مواضيع اليوم

الجـدل الدينـي بالمغـرب بيـن المحافظيـن والعلمانييـن

شريف هزاع

2010-12-24 14:59:03

0


عبـد الفتـاح الفاتحـي

 

يصر بعض العلمانيين المحسوبين على الحركة الأمازيغية على إثارة الجدل حول المسألة الدينية بالمغرب، حين يستغربون نشازا جدوى الالتزام بتطبيق الشريعة الإسلامية وبتعاليمها، ويعملون على الانتصار للحقوق الفردية الأساسية التي يكفلها القانون الدولي، وذلك في عدة مظاهر انحرافية يرفضها المجتمع المغربي كليا، مثل ظاهرة "المثليين"، "عبدة الأشجار"، "عبدة الشيطان"، وحادث حركة مالي للإفطار العلني في رمضان، ومساندة النزعات الانفصالية ضد الوحدة الترابية وأخيرا فتوى بيع الخمور للمسلمين....

وترى بعض الجهات أن ارتفاع أصوات التيار العلماني بالمغرب، جاءت نتيجة تراجع التيار المحافظ إلى أسلوب الحوار والقبول بالآخر، وذلك منذ حادث 11 شتنبر 2001، الذي ساهم وبشكل كبير في كبح الخطاب الديني الإصلاحي لصالح الإصلاح الفردي بعدما باتت عدة بلدان عربية منفتحة تعرف اختراقات الجماعات السلفية المتطرفة، والحركات التنصيرية، والمد الشيعي... وهو ما جعل إعادة ترتيب أولوياته تقوم على تربية الفرد وفقا لقيم الإسلام الصحيحة.

ووجد الخطاب الرسمي ضالته في ذلك بداعي أولوية تحصين المسلمين أولا من غزو جهات غريبة عن المجتمع. وليضمن التزام إجماعه الوطني أعاد ترتيب بيت مؤسساته الدينية، ورسم أولوياتها التي بدت مقبولة شعبيا، ليفسح المجال تكتيكيا تصاعد أصوات العلمانيين، مع تسجيل حالات من الاحتقان مع جماعات دينية مؤثرة في المشهد الديني المغربي كحركة العدل والإحسان، حركة الدعوة والتبليغ، حركة التوحيد والإصلاح...

فدخل المغرب في إشراف حاسم على مسلسل إعادة هيكلة شاملة للحقل الديني، أدت إلى مراجعة وظائف مؤسساته والعلاقات القائمة بينها، ومن تمظهراته توسيع المجالس العلمية، وإحداث المجلس الأعلى للإفتاء، ومراجعة دور مؤسسة دار الحديث الحسنية وقناة السادسة... وتمت عملية "إعادة تكوين" 1432 من الأئمة بغلاف مالي قيمته 250 مليون درهم (36 مليون يورو) سنويا. كما أعيد تنظيم المجالس العلمية وتوسيعها جهويا ومحليا، وجعل المجلس العلمي الأعلى على رأسها، وصار الملك هو الرئيس الأعلى للمجالس بصفته أميرا للمؤمنين، وأدخلت الخطة العنصر النسائي بتخريج أفواج من المرشدات والواعظات وتوزيعهن على المساجد وإرسال بعثات منهن للخارج، وعبرت الخطة حدود المغرب بإنشاء المجلس العلمي للجالية المغربية المقيمة بالخارج، حيث يوجد حوالي 3 ملايين مهاجر مغربي.

ومن أهم جوانب الخطة الدينية الإصلاحية المغربية تم إحياء الطرق والزوايا الصوفية وتشجيعها، وتنظيم مؤتمرات وملتقيات وطنية ودولية لها، أبرزها ملتقى سيدي شيكر العالمي للتصوف، مع بناء قرية صوفية عالمية نموذجية لاستقبال المؤتمرين كل سنة...

وقد ظلت المسألة الدينية تشكل أبرز الموضوعات التي تثير الرأي العام الوطني، وهو ما جعل بعض المؤسسات الإعلامية والمدنية إضافة إلى المؤسسات الرسمية تنشغل بدراسة الحالة الدينية في المغرب دراسة علمية، بغية الوقوف على درجة التدين عند المغاربة، ومن هذه الدراسات ما وقف عليه تقرير المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة (مؤسسة مدنية)، والتي توقفت في جزء مهم من تقريرها على المساجد كأحد أهم مؤشرات قياس درجة تدين المغاربة، وكشف التقرير أن المساجد بالبادية (34 ألف) أكثر منها بالمدينة (13 ألف)، وأكد التقرير أن 7 مساجد لكل 5 آلاف نسمة هو المعدل الوطني.

وكشف فيه التقرير أن ثمة طلب متزايد على الحج انتقل من 110 آلاف إلى 170 ألفا بين 2007 و 2008، وفي المؤشر الرابع الخاص بالتعليم العتيق ودور القرآن، فقد سجّل أن عدد تلاميذ مؤسساته يصل إلى 300 ألف، فضلا عن 500 مدرسة خاصة.

وأمام الحضور القوي للمكون الديني في العمق المغربي، يحاول بعض العلمانيين شحذ ألسنتها كلما برز حادث شاذ عن عرف المجتمع المغربي، وهو ما لوحظ عقب سعي عدد من المثليين (شواذ جنسيا) إلى تنظيم تظاهرة خاصة بهم بمدينة مراكش، وعند ظهور كاتب عام جمعية "كيف كيف للشواذ المغاربة" على الصحافة المغربية مطالبا بالترخيص لهم بالانتظام في جمعية مدنية داخل المغرب كما هو حالهم في اسبانيا. فأعاد العلمانيون وبمساندة الجمعيات الحقوقية طرح الحريات الفردية بقوة.

وأعادوا التشديد على ذلك عقب حادث ما بات يعرف بـ "عرس مدينة القصر الكبير للشواذ" (شمال مدينة المغرب)، ثم أعادوه مرة أخرى في حادثة "حركة مالي" التي أرادت تنظيم إفطار جماعي في أيام شهر رمضان الفائت بالشارع العام بمدينة المحمدية (جنوب العاصمة المغربية الرباط). وقد استفاد التيار العلماني بالمغرب في دعم مظاهر جزئية شاذة من الانفتاح التي بات يقبل به المجتمع المغربي اليوم، ولذلك فهو يحاولون تجريب درجة هذا الانفتاح وللرفع من السقف المسموح به.

وشكلت اليوم فتوى الدكتور أحمد الريسوني عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح فرصة سانحة للعلمانيين للدعوة إلى تكييف القوانين المغربية لحفظ ما يسمونه بالحريات الفردية كما تنصص عليها المواثيق والعهود الدولية التي وقع عليها المغرب. وفي هذا السياق يشتد الجدل بين التيار العلماني (عبر عدد محدود من المثقفين الأمازيغ) وبين التيار المحافظ (الذي يقوده فقهاء مغاربة ويتفاعل معهم بشكل كبير عموم المواطنين المغاربة).

وكان المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني، قد أثار مؤخرا سخط العلمانيين الليبراليين المغاربة حينما أفتى مجيبا على رسالة هاتفيه تستفتيه إذا كان التسوق من متجر للمواد الغذائية يبيع الخمور حرام أم حلال، فأجاب بتحريم التبضع من هذه المتاجر، مبررا فتواه بأن أمر الدعوة إلى اجتناب الخمر في الإسلام يفوق تحريمه، ويقوم على تفادي واجتناب ليس شرب الخمر فقط، بل أيضا التعامل مع من يشربه أو يعصره أو يتاجر فيه، بغرض التضييق عليه حتى يكف عن ترويجها.

وهو ما جعل أصوات العلمانيين ترتفع من جديد للمطالبة بحماية الحريات الفردية، وأعلنت جمعية "بيت الحكمة" (مؤسسة مدنية علمانية مقربة من حزب الأصالة والمعاصرة) على الريسوني حربا ضروسا، وقالت في بيان لها "إن القانون الذي يَعتبر بأن الخمر لا يباع إلا للأجانب، أو الذي يعاقَب بموجبه مواطنون مغاربة على شرب الخمر أو اقتنائها، هي قوانين مخالفة لنص الدستور الذي يقر بالحريات والحقوق الفردية والجماعية وبالحق في الاختلاف، مما يستوجب إلغاءها لملاءمة القوانين الجنائية مع مضمون الوثيقة الدستورية ومع ما تم التعهد به دوليا من طرف الدولة المغربية.

وقد دعم هذا الموقف ولأول مرة في تاريخ المغرب حزب سياسي يتوق إلى قيادة الحكومة المغربية سنة 2012، وهو حزب الأصالة والمعاصرة حزب صديق الملك محمد السادس فؤاد علي الهمة كما يحلو للبعض أن يطلق عليه، وهو ما يعني أن إلغاء بند حظر بيع الخمور للمسلمين صار جزء من برنامج حزب سياسي سيعمل على المطالبة بحذفه في تشريعات الحكومة المغربية السابقة، حيت يتوقع أن يحظى هذا الحزب بالوزارة الأولى في الانتخابات التشريعية ل 2012، وذلك بالنظر إلى الاكتساح الذي حققه في الانتخابات الجماعية للسنة الماضية.

وحوَّل التيار العلماني فتوى الريسوني من فتوى دينية إلى جدال سياسي وحقوقي ومؤسساتي عميق، وعمد هذا التيار إلى جر الدولة لأن تكون من الخائضين في هذا السجال، حين طالبوا بتدخل الملك باعتباره مالك السلطة الدينية أيضا لإرشاد المواطن المغربي إلى ما فيه صواب له وللبلاد، ولوقف ما بات يسمى "حمى الفتاوي". وإن كانت هذه الدعوات تبدوا أنها معقولة ومقبولة لدى عموم المغاربة لتقنين استصدار الفتاوي، فإن ورودها بالنسبة للمحافظين في هذا التوقيت بالذات يجعلها دعوات مغرضة، يحاول عبرها التيار العلماني الاستقواء بالمؤسسة الملكية، بدليل أن هذه الأصوات المحدودة حسبه لم ترتفع في الوقت الذي أصدر فيه النائب البرلماني عبد الباري الزمزمي سلسلة من الفتاوي، التي كان يتلقاه العلمانيون بترحيب كبير، مادامت أنها تنحو منحى غرائبيا عن الأعراف المجتمعية المعتادة لدى المغاربة.

ومعلوم أن عبد الباري الزمزمي رجل دين مغربي سبق وأن أصدر مجموعة من الفتاوي المثيرة للجدل، منها إفتاؤه بجواز شرب المرأة الحامل في فترة الوحم للخمر إذا اشتهته، وهي الفتوى التي رحب بها العلمانيون واستنكرها المحافظون، حتى أن أحدهم طالب الزمزمي بالعودة إلى جادة صوابه ورشده، وقبل أن تهدأ زوبعة هذه الفتوى أعاد الزمزمي ليفتي بجواز ممارسة الزوجين لبعض الأوضاع الجنسية التي تتداولها الأفلام الإباحية، كلعق الزوجين فرجي بعضهما البعض، وإجازة مداعبة الرجل دبر زوجته بالذكر دون أن يصل الأمر إلى حد الإيلاج. كما أجاز مضاجعة المرأة الحائض باستعمال الواقي الذكري (العازل الطبي).

وتكاد تجمع كل الآراء أن المطالبة بتدخل الملك في مثل هذا السجالات وخاصة بعد فتوى الريسوني التي أثارت ولا تزال تثير ردود أفعال قوية ومتباينة من الجانبين، فإنما يراد بها إرهاب العلماء، ومحاولة لتكميم أفواههم، وممارسة الابتزاز على أحمد الريسوني الذي أصدرها، والتوقيع بينه وبين الجهات الرسمية، أو توريطه في مأزق الإفتاء مع وجود المجلس الوطني الأعلى للإفتاء، وهو ما يعيد إلى الأذهان الحزم الذي مارسته وزارة الداخلية مع الفقيه المغربي الذي أفتى من ديار العربية السعودية بجواز تزويج ابنة التاسعة من العمر، وهو ما اعتبر آنذاك تطاولا على الثوابت الوطنية واختصاصات المجلس الوطني الأعلى للإفتاء، واتهامه بإثارة البلبلة داخل المجتمع، حين الإفتاء بما يناقض القوانين الجاري بها العمل في مدونة الأسرة التي تحدد سن الزواج في 18 سنة.

بل وذهب التيار المحافظ إلى القول بأن المطالبة بتدخل ملك في هذه الظرفية بالذات، إنما ينطوي على نيات مبيتة، يراد بها ممارسة الابتزاز على كل الَّدين وقفوا في وجهه العلمانيين، بعدما دعوا إلى إلغاء قانون حظر بيع الخمر للمسلمين.

وتتجدد مثيل هذه الخرجات الإعلامية التي يقودها العلمانيون، ويسهم فيها بعض المحسوبين على الحركة الأمازيغية بتسعير النعرات القبلية العشائرية والتهجم على لغة القرآن والمكون العربي والحركة الإسلامية وأحيانا الإسلام نفسه، حتى أن "أحمد عصيد" الناشط الأمازيغي المعروف بمواقفه المتطرفة من الإسلام واللغة العربية، كتب في مقال له "التخلف والهزيمة والرجعية والماضي" منشور بأحد الصحف المغربية، "بأنه يحبذ في الآن نفسه هوية مغربية مجردة من كل ما هو عربي إسلامي تستمد قوتها من العالم الغربي الذي ينهل من معين "العقل العلمي" الذي لا يعترف إلا بنفسه ويقصي ما دونه مثل الدين والحضارة والماضي".

بل لا يتورع عدد من النشطاء الأمازيغ الإعلان عن توجهاتهم العلمانية نكاية بالدين الإسلامي، حتى أن أحد منظري الحركة الأمازيغية قال: "إن الإسلام سيزول من المغرب كما زالت منه المسيحية قديما". ولا يتواني أصحاب هذا الرأي المحسوبين على رؤوس الأصابع بالمغرب اتهام السلطة بممارسة الإرهاب على الحريات الفردية للأفراد.

ويذهب أصحاب هذا الرأي المناقض لإجماع المغاربة إلى القول بأن السلطة إذا رفعت يدها عن عقيدة الناس وتركت الأمر اختيارا حرا للأفراد مثلما هو الشأن في بلدان العالم المتقدم، فإن الأمر لن يكون على ما هو عليه حال المجتمع المغربي اليوم، مشككين في مدى عفوية إسلام المغاربة دون إجبارهم على ذلك، ومتهمين السلطات المركزية بحراسة الدين بالقوة.

وبرى عدد كبير من الباحثين أن مشروع الدفاع عن الأمازيغية الذي يتغنى به عدد من النشطاء، إنما هو جزء من مشروع شامل يتغيا فصل المغرب عن العمق العربي والإسلامي، ذلك أن مبرر الطرح الهوياتي الأمازيغي الذي يشهره العلمانيون الأمازيغ ليس سوى قاطرة مسربلة بالزي العلماني، ذلك أن مشروع "تمزيغ" المغرب لا يمثل إلا الوجه الآخر لمشروع علمنته، وهو ما يفسر حماس بعض الأمازيغيين لمسألة المقابلة الحادة والنزاعية بين العربية والأمازيغية والتي لا يقابلها نفس الحماس عند طرح التقابل بين الأمازيغية والفرنسية.

والحق أن كلا الخطابين القومي والعلماني في الطرح الهوياتي الأمازيغي، حين حاولا الابتعاد عن الروح العربية الإسلامية، ظهرا وأنهما لا يمتلكان أي جذور حضارية وتاريخية، ولذلك فإنه حين يواجه القيم الإسلامية المغربية يسارع إلى استنساخ خطابات مغالية في التبعية.

وكانت عدة سجالات قوية تتم من خلال الصحافة المغربية في محاولة لاختراق الثقافة المغربية التي لا تزال تجعل من القيم الدينية الموجه الأساسي للسلوكات الفردية والمجتمعية، والحق أن استقراء الرأي العام وإن يبرز الخطاب العلماني قويا في الصحافة فإنه يكاد يكون معدوما على المستوى الشعبي، وهو ما يؤكد أن هذه الخطابات التي تبدو مناقضة للدين الإسلامي على المستوى الشعبي موجودة في أذهان عدد محدود من المثقفين المغاربة المنادين بالعلمانية، دون أن يجد طريقه إلى الوعي الشعبي المغربي.

محلل صحفي

Elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات