في ذات الوقت الذي تمتد وتتسع فيه معاناة الجنقو ويزداد بؤسهم . (الجنقو مسامير الأرض) واحدة من أجمل وأورع الرويات التي تدور أحداثها في ولاية القضارف حيث يستعرض الكاتب طبيعة وثقافة والحياة الاجتماعية التي يعيشها الجنقو ، في تصوير أخاذ ومبدع لنمط عيش وتفاصيل حياة الجنقو . يتحدث الكاتب عن علاقة (الجنقوراي) وهو مفرد الجنقو للرجال و (الجنقوراوية) للنساء ، مع الأرض والزراعة وكيف أن الجنقو هم عماد الانتاج والحركة التجارية والاقتصادية في تلك المناطق النائية . حيث تنعدم ابسط مظاهر الرعاية الصحية والاجتماعية وحتى البرامج التثقيفية ، وكيف ان الجنقو يبذلون جهوداً لا يقدرها الكثير من الناس في مجال الزراعة والانتاج عموماً ، يصور لنا الكاتب طقوس الزواج والختان والطلاق عند الجنقو والتي تتم في معظمها في نهاية الموسم الزراعي حيث لا يستطيع الجنقوراوي من الاقتران بزوجة أخرى في حال طلاق الاولى ، حيث تمتليء الجيوب بالجنيهات التي ينفقونها انفاق من لا يخشى الفقر ، يتعرض الكاتب للظروف الصحية والاجتماعية والنفسية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الجنقو . في صورة رائعة تأخذك إلى عالم المتعة والخيال ، يعرف الكاتب الجنقو بأنهم خليط من البشر يأتون من مختلف مناطق السودان وحتى من دول كأثيوبيا وأرتيريا وتشاد وافريقيا الوسطى، أهم ما يميز الجنقو رائحتهم وطريقة لبسهم حيث يميل الشباب من الجنقو إلى ارتداء البناطلين الواسعة والقمصان الفضفاضة من أشهر الماركات العالمية كما أنهم يعشقون اقتناء النظارات السوداء الواسعة التي تغطي معظم الوجه ، وامتلاك المسجلات ذات السماعات الخارجية والساعات الفخمة من ماركة السيكو والجوفيال والسيتزن ،يتطرق الكاتب إلى حياة اللهو عند الجنقو وأدمانهم للخمور وممارسة الجنس مع النساء من كل جنس حبشيات ، ارتريات، صوماليات ، فوراويات وزغاويات وفلاتة ، وكيف ان العلاقات الجنسية المتعددة هي جزء من ثقافة الجنقوراوي والجنقوراوية ، طالما لم يتقدم أحد لخطبتها والزواج منها . تتعرض الرواية إلى طبيعة العلاقات الاجتماعية الحميمة التي تنشأ بين أفراد الجنقو ، يقول الكاتب ان الجنقوراوي كريم رغم فقره وقلة حيلته إلا انه يمد يد العون والمساعدة لكل من يحتاجها ولا يبخل على أخيه بشئ ، ولايرضى له الحقارة . يمضي الكاتب في القول بأن الدولة تتحمل الجزء الأكبر من معاناة الجنقو وتخلفهم الاجتماعي والاقتصادي . حيث أن معظم المشاريع التنموية وعلى قلتها لم تمكن الجنقو من الإرتقاء بوسائل انتاجهم ورفع مستوى معيشتهم ، وأن المصارف الزراعية التي نشأت في تلك المناطق بدلا من أن تقوم بتمليك وسائل الانتاج الزراعي والنقل للجنقو وهم الذين خبروا الارض وخبرتهم ،فإنها تعمل على إقراض وتسليف كبار المزراعين والمنتجين والتجار ، ليزداد الجنقو التصاقاً بالارض من الهزال والمرض والتخلف ويزداد وجهاء تلك المناطق ثراءً .في ذات الوقت الذي تمتد ووتسع فيه معاناة الجنقو ويزداد بؤسهم . الرواية تسرد الكثير من تفاصيل ثقافة الجنقو (فالجنقوية) حاله ثقافية ليست مرتبطة بجنس من الاجناس ولكن من يدخل عالمهم يصبح واحداً من عالمهم المليء بالاثارة .
التعليقات (0)