لا يمكن لأي حر في العالم أن يقلل من قيمة الثورة المصرية المباركة، أو يغض الطرف عن أهميتها ونتائجها، سواء على المستوى المحلى، أو الاقليمى، أو الدولي..
لكن السؤال الذي بات ملحا، هل يمكن الاطمئنان إلى أن التغيير قد تم بمجرد القيام بالثورة والإطاحة بالنظام القديم؟ أو بالأحرى برأسه التي كانت بمثابة رأس أفعى ضخمة التهمت الأخضر واليابس؟
أو السؤال بصيغة أخرى، أيهما أجدى وأثمر التغيير الرأسي المتمثل في تغيير الأنظمة؟ أم التغيير القاعدي الجذري المتمثل في تغيير العادات والقيم والسلوكيات والتصورات؟
لا شك أن ما حدث له قيمته، لكن لا يمكن أن تؤتى ثمرته بل من الممكن أن ينتكس ما لم نسير في طريق التغيير الأفقي القاعدي طبقا للقاعدة القرآنية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
وتغيير النفوس هو تغيير العادات السيئة، والقيم الرخيصة، والأخلاق الوضيعة، التي تحكم الشعب منذ عقود من الزمن، وتوارثتها الأجيال عبر الأزمان، هذه العادات والقيم والأخلاق هي التي ساعدت ومازالت بشكل أو بآخر على تأخر مصر عن تقدمها الحضاري..
صحيح إن هذه الأخلاق والقيم والتصورات هي نتيجة العقود الطويلة من الاستبداد، وأثر من آثاره المدمرة، بما كان يملك من وسائل إعلام فاسدة، ومناهج دراسية مغشوشة، ووسائل توجيه متعددة، كلها كانت تعمل لتكريس التخلف؛ لأنه البيئة الصالحة لنمو الاستبداد واستقراره، إلا أنه يجب في المرحلة القادمة أن نعمل جاهدين على إحداث التغيير الجذري في النفوس، وغرس قيم الحرية والعدل، وترجيح المصلحة العامة على المصالح الشخصية..
فما زال في الشعب من لا ينظر إلا تحت قدميه، ولا يرى إلا مخاسره أو أرباحه هو، وما زال فيه من يعمل على زعزعة الاستقرار، ومحاولة تقويض الثورة وإجهاضها، وما زال فيه من يعمل على إحياء الحزب البائد، وإلباسه ثوبا جديدا، وإقامته من رقدته وانكساره، لمصلحة من؟ لا أعرف ..بعد ما بدا للكل فساده وإفساده لمجالات الحياة المختلفة في مصرنا الحبيبة، إنهم ما زالوا يتشبثون بالحياة الفاسدة، وكأن نفوسهم لا تستطيع أن تحيا نظيفة طاهرة، لقد عفنت حتى استحال برؤها، يستغلون مناخ الحرية الذي وفرته الثورة للالتفاف عليها، فيتكتلون من جديد للدفع بأذنابهم إلى المجالس النيابية من جديد، مستغلين الجهل السياسي لغالبية الشعب المصري، وعدم تقديره لطبيعة المرحلة القادمة، مرحلة المجالس النيابية الصحيحة، التي يعرف نوابها معنى الدستور والقانون، ويعرفون الأدوات الرقابية، وكيف يستخدمونها؟ لا نواب الخدمات الشخصية، وأعمدة الكهرباء، ورصف الطرق، وتوظيف فلان أو علان..
هناك قطاع عريض من الشعب مازالت عيونهم على محلاتهم لا وطنهم، يعيشون عقلية ما قبل الثورة، أن يستجلب أكبر قدر من الخدمات لمحلته، وما عداها لا تمثل له أدنى تفكير أو اهتمام، هم لا يدركون أن بناء الوطن الآن مقدم على الخدمات الخاصة، فإذا بنى الوطن، ونهض وتقدم، وصلت الخدمات إلى كل بقاعه ومحلاته، دون الحاجة إلى وساطات أو غيرها..
ومازال المرتشون والنفعيون في مواقعهم مقيمون، وفى غيهم سادرون..
نحتاج إلى قيم البناء والحرية والعدل، نحتاج إلى تكاتف الجهود.. جهود مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية، ووسائل الإعلام، وجماعات الإصلاح، والأحزاب، والعلماء، والدعاة؛ من أجل القيام بحملة توعية ضخمة للشعب؛ لحماية مكتسبات الثورة لا سرقتها .. يد تهدم الباطل، ويد تبنى الحاضر والمستقبل..
التعليقات (0)