Oslo 08.10.2007
ثلاثون ألف معتقل تم توزيعهم على تسعة وعشرين سجنا غير السجون الخاصة بالأحداث والأطفال، فأنْ يظن التونسي أن قبضة الرئيس ستلتف حول أعناق الكبار فقط، فهو مخطيء.
تحتل تونس المرتبة الرابعة في العالم بالنسبة لعدد المعتقلين مقارنة بعدد السكان، لكن من يتسلل إلى مركز الأحلام في رأس الرئيس فسيجد نفسه في مواجهة مشهد واضح لحلم ظل ملازما لسيد قصر قرطاج منذ أن أزاح الرجلَ العجوز وجلس مكانه.
الحلم هو أن يتم اعتقال كل أفراد الشعب التونسي في سجون ومعتقلات تكفي لأن تبتلع في جوفها كل من شاء حظه العاثر، وعاش بعد السابع من نوفمبر عام 1987 في تونس الخضراء.
السجن المدني في تونس حالة خاصة من سجون الوطن العربي، فنصيب السجين فيه 60 سنتيمترا مربعاً وهي لا تسمح له أن ينام إلا واقفا أو فوق زميله، بل إن أحد السجناء قال بأنه لم يقابل زميلا له في نفس الزنزانة لمدة شهر من اكتظاظها لأنها كانت غرفة صغيرة بها حوالي 300 سجين!
هل تريد أن تموت من الجنون قبل أن تصعد روحُك جرّاء التعذيب الدراكيولي لمصاصي الدماء من زبانية الجنرال التونسي؟
إنه الحبس الانفرادي لعشر سنوات أو أكثر تصبح أقصى أمانيك أن تشج رأسك بالضرب في الحائط.
الاهمال الصحي في سجون الجنرال يؤدي إلى الوفاة، ولكن هل يستطيع أي سجين أن يُضرب عن الطعام ليصل صوته للرئيس؟
في هذه الحالة، مثلما حدث مع على المزوغي وعبد الوهاب بوصاع ورضا الخميري،فإن الموت هو النهاية الحتمية.
الصحفي الهادي يحمد نشر مقالا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان وتحدث فيه عن السجون التونسية، فاضطرته السلطات إلى تقديم استقالته، ثم هاجر نهائيا من وطنه.
أما الصحفي محمد بريس فقد نشر في صحيفة الأنوار تحقيقا عن ماسح أحذية، فتم اعتقاله باعتبار أن الكتابة عن أحد ماسحي الأحذية في تونس يسيء لصورة قائد حركة التصحيح.
والطاغية لا يكتفي بمنع الحديث وكتم الأنفاس وقطع الألسن إنْ تعلق الأمر بنشر ما يشوه صورته الملائكية، لكنه يعاقب من تشتم أجهزة الأمن من مقاله اسقاطا ضمنيا على سيد قرطاج.
فمدير تحرير صحيفة الشعب تم استدعاؤه لأن صحيفته نشرت تحقيقا عن غضب الشعب الاندونيسي من غلاء المعيشة، فأعتبر زبانية بن علي الموضوع تحريضا غير مباشر ضد الحكم في تونس.
لجنة حماية الصحافة وهي منظمة أمريكية مستقلة وضعت الجنرال زين العابدين بن علي كواحد من العشرة المعادين للصحافة وللكلمة الحرة، ولا يزال الرئيس التونسي يحقق تقدما في كراهيته للاعلاميين والصحفيين والكُتّاب والمثقفين وأخشى أن يأتي اليوم الذي يمنع فيه الكِتابَ والصحيفة.
في تونس يقوم رجال الأمن متخفين في ملابس مدنية بحضور المؤتمرات الصحفية، ومراقبة الحاضرين، ومعرفة المتحدثين، وعمل ملف كامل لكل من ترى السلطةُ أنه قد يمثل خطرا مستقبليا على الجنرال الطاغية.
والسلطات التونسية تنافس مثيلاتها العربيات في مطاردة الصحفيين والاعلاميين، واختطاف من يتجاوز خطوطا حمراء وضعتها أمام كل صاحب قلم، أما الصحفي توفيق بن بريك فكان محظوظا ولم يتعد التعامل معه ضرّبَه بسلسلة في الشارع، والقاء قاذورات على سيارته، والتعرض للتهديد في مبنى الداخلية.
ومع ذلك فوقاحة الرئيس لا تماثلها وقاحة كل الطغاة المستبدين فهو يُصِرّ على أن حرية الصحافة في عهده لا تضاهيها أو تشابهها حرية أخرى للكلمة في أي مكان.
رئيس مكتب وكالة الصحافة الفرنسية رفض تملق السلطات كما أشار كتاب صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي، فدبّرت له سلطات الجنرال خطة مُحْكَمة عندما أرسلت فتاةً في موقف السيارات، فرآها تسقط أمامه، فلما هَبّ لنجدتها صرخت في المارة بأن الرجل يحاول اغتصابها، ولم يكن هناك حل لهذا العمل الدنيء والوضيع إلا أن تتدخل السفارة الفرنسية، ويتم اخراج الرجل من تونس، فالرئيس يبحث عن الرقيق فقط.
يستعذب الجنرال تعذيب أهالي المعتقلين كما كان الحسن الثاني يفعل في المغرب، ففي تونس إنْ خرج السجينُ حياً فإن فصله عن أسرته يمثل إحدى المتع التي تمارسها أجهزة الأمن، فتطلب منه أن ينتقل إلى مكان بعيد عن أسرته وزوجته وأولاده إمعانا في الإذلال، أما السجين حمادي الجبالي والوالد لثلاث بنات فقد رأت السلطات أن قضاءه خمس عشرة سنة في سجونها الموحشة ليس كافيا لتعليمه آداب العبودية في عهد الجنرال، فكانت توافق على زيارة بناته له شريطة أن يشاهدوا خياله من بعيد!
أي قلوب حجرية صماء تلك التي تقبع في صدور أجهزة الأمن التونسية؟
أي أنياب دموية قاسية ومفزعة تلك التي ثَبّتَها الشيطان في وجه الرئيس لينتقم من شعبه.
خمسون عاما منذ الاستقلال ولم تعرف تونس الخضراء غير زعيمين مدى الحياة، أي أن الملكية الوراثية تصبح أكثر جمهورية من النظام الثوري السائد في ثكنات قصور هؤلاء الواثبين على العروش ظلما وعدوانا.
عندما تم اعتقال منصف المرزوقي رئيس رابطة حقوق الانسان التونسية والمحامي عبد الرحمن الهاني ونشرت هيئة الاذاعة البريطانية الخبر، نقلت وكالة الأنباء الكويتية الخبر فقامت سلطات الديكتاتور بقطع خطوط الهاتف والفاكس عن مكتبها في العاصمة التونسية!
في الثالث من سبتمبر الماضي أكمل زين العابدين بن علي عامه الواحد والسبعين وتُخْفي السلطات أيَّ أخبار عن مرضه، وعن صراعه مع السرطان، فزعماؤنا كلهم زي الفل ، وتستطيع حرم الزعيم أن تشير بإصبعها إلى فضائية عربية تتشرف باستضافتها لتنفي عن زوجها امكانية مرضه أو حتى موته وربما تضع أصابعها في عيوننا عبر الشاشة قائلة بأن عزرائيل نفسه لا يستطيع أن يقترب من سيد القصر!
عائلات المعتقلين تتعذب مثلهم، ويقرر المئات الاضراب عن الطعام من أجل آبائهم واخوانهم وأبنائهم في سجون الجنرال مثل برج الرومي وناظر ومرنة وباجة وبرج العامري والمنستير وسوسة وبلاريج والهوارب والمرناقية والسجن المدني، بل وتونس كلها التي أصبحت بيتا للأشباح يقوم عليه شيطان لم تعرف شياطين الطغاة له مثيلا، فمتى يغضب شعبنا التونسي؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
التعليقات (0)