أكَّد الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقـيّة أنَّ العراق يُقيِّم الآن الدول التي وقفت إلى جانبه، وقدَّمت بعض المُساعَدات ذات الطابع الإنسانيِّ، والخدميِّ، ومن جملتها اليابان، وبعض الدول الصديقة الأخرى التي ساعدت العراق.
مُوضِحاً: نحن نـُعلـِّق آمالاً كبيرة على علاقتنا مع اليابان؛ لأنـَّها بلد اقتصاديٌّ مُتطوِّر، ونحن نهتمّ بشُؤُون الاقتصاد كثيراً، ولليابان وزن دوليّ يُمكِن أن ينفع، ويدعم العراق سياسيّاً، وأمنيّاً، واقتصاديّاً، ويُروِّج للاهتمامات العراقـيّة التي أصبحت الآن ذات حجم دوليٍّ خـُصُوصاً بعد أن فتك داعش بالعراق.
مضيفاً: العراق مُتعدِّد الموارد، لكنَّ الكثير من موارده مُتوقـِّفة، أعني: نحن عندنا ثروة زراعيّة، وثروة سياحيّة عالية جدّاً، وثروة نفطيّة، لكنَّ المُوازَنة تعتمد بنسبة 90% على النفط، وانخفاض سعر النفط سبَّب عجزاً في المُوازَنة، وهذا العجز مع التعطـُّل الذي حصل الآن عندنا في بقيّة الموارد، وعدم استثمارها جعل المُوازَنة في حالة عجز حادّ.
الجعفريُّ كشف أنَّ: عناصر داعش كانوا في العام الماضي ينتمون إلى 80 دولة، والآن ينتمون إلى أكثر من 100 دولة؛ ممّا يعني أنَّ الوضع العالميَّ لايزال ليس بالحجم المطلوب بحيث يحِدُّ من مجيء هؤلاء.
مُبيِّناً: أنَّ داعش تعدُّ كلَّ شيء غير داعش عدوّاً لها، ويشتبه مَن يتصوَّر أنـَّها تـُمثـِّل الإسلام؛ لأنَّ أغلب ضحاياها في الأوساط الإسلاميّة نساءً، وأطفالاً، وشُيُوخاً، ومعابد، ومساجد. داعش لا يمتـُّون إلى الإسلام بصلة.
مُشدِّداً بالقول: كلُّ الدول يجب أن تدرك جيِّداً أنَّ داعش ضدّها، وتشتبه إذا تصوَّرت أنـَّها تستطيع أن تدخل في هدنة مع داعش؛ لأنَّ داعش لا تـُصالِح أحداً، بل ستحارب نفسها، وسيبدأ الاحتراب الداخليُّ بين فصائلها؛ لأنـَّها لا تفهم شيئاً اسمه حوار، إلا التفجير.
مُؤكـِّداً: أنَّ أيَّ طرف حكوميٍّ، أو غير حكوميٍّ إذا هادَنَ داعش سيكون خاسراً؛ لأنَّ داعش ستنقضُّ عليه، ولا تعرف إلا القتل، والغدر، مشيراً إلى أنَّ داعش تستهدف كلَّ دول العالم، وعلى كلِّ دول العالم أن تردَّ ردّاً يتناسب مع هذا الخطر، وما لم يُقاتِلوا داعش، ويُساعِدوا على قتال داعش في العراق فستنتقل إلى أراضيهم، وستـُقاتِلهم، وسيكون الضحايا من بلدانهم؛ لذا عليهم أن يُضاعِفوا من إسناد العراق، ويُقاتِلوا داعش على الأرض العراقـيّة قبل أن تنتقل إلى بلدانهم؛ مُعلـِّلاً: الإرهاب لم يعُد ظاهرة سوريّة، أو ظاهرة عراقـيّة، أو أفغانيّة، بل الإرهاب الآن يُشكـِّل تحدِّياً حقيقيّاً لكلِّ دول العالم.
الجعفريّ عبَّرَ عن أنَّ: الحرب على داعش حرب عالميّة ثالثة؛ لأنـَّها لا تقتصر على قارّة، ولا تقتصر على بلدان مُعيَّنة، ولا تقتصر على الجُيُوش، بل هي حرب تستهدف تحطيم الأنظمة الاجتماعيّة، والسياسيّة، والحضارة.
مُبيِّناً: عندما يتعرَّض أمننا للخطر نـُصافِح كلَّ الأيدي التي تمتدُّ لمُساعَدتنا من التحالف الدولي ومن خارجه.. فإيران ليست في التحالف الدوليِّ، وكذا الصين، وكثير من دول العالم نتقـبَّل مُساعَداتها إذا وقفت إلى جانبنا، وساعدتنا في دعم العمليّة الأمنيّة، ولا نعتقد أنَّ هناك ازدواجيّة بين أن نرتبط بالتحالف الدوليّ، ونأخذ مُساعَدات منه، ونمدّ يداً أخرى لأيِّ دولة تـُساعِدنا في الجانب الأمنيّ.
مُضيفاً: أنَّ هناك دعماً استخباريّاً معلوماتيّاً روسيّاً، وهو الذي حصل بين روسيا، وسورية، وإيران، والعراق، ونقل المعلومات له دور كبير جدّاً في مثل هذه الحرب؛ لأنَّ الحرب على داعش ليست حرباً تقليديّة، بل هي حرب من نوع آخر، مُستدركاً: لكننا ننفتح على أيِّ دولة يُمكِن أن تـُساعِد العراق في إرساء الأمن بشرط أن لا تتقاطع الإرادات بين التحالفات الدولـيّة في سماء العراق، وعندما تكون هناك حاجة سنـُملي شُرُوطنا مثلما أملينا شُرُوطنا على التحالف الدوليِّ بأن يعملوا في العراق، ويخضعوا لشُرُوط عراقـيّة، ومنها: احترام الدستور، والتقـيُّد بضرب الأهداف الإرهابيّة فقط، والابتعاد عن الأهداف المَدَنيّة، والمناطق الآهلة بالسكان.
مُشيداً بالانتصارات التي حققتها القوات المُسلـَّحة، والحشد الشعبيّ، والبيشمركة، وأبناء العشائر، وأفصح بالقول: العام الماضي في مثل هذا الشهر كانت داعش قريبة من بغداد، ومنطقة جرف الصخر، وبعقوبة، وسامراء، والإسحاقي، وبيجي، أمَّا الآن فقد طـُهِّرت جميع هذه المناطق؛ بفعل ضَرَبات القوات المُسلـَّحة العراقـيّة، وتراجعت داعش إلى مناطق بعيدة جدّاً عن بغداد، وتحرَّرت هذه المناطق التي كانت إلى الأمس القريب في قبضة داعش.
وعن دور الدبلوماسيّة العراقيّة الجديدة أوضح الجعفريّ: نحن نبتعد من الناحية الدبلوماسيّة، والسياسيّة عن سياسة المحاور، ونتجنـَّب الدخول في التقاطعات المحوريّة على الصعيد الإقليميِّ، والدوليِّ، ولا ندخل مع دولة ضمن محور، ونـُقاطِع دولة أخرى في محور آخر.
مُضيفاً: هذا التوازن في الدبلوماسيّة العراقـيّة الجديدة نتمسَّك به كثابت ستراتيجيٍّ لا نتجاوز عليه أبداً، مُبيِّناً: هذه سياسة ستراتيجيّة جديدة للعراق تمسَّكنا بها، ونـُطبِّـقها على أرض الواقع، وأتت بنتائج جيِّدة بأحسن العلاقات مع هذه الدول رغم التناقضات، والتقاطعات الموجودة بينها.
وإلى حضراتكم النصَّ الكامل للندوة الصحفيّة لعدد من وسائل الإعلام اليابانيّة والتي أقيمت في اليابان بحُضُور الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقـيّة
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بسم الله الرحمن الرحيم
نـُرحِّب بالسادة الصحفيِّين في هذا اللقاء. أنا سعيد جدّاً أن ألتقيهم.
هذه ثاني زيارة لي لليابان كما تفضَّل السيِّد السفير، وكانت الزيارة الأولى في 2005 في زمن السيِّد رئيس الوزراء كويوزومي.
نحن نـُعلـِّق آمالاً كبيرة على علاقتنا مع اليابان؛ لأنَّ اليابان بلد اقتصاديٌّ مُتطوِّر، ونحن نهتمّ بشُؤُون الاقتصاد كثيراً، ولليابان وزن دوليّ يُمكِن أن ينفع، ويدعم العراق سياسيّاً، وأمنيّاً، واقتصاديّاً، ويُروِّج للاهتمامات العراقـيّة التي أصبحت الآن ذات حجم دوليٍّ خـُصُوصاً بعد أن فتك داعش بالعراق، فنـُعوِّل على هذه الزيارة، ونـُعوِّل كذلك على الزيارات المُزمَع إجراؤها من قبل السادة اليابانيِّين إلى العراق.
إنـَّنا نمضي بالعلاقات العراقيّة-اليابانيّة إلى مَدَيات بعيدة ذات مُستوى عالٍ. من المُؤكـَّد أنـَّكم يشغلكم كثيراً الوضع الأمنيُّ، والاقتصاديُّ، والسياسيُّ في العراق بعد التطوُّرات الأخيرة التي حدثت منذ أكثر من سنة حين احتـُلـَّت مدينة الموصل من قِبَل داعش التي قـَدِمت لنا من الشام -والشام ليست المحطة الأولى فقد سبق أن كانت في أفغانستان، وعبرت إلى الشام، ومن الشام إلى العراق-، وهي الآن تـُهدِّد كلَّ دول العالم.
خطر داعش لم يعُد مُقتصِراً على سورية، وإنـَّما عمَّ كثيراً من المناطق، ورأيتم في الأسابيع القليلة الماضية كيف حدثت أكثر من عمليّة في أكثر من منطقة، ومنها: فرنسا، ومصر، والعراق، وتـُوجَد نيّة أن تـُنفـِّذ عمليّات في إيران، وغيرها من دول منطقة الشرق الأوسط.
الإرهاب المُعاصِر بدأ في 2001 في 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك وواشنطن، ووضع العالم أمام انعطافة جديدة؛ إذن العراق ليس هو البلد الأوَّل، وقد لا يكون الأخير الذي يتعرَّض للخطر الأمنيِّ. وباختصار: مضى حوالى 15 شهراً على دخول داعش إلى الشام، واحتلال مدينة الموصل، وتهديد بقـيّة المناطق إلا أنـَّه الآن حصل تراجُع كبير لداعش إذ كانوا قريبين من بغداد في جرف الصخر، وكانوا في الإسحاقي، وجبل حمرين، وبيجي إلا أنـَّهم تراجعوا بفعل ضَرَبات القوات المُسلـَّحة العراقـيّة التي جعلت داعش تنسحب أكثر فأكثر؛ بفضل تلاحُم القوات المُسلـَّحة العراقـيّة، والبيشمركة، والحشد الشعبيّ، وأبناء العشائر العراقـيّة.
القوات العراقـيّة تـُلاحِقهم، لكنَّ الشيء الغريب أنَّ عناصر داعش كانوا في العام الماضي ينتمون إلى 80 دولة، والآن ينتمون إلى أكثر من 100 دولة؛ ممّا يعني أنَّ الوضع العالميَّ لايزال ليس بالحجم المطلوب بحيث يحِدُّ من مجيء هؤلاء، وتسرُّبهم من بلدانهم علماً أنَّ هذه الدول هي دول ديمقراطيّة -نحن نـُميِّز بين هذه الحكومات وبين الشذاذ من مُواطِنيها-، ولا نحكم على هذه الدول من خلال هؤلاء الشذاذ، فلا نحكم على أميركا، وبريطانيا، وكثير من دول العالم من خلال بعض الشذاذ الذين جاؤوا يُقاتِلون مع داعش. هؤلاء لا يُمثـِّلون هذه الدول، بل ننظر إليها من خلال برلماناتها، ومن خلال دساتيرها، ومن خلال حكوماتها الوطنيّة، لكنَّ هذه هي الحقيقة على الأرض.
المُشكِلة الآن في العراق مُركـَّبة، أي: ذات طابع أمنيّ-اقتصاديّ، وتنعكس على شكل تحدٍّ سياسي من الناحية الاقتصاديّة. العراق مُتعدِّد الموارد، لكنَّ الكثير من موارده مُتوقـِّفة، أعني: نحن عندنا ثروة زراعيّة، وثروة سياحيّة عالية جدّاً، وثروة نفطيّة، لكنَّ المُوازَنة تعتمد بنسبة 90% على النفط، وسعر النفط انخفض بشكل مُفاجـِئ من سعر أكثر من 105 دولارات للبرميل الواحد إلى حوالى 35 دولاراً؛ ممَّا سبَّب عجزاً في المُوازَنة، وهذا العجز مع التعطـُّل الذي حصل الآن عندنا في بقيّة الموارد، وعدم استثمارها جعل المُوازَنة في حالة عجز حادٍّ.
من الناحية الأخرى العراق في حالة حرب على داعش فلا نستطيع أن نـُخفـِّض من مُوازَنة القوات المُسلـَّحة العراقـيّة ضمن إجراءات الترشيق التي أقدمت عليها الحكومة؛ باعتبار أنَّ الأمن مُهدَّد، وهناك شهداء، وأرامل، وأيتام، وثكالى؛ لذا فالعراق يُقيِّم الآن الدول التي وقفت إلى جانبه، وقدَّمت بعض المُساعَدات ذات الطابع الإنسانيِّ، والخدميِّ، ومن جملتها اليابان، وبعض الدول الصديقة الأخرى التي ساعدت العراق.
نحن نتمسَّك بمبدأ من الناحية الأمنيّة بأنـَّنا لا نـُريد قوات دوليّة تأتي إلى العراق، وتـُقاتِل بدلاً من الجنود العراقـيِّين؛ لأنـَّنا لا نـُعاني من نقص من هذه الناحية فالرجال العراقـيُّون هم الذين يحملون السلاح، وهم الذين يُديرون المعركة على الأرض العراقـيّة.. المعركة البرّيّة يُديرها العراقـيّون فقط، نعم.. هناك دعم جوّيّ لوجستيّ، وتدريب من قِبَل مُستشارين، ونحن نتقـبّل ذلك، ولكن لا نتقـبَّل أن يأتي جنود؛ لئلا يعود شبح القواعد العسكريّة مرّة أخرى إلى العراق كما حصل بعد الحرب العالميّة الثانية في كوريا، واليابان، وألمانيا، وتركيا، ولكننا نقبل المُستشارين، والمُساعَدات الإنسانيّة خُصُوصاً أنَّ عندنا عدداً غير قليل نزحوا من الموصل إلى مناطق أخرى في كردستان، وكربلاء، وديالى، وكركوك، وهؤلاء يستحقون المُساعَدة، وقد تحوَّلت ظاهرة النـُزُوح في الآونة الأخيرة من الداخل العراقيِّ إلى ظاهرة الهجرة واللجوء إلى خارج العراق.
عدد غير قليل من العراقـيِّين هاجروا إلى الخارج، ولكنهم لم يهربوا من النظام العراقيِّ مثلما هربنا من النظام العراقيِّ أيام كنا في المُعارَضة في زمن صدّام حسين، بل هربوا من داعش، ومن الإرهاب؛ لذا عندنا ظاهرة نزوح من محافظة إلى محافظة من داعش كما هربوا من الموصل.
الإرهاب لم يعُد ظاهرة سوريّة، أو ظاهرة عراقـيّة، أو أفغانية، بل الإرهاب الآن يُشكـِّل تحدِّياً حقيقيّاً لكلِّ دول العالم.
أكتفي بهذا القدر من الحديث؛ حتى أفسح المجال لكم إذا كانت هناك أيُّ أسئلة تجول في أذهانكم لطرحها، وأنا حاضر لأتكلم معكم بعقل مفتوح سواء كان يتعلق بالشأن العراقيِّ، أم الشأن الإقليميِّ، أم الشأن العالميّ.
هل هناك وقت لإنهاء داعش في العراق، وسورية، وفي بقاع العالم، وهل هناك رابط بين داعش في سورية والعراق والعمليّة الأخيرة التي حدثت في باريس؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: داعش لم تقتصر في أهدافها على سورية، كما لم تقتصر أهدافها على العراق، وإنـَّما هي الجيل الثالث بعد القاعدة تستهدف كلَّ أنظمة العالم، وأهدافها قتل الإنسان أينما يتواجد.. داعش تستهدف الإنسان، وتعمل على إقصائه؛ لذا سمَّيت هذه الحرب الحرب العالميّة الثالثة؛ لأنـَّها لا تقتصر على قارّة، ولا تقتصر على بلدان مُعيَّنة، ولا تقتصر على الجُيُوش، بل هي حرب غير نظاميّة، حرب تستهدف تحطيم الأنظمة الاجتماعيّة، والسياسيّة، والحضارة.. داعش لا تمتُّ إلى الدين بصلة، وإنما تستهدف الاعتداء على أبناء الديانات كافة من دون تمييز؛ لذا ظهرت في أميركا، وانتقلت إلى أوروبا، وجاءت إلى جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، والسعوديّة، وسورية، والعراق، وأفغانستان، ومناطق أخرى قابلة لأن تنتشر في كلِّ العالم؛ لذا هي عالميّة بامتياز، وتختلف عمّا يُسمَّى الحرب العالميّة الأولى والثانية تلك كانت محصورة في مناطق مُعيَّنة بينما حرب داعش تستهدف المَدَنيِّين بالذات، وأعيد إلى ذاكرتكم إذا تقرأون عن الحرب العالميّة الأولى إذ كانت الضحايا بالجيوش، والثانية حصلت 50% من الجيوش و50% من المَدَنيِّين، أمّا حرب داعش هذه التي أسمِّيها حرباً ثالثة فهي مُقتصِرة على المَدَنيِّين فقط.
أهداف داعش هو المدنيون، كالذي حصل في نيويورك وواشنطن، والعراق، إنهم يُفجِّرون الكنائس، والمساجد، والمناطق المكتضة بالسكان، كالأسواق العامّة؛ إذن داعش مفتوحة في الميدان.
إذا أردتم أن تتعرَّفوا إلى داعش فاسألوا أنفسكم: مَن هم ضحايا داعش؟
الضحيّة ستـُجيبكم مَن هي داعش.. الضحيّة من كلِّ العالم؛ إذن داعش ضدّ كلِّ العالم، وغير مُقتصِرة على العراق، ولا على سورية، ولا على أفغانستان، ولا على أميركا.. هي تستهدف كلَّ الناس. قبل فترة وصلت إلينا معلومات استخباريّة من خلال مصادرنا في جهاز المُخابَرات باستهداف خمس دول جديدة، وتنفيذ عمليّات إرهابيّة فيها، فأعطينا إشارة إلى هذه الدول بأنَّ دولكم مُستهدَفة، وهي: عُمُوم أوروبا وبصورة خاصّة فرنسا، وكذا إيران، ومصر.
نحن نعتقد أنَّ هذه المنظمة الإرهابيّة تستهدف كلَّ دول العالم، وعلى كلِّ دول العالم أن تردَّ ردّاً يتناسب مع هذا الخطر، وما لم يُقاتِلوا داعش، ويُساعِدوا على قتال داعش في العراق فستنتقل داعش إلى أراضيهم، وستـُقاتِلهم، وسيكون الضحايا من بلدانهم؛ لذا عليهم أن يُضاعِفوا من إسناد العراق، ويُقاتِلوا داعش على الأرض العراقـيّة قبل أن تنتقل داعش إلى بلدانهم.
الوضع السياسيّ الحاليّ بعد أنَّ أحسَّ العالم كلـُّه، ولاحظ الوضع العامَّ بعد هجمات باريس.. كيف تـُقيِّمون المُساعَدات العربيّة في الحرب ضدّ داعش، ولاسيما قطر، السعوديّة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: هذه الدول تشتبه إذا تصوَّرت أنـَّها مُستثناة من داعش؛ لأنَّ داعش لا تـُصالِح أحداً، وتعدُّ كلَّ شيء غير داعش عدوّاً لها، ويشتبه مَن يتصوَّر أنـَّها تـُمثـِّل الإسلام؛ لأنَّ أغلب ضحاياها في الأوساط الإسلاميّة نساءً، وأطفالاً، وشُيُوخاً، ومعابد، ومساجد. داعش لا يمتـُّون إلى الإسلام بصلة؛ لذا هذه الدول التي لم تتعرَّض بلدانها للتفجير تتواجد فيها خلايا نائمة في منطقة الشرق الأوسط عُمُوماً سواء كان هذه الدول جارة للعراق كما في سورية فهم الآن يفتكون في سورية، ويُمارِسون نشاطاً ضدَّ السعوديّة، وأنا سمعتُ من الملك عبدالله قبل وفاته بأقلَّ من شهر في آخر لقاء معه قال: داعش تودُّ أن تشرب من دمي، وأشار إلى عنقه، وقال: تريد أن تشرب دمي.
كلُّ هذه الدول تدرك جيِّداً أنَّ داعش ضدّها، وتشتبه إذا تصوَّرت أنها تستطيع أن تدخل في هدنة مع داعش.. داعش لا تـُصالِح أحداً، بل ستحارب نفسها، وسيبدأ الاحتراب الداخليُّ بين فصائلها؛ لأنها لا تفهم شيئاً اسمه حوار، إلا التفجير.
منظمة بهذا الدرجة من الوحشيّة، والحيوانيّة لا يُطمأنُّ لها.. مرّة أخرى أؤكـِّد أنَّ أيَّ طرف حكوميٍّ، أو غير حكوميٍّ إذا هادَنَ داعش سيكون خاسراً؛ لأنَّ داعش ستنقضُّ عليه، ولا تعرف إلا القتل، والغدر.
سمعنا بمُشارَكة روسيا في الفترة الأخيرة في قصف داعش، والتعاون مع العراق.. القضيّة انطلقت للمجال العالميِّ، فسبق لكم أن تعاونتم مع أميركا ضمن التحالف حتى حين انسحبت أميركا من العراق مازلتم تتعاملون معها، واستوردتم في الفترة الأخيرة أسلحة من روسيا، ولديكم اتفاق أمنيٌّ، وتعاون مع روسيا.. كيف توازنون في التعاون بين روسيا وأميركا؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: عندما تعرَّض أمن العراق للخطر، واحتـُلـَّت الموصل كان الأفق مفتوحاً أمامنا لأن نـُعِدَّ أنفسنا من الناحية الأمنيّة، ولا نتردَّد في ذلك.
نحن لم نـُشكـِّل التحالف الدوليَّ، إنـَّما شكـَّلته مجموعة دول. في مُقدَّمتها أميركا، وحضرنا في نيويورك عام 2014، وشاركنا في ذلك، واستمعنا للرؤساء، ووزراء الخارجيّة الذين شاركوا في مُؤتمّر نيويورك، وشجَّعناهم على أن يقفوا إلى جانب العراق، ويمدّونا بالغطاء الجوّيّ، والتدريب، والأسلحة، ودعم العراق في المجال الخدميِّ، والإنسانيِّ باستثناء القواعد الأجنبيّة في العراق، وتواجُد الجُيُوش على الأرض العراقـيّة؛ لأنـَّه متروك للعراقـيِّين فقط، وماعدا ذلك فنحن منفتحون. هذا جانب، والجانب الآخر نتعامل مع الدول كافة التي ليست في التحالف الدوليِّ؛ لأنَّ عندنا مُشكِلة أمنيّة، ونحاول السيطرة عليها، ونـُؤمِّن الغطاء الأمنيَّ لبلدنا.
عندما يتعرَّض أمننا للخطر نـُصافِح كلَّ الأيدي التي تمتدُّ لمُساعَدتنا.. فإيران ليست في التحالف الدوليِّ، وكذا الصين، وكثير من دول العالم نتقـبَّل مُساعَداتها إذا وقفت إلى جانبنا، وساعدتنا في دعم العمليّة الأمنيّة، ولا نعتقد أنَّ هناك ازدواجيّة بين أن نرتبط بالتحالف، ونأخذ مُساعَدات منه، ونمدّ يداً أخرى لأيِّ دولة تـُساعِدنا في الجانب الأمنيّ.
نحن صريحون، ونتحدَّث أمام كلِّ العالم بكلِّ صراحة: لا يُوجَد شيء نـُخفيه.
كما أنَّ هناك دعماً استخباريّاً معلوماتيّاً روسيّاً، وهو الذي حصل بين روسيا، وسورية، وإيران، والعراق، ونقل المعلومات له دور كبير جدّاً في مثل هذه الحرب؛ لأنَّ الحرب على داعش ليست حرباً تقليديّة، بل هي حرب من نوع آخر.
المعلومات المُخابَراتـيّة تنفع في كلِّ الحُرُوب، وبصورة خاصّة في حرب الإرهاب؛ لذا نحتاج معلومات من هذه الدول بفضل أجهزتها، ووُجُود أقمار اصطناعيّة لمراقبة المجاميع التي تنتقل من دولة إلى دولة، ومن محافظة إلى أخرى..
نعتقد أنـَّه لا يُوجَد تناقض بين أن نكون جزءاً من التحالف الدوليِّ من جانب، وفي الوقت نفسه نـُنسِّق مع بقـيّة الدول للحُصُول على معلومات.
نحن نبتعد من الناحية الدبلوماسيّة، والسياسيّة عن سياسة المحاور، ونتجنـَّب الدخول في التقاطعات المحوريّة على الصعيد الإقليميِّ، والدوليِّ، ولا ندخل مع دولة ضمن محور، ونـُقاطِع دولة أخرى في محور آخر.
هذا التوازن في الدبلوماسيّة العراقـيّة الجديدة نتمسَّك به كثابت ستراتيجيٍّ لا نتجاوز عليه أبداً.
الدبلوماسيّة العراقـيّة تتعامل مع السعوديّة، وتتعامل مع إيران على الرغم ممَّا بينهما من حالة من البُرُود في العلاقة، ونتعامل مع تركيا وسورية على الرغم ممَّا بينهما من تقاطع.
نحن ننفتح على هؤلاء على أسس الثوابت الجغرافـيّة، والثوابت التاريخيّة، والمصادر الحيويّة بكلِّ ثقة، ولا نكون جزءاً من محور ضدَّ محور آخر..
هذه سياسة ستراتيجيّة جديدة للعراق تمسَّكنا بها، ونـُطبِّـقها على أرض الواقع، وأتت بنتائج جيِّدة لأحسن العلاقات مع هذه الدول رغم التناقضات، والتقاطعات الموجودة بينها.
إضافة إلى ذلك أنَّ حالة التوتر بين أميركا وروسيا خفـَّت، إن لم نقـُل بدأت تنحو منحى التحسُّن في العلاقات، والهدوء، ويُوجَد شبه تعاون وإن كان في مكان محدود بين الولايات المُتحِدة الأميركية وبين روسيا، ويهمُّنا أن تخفَّ حالات التوتـُّر بين كلِّ هذه الدول. كنا سُعداء عندما انتهت المُشكِلة النوويّة بين أميركا وبين إيران، ونفرح عندما تقترب هذه العلاقة، ولكن حتى في حالة عدم وجود علاقة جيِّدة، أو توتر فنحن لا نكون جزءاً من المحاور الدوليّة بحيث نكون مع دولة ضدَّ دولة أخرى.
نحن نفعُّل سياسة الدبلوماسيّة العراقـيّة التي تـُعبِّر عن الموقف الوطنيِّ العراقيِّ، ونحن بلد لدينا دستور، وبرلمان، وحكومات محلـيّة في المحافظات؛ لذا نتصرَّف كدولة لها سيادتها، ولها دستورها، ولها نظامها الديمقراطيّ.
اختلفت الصورة عمّا كنا عليه من 2003 إلى 2011 عندما كانت القوات الأميركيّة على الأرض العراقـيّة. الآن نملك السيادة في التصرُّف بثروتنا، والتصرُّف حسب الدستور الذي صوَّت عليه الشعب العراقيُّ، والعراق الآن يقطع أشواطاً على طريق الديمقراطيّة من عام 2003 إلى هناك انتخابات مُتعدِّدة: انتخابات الحكومة المُؤقتة، والحكومة الانتقاليّة، والحكومة الوطنيّة في مُختلِف مراحلها.. سلسلة حكومات تبدَّلت، ورؤساء وزراء تبدَّلوا بطريقة سلميّة، وعندنا الآن حكم فيدراليّ، نعم.. بعض الأحيان تحدث مشاكل بسيطة، لكننا نحلها بطريقة دستوريّة.
العراق اليوم يقطع أشواطاً على هذا الطريق تختلف عمّا كان سابقاً، عندنا 82 سيِّدة في البرلمان العراقيِّ، وفي الحكومة الثانية التي شكـَّلتـُها عام 2005 جئتُ بستِ سيِّدات وزيرات، وكنتُ أنوي أن آتي بسبع، لكنَّ البرلمان صوَّت على ستٍ؛ فالعراق الآن يقطع أشواطاً على طريق بناء الديمقراطيّة.
الكثير من العراقـيِّين يعدُّون القصف الأميركيَّ غير كافٍ فهل تعاونكم مع روسيا يُعوِّض هذا النقص؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: لا يُوجَد عندنا صفقة مع روسيا أن تـُمارس قصفاً على الأرض العراقـيّة.. هذا مجال لم نتحاور به، وقد تكون له ضرورة في المُستقـبَل، ويجب أن يُعطي البرلمان رأيه به، وكذا الحكومة، ولكن على مُستوى التعاطي بالمعلومات نعتقد أنـَّه أمر مُهمٌّ إلى درجة عالية، والآن القصف الروسيّ حصل في سوريا عملـيّاً، ولم يحصل في العراق أن تضرب القوات الروسيّة الجوّيّة مقرّات لداعش في العراق، إلا أنَّ قوات التحالف الدوليِّ تمارس عمليّة قصف، ولكننا ننفتح على أيِّ دولة يُمكِن أن تـُساعِد العراق في إرساء الأمن بشرط أن لا تتقاطع الإرادات بين التحالفات الدولـيّة في سماء العراق، ولكن عندما تكون هناك حاجة سنـُملي شُرُوطنا مثلما أملينا شُرُوطنا على التحالف الدوليِّ بأن يعملوا في العراق، ويخضعوا لشُرُوط عراقـيّة، ومنها: احترام الدستور، والتقـيُّد بضرب الأهداف الإرهابيّة فقط، والابتعاد عن الأهداف المَدَنيّة، والمناطق الآهلة بالسكان، هذه شُرُوطنا عندما وقـَّعنا الطلب، وسلـَّمناه للسيِّدة رئيسة مجلس الأمن في ذلك الوقت في نهاية 2014.
هل ضعفت داعش خلال السنة الماضية؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العام الماضي في مثل هذا الشهر كانت داعش قريبة من بغداد، وكانت امتدَّت إلى الجنوب بين الحلة وكربلاء في منطقة جرف الصخر، وكانت موجودة في بعقوبة في حمرين، وكانت في سامراء، ومنطقة الإسحاقي، وكانت في بيجي، أمَّا الآن فقد طـُهِّرت جرف الصخر، والإسحاقي، ومنطقة حمرين، والكثير من مناطق الأنبار من داعش، وابتعدت عن بغداد.
أنا أتكلم بلغة الميدان.. كانت داعش تزحف، وتتقدَّم نحو بغداد، والآن تتراجع تحت ضَرَبات القوات المُسلـَّحة العراقـيّة، ورجعت إلى مناطق بعيدة جدّاً عن بغداد، وتحرَّرت هذه المناطق التي كانت إلى الأمس القريب في قبضة داعش.
هل تتوقـَّعون أنَّ دخول القوات الأميركيّة في سورية يُمكِن أن تتغيَّر المُعادَلة؟
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ابتداءً داعش في سورية لا تـُشكـِّل خطراً على سورية فقط، فقد أثبت الواقع أنها تـُشكـِّل خطراً على الدول المُجاورة لسورية، بل بدأت تـُصدِّر خطرها إلى بلدان العالم، كما في فرنسا، وبقـيّة بلدان العالم؛ لذا نحن الآن في جبهة ضدَّ داعش، ومن الخطأ أن نعدَّ هذه الجبهة مُتعلـِّقة بسورية، أو مُتعلـِّقة بالعراق فقط دون بلدان العالم؛ لذا مُنازَلة داعش من قِبَل أيِّ دولة، وإضعاف داعش هو مكسب لنا جميعاً حتى لبلدان العالم البعيدة جغرافيّاً.. اليوم في ظلِّ عالم الاتصالات لا يُوجَد شيء قريب، وآخر بعيد. بالمُناسَبة.. إذا كان الأيدز مرضاً ينتقل بالفايروس فإنَّ الإرهاب ينتقل بالتلفون بمُكالمة تلفونيّة تتحرَّك بعض العناصر الإرهابيّة المُجرِمة، وتمارس عملاً في كلِّ بلدان العالم من دون استثناء.
هذه حقيقة يجب أن نعيها؛ لذا إضعاف داعش في سورية يعني إضعاف داعش لصالح دول المنطقة؛ لأنَّ الواقع أثبت أنـَّه بدأ يتسرَّب إلى دول العالم المُجاورة، وحتى البعيدة عن سورية، فلا نستطيع أن نستغني عن أيِّ دولة من دول العالم عندما تقف بجدٍّ، وتقصف داعش، وتحاول القضاء على داعش.
ليس مُشكِلتنا مع الأنظمة، فهي متروكة للشُعُوب.. الشعب هو الذي يُقرِّر النظام.. شعب تونس رفض زين العابدين بن علي، وأبدله، وشعب مصر ما أراد حسني مبارك، وأبدله، وشعب ليبيا لم يُرِد معمر القذافي فأبدله، وكذا شعب اليمن.. الشُعُوب هي التي تـُغيِّر الحكومات، لكنَّ وجود خلايا داعش في هذه الحالة المُجرِمة التي تمارسها يوُجـِب على دول العالم أن تضافر جُهُودها جميعاً لمُحارَبة داعش، وإسناد الشُعُوب.
دول العالم مُستهدَفة من قِبَل داعش، وعليها جميعاً أن تردَّ على خطر داعش في أيِّ مكان تتواجد فيه.
التعليقات (0)