الجعفري: التحالف تشكـَّل كردّة فعل مُتأخـِّرة عن وجود داعش التي أخذت حصّة كافية من التجربة في سورية ولكن الآن بدأت موازين الأمور تنقلب.
الجعفري: قلتُ للأميركان: أنتم جالسون مع واحد غير راض ٍأصلاً عن الاتفاقيّة الأمنيّة، ولكن لماذا لا تلتزمون بالذي قـُلتم به، أليس من بُنود الاتفاقيّة الأمنيّة أنَّ العراق إذا تعرَّض إنسانه، أو أرضه، أو تعرَّضت سيادته للخطر تلتزمون بمُساعَدته؟! أين وجودكم، وأين مصداقيَّتكم؟!
الجعفري: قلتُ للأميركان قبل حربهم على العراق: أغلقوا سفاراتكم، وأغلقوا سفارات النظام في عواصمكم، وحوِّلوا الأموال العراقيّة إلى مُستحقيها، وحوِّلوا صدّام إلى مُجرِم حرب؛ وبهذه الحالة تـُحوِّلون الحصار الاقتصاديَّ إلى حصار سياسيٍّ على النظام؛ لذا فالحملة العسكريّة على نظام صدام ما كانت تـُعبِّر عن الإرادة الوطنيّة، والذي يفقه الحرب يعلم جيِّداً أنـَّه لا تـُوجَد حرب نظيفة وحرب قذرة، كلُّ الحروب قذرة.
الجعفري: أنا أريد أن يبني العراق اقتصاده، ويبني مُستقبَله، ويبني أمنه مع أيِّ دولة يُحقـِّق هذه الأهداف أمدُّ له يد المُساعَدة بشرط ألا يتدخـَّل بالسيادة أمّا أن يكون خصماً لدولة أخرى، ويصير محور تجاذب أو نفور فأنا غير مُستعِدّ لأن أدخل في المحاور.
الجعفري: سياستي هي التعامل بصدق، ودبلوماسيّة صريحة، وواضحة، وأكون جزءاً من المُشترَك بيننا وبين دول العالم المختلفة فيما بينها، ولستُ مُستعِداً لأن أدخل في مساحات التقاطع.
الجعفري: الأجواء الإقليميّة اليوم لا تـُقارَن بما كانت عليه قبل حوالى خمسة إلى ستة أشهُر، إذ إنها أجواء مُنفتِحة، وتتطلـَّع لما يحصل في العراق، ومُستعِدّة لأن تستقبل الدبلوماسيّة العراقيّة، وتـُصغي لها، وتـُرتـِّب عليها بعض الأثر.
الجعفري: واقعك يُغذي علاقاتك، وعلاقاتك تغذي واقعك.
الجعفري: مُؤشِّر النجاح هو الأهداف التي تـُحقـِّقها من أجل كلِّ الشعب، وترتقي إلى حجم الوطنيّة العراقيّة.
الجعفري: الثقافة ضدَّ الفساد بدأت الآن، وبدأت عمليّة تهديد الفاسد، وعدم تركه لفساده تتجذر بامتدادات جيِّدة، ولعلها تأخذ اتجاهاً مُعاكِساً نحو الإصلاح.
الجعفري: ما جرى في الموصل لا يُمكِن أن نغضَّ النظر عنه، فلا يُوجَد في العالم اليوم جريمة تـُرتكـَب بهذا الحجم، وتذهب من دون حساب، ولا يُوجَد حساب من دون مُقدّمة تحقيق؛ لإحقاق الحقِّ، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقـَّه.
الجعفري: ما جرى في الموصل كان يجب أن يُفتـَح تحقيق فيه منذ وقت مُبكـِّر، وتـُنشَر نتائج التحقيق، ويُدان المُدان، ويُبرَّأ البريء.
الجعفري: علاقة الاتحاديّة بالإقليم شهدت تطوُّراً نوعيّاً إن لم يكن قفزة، والملفات التي كانت عالقة سابقاً لظروف معينة حكومة الأخ المالكي أقدمت عليها، والآن تشهد تطوُّراً نوعيّاً مُمتازاً، وآمل أن يزداد، ويشمل بقيّة المُفرَدات بنفس الروحيّة، وقد رأيت انعكاسه على الجانب الكرديّ إلى جانب بقيّة المُكوِّنات.
الجعفري: السيِّد السيستانيّ -حفظه الله- عندما أصدر تكليفاً للناس بأن ينضووا تحت لواء القوات المُسلـَّحة العراقيّة؛ حتى لا تصير ظاهرة تفريخ في أمور مُعيَّنة قد تعود بشكل سلبيٍّ؛ فقطع الطريق على أيِّ مُزايَدة من جانب حشد الناس.
الجعفري: لسنا أمام تفريخ مليشيات، نحن أمام تعبئة ميدانيّة لكلِّ المجاميع، وكلـُّها تنطوي تحت سياقات ونمطيّات القوات المُسلـَّحة العراقيّة.
الجعفري: لا يُوجَد أحد يقبل لبلده أن يتشتـَّت؛ حين تـُؤمِّن العدالة الاجتماعيّة، والمُستوى الاقتصاديّ المُمتاز، والوضع الأمنيّ المُستقِرّ ستجد حتى الذي يتطلع للانفصال يُغادِر الفكرة، وسيجد نفسه في مأمن.
اليكم نص لقاء قناة الميادين الفضائيّة بالدكتور إبراهيم الجعفريِّ وزير الخارجيّة العراقيّة
عدة أشهُر مضت على تشكيل التحالف الدوليِّ لمُواجَهة الإرهاب في العراق، والمنطقة لكنَّ داعش ماتزال قويّة. ما هي الأسباب؟
الدكتور الجعفريّ: داعش تواجدت على الأرض العراقيّة قبل تشكيل التحالف الدوليِّ، وموجودة في سورية قبل أن تدخل العراق، وتعمل على وفق نظريّة، وتوافرت على عناصر خطرة؛ لذا تحوَّلت نسبيّاً إلى مشروع فلديها قاعدة ثقافيّة؛ هذه الثقافة تدفع أفرادها إلى حالة الانتحار والقتل، ويُخرِجها من قضيّة العمالة إلى أنـَّها فكر تخريفيّ، وغير واقعيّ، وفكر غير صحيح، لكنـَّها -بالنتيجة- ذات قاعدة قائمة على فكر، أي: ذات عقيدة، نعم.. هي عقيدة مغلوطة؛ وهذا عنصر يجعلها تدخل إلى نـُفـُوس مُريديها، والمُستجيبين لها من زاوية فكريّة، وأخطر شيء في الإرهاب أن تـُستخدَم العقيدة كمُرتكـَز للعمل هذا أولاً، وأمّا ثانياً: هي ظاهرة مُعولـَمة وغير مُقتصِرة على قوميّة مُعيَّنة، ولا أبناء بلد واحد. فلو نظرتَ إلى أفراد داعش ستجدهم يأتون إلى العراق من مُختلِف القارّات، والقوميّات، ويُقاتِلون تحت لواء داعش، وثالثاً: إنَّ أهدافها إجراميّة وقاسية فهي لا تأتي إلى مدينة كما تزعم أنـَّها تـُريد تحريرها، وإشاعة العدالة إلا وتقتل، وتنهب، وتفعل كلَّ شيء من دون تردُّد.
هذه عناصر خطرة جدّاً؛ لذا شكـَّلت تحدِّياً حقيقيّاً، والطرف المُقابـِل هو الذي بدأ، وأخذ زمام المُبادَرة، وقد دهمت العراق في غفلة من الزمن.
التحالف تشكـَّل كردّة فعل مُتأخـِّرة عن وجود داعش التي أخذت حصّة كافية من التجربة في سورية على الرغم من وجود قاعدة صُلبة نسبيّاً من الأمن، ولكنها استطاعت أن تستمرَّ مع وجود جيش، ومُؤسَّسة، فحين جاءت إلى العراق امتدَّت فجأة، والآن بدأت موازين الأمور تنقلب.
أمَّا لماذا هي موجودة؛ فلأنها أمَّنت لنفسها قاعدة فكريّة، وثروة اقتصاديّة من السلب والنهب، ومن استراتيجيّتها في السيطرة على الأموال، والبحث عن مصادر الثروة؛ حتى تـُديم نفسها بالمال، وأوَّل شيء قامت به حين دخلت إلى الموصل سيطرت على البُنوك، وسطت على قرابة النصف مليار دولار.
ــ بعض المُتابـِعين للشأن العراقيِّ يعتقدون أنَّ قوة داعش تكمن في عاملين، الأول: إخفاق الحكومة العراقيّة على مدى السنوات الثمانية الماضية في تأسيس منظومة أمنيّة قادرة على مُواجَهة الإرهاب، والثاني: تنصُّل الإدارة الأميركيّة عن أداء مسؤوليّاتها، والإيفاء بتعهُّداتها بخاصة ما يتعلـَّق بالمُعاهَدة الأمنيّة التي عُقِدت نهاية عام 2011.
الدكتور الجعفريّ: كلا العاملين، وقد يكون فوق مقدور الحكومة -ليس دفاعاً عن الحكومة السابقة، لكنـّه الحقيقة- فبناء المُؤسَّسة العسكريّة بطبيعته ليس أمراً سهلاً، علاوة على زمن بنائها، وقد مرَّت المُؤسَّسة العسكريّة بثلاثة حروب: (حرب الخليج الأولى، والثانية، والثالثة)، فلا يُمكِن أن يُختزَل بسرعة، وببساطة دخلت العوامل الخارجيّة الإقليميّة أو الدوليّة بشكل مُباشِر أو غير مُباشِر أيضاً، فأثـَّرت.
أمَّا عن عدم وفاء الإدارة الأميركيّة؛ فقد صرخنا في خُطـَبنا، وقلتُ للأميركان بكلِّ صراحة: أنا لم أرضَ بالاتفاقيّة الأمنيّة، وصدحت بصريح العبارة، وقلتُ في التلفزيون في 17/5/2008، وفي 31/5/2008: الاتفاقيّة الأمنيّة لطخة عار في جبين العمليّة السياسيّة خصوصاً قبل أن تتعدَّل، وتؤول إلى ما آلت إليه.
قلتُ للأميركان: أنتم جالسون مع واحد غير راض أصلاً عن الاتفاقيّة الأمنيّة، ولكن لماذا لا تلتزمون بالذي قـُلتم به، أليس من بُنود الاتفاقيّة الأمنيّة أنَّ العراق إذا تعرَّض إنسانه، أو أرضه، أو تعرَّضت سيادته للخطر تلتزمون بمُساعَدته؟! أين وجودكم، وأين مصداقيَّتكم؟!
متى قلتَ ذلك؟
الدكتور الجعفريّ: أول دخول داعش صرختُ بهم، وفي الخطابات، واللقاءات، وأمام الأميركان الذين جاؤوا إلى بغداد، والتقوا بي.
يعني قبل ستة أشهُر؟
الدكتور الجعفريّ: إن لم يكن أكثر، أي: مُذ بدأت ملامح التدخـُّل المُباشِر، وقد ذكرتُ هذه النقاط، وأقولها بكلِّ صراحة.
ما مدى جدّيّة إدارة الرئيس أوباما في الوفاء بالتزاماتها. نحن نعلم من خلال عدد من المسؤولين العراقيِّين الأمنيِّين السابقين واللاحقين بأنَّ الإدارة الأميركيّة ماتزال تتلكـَّأ، فعُقـُود التسليح قد دفع العراق أموالها، ولكن حتى الآن لم تصل العراق أيّ طائرة أميركيّة؟
الدكتور الجعفريّ: نحن أسمعناه إلى الأميركان، وهم اشترطوا إذا صار هناك تبدُّل في الإدارة السابقة فأنتم لديكم تعاقـُد مع العراق، وهو أكبر من الحكومة، والقضيّة أخذت صفة السلطة التشريعيّة، وصار اتفاق عليه.
لماذا لا تفون بالتزاماتكم؟
هذا نحن قلناه لهم بكلِّ صراحة؛ لذا بعد التغيير الذي حصل بدأت تتحرَّك، وصارت بعد فترة مُبادَرة التحالف الدوليِّ، وفي لقاءاتي الثلاثة المعروفة (جدّة، وباريس، ونيويورك)، ووقف المُجتمَع الدوليُّ موقفاً جيِّداً، ولكنه لا يُلبِّي طموحنا، إلا أنـَّه موجود في الواقع.
هل تصل الطائرات المُقاتِلة الأميركيّة إلى العراق قريباً؟
الدكتور الجعفريّ: هم يعدِون بذلك، ورُبَّما ليس بالجدول الذي نحن نـُريدها فيه، لكنـَّهم يعِدون بأنـَّهم سيفون بهذا، ولا تـُوجَد دول أخرى وَعَدت بأنـَّها ستـُجهِّز العراق بهذه الطائرات.
بعض المُشكـِّكين بمصداقيّة الإدارة الأميركيّة يُشيرون إلى أنَّ إدارة الرئيس بوش السابق تمكـَّنت من الإطاحة بنظام صدّام، وتمكـَّنت من الإطاحة بنظام طالبان في أربعين يوماً، لكنـَّها أمام عصابات مُسلـَّحة من داعش وغيرها تقف حائرة إمّا عاجزة، وإمّا مُتعمِّدة.. هل يُعقـَل أنَّ أميركا بقوّتها، وأساطيلها غير قادرة على أن تـُحاصِر داعش؟
الدكتور الجعفريّ: قبل أن أدخل في متن الجواب أحبُّ أن أقول لك: لم أكن مع الحرب ضدّ صدام؛ لأنَّ هذه الحرب ضدّ العراق، وقد أخبرتُ الأميركان مُباشَرة في نهاية 2002، وأوَّل مرَّة في حياتي كنتُ أرى الأميركان وجهاً لوجه، فقالوا: أنتم قدَّمتم ضحايا كيف تـُريدون أن تتخَّلصوا من النظام؟ قلتُ لهم: ليس بالحرب؛ الحرب تعني تدمير العراق.
قالوا: كيف يسقط النظام؟
قلتُ: ليس بمنطق الحرب، إنـَّما بمنطق آخر. قالوا: وما هو؟ قلتُ: أغلقوا سفاراتكم، وأغلقوا سفارات النظام في عواصمكم، وحوِّلوا الأموال العراقيّة إلى مُستحقيها، وحوِّلوا صدّام إلى مُجرِم حرب؛ وبهذه الحالة تـُحوِّلون الحصار الاقتصاديَّ إلى حصار سياسيٍّ على النظام؛ لذا فالحملة العسكريّة على نظام صدام ما كانت تـُعبِّر عن الإرادة الوطنيّة، والذي يفقه الحرب يعلم جيِّداً أنـَّه لا تـُوجَد حرب نظيفة وحرب قذرة، كلُّ الحروب قذرة.
أمّا هل تستطيع أو لا تستطيع فنحن عتبنا عليها، وتكلمنا بصراحة، وتعثـَّروا بالإجابة، وبعد ذلك صارت استجابة، والاستجابة رأيتها من الناحية السياسيّة واضحة في الأمم المُتحِدة، والكثير من دول العالم أعربت عن استعدادها لإيصال مُساعَدات، وبعضها أوصلت بعض المُساعَدات العسكريّة، أو الإنسانيّة، أو مُساعَدات خدميّة.
رُبَّما السياسة الخارجيّة التي تتحدَّث عنها وراء هذا التلكـُّؤ، أو البُرُود الأميركيِّ في دعم العراق بالشكل المطلوب، أو بالشكل الذي يُثبـِت مصداقيّة السياسة الأميركيّة. نفترض أنـَّه لو كانت الحكومة العراقيّة في سياستها الخارجيّة تابعة للولايات المُتحِدة لما شاهدنا مثل هذا الموقف المُتردِّد للإدارة الأميركيّة؟
الدكتور الجعفريّ: خطابنا كان واضحاً قبل أن أتصدَّى لوزارة الخارجيّة، وكان واضحاً في السنين التي مضت، وكانوا يسمعونه، وأحياناً يزورنا السفير الأميركيّ، ويقول خطابُك في البرلمان تمَّت ترجمته، وأُرسِلَ إلى رئيسنا، ويأتي، ويُعطيني انطباعات، ويُطمئنني، ويقول: علينا الآن أن نـُحشِّد هذه الأجواء للصالح العراقيّ، والآن ثاني أكبر مدينة في العراق بعد بغداد مُحتلـّة.
علينا أن نـُحشِّد، ويجب أن نأخذ أكبر قدر مُمكِن من المُساعَدات من هنا وهناك بالشروط التي نضعها؛ لكي لا تتصدَّع، أو لا تـُمَسَّ سيادة العراق.
العراق في سياسته الخارجيّة لا هو محسوب على الولايات المُتحِدة وصديق لها، ولا هو محسوب على محور إقليميٍّ مثلاً المحور الإيرانيّ، أو المحور التركيّ؛ حتى يرتاح، ويُريح، فهو يُتعِب نفسه بشكل لا ينسجم مع قدراته الحاليّة، ويدفع ثمناً باهظاً؛ بسبب هذه السياسة، واليوم هو مرحلة التكتلات، والمحاور؟
الدكتور الجعفريّ: العراق لم يكن هو الذي طلب من أميركا أن تأتي، وتتدخـَّل في شؤونه بغضِّ النظر عن مواقف بعض الكتل وبعض الشخصيّات، ولا تناقـُض بين أن تـُواجـِه تدخـُّلاً دوليّاً وأميركيّاً والمُتحالِفين مع أميركا من جانب وأن تتعامل مع القدَر الإقليميِّ والقوى الإقليميّة.
ما هو التناقض في الموضوع؟
خُذ زمام المُبادَرة، وليس بالضرورة أن تتحرَّك في مساحة التقاطع إنـَّما ابحث عن المُشترَكات.
أنا غير مسؤول عن اختلاف أميركا مع إيران، أنا أريد أن يبني العراق اقتصاده، ويبني مُستقبَله، ويبني أمنه مع أيِّ دولة يُحقـِّق هذه الأهداف أمدُّ له يد المُساعَدة بشرط ألا يتدخـَّل بالسيادة أمّا أن يكون خصماً لدولة أخرى، ويصير محور تجاذب أو نفور فأنا غير مُستعِدّ لأن أدخل في المحاور، وكذلك أقيم العلاقة مع الجمهوريّة الإسلاميّة الجارة على الأرض، التي تـُساعِد، وتعترف بالعمليّة السياسيّة، وتـُساعِدنا في جوانب كثيرة.
ما هو التناقض بين أستجيب لضروريّات أمنيّة وأتعامل مع دولة عظمى موجودة على الأرض؟
لم نأتِ بالاحتلال، ولكن كيف نتعامل معه، وهو موجود على الأرض، وكنا قد خطـَّطنا قبل 2011 أن تخرج من العراق، وأن نتعامل من ناحية أخرى مع دول المنطقة.
دول الجوار من حولنا ليست ذات نظام واحد، ويُوجَد تنافر، والعراق يقف حياديّاً، يتلقـّى، ويُبادِر، فتجده يتعامل مع السعوديّة، ومع الكويت، ومع الأردن، ومع تركيا، ويتعامل مع سورية، ويعلم أنَّ هناك تنافراً بين هذه الدول.
أنا أتعامل بصدق، ودبلوماسيّة صريحة، وواضحة، وأكون جزءاً من المُشترَك بيننا وبينهم، ولستُ مُستعِداً لأن أدخل في مساحات التقاطع.
هذه السياسة تـُعبِّر عن نضج، وذات بُعد إنسانيّ.
لكنَّ دول المنطقة كلـَّها باستثناء الدول الإقليميّة الكبرى كالجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ورُبَّما بعض القوى محسوبة على محاور مُحدَّدة؟
الدكتور الجعفريّ: لتكن ضمن حالة محوريّة، لكني أتعامل معها كقدَر إقليميٍّ، كدولة جوار، كمصالح مُشترَكة، كمنابع مياه، كسوق للاستيراد، كسوق للتصدير.
هناك ضروريّات تـُملي عليَّ أن آخذ، وأعطي، وحين أتعامل بهذه الضرورات المحسوبة بمقاسات وطنيّة عراقيّة، وحسابات الصالح العراقيّ لا يعني أني صرتُ ضمن جزء محوريّ.
اليوم العالم يُفكِّك ولا يُجزئ.
العلاقات الآن بين بعض الدول من أفريقيا ودول من آسيا، وما الذي جعل صقور الشرق يتفقون مع صقور الغرب، وهم مُتعاكِسون؟
المصالح هي التي جمعتهم، وكذلك المخاطر، حتى في سُنـَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله- راعى هذا الجانب حين دخل في حلف مع خزاعة ضدَّ قريش.
هذا شيء طبيعيّ.
ما الذي تغيَّر في العلاقات العراقيّة-الإقليميّة مُقارَنة بما كانت عليه في عهد الحكومة السابقة. نحن نلحظ أنَّ هناك شيئاً من الحراك الدبلوماسيِّ العراقيِّ تجاه دول المنطقة والجوار -وهو حراك لافت- لكن هل لمِستم في المُقابـِل تغيُّراً مُتبادَلاً؟
الدكتور الجعفريّ: هناك تغيُّران أساسيّان، الأول عراقيّ على نحو المُبادَرة، والثاني إقليميّ على مُستوى الاستجابة.
الأجواء الإقليميّة اليوم لا تـُقارَن بما كانت عليه قبل حوالى خمسة إلى ستة أشهُر، إذ إنها أجواء مُنفتِحة، وتتطلـَّع لما يحصل في العراق، ومُستعِدّة لأن تستقبل الدبلوماسيّة العراقيّة، وتـُصغي لها، وتـُرتـِّب عليها بعض الأثر. هذه حقيقة موضوعيّة ليس لها علاقة بالوزارة، وليس لها علاقة بالحكومة، وليس لها علاقة بالوزير، إنـَّما لها علاقة بالأجواء التي كانت مُنغلِقة، مُتحفـِّظة في أحسن الحالات، ومُتلكـِّئة وتحوَّلت إلى أجواء بدأت تتفتـَّح الآن؛ لأسباب بعضها إقليميٌّ، وبعضها أسباب دوليّة، وبعضها أسباب ميدانيّة على الأرض؛ لوجود ظاهرة داعش، وما شاكل ذلك من تطوُّرات في الداخل.
هل العراق بوضعه وظروفه قادر على أن يُؤدِّي هذا الدور الذي تـُؤدِّيه دولة مُستقِرة، وقويّة عادةً، وليس فيها هذه المُشكِلات الداخليّة، والخارجيّة؟
الدكتور الجعفريّ: تـُوجَد جدليّة بين واقعك حتى يقوى، وبين علاقاتك الخارجيّة حتى تـُقوِّي واقعك.
واقعك يُغذي علاقاتك، وعلاقاتك تغذي واقعك.
ما لم تكن هناك رؤية صحيحة، وقابلة للتطبيق، وخطاب قويّ يمكن فتح الآفاق، والآن الدول التي بادَرَتنا، واستجبنا لها، والدول الأخرى التي ننوي زيارتها تستجيب، وتتفهَّم مطلبنا، نعم.. قد نختلف، لكننا لا نختلف على أصل العلاقة، وما لا نستطيع أن نـُحقـَّقه كلـَّه نـُحقـِّق بعضه.
الذي نختلف معه نقول له: نحن نختلف في هذه، ونـُبيِّن وجهة نظرنا، ويهمُّنا كخطوة أولى إرساء العلاقة الاستراتيجيّة مع هذه الدول على قاعدة التفاهم الثنائيِّ: (مصالح مُشترَكة، ومَخاطِر مُشترَكة).
داعش الآن ارتقت إلى مُستوى الخطر الاستراتيجيِّ المُعولـَم، ولا تـُوجَد دولة تكلـَّمنا معها بأنَّ الخطر قادم، وقالت: إنـَّها مصونة، ولم أسمع من وزير خارجيّة، أو أيّ شخصيّة حين نقول له: هذا الخطر يقرع طبوله حتى في بلدكم، فيقول: نحن في مأمن من الإرهاب.
في كندا بلد الديمقراطيّة، وفي بيت الشعب فعل الإرهاب ما فعل.
إذن استجدَّت الآن استراتيجيّات ليس بمُستوى الفعل، والمُبادَرة فقط إنـَّما ردُّ الفعل، والمَخاطر المُشترَكة جعلتنا نتحرَّك بهذه السعة.
هل تأملون من الحكومة التركيّة أن تقلب الصفحة القديمة، وتبدأ بصفحة جديدة مع العراق. نحن نعلم أنَّ الحكومة التركيّة مُتهَمة من قبل العراق بدعم الإرهاب، بل وتحريض جزء من العراق مُتمثـِّلاً بإقليم كردستان على حكومة المركز؟
الدكتور الجعفريّ: صارت لقاءات مُباشِرة مع السيِّد أردوغان، والسيد أوغلو، والسيِّد مولود وزير الخارجيّة، وكنا صريحين جدّاً بأنـَّه يجب أن نـُرسي هذه العلاقة على قاعدة التفاهم، والصراحة، واحترام الحقوق المُتبادَلة.
سألني أحدهم: كم مقدار النفط الذي تـُعطونه لكردستان؟
فقلتُ له: حين ناقشنا عمليّة إدارة هذا الملفِّ بيننا وبين إقليم كردستان قلنا له القاعدة التي المُتفـَق عليها 17%.
قال: فإذا كان النفط الذي نأخذه نـُعطيه، ونـُوزِّعه على هذا الأساس، هل لديكم إشكال؟ قلنا لهم: السيادة ليس في مُلك الثروة فقط، إنـَّما في توزيع الثروة.
عندما تكون حاضراً، ويكون خطابك واضحاً، وحُجّتك قويّة تصنع ما تـُريده، نعم.. لا تـُملي على الآخرين ما تـُريده، فالطرف المُقابـِل لديه مصالح، ويفهم وجود مبدأ ديمقراطيٍّ مُشترَك بيننا وبينه، ومثلما قلتُ: نحن نحتاج بعض الجهد، وبعض الوقت وستحترم الأطراف المعنيّة في دول المنطقة السيادة العراقيّة، والحقوق العراقيّة.
ما الذي لمستم من المملكة العربيّة السعوديّة، هل وعدتكم بفتح سفارة لها في بغداد؟
الدكتور الجعفريّ: اللقاء الأول بالأمير سعود الفيصل في مطار جدّة قبل مُؤتمَر وزراء الخارجيّة، وهو بادَرَ بالقول: السفارة السعوديّة ستـُفتـَح، القرار انتهى، وكرَّرها مرة ثانية، وثالثة، وأكـَّد، وقال: القرار سيصدر قبل وصولك إلى بغداد، وقال: اعتبره صدر، وفي السفرة الأخيرة في لقاء مع جلالة الملك، وكان معنا السيِّد رئيس الجمهوريّة، ومجموعة من السادة الوزراء أكـَّد الأمر.
أنا أعتبر أنَّ القضيّة صارت في ملعبنا، ولا يُوجَد شك، ولا تردُّد في فتح السفارة السعوديّة ببغداد.
شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة مواقف، وتصريحات لقوى سياسيّة مرموقة تحديداً من القوى السنية أنَّ الكثير ممّا تمَّ الاتفاق لم يُنفـَّذ؟
الدكتور الجعفريّ: لا عالم بلا شكاوى. ولكن لنجلس، ونتأمَّل الشكاوى، فإذا كانت واقعيّة والله نـُقبِّلهم من جبينهم، ونتعاون على تطبيقها، وحلـِّها، ولكن إذا كانت شكاوى لمُجرَّد أنَّ ذلك الكيان أو ذلك الشخص لم يُحقـِّق طموحه فعلينا أن نـُصارِحه، ونـُشعِره، ونـُطمئِنه بأنَّ الفرص أمامك، وإذا كانت الآن غير مُؤاتية فالفرص القادمة قد تكون مُؤاتية.
الكثير من الشخصيّات التي تصدَّت في البرلمان ما كان لديها هذا الحجم في الدورات السابقة، والكثير من الشخصيّات الآن حصلت على حقائب وزاريّة. أنا أقول حصلت مجازاً فهي ليست مكسباً إنـَّما هي مسؤوليّة.
هذه الثقافة يجب أن تسود اليوم، وليس مُؤشِّر النجاح ما هو حجمي في الحكومة، وما هو حجمي في البرلمان؛ فهذا اختزال، وشخصنة. مُؤشِّر النجاح هو الأهداف التي تـُحقـِّقها من أجل كلِّ الشعب، وترتقي إلى حجم الوطنيّة العراقيّة. هذا فوزك.
نحن لا نتكلم من وحي الخيال. نلسون مانديلا مات قبل أيام، وتميَّز، وصار جوهرة أفريقيا تنازل عن الأمانة العامّة للحزب، وأتوا به إلى البرلمان، وتنازل عن رئاسة الجمهوريّة، وما قبـِلَ أن يبقى، وحسناً فعل، فكيف بنا ونحن أهل التراث الأخلاقيِّ، وأهل التاريخ العابق بالقِيَم، والمفاهيم، والمبادئ، فمن باب أولى أن نـُشيع هذه الثقافة.
لا نقول: إنَّ كلَّ شيء الآن صار صحيحاً 100%، لكن يكفي أن يمتدَّ الموج الإيجابيُّ، والتنوُّع المُتكامِل.
الثقافة ضدَّ الفساد بدأت الآن، وبدأت عمليّة تهديد الفاسد، وعدم تركه لفساده تتجذر بامتدادات جيِّدة، ولعلها تأخذ اتجاهاً مُعاكِساً نحو الإصلاح.
بعد تسلـُّم الحكومة العراقيّة الجديدة بأشهُر عدّة هل رَشَحت معلومات عن خفايا وأسرار سقوط الموصل بيد داعش، هل تشكـَّلت لجان تحقيقيّة لمعرفة مَن هو المسؤول؟
الدكتور الجعفريّ: ليس لديَّ تفاصيل ملفِّ التحقيق، ولكن لديَّ معلومات أنـَّه حصل التحقيق، وأدينت بعض الشخصيّات، ورُبَّما تشقُّ طريقها إلى العلن في المُستقبَل.
ما جرى لا يُمكِن أن نغضَّ النظر عنه، فلا يُوجَد في العالم اليوم جريمة تـُرتكـَب بهذا الحجم، وتذهب من دون حساب، ولا يُوجَد حساب من دون مُقدّمة تحقيق؛ لإحقاق الحقِّ، وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقـَّه.
لا نـُريد أن نتجاوز على بريء، ولكن لا يُمكِن أن تـُسلـَّم مدينة بهذا الحجم من دون الوقوف على مَن كان مُقصِّراً، فدول العالم يحدث فيها أقلُّ من هذه الأمور بقليل فتـُحاسِب المُقصِّر. إحدى السيِّدات وزيرة في اليابان استقالت؛ لأنـَّها استخدمت طائرة ورقيّة في الدعاية الانتخابيّة، وهذا يتعارض مع القانون اليابانيِّ.
انظر إلى العالم أين وصل. (العدل أساس الحكم).
من غير المعقول أن تحدث هكذا مُفارَقات، ويُسكـَت عنها، كان يجب أن يُفتـَح تحقيق منذ وقت مُبكـِّر، وتـُنشَر نتائج التحقيق، ويُدان المُدان، ويُبرَّأ البريء.
شهدنا في الأسابيع الاخيرة تغييراً واسعاً وكبيراً في القيادات الأمنيّة بالعراق.. هل هذا التغيير في إطار ما انتهت إليه لجان التحقيق؟
الدكتور الجعفريّ: لا.. التغيير الذي حصل لم يكن على وفق منطق الإدانة لمن ارتكب مُخالـَفة قانونيّة، أو ارتكب جريمة، أو مارَسَ فساداً، إنـَّما هو نوع من أنواع الإصلاح، ويأتي وفق مبدأ وضع الشخصيّة المُناسَبة في المكان المُناسِب؛ حتى لا نجني على هؤلاء، ورُبَّما يحصل الشيء نفسه في وزارة الخارجيّة، فيُنقـَل سفير من مكان إلى مكان آخر. فالسفير إذا أراد أن يُفسِد يُعاقـَب، أمّا إعادة تراتبيّة المُؤسَّسات بعد اكتشاف الأصلح لهذا المكان فهذا ظاهرة صِحّة للمُؤسَّسات. الجميع مُحترَمون، ولسنا في موقع الإدانة.
الوضع الداخليّ العراقيّ، وعلاقة حكومة بغداد مع كردستان، والوضع الأمنيّ في العراق نريد أن تكون لدينا إطلالة عليه؟
الدكتور الجعفريّ: علاقة الاتحاديّة بالإقليم شهدت تطوُّراً نوعيّاً إن لم يكن قفزة، والملفات التي كانت عالقة سابقاً لظروف معينة حكومة الأخ المالكي أقدمت عليها، والآن تشهد تطوُّراً نوعيّاً مُمتازاً، وآمل أن يزداد، ويشمل بقيّة المُفرَدات بنفس الروحيّة، وقد رأيت انعكاسه على الجانب الكرديّ إلى جانب بقيّة المُكوِّنات، أمّا الوضع الأمنيِّ فقد بدأ الآن يتحسَّن، والبوصلة تتجه لصالح الحكومة العراقيّة، والآن لسنا في أزمة رجال في داخل المُتطوِّعين لإدارة العمليّة العسكريّة البرّيّة، والسيِّد السيستانيّ -حفظه الله- عندما أصدر تكليفاً بأن ينضووا تحت لواء القوات المُسلـَّحة العراقيّة؛ حتى لا تصير ظاهرة تفريخ في أمور مُعيَّنة قد تعود بشكل سلبيٍّ؛ فقطع الطريق على أيِّ مُزايَدة من جانب حشد الناس، فجاء المُتطوِّعون زُرافات ووحداناً، وفي الوقت نفسه احترمت التراتبيّة العسكريّة، فأمَّنت للوضع الداخليِّ، والإقليميِّ، والدوليِّ.
لسنا أمام تفريخ مليشيات، نحن أمام تعبئة ميدانيّة لكلِّ المجاميع، وكلـُّها تنطوي تحت سياقات ونمطيّات القوات المُسلـَّحة العراقيّة.
الوضع الأمنيُّ الآن أحسن فكثير في المناطق هُزِم فيها داعش، وماتزال القوات العراقيّة تتقدَّم.
كيف تنظر إلى مُستقبَل العراق، هل سنبقى نقول العراق المُوحَّد أم يُمكِن أن نشهد في المُستقبَل القريب أو المدى البعيد عراقاً بدُويلات طائفيّة، أو قوميّة؟
الدكتور الجعفريّ: لا يُوجَد إنسان يتقبَّل لبلده أن يتحوَّل إلى دُويلات على أيِّ خلفيّة كانت. العالم اليوم عالم جمْعِ الدول.
أوروبا كانت تتقاتل إلى الأمس القريب، وتتحارب، فحرب المائة والست عشرة سنة، وحرب الثلاثين عاماً، والفرانكفونية واللغة الفرنسيّة، والكومنوولث واللغة الإنكليزيّة.
العالم يتجمَّع الآن على الرغم من هذه الحروب، والمشاكل، واللغات المُتعدِّدة اتحدت أوروبا، وأميركا المُؤلـَّفة من 50 ولاية، و50 دستوراً، و50 علماً، و50 رئيساً، و50 كونغرساً صارت الولايات المُتحِدة الأميركيّة.
لا يُوجَد أحد يقبل لبلده أن يتشتـَّت.
حين تـُؤمِّن العدالة الاجتماعيّة، والمُستوى الاقتصاديّ المُمتاز، والوضع الأمنيّ المُستقِرّ ستجد حتى الذي يتطلع للانفصال يُغادِر الفكرة، وسيجد نفسه في مأمن.
الأصابع اليوم تتجه إلى إقليم كردستان لنتحدَّث بصراحة: كردستان في وقت من الأوقات كان الكرديّ وكذلك الشيعيّ -ليس لأنَّ صدام كان يُمثـِّل السُنـّة، فالسُنـَّة بَراء كان يطمح أن يكون وزيراً، أو مُديراً عامّاً- والآن رئيس الجمهوريّة من الإخوة الكرد، ووزراء من الإخوة الكرد، وقادة في الجيش من الإخوة الكرد.
عندما يتحقـَّق هكذا نوع من العدالة الاجتماعيّة، وتعمل بمبدأ تكافؤ الفرص دول أخرى رُبَّما تتمنـَّى دول أخرى أن تكون.
تركيا قبل فترة كانت تتطلـَّع أن تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبيِّ؛ لسببين: تتخلـَّص من العسكرة التركيّة، وتنطوي تحت لواء السوق الأوروبيّة المُشترَكة؛ لتـُحسِّن وضعها الأمنيَّ والاقتصاديَّ.
لا تـُوجَد ظاهرة سياسيّة تحدث في بلد إذا لم تنعكس من المُركـَّب الاجتماعيِّ. عندما يكون هناك سِلم اجتماعيّ، وعدالة اجتماعيّة يُعطي المُواطِنين حقـَّهم في بناء الدولة فكلُّ هذه الأمور لا قيمة لها.
التعليقات (0)