "نفذناه يوم اغتيال المفتي حسن خالد امام مبنى السنترال...كنا فئة اعلنت الحرب السلمية على الحرب القاتلة وقررت ان ترفع الصوت عاليا من اجل الشعب المسكين, جمعنا حب الوطن ونبذ العنف والايمان بأن لبنان هو وطن لجميع ابنائه ودولة نحلم بها قوية عادلة ومستقلة..
طبعها سأكون معكم اليوم قلت له من دون تردد ولو جاءت حملة اليوم من اجل "الجورة " فالجورة جورتي كما البلد بلدي ولن اقبل ان اعبر من فوقها او اقع بها واسكت وان جاءت زيارة لمدينتي لايام قليلة معدودة.. تركت الاصدقاء على امل اللقاء ظهرا امام مبنى السنترال وقررت تنفيذ عملية بحث ورصد للجور في طريقي من مطعم الدنون الى شارع عزمي فمنزل العائلة فمركز السنترال..واحدة ,اثنان, ثلاثة اربعة خمسة ستة ولم ينته العد, فشوارع المدينة تشلها الحفريات فتقطع اوصالها من كل جانب ثم تنخر قلبها بجور يسقط دولاب السيارة فيها ولا يخرج وان خرج لتطاير المياه الوسخة على المارة يمينا ويسارا...اصل الى برغر كينغ لأجد ابنتي تنهي جولتها مع جدتها هناك..تسألني لين الى اين اذهب فأروي لها قصة الجور واخبرها عن حملة الجورة جورتك ..تقرر الصغيرة ان ترافقني وهي طبعا تسأل: ليش في جور كتير يا ماما ؟ ليش طرابلس موسخة يا ماما؟ ثم تسكت للحظات قبل ان يأتي السؤال التالي" هل يعارض رئيس الجمهورية في لبنان الجورة ؟ ..يأتي الانقاذ من احدى الصديقات طبعا يعارض ..نصل الى موقع التجمع مقابل مبنى السنترال وامام جورة لم تفلت منها سيارة واحدة في طرابلس ..يبدأ الشباب في تعليق اليافطات وتوزيع اللافتات على المشاركين ..امسك ب" البلدية يلي ما بتقدر طم جورة طم حالها بالجورة" تسألني لين عن معنى ما ارفعه اشرح لها ,تمسك بلافتة تشبه لافتتي ونقف معا ..الاصدقاء القدامى ,الاصدقاء الجدد, جيلي جيل ابنتي ..تلتقط الصحافة صور لنا ونلتقط نحن صور لانفسنا يلقي سامر دبليز كلمة باسمنا وتصل شاحنة تراب وبحص استقدمتها الحملة تبدأ عملية ردم اول جورة ..تأتي سيارة الشرطة تسأل لين هل الشرطة تعارض الجورة يا ماما اؤكد لها ان كل مواطن في لبنان يعارض الجورة ..تخاف لين من الرئيس الذي يعارضه شعبه وتخاف لين من الشرطة التي تحمي الرئيس..في بالها صحيفة امس وفي بالها جورة اليوم ..اخرجها من خوفها " الجورة جورتنا كلنا الرئيس والشرطة والشعب تقرأ ما كتب على اليافطة التي تتوسط الشارع " حملة الجورة جورتي " تبتسم ,ابتسم ...
شاركت ابنتي بأول تحرك مدني لها ساهمت في طم جورة ..الجورة جورتها ..البلد بلدها ..كلنا يا لين في لبنان رئيسا وشرطة وشعبا نريد ردم الجور وبناء الجسور وطم الماضي بذكرياته الاليمة في حفرة عميقة ولن يضيع حق وراءه مطالب نحن طالبنا ونطالب وانت طالبتي اليوم وستطالبين غدا ,
لنبدأ بجورة وننتهي ببلد, الجورة جورتنا والبلد بلدنا ... غدا ستجلس ابنتك معي تقرأ الصحيفة وتسال عن الزعماء والرؤساء وعن الشعوب التي ارادت الحياة واستجاب لها القدر.
التعليقات (0)