تعرف بعض البلدان العربية ثورات شعبية كبرى في إطار المطالبة بإسقاط الأنظمة الحاكمة التي شابت و أصبحت كهلة في مناصبها و انساقت وراء لذة الحكم حتى أضحى الرأي العام يشكك في جمهورية هذه الدول بحيث اعتبرها ملكية لتشبث رؤسائها بالسلطة والقيادة ,و قد انبثقت هذ الثورة عن احتجاجات عنيفة على الأوضاع الإجتماعية المزرية في الجزائر لتتحول في رمشة عين إلى مطالب سياسية عبر تونس تهدف إلى الإطاحة بالنظام الحاكم ,فلم تكن لتتحول هذه المطالب إلى الشق السياسي لولا أخذ الشعب التونسي للمبادرة نظرا للانخفاض الكبير الذي يعرفه هذا البلد في نسبة الأمية و كذا توفر الشريحة الشبابية على وعي كبير يسمح لهم باستيعاب كل ما يمر به وطنهم و باكتشاف كل خباياه بشكل عميق,إذن فيمكن القول أن جوهر هذه الإحتجاجات التي تعرفها البلدان العربية كان سببها الشعب التونسي الذي أنار مسار الدول الأخرى سواء المصرية أو اليمنية أو الجزائرية التي لطالما عانت من الإستبداد و الظلم و تقييد الحريات ثم الإضطهاد و نهب الثروات الضخمة التي تزخر بها هذه الدول لكن رغم هذا الفائض فهي لا تزال تعيش فقرا في التنمية سواء الإجتماعية و الإقتصادية بالإضافة إلى العائق الكبير الذي يتطلب تغييرا جذريا في العقليات لا في الأشخاص وهو الفساد السياسي الذي يفتك في الهيكل التنظيمي و يبعثر أوراقه.ومن أهم التحديات التي تعرفها هذه البلدان هو التباين الكبير في هيكلتها إذ تشهد غنى في الثروات الطبيعية وفقرا في التنمية فعلى سبيل المثال الجزائر التي تتوفر على كميات ضخمة من الغاز الطبيعي و البترول يمكن أن تجعلها من القوى الإقتصادية العالمية الكبرى لكنها للأسف فهي تستخدم هذا الغنى و تصرفه في المعدات و الأسلحة الحربية جعلتها من الشركاء المهمين لروسيا بدل استثماره في القضاء على البطالة و تحسين الأوضاع الإجتماعية المزرية التي مافتئ الشعب يعاني منها ,فكل هذه المظاهر والأسباب هي التي عجلت في نشوب ثورة و سخط شعبي سيِساهم لا محالة إلى عدة نتائج كتعديل الدستور الذي ظهرت فيه عدة ثغرات كعدم تقييد الرئيس بفترتين على رأس السلطة ,بالإضافة إلى الرفع من الحد الأدنى للأجور و لكن هذه النتائج فقد تختلف من بلد لأخر فقد شاهدنا سلفا كيف تمكن الشعب التونسي من الكشف عن التجاوزات الخطيرة في السلطة و كيف انتهت ثورته بانتصار عجل برحيل الرئيس مما سيؤدي إلى مناخ سياسي يمكن أن نسميه بالنظيف,ومن جهة أخرى فنحن نرى صمود الرئيس المصري الذي يواجه احتجاجات جد عنيفة أراد أن يُخفض من وثيرتها بتغييره للحكومة ,إذن فتختلف ظروف هذه البلدان لكن يبقى هدف شعوبها واحد و هو الإطاحة بالأنظمة التي لم تستصغ بعد فكرة التخلي عن الحكم الذي يشكل لأصحابه غاية قبل أن يكون وسيلة لخدمة مصالح المجتمع.
فقد شكلت هذه الثورة التي تعرفها البلدان العربية مجالا للمواطن المغربي ليتسائل عن إمكانية انتقال هذه العدوى إلى بلدنا إذ تباينت ردود الفعل من متنبئ لتأثرنا بما يحدث في الجوار و من يجزم باستحالة حدوث ثورة كبرى في المغرب,فمن وجهة نظري الشخصية أرى أن احتمال تأثرالمغرب بجيرانه يظل جد ضئيل و ذلك لأسباب عديدة منها انخفاض المستوى الثقافي للمواطن المغربي مما لا يترك له الفرصة في الخوض في مسائل بلاده و فقهه بأسرارها ,بالإضافة إلى قوة الجهاز الأمني المغربي و تأييد الشعب لجلالة الملك الذي لا يدخر جهدا في القيام بمشاريع تساهم في تحسين الأوضاع الإجتماعية حسب وكالة فيتش التي اعتبرت أن المغرب يعرف دينامية كبيرة في جميع المجالات تجعله بعيدا عن تكهنات سيره على مسار جيرانه رغم بعض الصعوبات التي يعرفها هذا البلد في المجال السياسي من فساد ومحسوبية ,وبالتالي فيمكن اعتبار هذه الوضعية الراهنة التي تعيشها الساحة العربية بمثابة مرحلة انتقالية ستظهر نتائجها على المدى المتوسط و البعيد هدفها تلطيف المناخ السياسي مما سيؤدي لا محالة إلى تنمية في جميع االمجالات.
التعليقات (0)