هديةالمركزية النقابية للجامعيين التونسيين في مط لع سنة2009 هي التوقيع من دون رضاهم على زيادات خصوصية هز يلة،لعلها-عند العارفين-تدعو الى الشقفة على حجمها وعلى من قدّره وأمضى على صرفه،أكثر مما تدعو الى السخط عليهم والتنديد بهم.
الجامعيون بهذه الزيادة أو بدونها أصبحوا منذ سنوات عديدة فقراء الى ربهم تعالى،فقر غالبية العمال والاطارات في القطاعات الوطنية النبيلة كالتعليم والصحة،ويصح عليهم المثل الشعبي القائل"بوزيد مكسي بوزيد عريان".
انهم أغنياء بأشياء أخرى في عقولهم وقلوبهم لا يعرفها من تربوا على الانتهازية والوصولية من سماسرة العمل النقابي والسياسي ببلادنا.
لعل المؤسف في المشهد الوطني اليوم أن يعلم الجميع،وفي عجز تام عن التدخل،أن الفئات الاجتماعية المثابرة التي تشتغل بجدية من أجل تقدم الوطن في كل مجالات العمل أصبحت تتأذى من هؤلاء السماسرة الذين انتشروا في كل مكان وفي أغلب المؤسسات يبيعون ويشترون في كل شيء،من القيم والمبادىء والأخلاق والدين الى الأرض والسماء والماء والهواء،غايتهم الأولى والأخيرة النفع المادي والربح الفوري والتسلق الاجتماعي.
وأغلب أعضاء المركزية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل أصبحوا من هذا الصنف،يعرفهم كل من انخرط في الاتحاد وواكب مسيرته عن قرب،ولديه تقييم موضوعي لتاريخهم الشخصي ومؤهلاتهم النقابية،أغلبهم بلا كفاءة حقيقية،باستثناء كفاءة الانتهازية والولاء.وكلهم ،باستثناءات قليلة،وظفوا وما زالوا يوظفون"نضالات الفترة العاشورية والسحبانية" والأدوات البيروقراطية التي أحكمت قبضتها على المنظمة للتفنن في أساليب الانتهازية والولاء.
ان توقيعهم باسم التعليم العالي واستهانتهم بسنوات من نضاله الاجتماعي للدفاع عن مكاسب الجامعة سيسجله التاريخ الاجتماعي والسياسي لتونس الحديثة بأحرف من ظلم،تضاف الى فصول الظلم الطويلة التي تتعرض لها القدرات الفكرية والعلمية لشعبنا،بطريقة مفضوحة تحركها الحسابات النقابية الظرفية والانتهازية السياسية،في أبشع صورهما.
فما أقدمت عليه المركزية له علاقو مباشرة بالحسابات النقابية للمؤتمر القادم للاتحاد وكيفية ضمان الاستمرار في المواقع القيادية المريحة برضاء السلطة ودعمها،كما له علاقة بالحسابات السياسية لسنة2009 ولاستحقاقاتها النفعية من خلال المواقع الانتهازية التي سيملؤها"نقابيوها" في المؤسسات التي ستفرزها تلك الاستحقاقات.
لذا فان استرضاء السلطة بالنسبة الى محترفي العمل النقابي في القيادة الحالية للاتحاد،بالتخلي عن المطالب المشروعة للجامعيين،أصبح في هذه المرحلة أولوية قصوى بعد أن ظلوا يشاكسون ويوظفون بعض التحركات هنا وهناك في مراحل سابقة،ومنها تحركات التعليم العالي التي تم توظيفها لرفع سقف المفاوضات الاجتماعية التي جاءت نتائجها هزيلة،نهب معظمها "الكنام"cnam عند أول دفعة زيادة.
يعلم الجميع أن المركزية النقابية دعمت مطالب الجامعيين منذ البداية عن قناعة بشرعيتها ومعقوليتها،كما دعمت كل مراحل التمشي النقابي،بوجهيه النفاوضي والاحتجاجي،الذي اتبعته هياكلهم بالتنسيق التام مع بعض أعضاء المكتب التنفيذي الذين واكبوا مسيرة القطاع منذ سنوات عديدة.
لكن يبدو أن هذا التمشي بات يضر بمصالح المركزية في علاقتها بالسلطة فأقدمت على ضرب مطالب الجامعيين والتضحية بمصالحهم.في هذا السياق نضع الأمر كله الذي اختزله"القيادي" المركزي المنصف الزاهي عندما طلب من أساتذته الجامعيين الخروج من الاتحاد ان لم يعجبهم الأمر.
لا شك أن وضع الاستغراب والسخط الذي عليه اليوم الجامعيون ازاء ما أقدمت عليه المركزية من استخفاف بمصالحهم سيكون له مردود معنوي سيء جدا على مواصلة الانخراط في العمل النقابي.ولعلنا لا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان هذا الانخراط بات مهددا في العمق بسبب الاحباط الذي أصبح عليه الأساتذة،وهو ما لا يجب أن يكون،ولن يكون.
لايجب أن يفكر أي جامعي في الانسحاب من الاتحاد أو من العمل النقابي،ففي ذلك تحقيق لرغبات المتمعشين داخل الاتحاد،والمتربصين بالحق النقابي خارجه،وفي ذلك تشتيت لجهود القطاع الذي هو جزء لا يتجزأ من قطاعات العمل الأساسية ببلادنا وجزء من تاريخ الاتحاد ونضالاته الوطنية.فالانسحاب يضعفنا ويشتت جهودنا ولا يساعدنا على النهوض بأوضاعنا،ويعطي أكثر من فرصة لأعدائنا لمزيد اضطهادنا واذلالنا…فالرسالة واضحة ويجب أن نحسن قراءتها.
لكننا نذكر بأن لا شيء في دستور بلادنا وقوانينها يمنع الفئات ذات الخصوصية المهنية من البقاء في الاتحاد وفي نفس الوقت التنظم قطاعيا أو تفعيل الجمعيات القطاعية كالوداديات والعمادات وغيرها،على غرار المحامين والأطباء والصيادلة والمهندسين،في ضوء هذا الاسنخفاف بأوضاع الجامعيين،وفي انتظار تخليص المنظمة النقابية من براثن البيروقرا طية والنتهازية والنفعية وهو هدف لا يبدو تحقيقه قريبا في ظل ما عليه أوضاع البلاد الاجتماعية والسياسية من احتكار وتوظيف،وما عليه العمل المفابي من تراجع في ظل العولمة وتقلباتها الفاحشة.
أ- محسن التليلي
كلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة
التعليقات (0)