بل مثقفون ولدوا من رحم المعاناة وعاشوا في خضم الأحداث, وضعوا أيديهم على عورات الأنظمة القائمة ودأبوا على مهاجمة الأوضاع السائدة وتأجيج الروح الثورية وإنزال الجماهير الى ساحات النضال بجرأة وشجاعة, وكانوا السباقين في النزول الى ساحات الوغى حين تصطرع قوى الثورة بقوى النظام في وقت يختفي فيه رجال السياسة من الذين يعدون أنفسهم رموز المعارضة الوطنية ولم يلتحقوا بالجماهير إلا بعد الاطمئنان من نجاح الثورة والقدرة على إزاحة النظام القائم.
إن الحقيقة الواضحة هي إن الثورات الجماهيرية تولد من عزم الشعوب على التخلص من قوى الطغيان ونيل حريتها, وتوق هذه الشعوب الى الحرية يعود الى تأثير الكلمة التي يطلقها المثقفون ضد النظام القائم, ومع هذا فان الواقع يشير الى إن نجاح الثورات يتبعه مصادرة للحقوق ومنح حريات اقل مما كانت عليه في عهد النظام القديم, وهذا يعود الى مكر الفئة المتسلطة التي خطفت الثورة بعد نجاحها وحرمان الجماهير من فجر الحرية الذي كاد أن يشرق, فيما يظل الأشخاص الوحيدون الذين خدعوا من مرارة ما آلت إليه ثورتهم هم المثقفون الذين لم يخدعوا من النظام الجديد فحسب بل حتى من الجماهير التي كانت تستجيب لنداءاتهم وتصطف وراءهم وآمنت بالأهداف ذاتها التي خططوا لها وتحولها الى عبء ثقيل على كاهلهم وفي كيفية إقناعهم مجددا بانحراف الثورة عن مسارها وتخلي نظام الحكم الجديد عن الأهداف والمبادئ التي أطاحت بالنظام القديم, ذلك لقدرة المنظمة السياسية التي صعدت على أكتاف الثوار واستحوذت على السلطة في الغش والخداع والتمويه وخلق عدو وهمي ترعب به الجماهير وتصويره كل من يعترض سبيلها كعميل مندس بين الجماهير لتمجيد النظام القديم وإعادته الى السلطة, ثم العمد الى حرمان الجماهير من ابسط مقومات الحياة وإلقاء تبعات ذلك على المعارضين أو كما أعتيد على تسميتهم بأتباع النظام السابق, فتتكتل الجماهير خلف سراق ثورتها صاغية صاغرة وتبنيها كل شعارات النظام الجديد, الذي خلق وضعا متأزما ينهمك معه بمصادرة المزيد من الحريات وتشريع قوانين ...
http://beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=23192
التعليقات (0)