السلام عليكم
الجزع والهلع
قال تعالى:"إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)” المعارج.
الجزع والمنع متعلقان بالهلع، حيث لا يمكن فهم الآية بمعزل عن هذا التعلق، فلو حُذفت منوعا، لصارت الكلمة هلوعا تغماضية، والعكس صحيح، ثم أنَّ هذا التعلق يجب أنْ يكون على نفس الترتيب الموجود في الآية، فالجزع سبق المنع؛ وذلك لأنَّه متعلق بتجارب سيئة، وانطلاقا من التجارب السيئة صار - الذي جُزع - منوعا؛ فالجزع اقترن بحدوث التجارب السيئة؛ ولهذا هو منوع؛ فإذا طُلب من الذي جُزع شيئا؛ فإنَّه يُصاب بهلع، وهو – الهلع – أعلى من الجزع في الشدة والكرب؛ وسبب هذا العلو: هو الخوف من تكرير الجزع، المُفْضَى من تجارب سيئة، فإذا ما تكررت التجارب السيئة المسبوقة وربما المقرونة بالجزع؛ تشتد درجة الهلع، بل قد تخرجه من الهلع إلى الفزع، وربَّما إلى الهُلاع.. الذي يُجزع يحك جسده أحيانا، ويرتفع حمّه قليلا، أما الذي يُهلع فيحك أكثر ويرتفع حمَّه أكثر، ويحتاج إلى غسل جسده من العرق: المُفْضي من الهلع.. والذي يبدو من الآية: ليس كل إنسان خلق – خلق هنا تعني الأحداث التي جعلت الإنسان يفكر بطريقة منسجمة مع الأحداث التي مرت معه -؛ وذلك لأنَّ هناك أناس يمرون بمثل الأحداث التي مرَّ بها الهلوع، ولكنَّها لا تُهلعهم؛ فهم دائمو الصلاة، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم.. هناك أناس لا يعرفون الله ولا يريدون أنْ يعرفوه، لا يهلعون، ولكنهم قلة إذا ما قورنوا بالذين يشاركنهم عقيدتهم..
ومن هنا نفرق بين الهلع والفزع، فالهلع مسبوق بجزع، أما الفزع فغير مسبوق بجزع، أو قل: ليس بالضرورة أنْ يكون مسبوقا بجزع، إلى جانب أنَّ الفزع أشد من الهلع، فالفزع يحدث سريعا، أمَّا الهلع فلا يحدث سريعا، فهو متعلق بشيء قد وُوجه من قبل – الجزع -؛ ولذلك فحدوثه مسبوق بتفكر وتعقل، وهذا ليس بالضرورة أنْ يحدث في الفزع..
وبناء عليه، فالجزع في بدايته يكون مقرون بتفكير قليل بشأن الجَّازِع؛ ولهذا فإنْ حصل منع فلن يكون شديدا، ولكن كلما تكرر الجزع يشتد المنع.. ليس بالضرورة أنْ يكون المَجْزُوع قد خاض تجربة سيئة بنفسة متعلقة بجزعة، بل ربما رأى أحدا أصيب بجزع شديد، فلمَّا يُطْلَب منه، يُصَاب بجزع بناء على تجربة غيره، ولكن الجزع الجَّبَقِي (جبق: الذي كان نتيجة تجربة سيئة متعلقة بالمجزوع)، تختلف بعض الشيء عن الجزع البَقَجِي (بقج: الذي لم يكن متعلق بتجربة سيئة متعلق بالمجزوع)؛ ولهذا فالمنع الذي يحصل من المجزوع البقجي يكون أقل، أي يكون عطاءه أكثر من المجزوع الجبقي، وإنْ لم يعطِ المجزوع الجبقي شيئا فإنَّ احتمال أنْ يعطي المجزوع البقجي مرتفع..
التعليقات (0)