ولد عام 1354 في ظهرة آل بريد بمحافظة رجال ألمع بعسير وكأي طفل عادي نشأ هذا الفتى في تلك المنطقة الجميلة ذات الروابي والمروج الخضراء يسرح بين هديل الحمام وصدح البلابل.
كانت طفولته تنحصر في رعي قطيع من الأغنام يملكه والده في ذلك الوقت, ولأن الظروف يومئذ لم تكن قد تهيأت لانتشار التعليم بصورة واسعة؛ فقد دخل صاحبنا في كتاتيب القرية وتعلم من خلالها جزء عم وتبارك ومبادئ القراءة والكتابة واكتفى بهذا القدر, حتى سافر إلى الجندية عام 1370.
حين تسلم عمله كجندي لم يكن مستواه التعليمي يتعدى الأول الابتدائي .
وهو عصارة علمه الذي تلقاه في كتاتيب القرية, لكن نفسه ظلت تهفو إلى العلم وتتوق إليه رغم عمله في ذلك الوقت, ولأنه أدرك أن المطالب لا تدرك بمجرد هوى أو عاطفة, بل لا بد من بذل الأسباب والتضحيات في سبيلها...
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
فقد عرض على والده رغبته الحقيقية في طلب العلم وأبدى استعداده للجمع بين أعمال الجندية وبين الدراسة وكان اختيارًا شاقًا ولكنه رغم ذلك وجد فيه لذة عارمة؛لأن فيه تحقيقًا لحلمه وتحديًا لذاته الطامحة نحو العلا... وقد كان أحيانًا في فترة مناوبته ليلاً يحمل كتبه للاستذكار تحت ضوء الفوانيس في الأسواق مغالبًا نوبات النعاس اللذيذة التي كانت تهجم عليه من شدة الإرهاق نتيجة الجمع بين الجندية والاستذكار.
في عام 1376 اتخذ صاحبنا قرارًا جريئًا كان بمثابة منحى جديد في حياته ألا وهو الاستقالة من الجندية والتفرغ تمامًا للدراسة.
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
سافر إلى المعهد العلمي في شقراء على ظهر سيارة محروقات (وايت) وانتظم في دراسته رغم الغربة والبعد عن الأهل والأحباب.
تخرج من معهدها بتفوق والتحق بكلية الشريعة بالرياض عام 1382, ولأن الفرص تبحث دومًا عمن يستحقها؛ فقد وقع الاختيار عليه ليكون مدرسًا في معهد أبها العلمي رغم أنه كان ما يزال في السنة الثانية بكلية الشريعة بالرياض حمل صاحبنا كتبه ومذكراته حيث واصل التدريس والدراسة في آن واحد, حيث كان يقوم بتحضير الدروس للطلاب وتصحيح الدفاتر والواجبات, فإذا انتهى قام بمذاكرة دروسه الخاصة.
كما أنه عمل مديرًا لمعهد نجران بعد ذلك، وبعد أن حصل على الشهادة الجامعية من الرياض, رغب بمواصلة دراسته العليا فتقدم بطلب إلى جامعة الأزهر لمواصلة الدراسة في كلية أصول الدين فحصل على الماجستير والدكتوراة وعاد إلى الوطن عام 1393 بعد أن حقق حلمه ونهل من أنهار العلم التي كانت نفسه عطشى إليها.
تم تعيينه أستاذًا في كلية الشريعة في مجال تخصصه في التفسير وعلوم القرآن, وفي نفس الوقت اتجه إلى التأليف لأن مشاعر المسلم الحقيقي كانت تجيش في نفسه؛ بسبب الحوادث والفواجع التي أصابت المسلمين.
تم اختياره لمنصب عميد شؤون المكتبات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ثم عميدًا لكلية الشريعة وأصول الدين بأبها وعضوًا بمجلس الشورى.
ألف العديد من الكتب وألقى العديد من المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية واللقاءات الإسلامية والأدبية سواء داخل المملكة أو خارجها, كما قام بتأليف اثني عشر كتابًا ما بين دراسة علمية وديوان شعر وسيرة ذاتية.
جنديًا كان في الثانية والعشرين من عمره حين بدأ بتحقيق حلمه رغم كل الصعوبات في طريقه لم يتوقف حين بدأ؛ لأنه لم يبدأ إلا لأنه آمن بأنه لن يتوقف مهما كانت الصعوبات!
بعد عن الأهل.. بداية متأخرة في العلم.. جمع بين التدريس والدراسة... صعوبات مالية.. سفر إلى بلاد غريبة...!
كلها مجتمعة لم تثن صاحبنا عن تحقيق حلمه الذي حلق به من جندي إلى دكتور!
إنه الدكتور/ زاهر بن عواض الألمعي الأديب السعودي والأكاديمي المعروف!
أتمنى أن تمنح هذه القصة شيئًا من الإلهام والحماس للشباب اليائس رغم توفر كل الظروف من حوله!
التعليقات (0)