من يرى ويسمع أصحاب الألقاب العلمية, أو الصفات النقابية "بيعربية", في تجليات تكاد لا تنتهي, مدفوعة أو تطوعية, على الشاشات السورية, والموالية لها: أستاذة جامعيون. تخصص: علوم سياسية, علاقات دولية. قانون دولي. قانون دستوري.. وقوانين ما أنزلت بها العلوم القانونية من سلطان. دكاترة. أكاديميون. وكتاب وإستراتيجيون ومحللون. يا لغنى العرب بعباقرتهم !!!. وزراء سابقون. سفراء عاملون أو متقاعدون. جنرالات, نواب سابقون أو دائمو النيابة. محامون أعضاء اتحاد المحامين العرب, أدباء قومجيون كتاب في اتحاد الكتاب العرب .. دون نسيان الفنانين والنجوم... من سوريين ومن بعض إخوة لنا لبنانيين وأردنيين على وجه الخصوص.
لا ندري بأي حق يتدخل هؤلاء الأخوة العرب المدفوعة لهم أتعابهم, أو المتطوعون لوجه الله وللدفاع عن القضية العربية القومية, للهجوم الشرس على السوريين الثائرين المطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية والدولة الديمقراطية, بمرافعات سب وشتم وردح, وكلما ارتفع مستوى اللقب أو الصفة كلما كان الشتم أقذع والردح ابلغ. يسيئون لأرواح الآلف الشهداء.لا تهمهم في شيء مآسي المعتقلين وعائلاتهم, ولا من يستشهد منهم تحت التعذيب, ولا يلقون بالا لأجهزة القمع وما تفعله بالمواطنين السوريين ليلا نهارا من انتهاك للحريات ومساس بالكرامات, ولا تفشي الفساد, ولا توارث السلطة, ليس فقط في قمتها وإنما كذلك نزولا كاملا ووصولا إلى أسفل سافلها. لا يسمعون الهاتفات المطالبة بالحرية والديمقراطية فهذه صادرة عن سلفيين أو مندسين أو أخوان مسلمين, أو عملاء, للاستعمار والصهيونية, أو أدوات لمؤامرة كونية, وأخيرا غليونيين اسطنبوليين.
لا ندري كيف سمح هؤلاء لأنفسهم التدخل في شؤون دولة ليست دولتهم؟. ألا يتطلب هذا ملاحقة قانونية وتجريم وإدانة ـ في دولة القانون طبعا ـ. أباسم العروبة تدخلهم؟. أباسم المقاومة والممانعة تطفلهم؟. لماذا إذا ما أرادوا أن يكونوا عربا أقحاحا ومقاومين أشداء بالمقاييس السورية, وبمقاييسهم التي يفصلونها للعروبة, لا يشكلون مقاومة وممانعة في بلدانهم وينقلون إليها التجربة السورية, ويتحدون حكامهم إن منعوهم وقمعوهم, ويضحوا من اجل ذلك هناك,عندهم, بالروح وبالدم, موفرين على أنفسهم عناء القدوم إلى بلد هو عبر تاريخه السيد ومعلم معلميهم, قبل أن يخلقوا ويخلق هؤلاء كطحالب على جذع شجرة أصلها في أعماق الأرض وفرعها في السماء منذ قرون؟.
هل هذا من مقتضيات المشاركة في حمل الرسالة الخالدة؟. هل هو واجب الحمل, كتفا لكتف, إلى جانب الحمالين السوريين لها؟. هل لا يريدون حرمان أنفسهم من شرف إيصالها بالنضال, ليس فقط للعرب والأكراد والأرمن والشركس.. للمسلمين, بمختلف طوائفهم, والمسيحيين على مختلف مذاهبهم, ولو باضطهادهم وبقتلهم, وإنما كذلك للعالمين أجمعين, ولو بابتزازهم وبإرهابهم؟. مر أكثر من نصف قرن على انطلاق تلك الرسالة هل أوصل أسلافهم بعضا منها لأي مكان؟. وهل هم قادرون على ما عجز عنه أسلافهم؟. هل يفسر هذا الهوس بعض مهمة التصدي العنيد للمؤامرة الكونية على سوريا؟. و هل في هذا تفسير لطبيعة الممانعة والمقاومة التي وهما أطلقوها, ونفاقا صدقوها؟.
هؤلاء المتصدون لمسيرة التاريخ, من أصحاب الألقاب والصفات, السوريين منهم والمساندين العرب لهم, أساءوا لشعبنا, ولأنفسهم, إساءات لا تغتفر وصلت حد
المشاركة الفعلية في الجريمة, وبتبريرها, والتشجيع عليها قولا وعملا.
هؤلاء سخّفوا ما حملوا من ألقاب وصفات أصبحت سخرية في الشوارع, ويندى لها خجلا جبين الجهات المانحة لها. هؤلاء, الذين يشكلون الجزء المرتبط عضويا ومصلحيا بالأنظمة الشمولية, هم الجزء الأسوأ والأخطر, لأنهم يمسون الجزء ألقيمي والأخلاقي والثقافي في المجتمع.
يبقى أن من حقائق الثورة وقدراتها, قدرتها على تصنيف من سقطوا, وأسقطوا, على رؤوس الأشهاد, ألقابهم عن أنفسهم بأنفس, قدرتها بعفويتها وصدق تقييمها الواقعي للأشياء على خلعها العلني, دون تجن, عن أصحاب الألقاب ألقابهم الزائفة, وعن أصحاب الصفات صفاتهم المزورة, وكشفها كم سعى ويسعى هؤلاء لعرقلة مسيرة التاريخ والتصدي لآمال الشعوب بمساندتهم الطغيان والطغاة. ومنحها لهم اللقب المستحق بجدارة, لقب: شبيح من الدرجة الأولى. مع كل الصفات والمزايا التي يخولها اللقب لحامله.
هايل نصر
التعليقات (0)