مواضيع اليوم

الثورة الحسينية..

ياسر العزاوي

2011-05-17 15:06:50

0

عاصر الإمام الحسين (عليه السلام) مجموعة من الأحداث الكبيرة شكلت بمجموعها أساسا لانطلاق ثورته الإصلاحية في مجتمع سادته الفوضى والازدواجية في تطبيق المفاهيم الإسلامية.
فقد شهد عليه السلام أحداث ما بعد رحيل جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) وما نتج عن اجتماع السقيفة وهو آنذاك صبي مدرك فضلا عن كونه إمام معصوم بنص القران والسنة, وما رافقها من تجاوز الأجلاف من قريش على البيت العلوي وتحمل أمه الزهراء (عليها السلام) تبعة ذلك التجاوز المؤلم, مرورا بسنوات الإبعاد التي عانى منها والده الإمام علي (عليه السلام) وهي المدة الأطول من عمر الانحراف عن المبادئ, إذ استطاع المتسلطون من ترسيخ مجموعة من المفاهيم التي لم تأخذ من الدين مرتكزا لاسيما وان المجتمع آنذاك حديث عهد بالإسلام وقيمه التي لم يتح لها اخذ مساحتها الزمانية والمكانية لتطبيقها وترسيخها بشكل كافي, وصولا إلى أحداث الفتنة أيام خلافة عثمان بن عفان وما تخللها من مؤامرات بني أمية للسيطرة على السلطة ومقاليد الحكم بسبب قربهم النسبي والسببي من الخليفة الذي توجت الأحداث بقتله, فكان مقتله تأسيسا لمبدأ شرعية الخروج على الحاكم الظالم وغير العادل.
وفي خلافة أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) شهد الإمام الحسين (عليه السلام) حجم المؤامرة التي كان يواجهها الأمير (عليه السلام) لإفشال مخططه لإرجاع الأمور إلى نصابها والى أيامها الأولى حيث كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) هو القائد, فشهد مع أبيه ثلاثة حروب طاحنة أخذت من قوى المسلمين ما لو استخدمت في مجال الفتوحات وتوسيع رقعة الدولة الإسلامية لفتحت العالم بأسره, ولكن للأسف وجهت هذه الإمكانات لتقويض عملية التصحيح التي بدأها أمير المؤمنين منذ اليوم الأول لتوليه الخلافة التي أعلن فيه عن عدم رغبته لتوليها لعلمه بحجم الانحراف وصعوبة إعادة الناس إلى ما كانت عليه أيام الرسول (صلى الله عليه واله وسلم), فكانت النتيجة أن استشهد في محراب صلاته تاركا وراءه امة ممزقة وحاكم مستبد, وهو ذات السبب الذي دفع الإمام الحسن (عليه السلام) إلى القبول بالصلح مع معاوية الذي استبد بحكمه في الشام منذ زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مؤسسا بذلك لملك بني أمية.
من وحي هذا الكم من المواقف الصعبة والمنعطفات الحرجة انطلقت الثورة الحسينية محاولة تصحيح الانحراف وتثبيت القيم الرسالية والإنسانية التي نادى بها الرسول صلى الله عليه واله وسلم وهو ما أفصح عنه الإمام الحسين (عليه السلام) في أولى مقالاته حول طبيعة خروجه فقال (عليه السلام): " إني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)", وإذا أردنا استقراء المسيرة الحسينية واستخلاص الدروس والعبر منها فإننا نجد أن الإمام الحسين (عليه السلام) ترك في مخيلة التاريخ صورا لا يمكن أن تمحى ودروسا ليس من السهل أن تنسى, فما أحوجنا ونحن نتصارع مع الإحداث المحيطة بمسيرتنا أن نستمد من هذه المدرسة العون ومعرفة سبل الخلاص أن كنا مؤمنين.

وضوح الرؤية وصلابة الموقف:
لما استقر الأمر ليزيد بعد هلاك أبيه معاوية بن أبي سفيان بعث إلى ولاته في الأمصار ومنهم واليه على المدينة الوليد بن عتبة أن " خذ الحسين وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير أخذا شديدا ومن أبى فاضرب عنقه", فلما أرسل الوليد إلى الإمام الحسين (عليه السلام) جاء الرد الحسيني الحاسم والشجاع والذي يفصح عن وضوح الموقف لدى الإمام منذ البداية فقال عليه السلام: "إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة, بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله, ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة", فالمقطع الأول من هذا الخطاب هو بيان وتذكير لمن غفل أو حاول أن يتغافل وجوده المبارك ونسبه الشريف وموقعه من الرسالة الخاتمة, وهو أسلوب اعتاد الأئمة على استخدامه في مجال المحاججة والنقاش مع الجاحدين, والمقطع الثاني جاء للتعريض بوضع الخليفة يزيد الفاسق, وهذا في نفسه يحتاج من الجرأة والشجاعة القدر الكافي لإظهاره لاسيما في محضر والي ذلك الخليفة والذي عادة ما يكون على شاكلة خليفته المتهتك.
أما ما جاء بعده "مثلي لا يبايع مثله" فهذه هي الصرخة التي أراد إطلاقها الإمام بعد بيانه لعدم التكافؤ بين معادلتي البيعة وان الحسين (عليه السلام) في مكانته أعلى قدرا وأوفر شرفا وأسمى منزلة ولا يمكن لمثله مبايعة يزيد, وفي ختام قوله عليه السلام توعد وهدد بالمناظرة التي يرجو منها إثبات حقه بالخلافة وبطلانها في غيره فقال (عليه السلام): "نصبح وتصبحون...".

الخلافة محرمة على آل أبي سفيان:
ثم ما انفك الإمام (عليه السلام) يبين صلابة موقفه المدعوم شرعيا, إذ ينقل التاريخ أن مروان بن الحكم لقي الحسين (عليه السلام) في صباح اليوم التالي فأظهر النصح للإمام ببيعة يزيد فرد عليه الإمام (عليه السلام) بقوله: "على الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد", ولقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول: "الخلافة محرمة على آل أبي سفيان فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه, وقد رآه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا, فابتلاهم الله بيزيد الفاسق".
كما جاء في كتب التاريخ أيضا أن محمد بن الحنفية قدم النصيحة للإمام الحسين (عليه السلام) باجتناب يزيد بمبايعته, ومن ثم يرسل للأمصار والأماكن برسله يحثهم على البيعة له وإلا فيغادر إلى مكة, فان لم تطب له منزلا فمكانا آخر حتى يتأكد من صدق مقولة من بعث إليه يدعوه ليكون إماما عليهم, فما كان من الإمام (عليه السلام) إلا أن يقول لأخيه الناصح "لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية" إذن هو إصرار على عدم المبايعة لما عرف من المفسدة المترتبة على هكذا بيعة, وان فيها من الخيانة للأمة والدين ما لا يمكن لإمام معصوم منصوص عليه القبول به لمعرفته بعاقبة الأمور, كما انه صرح بما لا يقبل الشك انه عازم على الإصلاح وان دعوته لا تحمل أي نفس شخصي أو تقديم لمنفعة دنيوية وهذا ما تركه لأخيه محمد بن الحنفية في وصيته له قبيل خروجه من المدينة إذ يقول (عليه السلام): "إني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما, وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي محمد (صلى الله عليه واله وسلم), أريد أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب, فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق, ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين" وبهذا يبين الإمام الحسين أصل دعوته والهدف من خروجه, مستغلا الفرصة لبيان كما صورة الإمام المستحق للإتباع والتقدم على الآخرين في مكان آخر بقوله: "ما الإمام إلا العامل بالكتاب والأخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله" مشيرا إلى أن كل حركة لم يكن لله فيها نصيب أو رقيب لا يمكن أن تحظى بالقبول من قبل الرأي العام خصوصا إذا كانت ملتصقة بالدين ومدعية للدفاع عنه.

ضرورة تحديد الهدف والمصير:
لقد وضح الإمام الحسين (عليه السلام) لإتباعه منذ اللحظة الأولى المصير والمآل الذي ستؤول إليه حركته الشريفة ملقيا بذلك الحجة عليهم إذ يقول: "خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة, وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف, وخير لي مصرع أنا لاقيه, كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلا, فيملأن مني اكراشا جوفا واجربة سغبا, لا محيص عن يوم خط بالقلم, رضا الله رضانا أهل البيت, نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين, لن تشذ عن رسول الله لحمته, بل هي مجموعة له في حظيرة القدس, تقر بهم عينه وينجز به وعده, إلا ومن كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا, فاني راحل مصبحا إنشاء الله تعالى". وهذا ما يزيد الإتباع تمسكا بمبدأه لأنهم سيكونون على بصيرة من أمرهم منذ اللحظة الأولى وحتى الاستشهاد كما أن لهذا الأسلوب وقعا أكثر في القلوب وتأثيرا ابلغ في نفوس الإتباع والمريدين سواء ما كان منهم معاصرا لحياته الشريفة, أو ما جاء بعده من الموالين لخطه الاستشهادي, وهذه من أهم مميزات مدرسة أهل البيت (عليه السلام) وبالأخص المنهج الحسيني وهو ما كان مدعاة لخلوده ما بقيت للدنيا أيام تعد, هذه شذرات من المواقف الحسينية وهذا هو نهجه الواعي بكل وضوح, فهل سنكون مؤهلين للاغتراف من هذا المعين الخالد والاقتداء بما جاء في فصول الفكر الحسيني البناء, سؤال لازالت مصاديق الإجابة عليه غير واضحة المعالم في مجتمعاتنا المدعية الالتزام بالدين منهجا وبالحسين رمزا.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !