مواضيع اليوم

الثورة من أجل الحرية والديمقراطية

د.هايل نصر

2011-04-29 07:59:53

0

من أجل ماذا تكون. إن لم تكن من أجل الحرية والديمقراطية؟ إن لم تكن من اجل هذا هل يمكن نعتها بالثورة؟. هل هي جديرة باسمها إن كانت من أجل إصلاحات شكلية في نظم استبدادية؟. هل أحد يرى اليوم (إن كان قد رأى البارحة) في جوه طغاة رحلوا بفعل الثورة وأخرى قيد الرحيل, سمات إصلاح, أو ديمقراطية, وإيحاء بحرية, حتى تنتفي الحاجة معهم للثورة؟. هل من يقتل شعبا ويدمر وطنا يُقرأ فيه إصلاحي أو ديمقراطي أو قابل لان يكونه؟. هل من يرى, على سبيل المثال لا الحصر, القذافي خارجا من مخبأه في طرابلس يلوح كالبهلوان بكلتا يديه بإشارات النصر, النصر على شعبه وعلى نجاحه في تدمير وطنه, يرى فيه حس الإنسانية أو بعض من كرامة أو مسؤولية, أو آمرات رشد ورشاد؟, هل يستطيع احد أن يجادل بأنه قابل للإصلاح, ولا يستحق السقوط بالإسقاط المدوي؟. هل من يسمع صراخ عبد الله صالح اليومي, المتفرغ كليا للصراخ, يرى فيه رئيس دولة مسؤول عن شعب ودولة؟ وفي حاله إمكانية جدية للإصلاح؟. هل تنطوي مثل هذه النماذج على إصلاحي أو ديمقراطي ظاهر أو كامن؟. هل جنت عليهم شعوبهم بمطالبتهم بالرحيل, الم يرحّلوا أنفسهم بأنفسهم حين نصبوا أنفسهم طغاة ضد كل إصلاح أو ديمقراطية (إذا جاز ولو مجازا الجمع في نفس الجملة بين طاغية وإصلاح وديمقراطية), وحين ورثوا أو كرسوا نشاطاتهم لترتيب توريث أبناء صلبهم وجعلوها أولوية الأولويات؟. هل من يرفع بعد نصف قرن حالة الطوارئ مكابر بأن الرفع ليس استجابة لمطالب شعبية ـ يا لاحترام الشعوب وإرادتها !! ـ وإنما مكرمة خالصة منه فكر بها سابقا, ولم يرد التسرع في تنزيلها على شعبه إلى أن ينضج هذا الشعب الطارئ على الحضارة والوعي, وتنضج الظروف, والى ذلك الحين لابد من إعادة المحتجين إلى بيت الطاعة أو بيوت خالتهم, إلى أن يكبروا و ينضجوا؟.

اثر أحداث ماي 1968 استقال ديغول عندما جاءت نتائج استفتاء, غير ملزم, لغير صالحه. لم يكن ملزما دستوريا بأن يستقيل. استقال الرجل لأنه ديغول. ولأنه أحس أن غالبية ضئيلة من شعبه لم تؤيد في حالة معينة قرارات معينة. انسحب من الحياة السياسية محرر فرنسا, وباني جمهوريتها الخامسة, من تلقاء نفسه ودون أن يخبر أحدا, بصمت رحل و تحت دهشة وحزن الفرنسيين وأسفهم. لم يتخل ديغول عن فرنسا لأنه يعلم أن فيها ألف ديغول وديغول. قد لا يساوي الجنرال ديغول مرتبة ومكانة العقيد القذافي, أو العقيد عبد الله صالح, ولم يقدم لبلده ما قدماه لبلديهما ليرحلا مثل رحيله , رغم طلب وهتاف الملايين يوميا: ارحل, ارحل, طلب لا لبس فيه ولا مداراة ولا رجعة عنه, ولا أحد يرحل أو يفكر بالرحيل. لم يجد عبد الله صالح إلى الآن يمني واحد نظيف اليد مؤتمن على اليمن !!. وان لم يعجبهم الاستشهاد بديغول هل يمكن أن يقتدوا بالعملاق مانديلا وتخليه طواعية عن السلطة حين انتهاء فترته الرئاسية؟. ليعذرنا القارئ وكل صاحب حس سوي, وكل العرب والفرنسيين والجنوب إفريقيين على المقارنة غير الموفقة, عظماء منهم وعظماء "منّا".

محاربتكم للحرية والديمقراطية, أيها السادة, لم تهلك شعوبكم وتجعل بلدانكم في مؤخرة دول العالم المتحضر منها والأقل حضارة, لم تقض على آمال أجيال وأجيال في حق الحياة الحرة الكريمة , لم تشرد الملايين وتدفع بهم إلى المهاجر, لم تقتل الثقة في النفوس وتثقف بثقافة طأطأة الرؤوس. محاربتكم للحريات والاضطهاد وعدائكم للديمقراطية هي ما انقلب وبالا عليكم, هي الآن من يحاربكم هي من يطاردكم, تطاردكم وتخزيكم الهتافات المنطلقة من ملايين الحناجر ارحل الشعب يريد الحرية الشعب يريد الديمقراطية, الشعب يريد إسقاط النظام..هل رأى أحدكم أيها المحتضرون بانتظار لفظ الأنفاس الأخيرة, إلى حسني مبارك أمام التحقيق لتقول العدالة فيه كلمتها , هل نظرتم فاعتبرتم؟. الكل صرح ويصرح بأنه غير حسني مبارك.

الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, أيها السادة, لا تأتي إصلاحا منكم وإنما بثورة عليكم. إنها أجيال الشباب. شباب ولدوا في ظل أنظمتكم ولم يروا غير وجوهكم ولم يسمعوا غير أصواتكم, ولم يجبروا على الهتاف إلا بأسمائكم ولأشخاصكم, لم يهتفوا يوما للحرية لأنهم لا يعرفوا أين تقع, ولا للديمقراطية لأن أصولها غربية معادية للاستبداد والفساد الذي تقوم عليه أنظمتكم العتيدة. هذا الشباب الذي ظننتم انه تم ترويضه منذ الولادة, وان استهواه شيء فهو حبه لكم أولا ثم للكرة والملاعب. تفاجأتم بخروجه عليكم لأنكم لا تحسنون التوقعات والقراءة الذكية, وأنّى لكم وانتم في غالبيتكم أميون لن تقرؤوا عميقا الواقع ومعطياته. لا تفهمون من السياسة إلا ألاعيبها وحيلها وأصول وفنون الخداع والتآمر. لم تقرؤها علما أو فنا نظيفا له أصوله, له غايات غير مصالح مسيريها لذواتهم. أهليتكم الوحيدة اكتسبتموها من ممارسات القمع والتضليل ورفع الشعارات, وجمع الثروات, وكل ما يبقيكم في السلطة. برعتم براعة لا يحسدكم عليها احد في فن البيع والشراء, والاستعطاف والاسترضاء, والخنوع لمن بيده الترحيل أو التثبيت من أصحاب القرار والحل والربط فيما وراء البحار.

الشباب, يا سادة "يا كرام", تجاوزكم بعيدا فهم المستقبل المشرق وانتم الماضي المظلم. بسواعدهم الفتية ستُبنى دول فتية عصرية. ولان روح الشباب رياضية لا تقوم على الحقد والمراوغة والكراهية, ولأنها عصرية, ولأن العصر عصر الكمبيوتر والحاسبات الآلية والالكترونية والاتصالات والتكنولوجيا والتقنيات, ولان عقولهم متفتحة وقادرة على الاستيعاب, فهم الأقدر على الفهم وعلى البناء, والأجدر بان يعيشوا عصرهم بمفاهيم عصرهم, فهلا رحلتم وعشتم ما تبقى لكم في عصركم؟

الحرية والديمقراطية مطالب الشباب, ومنها تأخذ حركاتهم اسم الثورة, لأنها انقلاب كامل على الاستبداد الذي جاء معكم وتكرس بكم طيلة وجودوكم, تقاتلون وتقتلون أبناء وطنكم لتنقلوه إرثا خالصا لأبناء من صلبكم. الحرية والديمقراطية عصية على فهمكم فدعوها لذويها وفكروا جديا بالرحيل كي لا تُرحّلوا.

لا تثقلوا تاريخكم, وما بقي لكم من أيامكم بجرائم ومجازر جديدة قبل الرحيل, ولا تنسوا بان هناك شيء اسمه مساءلة وعقاب, ومحاكم داخلية ودولية, ونواب عامون وقضاة, وإجراءات ومرافعات, وتوقيف وتحقيق, وأحكام وسجون.

ليس في قاموس الثورة "تبويس" اللحى والمصالحة العشائرية وعفا الله عما مضى. الثورة لها قيمها ومفاهيمها ومن مفاهيمها الأساسية سيادة القانون, احترام القانون, بناء دولة القانون. ومحاسبة من انتهك عقودا طويلة القانون والقيم كرامة وحقوق الإنسان. أدمية الإنسان .

لا تكون ثورة إن هي قبلت إفرازاتهم, وعقلية الانتهازيين الذين يضعون رجلا خفية غير مرئية مع الثائرين, وأخرى عليها الارتكاز, مع نظم الطغيان, يحرصون على إصدار بيانات ترضى "الطرفين" بعد امتزاج الموقفين, يقفون إلى حين بين بين ـ إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ــ يلعبون دور"الحكيم" الجبان الذي يؤثر السلامة على قول كلمة حق أو موقف فيه صدق. ينصحون ويعضون من موقعهم على هامش الثورة, على هامش السلطة, لم ينصحوا هذه الأخيرة من موقعهم الهامشي هذا, لم يفعلوه طيلة عقود. لم ينادوا إصلاح. فالإصلاح ليس بيدهم, خارج عن طاقتهم, ومنهجهم. لقد ذهبت الشمولية والاستبداد بكل الهوامش.

إن لم تكن الثورة من اجل كنس الطغيان وأعوانه وسماسرته. إن لم تكن من اجل بناء دولة الحق والقانون والديمقراطية, فلتتسمى بغير اسم الثورة, وما أكثر الأسماء.
د.هايل نصر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات