عاشت موريتانيا البارحة على وقع محاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الموريتاني في منطقة أنشيري، مسلحون أطلقوا النار عى الرئيس ليصاب و حسب الرواية الرسمية بجروح بسيطة، نقل على إثرها إلى المستشفى العسكري حيث أجريت له عملية جراحية ناجحة لإخراج الرصاصات، تحدث الرئيس و ظهر على شاشة التلفزيون الرسمي شاكرا الطاقم الطبي المحلي ومطمئنا الناس على حالته، بعدها سافر إلى فرنسا لمتابعة التطبيب. في ظل تابع الأحداث كثرت التكهنات حول صاحب الفعلة، مسلحون لاذوا بالفرار أولا، من هم وما تنظيمهم؟ و أخيرا استقر الأمر و في بيان رسمي على إطلاق ناري خاطئ من طرف دورية عسكرية أصاب الرئيس الموريتاني و كاد يقتله. و بذلك يحتل جيش موريتانيا الواجهة، ولطالما كان صاحب الصدارة فمن غيره يقدر على الرؤساء و الحكام في بلاد شنقيط.
نيرانه الصديقة لم تطل أفراد كتيبة، بل صوبت نحو زعيم العشيرة، وهنا الغرابة، كيف يخفى على الجند موكب الرئيس حتى يطلقوا النار؟ و من ظنوه ساعتها؟ هل يحتمل موكب الزعيم شبهة تقربه من أشباح و أطياف القاعدة أو الإرهابيين مثلا حتى يخيل للعساكر أنهم غزاة أو دخلاء فيرمونه برصاص طائش كاد يقتله، إنها رواية تحمل نوعا من الغرابة و الضعف، وإن صحت فهي مصيبة و إن لم تكن كذلك فهي مصيبة أكبر.
إن صحت، فإنها تفيد حالة من الإرتباك و التوجس لدى الجيش الموريتاني و الأمن الموريتاني من هاجس الإرهاب، فالمناخ الإقليمي القائم الآن يفيد بذلك، مالي و صحراءها مرتع للقاعدة، و الغرب و من معه قد دق طبول الحرب ضد مسلحي الشمال، موريتانيا ليست ببعيدة عن أي حرب قد تعرفها مالي، و قد تكون الأوفر حظا و نصيبا من عمليات القاعدة و حلفاءها الانتقامية إن شاركت أو أعانت أي تدخل دولي. إن صح الخبر كذلك، فهذا يضع مجموعة من التساؤلات و التأويلات حول فرضية الخطأ، هل هي حقا نيران صديقة أم محاولة إغتيال منظمة أو فردية؟ هل هي حالة تعكس نوعا من التذمر في الجيش الموريتاني؟ هل هي بوادر انقلاب قادم كما حدث لمعاوية حين فشل ولد حننا الضابط الموريتاني و من معه في انقلابهم العسكري قبل أن ينجح العقيد علي ولد محمد فال في انقلابه و ينهي مرحلة ولد الطايع؟
ماذا لو كانت فرضية النيران الصديقة من وحي الخيال؟ وكان الفعل غير ما تحدث به قوم الحكومة، و كانت الحادثة محاولة إغتيال قامت بها عناصر مسلحة، فالأمر يبدو في غاية التعقيد. من وراء العملية؟ القاعدة أم المعارضة أم النظام نفسه؟ الحالة الدولية والإقليمية و كما أسلفت تجعل من احتمال ضلوع القاعدة الأكثر واقعية، المعارضة الموريتانية معارضة مدنية و لم يعرف عنها قط أنها اتخذت العمل المسلح سبيلا منذ أيام ولد هيدالة و إلى الآن، النظام الموريتاني ظاهرا متماسك خاصة الجنرالات أرباب الإنقلاب الأخير، و الأيام القادمة ستجيب إن كان هناك ضلوع لأحد أفراد النظام في عملية الاغتيال، فلعل ولد عبد العزيز سيعود لينتقم و بقوة و بحجة أكبر، هذا إن صحت فرضية ضلوع أحد أركان النظام.
في الغالب و في جميع الإحتمالات ستشكل محاولة الإغتيال الفاشلة فرصة جديدة و محفز أكبر للرئيس الموريتاني للمضي في سياسته الأمنية و في لجم معارضيه، رغم أن جنوح الحكومة لحجة النيران الصديقة، قد يعني أن الرئيس و حكومته يريدان إغلاق الملف و عدم استغلاله سياسيا و هي رسالة طمأنة إلى المعارضة و إلى الشارع الموريتاني.
التعليقات (0)