في خطوة تأخرت كثيرا، أصدر وزراء الخارجية العرب قرارا يقضي بتعليق مشاركة الوفود السورية في مختلف اجتماعات و أنشطة " الجامعة العربية"، و دعوا كل الدول " العربية " إلى سحب سفرائها من دمشق. و ذلك كرد فعل على عدم تجاوب النظام السوري عمليا مع المبادرة العربية الأخيرة.
قرار مجلس وزراء الخارجية " العرب" يؤشر إلى تحول لافت في مسار الجامعة التي ظلت تعكس باستمرار سياسات النظام الرسمي العربي البعيد عن تطلعات و اهتمامات شعوبه. و هو ما أفقد هذا المنتظم أي دور إقليمي في مختلف الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ عقود. و في مختلف الأزمات و الأحداث الكبرى التي عرفها الشرق الأوسط كانت الجامعة مسرحا لاجتماعات قياسية سواء على مستوى السفراء أو وزراء الخارجية أو الرؤساء و الملوك "العرب". لكنها كانت دائما تقع تحت بند: " أسمع جعجعة و لا أرى طحينا". بل إن كثيرا من تلك الإجتماعات شهدت صورا لمناكفات كاريكاتورية أسهمت إلى حد بعيد في تعميق الهوة بين وجهات النظر و أبقت العمل " العربي" المشترك مجرد حبر على ورق... و هكذا ظلت أغلب القرارات الصادرة عن " الجامعة العربية " بدون تنفيذ إلا تلك التي تعلقت بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية في الدول الأعضاء من أجل التضييق على الحريات و تكميم الأفواه... لكن موسم الثورات الذي تشهده عدد من دول المنطقة فرض نفسه على صانعي القرار السياسي في الجامعة، خصوصا و أن ما يجري في سوريا لم يعد يحتمل. لذلك فإن هذا القرار يمكن اعتباره أول انحياز فعلي للجامعة العربية مع مطالب الشعب ضد النظام.
لقد كانت الجموع الهادرة في شوارع و أزقة مختلف المدن السورية تطالب باستمرار الدول " العربية للتحرك من أجل الضغط على بشار الأسد، و وضع حد للمجازر التي تقترفها آلته العسكرية في حق المتظاهرين الذين يهتفون بإسقاط نظامه. و يبدو أن حكام الدول العربية باتوا مقتنعين بأن الإستمرار في الصمت إزاء ممارسات نظام البعث في سوريا، لن يجر عليهم إلا مزيدا من الغضب الشعبي. لذلك جاء هذا القرار بمثابة تبرئة للذمم أمام الرأي العام " العربي" الذي يتابع باهتمام بالغ مشهد الحراك الشعبي في بلاد الشام. لكن الإجراءات التي أسفر عنها اجتماع وزراء الخارجية لن يكون لها أي تأثير إلا إذا تمت ترجمتها فعليا على أرض الواقع، و خصوصا في ما يرتبط بالتهديد بالإعتراف بالمجلس الوطني كممثل للمعارضة السورية، و كذا في ما يتعلق بدعوة الدول العربية إلى سحب السفراء من دمشق. و يبدو على الأرجح أن أغلب الدول لن تعمد إلى الإستجابة لهذا المطلب لا سيما أن قرارات من هذا النوع لا تحمل طابعا إلزاميا. و هو ما يعني أن سحب السفراء سيظل قرارا سياديا خاصا بكل دولة. و هكذا يظل السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يكفي قرار الجامعة العربية لإرغام النظام السوري على التراجع عن حربه الجنونية ضد أبناء شعبه؟.
إن من شأن هذا التحرك العربي إذا تحول إلى أفعال طبعا أن يضعف النظام السوري و يجعله في عزلة. لكن الشعب لا تهمه مثل هذه القرارات، بل يريد حماية حقيقية مما يتعرض له من تقتيل ممنهج على يد عساكر و شبيحة النظام. الشعب السوري إذن يحتاج إلى هذه الحماية الآن وليس غدا. و لا يبدو أن العقيدة العسكرية لنظام البعث الحاكم أن تتأثر كثيرا بمثل هذه القرارات الصادرة عن الجامعة العربية. و لابد أن مسلسل القتل سيتواصل في مختلف المدن و القرى التي تشهد مظاهرات و حراكات شعبية. لذلك فإن قرار الفصل في ما يجري في سوريا لن يكون بيد العرب أو الجامعة العربية، ولعل أفضل ما قد تقدمه هذه الجامعة للسوريين هو إعادة تدويل قضيتهم من جديد من خلال الدفع بتحقيق مطلب الحماية الدولية للشعب السوري عبر أروقة الأمم المتحدة . إذ لا يفل الحديد إلا الحديد. محمد مغوتي.12/11/2011.
التعليقات (0)