من المسلمات التي أؤمن بها نفس إيماني بالله جل وعلا وحده لا شريك له أنه لن تقوم للمسلمين قائمة إلا إذا عادوا لكتاب الله القرآن الكريم وقرأوه وتدبروا آياته لكي يتعلموا منهج الحياة وطريقها القويم ، الذي يعتمد على إعمال العقل في كل شيء ، وهذا المنهج الذي وضعه رب العالمين يتناقض معه تراثنا الديني الذي يدعو للجمود وعدم التفكير في أي شيء واتباع السلف وتطبيق مبدأ السمع والطاعة وقاعدة ممنوع الاقتراب ، وتقديس كل ما قالوه وكل ما كتبوه ورفعه فوق مستوى الشبهات ، ورفعه فوق آيات الله جل وعلا البينات.
فالدول التي نهضت وتقدمت وتحضرت تطبق جوهر و تعاليم القرآن في العدل والمساواة والحرية الدينية والسياسية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق وحياة الإنسان والتدبر والتفكر والتبصر والسعي والبحث في ملكوت الله جل وعلا ، هذه الدول تفعل كل هذا دون أن تقرأ القرآن ، ورغم أن القرآن هو ديننا لكننا وضعناه خلف ظهورنا وهجرناه وبحثنا عن البديل الذي ضيّع أجيالا من المسلمين في ظلمات الجهل والاقتتال والحروب ، ولا زال الضياع مستمرا بسبب الإيمان بهذه الخرافات والخزعبلات ، التي يرفض علماء المسلمين الاقتراب منها لتخليص الإسلام وتنقيته وتبرئته من عارها الأبدي.
((مقال اليوم عن أحاديث الرجــم))
أولا: الأحاديث ..
1ــ صحيح البخاري - كِتَاب مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ - يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم وأسمعوني ما تقولون
3636 حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ - ص ))1398 - رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ))
2ــ مسند أحمد - مُسْنَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ - مُسْنَدُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - وإن الرجم في كتاب الله تعالى حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء
))278 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ )إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَا بِهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا فَأَخْشَى أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ عَهْدٌ فَيَقُولُوا إِنَّا لَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فَتُتْرَكَ فَرِيضَةٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ))
ثانيا : التعليق
هذين الحديثين هما مجرد عينة لعشرات الأحاديث التي يتم الاستدلال بها واعتبارها حجة تثبت أن هناك عقوبة في الدين الإسلامي تسمى عقوبة ((الرجم)) يتم تطبيقها على الزاني المحصن و الزانية المحصنة ، ومعظم المسلمين كبارا وصغارا يؤمنون بهذا ولن تقبل عقولهم المغيبة تكذيب هذه الأحاديث لأنها عندهم نصف الدين حتى لو كانت متناقضة مع كلام الله جل وعلا ، وحتى لو كانت تتناقض مع العقل والمنطق والفطرة السليمة وهذا ما سنوضحه الآن.
من النظرة الأولية البسيطة للحديثين نجد الآتي:
1ــ الحديث الأول يحكي حادثة في الجاهلية ، وبالتالي فهي ليست ملزمة للمسلمين بعد نزول القرآن الذي جاء ليصحح العقائد والأفعال ويُقَـوّم السلوكيات الخاطئة والانحراف الذي حدث في ملة إبراهيم عليه السلام ، ويبني ويضع قواعد جديدة يسير عليها المجتمع البشري الإنساني لأن القرآن نزل للبشر ، ولم ينزل للقرود.
2ــ فيما يبدو أن هذه الحادثة كانت تتكرر قبل رواية ابن ميمون لأنه بمجرد مشاهدة القرود فطن أنهم يطبقون عقوبة معلومة لديه مسبقا ، وهنا سؤال: هل الإنسان يتعلم ويأخذ جزء من دينه من القرود.؟ ، ولو كانت هذه الظاهرة موجودة في الجاهلية ، أظن بعد نزول القرآن صلاحيتها قد انتهت ، وأصبح القرآن هو الحكم والمسيطر على كل شيء.
3ــ رغم أن القرآن لم يذكر عقوبة للزنا غير الجلد إلا أنهم تجاهلوا تشريعات القرآن وفضّلوا عليها تشريعات القرود في الجاهلية في تطبيق عقوبة الرجم على القرود المحصنين الزناة ، وهنا يجب أن نطرح عدة أسئلة:
أـ ما هو السبب الذي جعل ابن ميمون متأكد أن هذه القردة كانت محصنة.؟
ب ـ وهل القرود تتزوج مثل الإنسان.؟
ج ـ كيف عرف ابن ميمون أن ما يفعله القرود مع هذه القردة هو تطبيق لعقوبة الرجم.؟ ، هل ابن ميمون يعلم لغة ومنطق القرود.؟ حتى يشارك بهذه السهولة في عملية الرجم وبدون أي استفسار أو سؤال أحد القرود عمّا يحدث.!!
4 ــ نعلم جميعا أن الإنسان في فترة الطفولة وما بعدها لا يكون مكلفا ولا يحاسب على أفعاله وأقواله أمام القانون ، حتى حين يعبث الأطفال بأعضائهم التناسلية متأثرين بالغريزة الجنسية لا يمكن تطبيق عقوبة الجلد عليهم لأنهم لم يصلوا سن التكليف ، فكيف نصدق أن القرود وهى من المخلوقات الغير مكلفة تطبق فيما بينها عقوبة الرجم لمن زنا ، ولذلك لا يصح أبدا أن نسمي ممارسة الغريزة بين هذه الحيوانات (زنا) لأن جميع الحيوانات التي خلقها الله جل وعلا تمارس هذه الغريزة من أجل البقاء ، ولأن معنى الزنا كما جاء في القرآن هو وصف لممارسة الجنس خارج العلاقة الزوجية ، أو بدون زواج شرعي ، ومعلوم أن الحيوانات لا تتزوج ، ولكنها تتزاوج وتمارس الغريزة الطبيعية الفطرية من أجل البقاء.
5ــ معظم المسلمين ثاروا وهاجوا وماجوا عندما ادعى دارون عالم الأحياء بأن الإنسان أصله قرد ، كيف ترفضون التشبه بالقرود ، وتقبلون أن تقلدوهم وتعتبروهم قدوة لكم في أمر تشريعي وديني غاية في الخطورة.
6ــ حديث الرجم تمت صياغته بعقلية ذكورية مريضة لكي يلقوا باللائمة دائما على الأنثى ويعتبرونها سببا لكل فاحشة ، ولذلك كان يجب على هذه القرود أن يطبقوا عقوبة الرجم على الزاني والزانية معا ، لكن حتى القرود تضطهد الأنثى.
7ــ في الحديث الثاني إشارة إلى أن تطبيق عقوبة الرجم على من ((زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ )) ، إذن هذا الحديث يتناقض تماما مع الحديث الأول الذي يثبت تطبيق عقوبة الرجم على القردة ، وهي في الأصل نزلت في القرآن لكي يتم تطبيقها على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء ، هذا كما يدّعون.
8ــ قائل هذا الحديث يتنبأ مقدما ويحذر من ضياع آية الرجم وفقدانها من بين دفتي القرآن الكريم في المستقبل ، وهو أمر خطير جدا ، فالقرآن الذي بين أيدينا ليس فيه آية واحدة تتحدث عن عقوبة الرجم لمن زنا إذا أحصن ، وهذا الحديث يدّعى قائله أن آية الرجم نزلت وقرأوها ووعوها وعقلوها فمن نصدق ، هل نصدق الحديث الذي يطعن في القرآن طعنا صريحا ويثبت أن القرآن ضاعت إحدى آياته ، أم نصدق قول الله جل وعلا بحفظ القرآن.؟
هذه كانت قراءة ووجهة نظر تقبل الخطأ قبل الصواب ولا أفرضها على أحد.
أترك لكم التعليق ...
التعليقات (0)