.
.
::
في كتبنا المدرسية حين كنا صغارا كنا نقرأ تاريخا وذاكرة عربية وإسلامية عظيمة لايقرؤها أبناؤنا اليوم،وفي أسئلة امتحاناتنا كثيرا ما فاجأتنا أسئلة غريبة تختبر ذكاءنا،وسعة معرفتنا،وثقافتنا الخاصة.
كنا نحفّز على القراءة بشكل غير مباشر،وأيضا نحفز عليها بشكل مباشر ،أطفالنا اليوم لايقرؤن،فقد استعيض عن الكتاب بأجهزة الحاسوب،والسيد المحترم جوجل،وأضيف إليه في وقت الفراغ مكمّلات أقصد مدمرات أخرى كثيرة من الألعاب الالكترونية،وأجهزة البلاك بيري "أم الإشاعات"،والعالم الافتراضي المسمى فيس بوك.
لذا هم لايعرفون جميلة بوحيرد،ولم يسمعوا عنها،ولم تصلهم إشاعة مرضها وحاجتها الملحّة للدواء،كما وصلتهم إشاعات كثيرة ومريرة، ليس لأن البلاك بيري لم يستطع نقل الإشاعة،لكن لأن جميلة بوحيرد تعتبر اليوم في عرف النكران والإهمال امرأة خارج إطار الاهتمام،وربما خارج إطار التاريخ الذي صنعته ليس للجزائر وحدها،وإنما للأمة العربية والإسلامية بأسرها.
كنا نقرأ درس المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ،ونشعر أن السياط التي كانت تلهب جسدها كانت تُلهب اجسادنا معها،كنا نرسم في مخيلتنا الطفولية صورا للتعذيب البشع الذي طال عمر الجميلة،والوحشية التي تعرضت لها من قبل الفرنسيين حين كانت الجزائر خاضعة للاستعمار الفرنسي،وكنا نبكي لمشهد جلد جميلة.
نحن لم نكن نعرف معنى الثورة،ورفض المستعمر،ولم نكن نعرف لماذا تصر فرنسا على البقاء في الجزائر،أو لمَ ترفض جميلة أن يسيطر الغريب على تراب وطنها،أو ينهب ثرواته،أو يعتدي على مكتسباته ،لم نكن نعرف شيئا لأننا صغارا ،لكننا كنا وما زلنا نحب جميلة بوحيرد الرمز،جميلة التي كُنيت باسمها المدارس،والشوارع العربية،جميلة التي كُنيت باسمها النساء العربيات،وكُتبت فيها أجمل الحكايات والروايات والأشعار،أين جميلة التي كنا نعتقد انها في غيابة الموت ،إنها على قيد الحياة ،ولكن،ولنضع تحت اللاكن هذه ألف خط أحمر.
إن المناضلة العربية العظيمة جميلة بوحيرد تستجدي الدواء،ووطنها يقول أنه لم يقصّر معها،ولا يدري الوطن أنه في حال قال لم أقصّر بأنه قد قام بالتقصير فعلا لمجرد أنه منّ على ابنة من أغلى أبنائه،وثروة تاريخية من أعظم وأجل الثروات بحبة دواء.
أليس الأجدى بالدول العربية التي علّمتنا في المناهج الدراسية حب جميلة بوحيرد والاحتذاء بها وجعلها القدوة أن تهب لمساعدة ومساندة هذه السيدة الجليلة،أليس من حق هذه المناضلة العربية التي قضت زهرة شبابها في السجون أن تشعر بالتكريم والاهتمام في حياتها،لقد مدّ الله في عمرها رغم ما عانته من قسوة التعذيب ،ومرارة السجون لكي تشهد اهتمام العالم بها،لا إهماله لها،إنني أشعر بالأسى،والحزن،نحن أمة لا تصون رموزها،وليس لجميلة الجميلة إلا َ الله، أو هبة معتصم جديد يداوي جراحها،ويحتفل بها،فيوفر لها مسببات الحياة الكريمة،ويحفظ ما تبقى من ايامها في عزة،ووقار،و احترام .
ولا عزاء للمناهج الدراسية وتاريخها المُدان،حين كبرنا تمنينا لو كُنا جميله لكن قبل أن يطالها الإهمال والنكران.
.
التعليقات (0)