يجب أن نعترف أن الجميع تفاجئ بقرارات خادم الحرمين الشريفين الأخيرة الخاصة بمشاركة المرأة في مجلس الشورى و المجالس البلدية , وهي بحق قرارات جريئة وبتوقيت موفق , فلم تكن ردود الأفعال متباينة لحد بعيد بين الموافق و المعارض , قد يكون لمفعول الصدمة دور ! ولكن على كل حال فالأمر مقبول بشكل ما من الأكثرية , وهذا شيء جيد .
فإذا كنا في عصر تلتمس العيوب فيه لمجتمعنا المحافظ , ويقال عنه : انه قضى على شخصية المرأة , واجتاح حقوقها المادية والأدبية , فهذه القرارات الأخيرة خير دليل على خطاء هذه النظرة القاصرة , وان ما يتبع لدينا من بعض الممارسات المستغربة عند الغير هي من العادات و التقاليد وليست من الإسلام في شيء , مثل عدم قيادتها السيارة مثلا .. فهاهي ألان تدخل المجلس التشريعي الأكبر في الدولة وترشح نفسها وتنتخب في المجالس البلدية .
وعلينا أن نقر إن الثقافة التي آلت إلينا في القرون الأخيرة كانت ضحلة ,لا في مجال المعرفة الدينية وحدها , بل في مجال الأداء الأدبي والعلمي كذلك , وان هذه الثقافة كانت اعجز من تصنع امة تنهض برسالتها , وتفرق بين العادات و التقاليد و ما جاء به ديننا الحنيف , حيث تقوقع رجال العلم الشرعي في تخصصاتهم الدينية لا يمدون أنوفهم وراءها , فلا ينطلقون لعلوم أخرى حياتية , ليكونوا صورة كاملة للإسلام على النحو السلفي الأول , الذي كان للمرأة فيه دور كبير في كل المجالات , من الحروب والقتال , إلي الشورى , والقصص هنا عديدة في مشاورة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته في حوادث متفرقة .
وفي هذا السياق يبرز دورين مهمين لفئتين في المجتمع , الأولى هم الدعاة ..فهناك ولله الحمد بالتزامن مع هذا الانفتاح الغير مسبوق صحوة إسلامية يشهدها عالمنا , وهي صحوة إسلامية مشرقة , وإنكار ذلك هو الجحود بعينه , بل هو خيانة , وخدمة للعدو, ولعلنا نطالب المنتسبون لهذه الصحوة , ورموزها أن يكونوا أصحاب أفاق واسعة وعقول ناضجة وثقافة عريضة, فالإسلام دين تبحرت فيه الحضارة , وان ما لم يتم اليوم من المؤكد انه كان سيتم غدا , فعليهم مواكبة كل تحول ومحاولة مباراته بالحكمة و الموعظة الحسنة , ودعم التوجه الجيد منه , والموعظة فيما يحيد عن الطريق السليم باللطف و المحبة الخالصة , فما جاء من القلب دخل القلب , وان يتجنبوا النكسات حتى لا يقدموا ارض الإسلام غنيمة باردة للمتربصين بالإسلام ,وان لا يبدءون العمل من الصفر , غير منتفعين بما حدث لإخوانهم الدعاة والعلماء , في دول شقيقة مرت بنفس الظروف في عصور سابقة قريبة , ففي مصر تجربة , وفي الشام تجربة , وفي العراق تجربة , ولا يقبل في هذا المجال الاعتذار بحسن النية , وإذا كان الجهل بقوانين البشر لا ينجي من الملامة , فان الجهل بسنن القدر أسوى عقبى , فعليهم ترشيد صحوتنا مع المتغيرات الحاصلة حتى تؤتي ثمارها بأمر ربها .
أما الدور الثاني فهو على النساء أنفسهن , فما تم منحه لهن في هذا الوقت هو أشبه بالتمارين الرياضية التي يقبل الإنسان عليها بشغف وقد يصاب بمخيبات أمل , أو حدوث ما لم يكن يتوقع , فعليهن اخذ هذا الأمر كواجب ديني و وطني , وليس كحق كان مسلوبا من قبل ,فتنظيف النفس من أدران النقص , والتسامي بالمجتمع إلي مستوى أنبل هو الحكمة الأهم , والابتعاد عن حمى الرذائل و التطهر من سوء القول والعمل , وعدم خلق الاعداء من فئات معينة من المجتمع , بل إثبات جدارتهن التي هي ألان على المحك , فالكل يتطلع إليهن في الداخل و الخارج , واني والله كلي ثقة إنهن بقدر المسؤولية , فيجب أن تكون لها شخصية مستقلة واضحة الوجة محترمة المسلك , تحارب وتسالم وتقيم وتسافر وفق ضميرها وتفكيرها , متمسكة بتعاليم الدين الحنيف عن قناعة وإيمان لا عن طريق التعود والعادة , غيورة على دينها , وعلى وطنها , هذا ما سيميزها عن غيرها من نساء العالم , فان لم تفعل فستصبح أداة لا فائدة منها , إلا أنها تركت بيتها وحشرت نفسها في هموم كان أجدر أن لا تخوض فيها ,,, والله من وراء القصد
عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)