خطر كبير وحقيقي وجاد هو ما يواجه الانتفاضة المصرية المباركة في هذه المرحلة الدقيقة من مسار الربيع العربي..وهو مما قد يعرض اهدافها ومتبنياتها وشعاراتها الثورية التي تعد نقطة التحول الاستراتيجي الاهم والاعمق والاكثر تأثيرا في المنطقة العربية الى الفشل والتشتت والوأد في مهد التآمر والتيه والتفرع في المسارات التي قد تربك خطواتها وتحرفها عن مسارها المؤمل والمعبر عن خيارات وتطلعات الشعب المصري النبيل..وان كنا قد نختلف في ترتيب القائمة الطويلة لقوى الثورة المضادة والجهات التي قد تستهدف الثورة وتستنطق الوسائل والممارسات لاجهاضها وتطويق نتائجها المدمرة على مراكز التسلط والاستبداد, فاننا لن نجد صعوبة في وضع المجلس العسكري الحاكم على رأس القائمة وبعدة خطوط حمراء تحت اسمه العتيد..
لا يسعفنا الحظ كثيرا..ان حاولنا البحث عن مثال للتسلط يقترب -حتى- من النموذج العربي للحكم ..وقد يكون من العسير ان نلتقط من دفات التاريخ ايغالا في التعالي والعداء مع الشعب يشبه ما يعتري كل من يمسك بصولجان الملك في بلداننا..فلم يطل الامر بالمجلس الاعلى للقوات المسلحة المصرية حتى تضعضعت شعاراته الوطنية امام مغريات التموضع فوق رقاب العباد والامساك بمقاليد الامور ليقوم باعادة انتاج تقنيات الحكم القمعي المستبد والنفخ بالازمات لاطالة أمد هيمنته على مقدرات الحكم بطرق ملتوية، دون الأخذ في الاعتبار مطالب الجماهير وقيادات الثورة الشبابية والنخب السياسية الاخرى.
فهذا المجلس الذي اسرف في ممارسة المن والاذى في حق الشعب المصري بانه لم يثقب اجسادهم بالرصاص..وانه كان السبب في نجاح الثورة مغيبا ومعتما على تضحيات ونضالات الشعب المصري البطل وصموده الاسطوري امام آلة القمع الرهيبة التي لم تتحرج حتى من استخدام البلطجية وشذاذ الافاق ضد المحتجين السلميين العزل..واختص لنفسه بالفضل في انجاح الحراك الشعبي الذي ادى الى انتصار الثورة في اسقاط رأس الحكم المصري.. يتحمل الآن المسؤولية الاكبر في الارتباك الذي يسود المشهد السياسي المصري وادامة محاولات قوى الثورة المضادة في وأد هذه الثورة، او دفعها للتنكب عن طريق مسيرتها، بسبب إدارته الفاشلة لشؤون البلاد، وتخبطه في قراراته.. والاهم..بسبب تشبثه اللاهث بالاستمرار في ادارة البلاد دون النظر الى المعضلات التي قد تصاحب هذا الخيار..
ان الممارسات المربكة المتخبطة الحافلة بالثغرات السياسية والامنية التي شابت سجل المجلس العسكري في ادارة الامور خلال الفترة الانتقالية لا يمكن ان نضعها تحت باب الافتقار الى الخبرة السياسية والادارية حسب بقدر كونها ناتج طبيعي لنوايا لم يحسن اخفاؤها تجاه استمرار التحكم بمصير البلاد وانهاء الفترة الانتقالية بشروط المجلس لضمان تمرير شكل مشوه للديمقراطـــية المسيطر عليها فوقيا من خلال سلطة ديكتاتورية مقنعة تنتحل الآليات القانونية والدستورية وتمارس الحكم من خلال حكومة هشة ضعيفة..
ان الاحداث المؤسفة التي وقعت في ميدان التحرير واسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا برصاص القوى الامنية والجيش..وفي هذا الوقت الحرج التي تقترب فيه انتخابات المجلس التأسيسي المرتقب.. تؤكد الاشارات الكثيرة التي وردت عن المجلس حول عزمه البقاء في الموقع الاول واليد العليا عن طريق ادارة شؤون البلاد من خلال نسج التحالفات مع القوى الاسلامية وبقايا النظام السابق ..
حتى قانون العزل السياسي الذي اريد له ان يبدو وكأنه تنفيذ لرغبة القوى الثورية في التقاطع مع فلول النظام السابق..يشي توقيت صدوره المريب على انه وسيلة لشل المجلس التأسيسي واسقاط الشرعية عنه من خلال الطعون التي ينتظر ان تقدم بحق الكثير من اعضائه استنادا لهذا القانون مما سيشكل الارضية المطلوبة لاستمرار المجلس في مط الفترة الانتقالية الى حيث انضاج الظروف التي تخدم سيطرته التامة على الحكم.. ان المجلس هنا يسفر عن قصر نظر كبير اذا تصور ان بامكانه كسر الارادة الشعبية الحرة من خلال استخدام الاساليب القمعية المستنسخة عن سياسات سلفه المخلوع..او ان بإمكانه احتواء قوى الشارع وترويض طلائعه الثورية باستخدام سياسات العصا الغليظة التي لم تكن التجارب الكثيرة في صالحها..فمثل هذا التوجه لا يؤدي الا الى ترسيخ القناعة بان الثورة لم تكن قادرة على احداث تحول في اسلوب تفكير وعقلية النخب الحاكمة تجاه تقبل مبدأ المشاركة الشعبية في الحكم..وهذه النظرة المتعالية قد تكون المسؤولة عن عجز المجلس عن استيعاب منطق التاريخ وطبيعة التحول التاريخي الذي انطلقت شرارته من ميدان التحرير وتعود الان لتصحح مسارها من نفس الارض التي تعمدت بدماء وعرق وصلابة الشعب المصري واصراره على تشكيل واقعه حسب خياراته وارادته الحرة التي اعادت لمصر دورها القيادي الرائد..
ان الكلمة العليا ما زالت لقوى الشعب الثائر ..وما زال الخير معقودا في نواصي الوعي الشعبي بحتمية الانتصار في معركة الحفاظ على نقاء الثورة ووجهها الناصع واولية اهدافها بالحكم المستند على مبادئ الحرية والمساواة والكرامة والعدالة وحقوق الانسان..وكل الامل في شباب مصر العظيم في استعادة زمام المبادرة وافشال المخططات التي تستهدف حرية الشعب ومنجزه الثوري العظيم
التعليقات (0)