منذ فجر الإستقلال وقبله بدأ إنتشار الأسلحة الصغيرة والجماعات المسلحة فى الحدود الشرقية للسودان, وكان للنزاع الأثيوبى الأرترى دور كبير فى تدفق الأسلحة الصغيرة عبر الحدود الشرقية السودانية, حيث كانت الحركات الثورية الأرترية التى نشأت لمقاومة الإحتلال الأثيوبى ونيل الإستقلال دور كبير فى انتشار الأسلحة الصغيرة ,حيث دعمت الحكومات السودانية المتعاقبة جبهة التحرير الأرترية التى أسسها إدريس عواتى من اجل استقلال أرتريا من الإحتلال الأثيوبى منذ بداية ستينات القرن الماضى بالمال والسلاح والمؤن, ومن بعدها قام السـودان بدعم الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا المنشقة من جبهة التحرير الأرترية بقيادة أمينها العام محمد نور الأرترية بالقرب من الحدود السودانية الشرقية فى أواخر سبعينات القرن الماضى فى تدفق الأسلحة فى المناطق المتاخمة لمسارح القتال فى شرق السودان,كما قام السودان بدعم جبهة تحرير التقراى التى كانت تناضل ضد النظام الأثيوبى من أجل التهميش ونيل حق الحكم الذاتى لإقليم التقراى الأثيوبى, حيث قدم السودان الدعم لهذه الحركات طيلة صراعها مع النظام الأثيوبى وكانت لها مكاتب فى المدن السودانية الشرقية (القضارف –كسلا وبورتسودان), كما لها قواعد تدريب وإنطلاق من الأراضى السودانية, كما قدم السودان الدعم لحركات أثيوبية أخرى مثل حركة تحرير الأرومو, وحركة تحرير البنى شنغول,فى المقابل قامت أثيوبيا منذ السبعينات بدعم عناصر المعارضة السودانية وقدمت التسهيلات لحزب الأمة فى منطقة شهيدى الحدودية, وأوت عناصر الجبهة الوطنية المكونة من حزب الأمة والإتحادى الديمقراطى والأخوان المسلمون فى نضالهم ضد نميرى,كما قام نظام منقستو هايلى مريم بإحتضان وإيواء الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ نشأتها عام 1983, كرد فعل لقيام السودان بإيواء ودعم الحركات الأثيوبية المعارضة,حيث كانت كل من أثيوبيا والسودان تتأثران بمناخ العلاقات الدولية السائد فى ذلك الوقت(الحرب الباردة),حيث كان السودان يدور فى فلك الغرب, وأثيوبيا تدور فى فلك المعسكر الشرقى السابق,ونتيجة لهذا التوتر فى العلاقات الأثيوبية السودانية, عملت كل من الدولتين على تبنى سياسات داعمة للمعارضة المسلحة فى كل من البلدين,الشىء الذى أسهم فى عدم إستقرار المناطق الحدودية بين البلدين وإنتشار الأسلحة الصغيرة والجماعات المسلحة وثقافة القتال بين مجتمعات تلك المناطق الحدودية,هذا ساهم فى إنتقال الأسلحة والذخائر الى أغلب القبائل فى الحدود الشرقية, مثل قبائل الرشايدة التى استخدمت الأسلحة الصغيرة فى حماية عمليات التهريب التى تقوم بها عبر الحدود مع أرتريا, وبعض قبائل الأمهرا التى يطلق عليها إسم ( الشفته), والتى تقوم بعمليات السلب والنهب على كل المناطق الحدودية فى أثيوبيا والسودان, مما أسهم فى عدم إستقرار إنسان تلك المناطق, وانتشار النهب والفوضى فى تلك المناطق.
كما كان لبداية الحركة الشعبية لتحرير السودان عملياتها فى مناطق الحدود الجنوبية الشرقية للسودان ومنطقة النيل الأزرق فى مطلع العام 1983, انطلاقا من الأراضى الأثيوبية, إسهام كبير فى قيام الحركات المسلحة والمليشيات وإنتشار الأسلحة الصغيرة بكثافة فى هذه المناطق ,وعند سقوط نظام منقستو هايلى مريم(نظام الدرك) فى أثيوبيا فى نهايات العام 1991 إستولت الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا على مقاليد الأمور فى أرتريا, ونالت إستقلالها من أثيوبيا,كما إستولت جبهة تحرير التقراى, على مقاليد الأمور فى أثيوبيا,وقامت قوات جيش أثيوبيا التابع لنظام منقستو هايلى مريم بالدخول الى الأراضى السودانية هربا من محاكمة الجيوش الثورية له, حيث كانت هذه الجيوش تقوم أثناء دخولها السـودان بتبديل بنادقها وأسلحتها الصغيرة, مقابل بعض المال والغذاء, مع قبائل وسكان الحدود الشرقية السودانية, حيث تسربت كميات كبيرة من الأسلحة الصغيرة والذخائر الى سكان هذه المناطق الحدودية قبل أن يتم إستلام أسلحة وعتاد هذا الجيش بواسطة القوات المسلحة السودانية فى منطقة اللفة وحمداييت السودانية بالحدود الشرقية,بعد ذلك سادت فترة من الهدوء والأستقرار فى الحدود الشرقية نتيجة لطبيعة العلاقة بين السودان والأنظمة الثوريية التى تقلدت مناصب الحكم فى كل من أثيوبيا وأرتريا, والتى دعم السودان وصولها الى السلطة,ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين السودان وكل من أثيوبيا, وأرتريا مرة أخرى نتيجة لمحاولة إغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك فى أديس أبابا عام 1995, حيث إتهمت أثيوبيا السودان بمحاولة الإغتيال, ومن ثم تدهورت العلاقات مرة أخرى وتبعت أثيوبيا, جارتها أرتريا, نتيجة لإتهام السودان بدعم الحركات الإسلامية المسلحة فى كل من أثيوبيا وأرتريا (حركة الجهاد الإسلامى الأرترية) و (حركة تحرير إقليم الأرومو الأثيوبية) وإتهام كل من الدولتين للسودان (حكومة الإنقاذ) بتصدير الثورة الإسلامية من السودان الى كل من أرتريا وأثيوبيا لقلب نظام الحكم وتسليم السلطة فى كل من الدولتين لحكومات موالية للخرطوم ,بالمقابل قامت كل من أرتريا وأثيوبيا بإيواء المعارضة السودانية التى تسمى(1) (التجمع الوطنى الديقراطى) والذى يضم فصائل المعارضة السودانية التالية: قوات التحالف السودانية (ساف),وقوات الحزب الديمقراطى الإتحادى (فتح) والحزب الشيوعى السودانى (مجد) وحزب الأمة القومى(جيش الأمة) ومؤتمر البجا (قوات مؤتمر البجا) والحركة الشعبية لتحرير السودان(جيش السودان الجديد) وتنظيم (الأسود الحرة) الذى يتبع لقبيلة الرشايدة,نتيجة لذلك قامت حكومـة أثيوبيا وأرتريا, بضـخ كميات لا يستهان بها من السلاح الى هذه المجموعات وفتح معسكرات التدريب لها فى كل من ساوا وهيكوتا الأرتريتين, وفى كا من المهل ومنكوش وشهيدى وتمد والحمراية فى أثيوبيا,اما الجانب السودانى فقد قام بتبنى حركة الجهاد الإسلامية الأرترية, وفتح مكاتب لها فى كل من كسلا والخرطوم كما قام بتوفير معسكرات لها بالقرب من كسلا, لتنطلق منها الى داخل أرتريا,كما قام بتبنى حركة تحرير الأرومو وحركة تحرير البنى شنغول المناهضة لأثيوبيا وإمدادها بالسلاح وقواعد التدريب بالقرب من مدينة الدمازين حاضرة النيل الأزرق,هذه الأحداث دفعت لقيام حرب طويلة على طول الحدود الشرقية من قرورة حتى منطقة اكوبو فى أعالى النيل مما دفع الأوضاع فى الحدود الشرقية لمزيد من التوتر,إلا أن التحول فى العلاقات الأثيوبية السودانية, فى عام 1998 نتيجة لقيام (1) الحرب الأثيوبية الأرترية حول منطقة بادمبى الحدودية بين أثيوبيا وأرتريا, أجبرت أثيوبيا للإتجاه نحو تحسين علاقاتها مع السودان لعدم وجود منفذ بحرى لها, وبالتالى شابا لهدوء الحدود الشرقية المتاخمة لأثيوبيا بينما إستمر توتر الأوضاع على الحدود الشرقية المتاخمة لأرتريا,وكانت للحرب الأرترية الأثيوبية, إنعكاستها الخطيرة على مجمل الأوضاع فى شرق السودان حيث قامت كا من أثيوبيا وأرتريا, بدعم تحالف المعارضة المناهض لحكومة الأخرى, وكان هذا الدعم يمر عبر الأراضى السودانية, كما كان يتم تنقل القوات خلسة عبر حدود السودان الشرقية للقيام بعمليات عسكرية داخل كل من الأراضى الأرترية والأثيوبية على حد سواء,كما ساهم حلف صنعاء المكون من كل من السودان وأثيوبيا واليمن التى كانت لها علاقات سيئة مع أرتريا وصلت لدرجة النزاع المسلح, فى ضخ كميات من الأسلحة والعتاد للمعارضة الأرترية عبر الحدود الشرقية للسودان, وعبر حدود إقليم التقراى مع أرتريا,وبالرغم من هدوء الأمور وتحسن علاقة السودان بأرتريا ودعمها لدخول جبهة الشرق السودانية التى تضم تنظيم مؤتمر البجا, وتنظيم الأسود الحرة التابع لقبيلة الرشايدة, للوصول الى صلح مع الحكومة السودانية,إلا ان الحدود لا زالت تشهد إنتشار للسلاح, وتحركات للجماعات المسلحة المعارضة الأثيوبية والأرترية عبر الحدود الشرقية للسودان, نتيجة لحرب الإستنزاف بين كل من أرتريا وأثيوبيا,كل هذه الأوضاع أسهمت فى إنتشار الجماعات المسلحة والأسلحة الصغيرة فى حدود السودان الشرقية ودول الجوار المتاخمة لها.
التعليقات (0)