مواضيع اليوم

الثورة والأهم من الثورة

انور محمد

2012-06-17 00:35:05

0

الثورة والأهم من الثورة
------------

  الحال التى نعيشها بعد الثورة توحى أننا لم نستفد شيئا من دروس الماضى ، ولم نتعلم من الثورة معناها الحقيقي ؛ فالمعنى الحقيقي للثورة هو اتحاد الشعب فى مواجهة ظلم وفساد قائمين ، وما منع الناس أن يثوروا إلا أنهم شراذم قليلة لا تتحد كلمتها ، ولا تتسق فى فكر واحد ، أما وقد اتحدد ، وتجمعت فى مواجهة الواقع المرير ، فكان لزاما عليها أن تعلم أن الوحدة هى أساس العمل ، وأن التفرقة ضياع للبلاد والعباد ، وأن الثورة تكتسب روعتها من توحيد الصف ، لا تحقيق منفعة خاصة .

كان هذا - ولا يزال - درس الثورة الأول ، بل لا أغالى إن قلت إنه أهم من الثورة نفسها ؛ إذ هو فحواها ومنتجها الأصيل ، ولن تجد ثورة تقوم على تناحر وتشتت بين الناس ، بل أولى خطواتها الوحدة ، ونحن ثم نتحدث عن وحدة المجتمع ، ونفتش عن ذلك الذى دخل الثورة ، وهى قوية متحدة ، وخلفها وراءه هزيلة منقسمة ليس لها حول ولا قوة .

نحن إذن متفقون على أن الثورة حال قيامها كانت بناء واحدا متصلا ، فمن الذى غير هذا الحال وأوهى هذا البناء ، سأتخيل معك أن الثورة بعدما قامت ، ولم يشارك فيها الإخوان كما هو معروف تاريخيا ، استمرت هذه الحال ، ولنقل مثلا أنهم رفضوا ، أوظلوا بعيدا عن المشاركة ، ولم يتقدموا إليها كما فعلوا بعد نجاحها فى البداية بدونهم !

لنفترض هذه الفرضية ، ولنتخيل كيف كانت تسير الأمور بعدها ، الثورة كما قلنا قامت على إتحاد الشعب ضد الفساد والظلم والفقر ، وظلت مرابطة حتى تحقق لها ذلك ، وتنحى مبارك عن الحكم ، أكمل معى بخيالك أيها القارئ العزيز ، أى مشهد ثورى بعدها ، وأى تصرف من المجلس العسكرى ، أو غيره فى وجود هذا التوحد الثورى ، سواء ما جرى من استفتاء أو غيره من إجراءات ، أو محاكمات وخلافه ، فلن تجد هذه الوحدة تنقسم ، أو تتشعب يمينا ويسارا ، ولن يفلح شق الصف فى تفريق الشعب ، بل أنت واجد كل الخلافات كانت ناتجة بين من أطلق على نفسه التيار الدينى ، وقسم الشعب إلى مسلم ومسيحى ، بل والمسلم إلى إسلامى وغير إسلامى ، وأصبح الشعب متحيرا فى نظام الدولة دينى أم مدنى ، وهو سؤال جد غريب ، بالأضافة إلى أنه لم يكن مطروحا حال الثورة ، والأغرب أننا أنفقنا زمنا طويلا ، ولا زلنا ننفق ، وسنظل ، حتى نعرف الإجابة ، وهيهات لنا ذلك .

إن هذا التقسيم للشعب ، وتحويل الثورة عن هدفها الوطنى الذى قام عن طريق الوحدة ، لتحويله لهدف دعوى يرسم طريقا آخر ، ينتمى لفكر غير ثورى ، بل يقوم فى الأساس على التربية ونشر ثقافة أخرى غير ثقافة المواطنة ، والإنتماء لبلد واحد ، وقد يكون هناك مجال آخر لمناقشة ذلك تفصيلا ، ولسنا هنا لنقلل ، أو نعظم من فكر راديكالى ، فقد يكون له مجاله ومنهجه ، ولكن نؤكد أنه يتعارض مع الفكر الثورى ، سيما التى قامت من أجله الثورة المصرية ، ولن يشفع فى ذلك ما يقال من تصويت شعبى ، وإرادة جماهيرية تمثلت قى الصناديق ، وما ذاك إلا لأن الشعب لم يكن يفهم ما يدور حوله من معطيات .

يقول جان جاك روسو فى كتابه العقد الاجتماعى : (( إن الإرادة العامة لا تمثل المصلحة العامة ، إلا إذا بنيت على علم صحيح .. )) تلك الحقيقة هى التى مثلت الفارق الذى شاهدته كل الاستفتاءات الرسمية ، وغير الرسمية ، والانتخابات طوال الفترة الانتقالية ؛ ذلك لأن الشحن الذى كان يصاحب كل حالة هو فى الأساس لم يبن على معلومات صحيحة للشعب ، بل مغالطات فى التعريف والنتائج ، من تكفير وتهميش وتقسيم ، كل هذه الإيحاءات أفرزت شكل البرلمان ونتائج التعديلات ، وغيرها مما يركن إليها المدافعون عن غزوات الصناديق .

إن التاريخ والشعب لن يغفرا لمن شارك فى خداع الناس ، والتدليس عليهم ، مستخدما اعتماد البسطاء على صحة رأيهم ، فلم تكن ثقتهم فى موضعها ، واستخدم الدين فى المغالطات ، وقلب الحقائق من أجل بسط هيمنته ، وتحقيق مكاسب فئوية ، ومنافع وقتية زائلة ، وترك منفعة العامة للناس ، ومصلحة الوطن ، ومهما طال الوقت فلن يدوم ذلك ، فأنت إذا استطعت خداع بعض الناس بعض الوقت ، فلن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت .
                           

                               والله من وراء القصد
                                          بقلم :
                                        أنور محمد أنور




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !