يوسف محسن
Yusef9611@yahoo.com
يعد سؤال الجسد احد الاشكاليات الكبرى في الفلسفة الحديثة، حيث يتطلب حفر انثربولوجيا في الحقل الثقافي، وذلك ان هذا السؤال مقصي من السوق الرمزي بعد عمليات الخفض التي تعرض لها في مخيال الثقافة العربية بشكل عام والثقافة العراقية الحديثة بشكل خاص. وفي هذا النسق يأتي كتاب الباحث فريد الزاهي (الجسد والصورة والمقدس في الاسلام) ليطرح سلسلة من الاسئلة المركبة عن موقع الجسد في المنظومة المعرفية الاسلامية وماهية الانماط المظهرية التي خضع لها الجسد؟ وقدرة النصوص الروائية والشعرية والفلسفية والثقافية في الكشف عن مكنونات الجسد؟
وذلك بوصف سؤال الجسد منجماً للدلالات والشفرات والعلامات ذات البعد السياسي، فضلاً عن ذلك فان طبيعة الجسد كونه كياناً اولياً متعدد الوظائف يخترق مجموعة من المباحث والعلوم من الطب وعلم الاديان مروراً بالفلسفة والعلوم الانسانية والاداب وهذا ما يجعل قراءته او كتابة تاريخيه عملية ملتبسة، ويبين الباحث عمليات الغياب المتعددة في مجال الدراسات التي تطرقت الى التاريخ الاسلامي
حيث كان ظهور ثيمة (الجسد) بوصفه جزءاً من السلوك الايماني في ابعاده الدينية واليومية او البحث في الثنائية التراتبية، هذا التهميش المزدوج مارسته الثقافة العربية الكلاسيكية (للجسد) وحولتة الى خطاب او موضوعاً هامشي وعرضي، وقد استطاع الاسلام كمنظومة لاهوتية (تقنين الجسد) أي الجسد في مجمل حركاته اليومية والعملية والوظيفية.سواء كان
الجسد اليومي الديني الذي يمارس مجموعة من الشعائرية العبادية مصحوباً بخطايات مسكوكة لهذا الغرض يتحول فيها الجسد الى صور نمطية تستجيب بشكل منظم لايقاع المقدس الذي يتبلور في جزئياته الدنيوية.
او الجسد اليومي الاجتماعي والخاضع لقيم الصلاة والصيام والبسملة. حيث يتحول الجسد الاجتماعي الى مختبر دائم لممارسة قدسية العلاقات ويتم تأطير الحياة اليومية بالمقدس.
او الجسد الشخصي الذي يفقد طابعه الذاتي باندماجه المباشر في سمفونية القدسي التي يضفيها الاسلام على الوجود الاجتماعي، ان الامر يتعلق هنا بالعلاقات الجنسية ومقاصدها الثوابية واوضاعها ولحللها وحرامها ومكروهها وكل ما يتعلق بالجسد في خصوصياته، ومع ان الاسلام قد قلص من حظوظ وجود جسد له استقلاله الفردي، الا انه ترك له هامش كبير من الغموض.
اما الجسد كمفهوم ثقافي بالمعنى الانثربولوجي فهو يقع في نقطة تقاطع قصوى بين حمولاته الرمزية والفاعلية السياسية للسلطة حيث ان المجتمعات التي تسودها ايديولوجية كليانية تقوم اساسا على انشقاق الجسد الاجتماعي الى روح/ جسد ذات/ موضوع ما تؤدي بالكائن البشري الى العيش ضمن دائرة مزدوجة او العجز الكلي عن بلوغ ذاته الانسانية وهذا ما حصل للجسد الانطولوجي العراقي. حيث ان غياب/ حضور الجسد في الثقافة العراقية المؤسساتية يعود اصلا الى ضغط الحقل السياسي. فهو كمعطى مادي يتجسد في المتخيل الايديولوجي وتم استعارة هذا الجسد المادي غير المتعين تاريخياً والذي لا يحمل هوية ذاتية داخل نظام الثقافة العراقية مندمجاً في شبكة من الرموز والقيم كموضوع. عبر عمليات التهميش والازاحة الى منطقة غامضة وشطره الى ثنائيات معرفية داخل الايديولوجية الفاشية العراقية وتحويله الى سلعة صنمية تجرده من وظائف الحقيقة. لصناعة سلسلة طويلة من الاجساد والموديلات ووضعها في منطقة الانتهاكات الدائمة. وقد تمظهرت هذه التشويهات داخل الحقل الثقافي العراقي بوصفه حقلاً للقمع والتدجين اليومي والخروج من الحقل الطبيعي. رغم اننا هنا لا نحلل الجسد الايروتيكي وانما الجسد الاجتماعي حيث تركت النكبات والانهيارات والحروب والتي حفل بها تاريخ العراق بصماتها الكبرى على هذا الجسد فمنذ عمليات الابادة والجوع والسحل والمقابر الجماعية وتقطيع الاطراف وبتر الاذن وجثث العصر الديمقراطي كرست صورة تركيبية للانكسار الانساني
. فقد تم توصيف الجسد داخل التعيينات الاولية للثقافة العراقية بوصفه (اسم نكرة)، ان هذه التعيينات لم تكن تمثلات فردية وانما تشكلت كرؤيا جماعية داخل النظام الثقافي المؤسساتي فهو محض عنصر. استهلاكي في الحروب الدائمة الداخل/ الخارج وقابل للقطع والبتر او مسخه كجثة بلا هوية سواء كان في المقابر او الطرقات. هنا نستطيع ان نستكشف العلاقة الكامنة بين دلالة الجسد والنظام الثقافي حيث ان تاريخ الجسد الاجتماعي العراقي هو تاريخ جنائزي وبؤرة للتصدعات ومخزون خرافي افتراضي للترميزات التاريخية القابلة للاستعارة والغواية. فمن خلال ارشيفة تاريخية الجسد نكتشف حجم الانتهاكات التي تعرض لها داخل حقل السلطة/ حقل الثقافة. حيث بقيت التأسيسات الفكرية والنصوص في مجال الشعرية العراقية والمتون الروائية تمسرح الجسد ضمن تخطيطات ايديولوجية فاشية وتعيد تنظيم وجوده المادي في سياسية صناعة الشهوة او العنف عبر مجموعة من المصفوفات الثقافية. 1- الفصل بين الجسد/ الروح. رجولة/ انوثة كموضوعات انطولوجية. 2- انحلال حسب تاريخية الطبقات الاجتماعية حيث تقوم الثقافة العراقية البيطرياركية في عملية اخضاع الجسد الفردي عبر هيمنة الجسد الاجتماعي. 3- اختزال الجسد الى محض علاقات غرائزية وفق الاشتراطات التاريخية وموضعة الجسد كموضوع وليس ذاتاً. بهذا المعنى لا ينفصل خطاب الجسد في الثقافة العراقية عن النسق السياسي السلطوي حيث يتحول الجسد الى شارح اولي لفوضى السلطة السياسية. تلك هي اعم التخطيطات الابستمية للثقافة العراقية حول الجسد حيث ان هذا التشكيل يحمل في احشائه كل الانتهاكات الممكنة وداخل هذا الشبكة الكبرى من التنويعات الثقافية تم تسويق الجسد العراقي في فضاء سياسي معتم وترويضه واشهاره دعائياً.
ومنذ سقوط النظام الفاشي 2003 لم يتم طرح سؤال الجسد في الثقافة العراقية. هل استطاع المثقفين العراقيين تحليل النصوص الفقهية الفاشية التي حملت داخل تمثلاتها عمليات مسخ الجسد العراقي؟ وكيف يمكننا ان نشكل حقلاً اركيولوجيا لتاريخ الانتهاكات؟ او نعيد بناء الوقائع الثقافية لتقديم الحساب الختامي للجسد الانطولوجي العراقي؟ ام اننا ندخل في دورة سديمية جديدة من التوحش اجساد بلا هوية. اجساد بلا روؤس وذبح الجسد المختلف والمؤتلف بوصفة سؤال سلطة المعرفة
التعليقات (0)