مواضيع اليوم

الجنة وأسماؤها

أحمد الشرعبي

2012-09-29 07:32:25

0

 الجنة وأسماؤها . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .

 

إن الجنة هي الجزاء العادل الذي أَعَدّه اللهُ تعالى لعباده الصالحين . فقد رحمهم بأن وفّقهم لأداء العبادات في الدنيا وفق منهج الشريعة السمحة ، فكان جزاؤهم الجنة خالدين فيها أبداً ، علماً بأن دخول الجنة يكون برحمة الله تعالى لا بأعمال الإنسان القاصرة . والإنسانُ مهما عمل من طاعاتٍ جليلة إلا أنه يظل في دائرة التقصير ، فكل المخلوقات بلا استثناء لم تعبد اللهَ حق عبادته ، حتى الأنبياء والملائكة هم مُقصِّرون في عبادة الله تعالى ، ليس بمعنى انتقاصهم ، بل بمعنى أنهم عاجزون عن أداء حق الله تعالى بشكل كامل ، لذلك فإن الأنبياء لا يَدخلون الجنةَ بأعمالهم ، وإنما برحمة الله تعالى ، وهؤلاء هم سادة البشرية المعصومون ، فما بالك بالبشر العاديين الغاطسين في الآثام ؟.
والمؤمنُ يعبد اللهَ تعالى لأنه أَهْلٌ للعبادة . فلو لم يكن هناك جنة ولا نار ، لكان اللهُ تعالى مستحقاً للعبادة . لكن رحمته _ تعالى _ تجلّت على عباده فجعل لهم جنةً عرضها السماوات والأرض مكافأةً لهم على إيمانهم في الدنيا وسيرهم وفق الشريعة الإلهية . ففي الجنة يرتاحون من تعب الحياة ومصائبها ، وينتقلون من ضنك الدنيا الفانية إلى الجنة الخالدة التي لا نهاية لها، والْمُنَزهة عن المنغِّصات .
وقد وردت أوصاف كثيرة للجنة في القرآن والسنة كي يتشوق الإنسانُ ، وترتفع روحه المعنوية ، ويواصل صمودَه أمام فتن الحياة الدنيا وزخرفها الزائل . ولكن الجنة لا يمكن تخيّلها لأنها فوق مستوى العقل البشري القاصر ، والمحصور في المتع الدنيوية الفانية .
فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قال الله تعالى : أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رَأتْ ، ولا أُذن سَمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر )).
[متفق عليه. البخاري( 3/ 1185 )برقم ( 3072 )،ومسلم( 4/ 2174 ) برقم ( 2824 ).].
وللجنة أسماء متعددة ، حيث يشير كل اسم إلى صفة لها ، ويُسلِّط الضوءَ على جانبٍ معيّن منها ينقل المرءَ إلى التفكير بعمق ، وتكوين فهمٍ منضبِط، والإحاطة_قدر المستطاع _ بهذا الموضوع الغَيْبِي الجليل .
أ _ الآخِرة :
قال الله تعالى : (( والآخِرةُ عند ربكَ للمُتقين )) [ الزخرف : 35] .
والجنةُ التي فيها النعيمُ المقيم واللذةُ الأبدية هي خاصة بالمتقين حصرياً فلا يشاركهم فيها أحد. فهم أهلُها الشرعيون وأصحابها الفعليون ، لأنهم قضوا حياتهم الدنيا في نشر الخير والاستعداد لهذا الموقف العظيم ، فاستحقوا نيل المكافأة نظير أعمالهم الجليلة في الدعوة إلى الله تعالى ، والتزام أوامره دون أن يَحيدوا عن الطريق . فقد كانوا في الدنيا أصحاب بصر وبصيرة ، فلم ينخدعوا بالبهرج الفتان المخادِع . وهؤلاء دخلوا الجنة مرتين . الأولى في الدنيا ، حين عمروا المساجدَ وقاموا بالطاعات وعاشوا تحت راية الشريعة . والثانية يومَ القيامة ، حيث النعيم المقيم الْمُعَد للمتقين حصرياً دون غيرهم . وقال الطبري في تفسيره ( 11/ 186 ) : (( يقول تعالى ذِكْره : وزينُ الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين الذين اتقوا اللهَ ، فخافوا عقابه ، فَجَدوا في طاعته ، وحذروا معاصيه ، خاصة دون غيرهم من خلق الله )) .
ب _ جَناتُ عَدْن :
قال الله تعالى : (( جَناتُ عَدْنٍ تجري من تحتها الأنهار خالِدين فيها )) [ طه : 76] .
قال القرطبي في تفسيره ( 8/ 186 ): (( أي في دار إقامة. يُقال: عَدَنَ بالمكان إذا أقام به )).
فهي دارُ الاستقرار والكرامةِ السرمدية التي أعدها اللهُ تعالى لعباده الصالحين كي يتنعّموا فيها بلا انقطاع . فالجنةُ مقر إقامتهم فلا يَرحلون عنها ، ولا يستبدلونها بأي سَكَن آخر ، ولا يُصابون فيها بالملل أو السآمة .
وعن عبد الله بن قيس _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( جَنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن )).
[متفق عليه . البخاري ( 6/ 2710 ) برقم ( 7006 )، ومسلم ( 1/ 163 ) برقم ( 180). وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 3/ 16 ) : (( قال العلماء: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العربَ بما يفهمونه، ويُقرِّب الكلامَ إلى أفهامهم ، ويستعمل الاستعارةَ وغيرها من أنواع المجاز لِيُقرِّب متناولها. فَعَبّر صلى الله عليه وسلم عن زوال المانع ورفعه عن الأبصار بإزالة الرداء)) اهـ.وقال الحافظ في الفتح ( 13/ 433 ): (( قال ابن بطال : لا تَعَلق للمجسِّمة في إثبات المكان، لما ثبت من استحالة أن يكون _ سبحانه _ جسماً أو حالاً في مكان ، فيكون تأويلُ الرداء الآفةَ الموجودة لأبصارهم ، المانعة لهم من رؤيته ، وإزالتها فعل من أفعاله يفعله في محل رؤيتهم ، فلا يرونه ما دام ذلك المانع موجوداً ، فإذا فعل الرؤيةَ زال ذلك المانع ، وسَمّاه رداءً لتنَزله في المنع منزلة الرداء الذي يحجب الوجهَ عن رؤيته ، فأطلق عليه الرداء مجازاً )) اهـ .].
فهذا النعيمُ المقيم في جنة عدن دارِ الإقامة الشريفة تم تتويجه برؤية الله تعالى الْمُنَزه عن المكان والزمان. فاللهُ تعالى غير محصور في مكان ، فهو أكبر من كل شيء . ورؤيةُ المؤمنين له _ سبحانه _ أعظمُ شرفٍ لهم ، ودليلٌ على قُدسية جنة عدن ومكانتها السامية .
وعن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قولَ الله _ عز وجل _ : [ جَناتُ عَدْنٍ يَدخلونها يُحَلوْنَ فيها من أساور من ذهب ] [ فاطر : 33] . فقال : (( إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب )).
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 462 ) برقم ( 3594 ) وصحّحه ، ووافقه الذهبي .] .
وهذا المجدُ الباقي ، والمتعةُ الخالدة التي لا تشوبها أحزان أو كدر . وقد أعطاهم اللهُ تعالى هذا النعيم جزاءً لهم على حسن فعالهم في الدنيا، وصبرهم على طاعته، وثباتهم على شريعته . والإنسانُ يَعجز عن تخيل هذا النعيم المقيم لأنه محصور في شوائب الدنيا التي سعادتها ممزوجة بالكدر، وبهجتها مندمجة مع الهموم ، وتألقها ظاهري لا يَدوم . ولكنْ عليه أن يُدرك أن المعطي هو الله تعالى ، لذلك تكون العطيةُ عظيمةً لا تُقاس ولا تزول . فصانعُ هذا النعيم هو مالكُ الخزائن التي لا تَنفد . فكل هذا المجد السرمدي لا يُنقِص من مُلْك الله شيئاً . فالمنعِمُ هو صانعُ السماواتِ والأرض ورازقُ الخلائق عبر كل هذه الحقب التاريخية . يُنفق ليلاً نهاراً، ولا يَبخل على عباده ، مؤمنهم وكافرهم ، ولا يُصاب بالتعب أو الفقر . ومن كانت هذه قدرته فلن يَعجز عن خلق جنة عرضها السماوات والأرض ، أو منح عباده _ رغم عملهم القليل _ الخلود في النعيم . فخالقُ الموت والحياة قادرٌ على إلغاء الموت من حياة أهل الجنة .
ج _ الفِرْدَوْس :
قال الله تعالى : (( الذين يَرِثُون الفِرْدَوْسَ هُم فيها خالدون ))[ المؤمنون : 11] .
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات _ أي إنهم لم يكتفوا بالقول بل حوّلوا إيمانَهم إلى واقع عملي لإصلاح أنفسهم بالطاعات وإصلاحِ الأرض بالفضائل _ كانت لهم أعلى درجات الجنة منزلاً ومكانَ إقامة لا يتبدل ، فهم يرثون الفردوس ، أي يحصلون عليها مكافأةً لهم ، ولا أحد ينتزعها منهم .
وفي صحيح البخاري ( 6/ 2700 ) : عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فإذا سألتُم اللهَ فسلوه الفردوسَ ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهارُ الجنة )) .
فالفردوسُ هي أشرف منازل الجنة . ففيها النعيم الدائم ، ويعلوها عرشُ الرحمن _ سبحانه وتعالى _ ، ومنها تفجر أنهار الجنة ، فهي المنبع الطاهر . وهذا يشير إلى مكانتها المميّزة عن باقي الجِنان . فالجنانُ متفاوتة فيما بينها بسبب تفاوت إيمان الناس وحجم تضحياتهم ، وكل امرئ ينال منزلته التي يستحقها . فكما أن الطالب ينال علامته الدراسية التي يستحقها وتكشف مستواه الحقيقي ، كذلك طالب الآخرة ينال درجته العادلة . فلا يُعقَل أن تتساوى درجة الأنبياء مع درجة الشهداء ، أو تتساوى درجة الشهداء مع درجة المؤمنين العاديين . وهذا التفاضلُ حافزٌ للمؤمنين على زيادة العمل ، ومضاعفة الجهود ، وبذل أقصى ما يستطيعون من طاقة .
د _ جنة المأوى :
قال الله تعالى: (( عِندَها جَنةُ المأوى )) [ النجم : 15] .
فعند سِدْرة المنتهى تقع جنةُ المأوى التي يأوي إليها الشهداء والأتقياء . فهي منزلهم ومستقرهم . والدنيا _ مهما طالت _ هي دار مؤقتة ، وأهلُها راحلون عنها _ رغم أنوفهم _ . فالجنةُ هي المأوى الحقيقي والمستقر الكريم الأبدي .
[سدرة المنتهى هي شجرة النبق ( السدر ) . وفي الحديث النبوي : (( ثم صعد بي إلى السماء السابعة ... ثم رُفعت لي سِدْرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر _ أي كالجِرار _، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة )) {جزء من حديث رواه البخاري ( 3/ 1410 ) واللفظ له، ومسلم ( 1/ 145 )}.(( قال المفسرون : وإنما سُمِّيت سدرة المنتهى لأنه إليها منتهى ما يصعد به من الأرض فيُقبَض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيُقبَض منها ، وإليها ينتهي علم جميع الملائكة )){ زاد المسير لابن الجوزي 8/69}. ].
قال الشوكاني في فتح القدير ( 5/ 152 ) : (( أي عند تلك السدرة جنةٌ تُعرَف بجنة المأوى، وسُمِّيت جنة المأوى لأنه آوى إليها آدم ، وقيل إنها أرواح المؤمنين تأوي إليها )) اهـ .
هـ _ جنة الْخُلد :
قال الله تعالى : (( قُل أذلك خيرٌ أم جَنةُ الْخُلْدِ التي وُعد المتقون )) [ الفُرقان : 15] .
فجنةُ الْخُلْد دائمة بلا انقطاع ، ونعيمها لا ينفد . فقد أُضيفت إلى الخلود لإشعار السامع بأنها لا تنتهي ، ولا يطرأ عليها الزوال أو الكدر . وهي مخصصة للمتقين الذين وُعدوا بها ، ووعدُ الله لا يتخلف .
وعن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ كان يدعو : (( اللهم إني أسألكَ إيماناً لا يَرتد ، ونعيماً لا يَنفد ، ومرافقةَ محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الْخُلد )).
[رواه ابن حبان في صحيحه ( 5/ 303 ) برقم ( 1970 ) .].
و _ الحسنى :
قال الله تعالى : (( وكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى )) [ النساء : 95] .
والحسنى هي الجنةُ ، وهي وَعْدُ الله لعباده الصالحين الذي لا يتأخر ولا يُلغَى . وقد وعدهم _ سبحانه _ بالأجر الجزيل ، والسعادةِ الأبدية في الدار الآخرة التي لا تفنى. مع العلم أن درجات الجنة متفاوتة ، لأن أعمال العباد متفاوتة في درجة صلاحها .
وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 238 ) : (( المثوبة الحسنى وهي الجنة ، لحسن عقيدتهم وخلوص نبتهم ، وإنما التفاوت في زيادة العمل المقتضي لمزيد الثواب )) اهـ .
ز _ الدار الآخِرة :
قال الله تعالى : (( تلك الدارُ الآخِرةُ نجعلها للذين لا يريدون عُلُواً في الأرض ولا فساداً )) [ القَصَص : 83 ] .
والإشارةُ للتعظيم . أي : تلك الجنة العالية ذات المكانة المقدسة ليست في متناول الجميع ، بل يحصل عليها المؤمنون الصادقون الذين لا يريدون الظلمَ والاستكبارَ في الأرض ولا الفساد . فعلو مكانتها دافع للعمل من أجل نَيْلها .
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 6/ 248) عن معنى " العُلُو " : (( وفيه خمسة أقوال : أحدها أنه البغي ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : الشرف والعِز ، قاله الحسن . والثالث : الظلم ، قاله الضحاك . والرابع : الشرك ، قاله يحيى بن سلام . والخامس : الاستكبار عن الإيمان ، قاله مقاتل )) اهـ .
ح _ دار السلام :
قال الله تعالى : (( لهم دارُ السلام عند ربهم ))[ الأنعام : 127] .
فدارُ السلام هي الجنة التي خلقها اللهُ تعالى للمؤمنين ، وقد أُضيفت إليه _ سبحانه _ إضافة تشريف مثل بيت الله . وقد وردت أقوالٌ في سبب تسميتها بذلك. (( أحدها: أن السلام هو الله وهي دارُه. والثاني: أنها دار السلامة التي لا تنقطع. والثالث: أن تحية أهلها فيها السلام . والرابع : أن جميع حالاتها مقرونة بالسلام )).
[زاد المسير لابن الجوزي ( 3/ 122) .].
ط _ دار المتقين :
قال الله تعالى : (( وَلَنِعْمَ دارُ المتقين )) [ النحل : 30] .
إنها الجنة بيتُ المتقين الدائم الذي لا يغادرونه ، وإنما يستقرون فيه . فالجنةُ دارُهم التي لا يتركونها من أجل أية دار أخرى . إنها تجمعُ المتقين الذين صنعوا حياتهم وفق مراد الله تعالى ، فلم يتقاعسوا ، ولم يُصابوا بالإحباط أو التعب من مواصلة السير . ولا شك أنهم تحلوا بالصبر الهائل في دنياهم حتى نجحوا في الوصول إلى هذه المنزلة الراقية .
ي _ دار الْمُقامة :
قال الله تعالى : (( الذي أَحَلنا دارَ الْمُقامة )) [ فاطر : 35] .
فاللهُ تعالى أعطى المؤمنين الجنةَ، وهي المنزلة الرفيعة بفضله ورحمته. وهي دار الإقامة والاستقرار بلا رحيل أو مغادَرة .

http://www.facebook.com/abuawwad1982




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات