الجعفريّ: قبل أن أجيب عن سؤالك حول مُستقبَل الخطوات القادمة لابُدَّ لي أن أرتحل إلى الخطوات التي سبقت القرار.. هذا القرار لم يكن قرار الخطوة الأولى، بل كان الخطوة الأخيرة.
قبل أن نصل إلى عتبة مجلس الأمن بعد أن حصل ما حصل، ودخلت القوات التركيّة المُسلـَّحة في الثالث من شهر كانون الأوَّل 3/12/2015 لم يكن أمام العراق إلا أن يبذل أقصى الجُهُود الدبلوماسيّة من موقع الثقة بالنفس، والحرص على العلاقة بين الدولتين، وفي الوقت نفسه تمسُّكه بوحدة أرضه، وسيادته، وعدم السماح بالتجاوز على السيادة؛ لذا أقدمنا على سلسلة خطوات كانت البداية أن اتصلنا بطرف الإخوة الأتراك عبر سفيرهم في بغداد، وسلـَّمناه رسالة احتجاج، واستنكار لهذا العمل، وطالبناه بالرُجُوع إلى الحُدُود الدوليّة، وبعد ذلك اجتمع مجلس الأمن الوطنيِّ العراقيِّ في الثالث من هذا الشهر، واتخذ قراراً بإمهال تركيا مُدَّة 48 ساعة للإعلان عن الانسحاب، وهو طلب ليس تعجيزيّاً، وبمُجرَّد أن تـُعلِن أنها قرَّرت الانسحاب تأخذ وقتها المطلوب ميدانيّاً ولوجستيّاً حتى تنسحب. اتصل السيِّد وزير الخارجيّة التركيّ مولود أوغلو وجرى بيني وبينه حوار استمرَّ حوالى 40 دقيقة شرح الموقف، وأثار بعض الأسئلة، وقال: نحن مُستعدُّون لعدم إرسال قوات إضافيّة، فقلنا له: ليس الكلام حول أنكم تزيدون من القوة العسكريّة التركيّة، إنما أصل وجودكم على الأرض العراقيّة نعدُّه خرقاً للسيادة؛ لذا ليس أمامكم إلا طلب عراقيّ مُحدَّد وهو سحب هذه القوات من معسكر بعشيقة. قال: أنا أرجع إلى حكومتي، وأوصلوا فيما بعد رغبتهم في أننا نـُريد أن نرسل وفداً إلى بغداد، واستقبلنا وزير الخارجيّة الانتقاليّ السيِّد فريدون أوغلو ، ومعه مسؤول المُخابَرات، وتحدَّثنا معه قرابة الساعتين، وانتهينا إلى ضرورة الانسحاب، وأعطى موافقة مبدئيّة، وقال: سنـُعلِن عنها بشكل نهائيٍّ عند عودتي إلى أنقرة، ولكننا فـُوجـِئنا بأنَّ هناك رفضاً، وإصراراً على وجود هذه القوات في العراق، فلم يكن أمامنا إلا التحرُّك على مجلس الأمن، وأبلغنا سفراء الدول دائمة العضويّة في بغداد، وأجريتُ اتصالات هاتفيّة مع وزراء خارجيّة الدول الدائمة، وشرحت لهم طبيعة الموقف..
نحن نـُواصِل جُهُودنا الدبلوماسيّة ليل نهار إصراراً منا أوَّلاً على الدفاع عن سيادة العراق، ولن نتردَّد في ذلك، وفي الوقت نفسه حرصنا على استراتيجيّة الدبلوماسيّة العراقيّة بإبقاء العلاقات طيِّبة مع دول العالم خُصُوصاً دول الجوار الجغرافيّ، فكنا على موعد لأن نأتي إلى هنا حتى نطرح هذا الموضوع على مجلس الأمن، خُصُوصاً أننا أتينا يُوجَد ملفّ سورية، لكننا أتينا على النقطة الأساسيّة، والبارحة طرحنا الموضوع حتى الدقائق الأخيرة، وكنا نأمل أن نشهد تراجُعاً جادّاً، وتصريحاً واضحاً، وصريحاً أنَّ القوات التركية تنسحب بقرار واضح، وما حصلنا هذا على الشيء، فلم يكن أمامنا إلا مجلس الأمن، وطرحنا الموضوع في مجلس الأمن، ووجَّهنا رسالة، وناشدنا مجلس الأمن أن يستنكر، ويُطالِب تركيا بسحب قواتها.
الجعفريّ: نحن لسنا مَن يُحدِّد الوقت. خذ بنظر الاعتبار أنه في 23 من هذا الشهر ستبدأ أعياد رأس السنة، ورُبَّما تنشر ظلها على أجواء الاجتماعات، ولكن بالنسبة لنا الشأن سياديّ، ونسعى أن يكون في أسرع وقت مُمكِن، ولن نتردَّد في ذلك؛ لذا طلبوا منا تأجيل موضوع الطرح، ورفضنا، وقلنا لهم: مسألة السيادة غير قابلة للتأجيل، والتسويف، ويجب أن يُطرَح هذا الموضوع في أسرع وقت مُمكِن.
الجعفريّ: أثناء استضافتي للسادة سفراء الدول دائمة العضويّة: (بريطانيا، وأميركا، وروسيا، والصين، وفرنسا) في مبنى وزارة الخارجيّة التقت رُدُود فعلهم على ثلاث نقاط، النقطة الأولى: شجب هذا التدخـُّل، والثانية: عرَّفوه بأنه انتهاك للسيادة، والثالثة: وعدوا بتبني هذا الشيء في مجلس الأمن.
ولخَّصت الاجتماع الذي بيننا وبينهم بهذه النقاط، وتلوتها عليهم بأني سعيد أن أجد هذا التلقي منكم، وتحدَّثتُ مع وزراء خارجيّة الدول دائمة العضويّة، وكان موقفهم من حيث رفض التدخُّل ثابتاً، وما رأيتُ اختلافاً وتفاوتاً على ضرورة سحب القوات، ولكن يُوجَد تفاوت قليل في مسألة الحلِّ السلميّ.
نحن في مجلس الأمن نـُريد حلاً سلميّاً، وليس لنا خيار إلا أن نلجأ إلى مجلس الأمن.
الجعفريّ: البارحة يُوجَد إجماع على إدانته، وعدِّه مسّاً بالسيادة العراقيّة، وأنَّ تركيا خرقت السيادة العراقيّة، ولكن من السابق لأوانه أن نقرأ الموقف الآن، ولكن بقدر تعلـُّق الأمر بالعراق فإننا سنبذل أقصى الجُهُود من أجل أن يصل قارب مجلس الأمن إلى شاطئ الإدانة، وسحب القوات.
الجعفريّ: الرسالة التي قرأها فيها الكثير من الكلام الذي أثار استغرابي، وأنا جالس أسمع هذه الكلمات.. العراق الذي خرم هذا!!! العراق الذي حمل لواء الدفاع عن العالم، ودقَّ جرس الحرب، وقال: هذه حرب عالميّة ثالثة.. العراق الآن في الخط الأوَّل يُواجه مجموعة مرتزقة جاؤوا من أكثر من 100 دولة، وعرَّف هذه الحرب بأنها حرب عالميّة، وحذر العالم أن يدخلوا بحرب الأنظمة، وحثهم على حرب الإرهاب، وقدَّم دماء أبنائه.. العراق لا يُتهَم أبداً.
هذه الحرب لها أولويّتها، وحذر العالم من مغبّتها، وغيرنا كان يُتهَم بأنه يتواطأ، وأنه يُمرِّر عناصر داعش من خلال أراضيه، ولسنا نحن الذين نـُتهَم بهذا الاتهام. نحن إلى الأمس القريب كنا نـُريد من الجارة تركيا بكلِّ محبّة أن تنضوي تحت لواء التحالف الدوليِّ، وتـُساعِد التحالف الدوليَّ في طيرانها في قاعدة أنجرليك.. من السكوت، وعدم الاستجابة إلى قاعدة أنجرليك إلى الدخول 110 كيلومتر إلى عمق الأراضي العراقيّة!! هذه ليست حرب داعش إنما هي إشغال العراق بجبهتين.. العراق الآن في جبهة مُواجَهة أصالة عن نفسه، ونيابة عن دول العالم كلـِّه..
أنا لا أتهم دول العالم لأنَّ بعض مُواطِنيها عناصر في داعش في العراق.. نحن في حرب عالميّة، ونـُقاتِل نيابة عن دول العالم.. نحن لا نـُتهَم هذا الاتهام.
الجعفريّ: هم أعربوا عن وحدة الموقف، وإسناد الموقف العراقيِّ، وجرت مكالمة هاتفيّة بين الأخ رئيس الوزراء والأخ مسعود البرزانيّ، وعبَّر له نحن في موقف إسناد، وتفاجأنا بأن تدخل هذه القوات إلى العمق العراقيِّ إلى 110 كيلومتر.. بالنسبة لنا القرار الأمنيّ في تحديد، ومنع دخول قوات أجنبيّة قرار سياديّ.
القرار السياديّ يختلف عن القرار المحليّ.. القرارات المحليّة تتخذها الحكومات المحليّة. البصرة تتصرَّف في إدارة البصرة، وكردستان في إدارة كردستان، وأيّ إقليم وأيّ مدينة لها هامش مُرُونة تـُحرِّك من مكان إلى مكان، لكن أن تدخل قوات أجنبيّة إلى داخل العراق فهذا قرار سياديّ.
القرار السياديّ تتخذه الحكومة مثلما في أميركا وهي أكبر دولة فيدراليّة يُوجَد فيها هامش مُرُونة لكلِّ ولاية بولايتها، ولكن ليس معنى ذلك أن تأتي دول أجنبيّة إلى ولاية بمعزل عن الولايات المُتحِدة الأميركيّة والعاصمة واشنطن.
الجعفريّ: استغربته رغم علاقتي به، وأرجو أن يُراجـِع مثل هذه القرارات؛ لأنها لا تصبُّ في صالح تركيا، ولا في صالح العراق.
الجعفريّ: الدكتور العباديّ ينفي هذا بضرس قاطع.. هذا الشيء غير موجود أبداً.
الجعفريّ: هذه اتهامات.. مُحاوَلة تدويل الملفِّ الأمنيِّ العراقيِّ، أو أقلمته بالنسبة لنا نحن نبتعد عنها..
نحن إلى الآن نتصرَّف كعراقيِّين.. العراق حاوَرَ هذه الدول، ولم يُوكِل إلى أيِّ دولة أن تتكلم بالنيابة عنه، ولم يدخل في محور عسكريٍّ مع أيِّ دولة من الدول، وإن كان بعض الأحيان نضطرّ له.. هذا الباب مفتوح لكن حتى هذه اللحظة يحاول العراق أن يكون أداؤه أداءً قويّاً مُنسجـِماً مع تاريخ مواقفنا باحترام سيادات الدول، ويمنع خرق السيادة لنا، ولجأ إلى مجلس الأمن غداً، وبعد غد إذا بقيت هذه فلكلِّ حادث حديث.
الجعفريّ: عرض السيِّد ناصر جودة جُهُوده، وهي جُهُود مُكثـَّفة، وليست قليلة، وخلاصتها عرضها هناك.. هي لم تكن من عنده إنما استمع إلى آراء مُتعدِّدة، فجاءت جامعة لبواكير الأفكار التي طرحتها جهات مُختصَّة..
الرجل كان أميناً في إيصالها إلى رواق الجلسة، نعم.. يُؤخـَذ عليه أنهم قاسوا كلَّ الذين يحملون السلاح بميزان واحد، وهذه بها مُؤاخـَذة؛ لذا قال: أنا الذي عليَّ جمعت الآراء كما قِيلت. موضوعنا هو سورية، أمّا أن يُشار إلى حركات، ومنظمات تحمل السلاح في بلدان أخرى. هذا خارج الموضوع.. ظاهرة التعميم هذه تصبُّ في صالح الإرهاب.. الإرهاب يرى نفسه مُتهَماً، والحركات المناضلة الكفوءة التي تـُقاتِل من أجل شُعُوبها صُفـَّت مع منظمات تقتل أبناء شُعُوبها، وتخترق الكرامة، وتزهق الأرواح، وتسفك الدماء.
عبَّرتُ في كلمتي عندما تحدَّث أحدهم، وقال: إحدى الفتيات تمَّ الاعتداء على كرامتها، واغتصابها من أهالي سنجار، وأنا أشدتُ بالكلمة، وقلتُ: اسألوا أنفسكم هذه المنظمات التي الآن ذكرت في العراق ساهمت فيها أم هذه هي التي دافعت عن كرامة النساء بمُختلِف دياناتهم.. إنَّ الذين يُشكـِّلون الحشد الشعبيَّ هم الذين يحمون العراق، وقد حَمَوا العراق إلى جانب القوات المُسلـَّحة العراقيّة.
الجعفريّ: مُفارَقات الأفراد غير مُفارَقات المُنظـَّمات. فرد في أيِّ مُؤسَّسة مُمكِن أن يرتكب مُفارَقة في أقوى دول العالم.
نحن كنا نـُحدِّد هويّة الحركات الإرهابيّة التي تـُمارس هذا العمل في الملفِّ السوريِّ.. الخروج إلى دول أخرى خروج عن الموضوع، وجلب منظمات لها تاريخ مشرق، وأداء وطنيّ مُمتاز، ودخلت البرلمان، وأخذت حيِّزاً من البرلمان، ومن البرلمان عبرت إلى الحكومة لا يُمكِن صفـُّها إلى جانب هذه التي لا تهادن، ولا تحاور، ولا تـُؤمِن بالعمل السياسيِّ.. هذا شيء أثار الاستغراب.
الجعفريّ: لذلك ألغيت هذه الفقرة، بل أُجِّلت إلى وقت آخر.
الجعفريّ: اختـُلِف في تحديد المُعارَضة.. نحن نعتقد أنَّ التقريب بين المُعارَضة والحكومة هو الخط الصحيح.
نقطة الشُرُوع الصحيحة هي المُعارَضة السياسيّة، وليس التي ترتكب عملاً إرهابيّاً مع الحكومة، والتقريب بينها.
نحن عندنا تجربة في العراق مارسناها يجب أن يستفيدوا منها.. مثلما يستفيدون من مُواجَهة الإرهاب يستفيدون كذلك من وحدة صفِّ القوى السياسيّة العراقيّة.
الجعفريّ: كلُّ الشخصيّات، وكلُّ القوى السياسيّة التي تـُبرهِن أنها تلتزم بالعمل السياسيِّ، وتنشد العمل السياسيَّ يجب احتضانها، وعدم قطع الطريق أمامها، ولكنها يجب أن تـُبرهِن بأنها مُستعِدّة سواء كان في خلفيّتها حمل سلاح، أم الآن تحمل سلاحاً.. حمل السلاح يجب أن يُستبدَل بحمل القلم.
الجعفريّ: يجب أن نصنع السلام.. نحن بصدد صناعة السلام، وإذا عمَّمنا على القوى السياسيّة صبغة الإرهاب فإننا نضطرها لأن تستبدل القلم بالبندقية.. ينبغي أن نـُعطي فرصة لأن يتخلى عن السلاح، ويلجأ إلى القلم؛ عندئذٍ ستجد باب العمليّة السياسيّة مفتوحاً أمامك.
الجعفريّ: لم يُراوحوا في جلسة أمس في مسألة الدكتور بشار الأسد. رُبَّما ذكِر مرّة أو أكثر، ولكن أقلّ من المرات السابقة في الاجتماعات السابقة.
الجعفريّ: لا.. ليس هكذا.. (اتفقنا على أن لا نتفق) أنا لا أستسيغها كثيراً؛ لأنَّ هذا تسليم بأنَّ المُشكِلة غير قابلة للحلِّ، أو نحن غير قابلين لأن نكون أدوات حلّ.
الجعفريّ: الترحيل غير أن نـُسلـِّم بأنه لا يُوجَد حلّ.. عندما تقول: اتفقنا على أن لا نتفق فهذا يعني لن نتفق. أنا لا أستسلم لهذه الحالة، وأتفاءل، ولكن تفاؤل حقيقيّ.
أعتقد أنَّ المرحلة القادمة التي هي مسألة جمع الآراء، وتقريب وجهات النظر بين القوى السياسيّة السوريّة المُختلِفة ستستديم بالجُهُود التي ستـُبذَل.
الجعفريّ: مُنتصَف كانون الثاني من عام 2016 عُهـِدت القضيّة إلى السيِّد ديمستورا بأن يبذل جهداً للتقريب بين وجهات نظر الحكومة والقوى السياسيّة، وإيجاد مُشترَك بينها.
الجعفريّ: صحيح.. نتمنى أن يحصل، وفي ظلِّ هذين العنصرين أعتقد أنَّ العمليّة السياسيّة ستندفع نحو الانفراج.
التعليقات (0)