مواضيع اليوم

الثورات العربية والنظام السوري

سلام الهدى

2011-05-15 22:17:01

0

  

ان تطور الثورات العربية  يدعونا إلى إعادة الاعتبار للعروبة  كواقع سياسي جامع يدلّ عليه الترابط  في الأحداث الأخيرة الذي اشتمل على مسارات متقاطعة مترابطة، مؤثرة في بعضها البعض ومتأثرة ببعضها البعض ,و مكملة لبعضها البعض في جامعها الجيو- سياسي.

لقد بدأنا نشعر بالعودة إلى التاريخ بعد استقالتنا منه، إلا أن الأهم هو أننا نفعل ذلك مجتمعين. . لقد  بدأ الزمن العربي الراهن بالتشكل والانفتاح ليس فقط على الأزمات، بل على المستقبل، وابتدأ بالانصراف عن الدوائر المغلقة التي حادت بنا عن مسارات التاريخ وحنطتنا في الستينات والثمانينات.

وإذا كان منطق الدولة قد تغلب على منطق السلطة في تونس وفي مصر، فإن ذلك يعود إلى درجة التقدم في التطور الاجتماعي والسياسي (خصوصاً في تونس) الذي سمحت به الدولتان الأكثر انفتاحا من سورية على سياق التطورات العالمية؛ والتي أُثبِتَت فيها تمايزات بين المؤسسات بما يوحي بدور أرقى من التطور الاجتماعي والسياسي. ، وجعلت من السلطات التي حلت محل النظام البائد سلطات منفتحة على تطوراتٍ ليست حدودها واضحة حتى الآن.

ان ممانعة عدد من الأنظمة لن يقف امام تمكين المجتمعات العربية من إعادة بناء ذواتها والتقدم باتجاه التطور بعد ان مرّ العالم بتحوّلات وإمكانيات وظروف جديدة  تعتبر مقدمات الديمومة والتغيير و  التي  لابد أن تؤدّي الا إلى تفجير الاحتقانات التي شاهدناها في الأشهر الأخيرة ..

اما في سورية فان  تأخّر الحركات الاحتجاجية السورية عن غيرها في أقطار عربية أخرى يدل على رهبة كانت للدولة قبل سقوط  حاجز الخوف منذ أسابيع قليلة، كما يدلّ على جوّ من الانعزال والتقوقع على الذات تأتّى عن مسار التخلف والانحسار التاريخي الخلقي والعقلي لسورية الذي قام برعاية الدولة والحزب الحاكم خلال نصف قرن من الزمان.
 إلا أن الأكيد والمقلق أن النظام السياسي في سورية يبدو عاجزا بنيوياً عن تجديد نفسه وعن الإتيان بإصلاحات جديَّة كما انه عاجز عن استعادة الروح على نحو مرض لأصحابه،وقد يبشر بمنازعات قد تطول وقد تستفحل كما حدث في ليبيا.

كما  إنّ سياق العجز وعدم فهم حقيقة التطورالاجتماعي والسياسي الحاصل هو ما يبلور طبيعة فهم السلطة وممارستها في سورية البعث،  بتغليب منطق السلطة على منطق الدولة. ولا يبدو أن هناك حلا يرتجى، أو إنقاذاً لسورية من الخراب، ولا خطوات تحدّ من رفع سقف المطالب التي تزداد راديكالية، دون قرارات جريئة على حساب الأجهزة والحزب الحاكم..

وضع النظام السوري من التغيير

. أما في نظام سوريا البعث، فقد شهدنا في العقود الأخيرة  التغير الشكلي في النظام على صورة سلطة تتخذ موقعا محوريا من السياسة والمجتمع، سلطة مجردة تتخذ لنفسها نظاما مترابط بشكل شبكة من المصالح السلطوية والاقتصادية،  تتخذ من الدولة ومن الحزب الحاكم أداتين لها ولنظامها معاً.
 ان اصحاب هذا النظام يعتبرون انفسهم أسياد الشعب ومالكي البلد بدلا من كونهم ممثلين له. يترتب على ذلك أن الشعب و والمواطنين ما هو إلا طحين اجتماعي جاهزا للرصّ والاستهلاك والابتزاز.

ولذلك  فليس غريبا أن نرى السلطة السورية رافضة اعتبار الأزمة الحالية على أنها أزمة سياسية بل قضية احتجاجات مطلبية ومصالح جزئية خاصة بالمناطق والفئات المختلفة، وقضية أمنية تحتاج إلى معالجة تطاول المواطنين على رؤسائهم وكبرائهم.

 كما انها تعتبر ان المطالبة بالحرية والخبز والكرامة وسيادة القانون وكفاءة الإدارة والكف عن  إرهاب المواطنين وابتزازهم من قبل الأجهزة الأمنية ليس إلا تآمرا على السلطة.

و بعبارات أخرى- نرى السلطة السورية عاجزة عن فهم الآتي :

 لقد تشكّلت في سوريا سبل جديدة وفتحت فيها مبادرات جديدة لمعالجة الشأن العامّ على نحو يعيد للبلد شأن السياسة، بعد أن كانت قطاعات واسعة من الشعب قد اضطرت إلى الانصراف عن الشأن العام إلى الانشغال بتفاصيل الحياة اليومية.

 ولكن النظام يحاول إفراغ الأزمة من طابعها السياسي الأكيد، وجعلها غير ذات أثر على التركيبة الحالية للسلطة ولنظامها،  باستمالة من يعرفون بوجهاء القرى والمدن الذين ليسوا مدعوّين للإقبال على عملية سياسية بين قوى سياسية - إذ هم لا يمثلون أحداً تمثيلاً سياسياً في مجال سياسي عام- بل هم مدعوّون لتقديم التماسات إلى سلطة يمثلها رأسها، رئيس الجمهورية، وعناصرها من ضباط الأمن، في التفاف واضح عن مجال السياسة إلى مجال الاستتباع والصلح العشائري.

 كما يحاول النظام  الالتفاف على الرأي العام الحداثي، والمنظم في بعض مجالاته، ثم نزع الصفة السياسية عنه من قبل اللاعب السياسي الأوحد الذي هو السلطة والتي ترى في الجمهور هلاماً أو أفراداً، ولا تريد أن ترى من عناصر تماسكه، إلا أولياءه : كبار العشائر والأسر..

وبالنظر الى وضع الحكم في سورية فان سورية ليست الان دولة علوية تقام على اساس طائفي فقط,  بل إن سورية دولة وطنية اختزلت إلى سلطة تستتبع شبكة من البيوتات والمصالح، وفي هذه التركيبة أولوية لسوريين ذوي أصول علوية.

حتى انه ليس باستطاعتنا القول إن الطائفة العلوية كطائفة هي الحاكمة. لقد تمصّر علويّو سوريا كغيرهم في العقود الأخيرة، واندمجوا في النسيج المديني إلى حدّ كبير، وتزاوجوا مع الدمشقيين والحلبيين. وإن رأينا أفرادا علويين منتفعين من بنية السلطة بنسب أعلى من غيرهم في بعض المجالات، فإن هذا لا ينسحب على العلويين كعلويين، فإن أفراد الطائفة متباينون اجتماعياً، منهم النمرود ومنهم المسكين.

 ولكن على الرغم من ذلك، فإن الوضع السوري يشكو من تنامي الشعور الطائفي لدى كل الفئات،و القول أن طائفة تحكم يستند إلى مفاهيم عامية لا سند لها قي علم الاجتماع السياسي- ثم إنه لأمر  واضح أن الشبكة الاستتباعية للسلطة لا تقتصر على العلويين بل هي مشتملة أيضاً على سنّة ومسيحيين وغيرهم..

وعلى ذلك، فإذا كان للسلطة السورية استباق ما قد يستفحل، عليها أن تستوعب الطابع السياسي للوضع بدلا من التوجه الى الاعتبار الأهلي. بالاضافة الى إن الانفجارات التي نشهد - على الفقر والتحوّط النسبيين لمحتواها المعلن - لا تدل على أن النعرات الطائفية تشكل إطارها الناظم، بل هي مشددة على وحدة وتنامي الجسم السياسي القادم. ولقد سبق السوريون الموجودون في الشوارع السلطة إلى إعادة الاتصال بالزمنين العربي والعالمي، والذي سيجبر السلطة على الاعتقاد أن التغيير آت لامحالة. اما الإمعان في التخندق وفي استدرار الحلول المستسهلة القائمة على سبل التكتل  الاجتماعي والنفعي بدلاً من سبيل السياسة فما من أمرها إلا أن تحوّل الوسطيين إلى مناوئين، وتحوّل الاختناق إلى تفجّر وإلى مزاج عامي انتقامي متهوّر يرى أن السياسة تُصْنَع من الشارع وليس في مجال السياسة. وفي هذا ما يبعث على القلق البالغ..
إذا كان الوضع السوري على هذا التعقيد، فانه ينبغي التنبّه إلى أمرين أساسيين.

 

 اولا ان الدولة  على علاتها وترهلها واستتباعها للسلطة- تبقى الجامع الأساسي للمواطنة والمواطنين بغض النظر عن الأصول والدم، ومرحلة متقدمة من التطور الحضاري غير قابل للمفاوضة على تدميره او تجاوزه  او الاضرار به.

كماان من يجد في مزاج الديمقراطية نظاما خلاصياً وطلسماً شافياً ومهرجاناً وبهجةً مستديمةً.. فهو مزاج - بدوره- منافٍ للسياسة ومنطوٍ على قدر كبير من النظرة العدمية كما انه من المبكر ان نجد في هدير الجماهير علامة على حتمية خلاص له التمام. أو ان نجد في هبّات وانتفاضات متعددة ومتباينة المكونات والأهداف والظروف "ثورةً عربيةً"،.

ثانيا  الإسلام السياسي و محاولة استغلال الاسلام  

 ان هناك اضطراب وخوف أذكاه الإسلام السياسي بوصفه فزّاعة حملتها الأنظمة العربية. كما أن التخوف ليس مقتصراً على القوى الأجنبية، بل هو متوطن لدى الشعوب ايضا .

 إن تمدد الإسلام السياسي والتدين اليومي لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية - ركوباً على موجات الانتفاضات التي تمت، قد يؤدي الى انسداد الآفاق السياسية الذي ترتجي الثورة الوصول إليه..
وأخيراً، علينا التنبه إلى أن الحرية ليست قيمة مجردة وليست هي فوضى وتَنَادي الأصوات المتعددة البهيجة التعدّد، ولا قيمة تاريخية لها في هذا الظرف بالذات إلا اذا فهمت على انها التطلع نحو التقدم والترقي ونحو دولة مدنية واسعة الاطياف.

 أما إذا فهمت على أنها الفرصة لاستصلاح مهملات التاريخ ، فإنها لا تعدو أن تصبح إلا المكمل للخروج عن التاريخ الذي رعته السلطات،   ان التطور في سوريا  يجب أن يستقر على بدايات عملية سياسية جديّة، تعيد الاعتبار للجسم السياسي للسوريين، بدلاً من أن يفضي إلى تفجّرٍ أو إلى هدوءٍ طاغٍ يمهد لخرابٍ مؤجلٍ، كما إن هذا التطور  سيكون وضعاً يسمح ببروز اسياد ورجال دولةٍ وقادةٍ من عيارٍ محترم للاجتياز بالبلد إلى السلامة استناداً إلى تبصر المصلحة الوطنية العامة بدلاً من الانغلاق على اللحظة الراهنة بمكونيها الأساسيين  الاعتبارات الآنية للسلطة من جهة، والوعي المطلوب لمتطلبات الحقبة القادمة.

 وفي جميع الأحوال، فإن القيادة من هذا العيار ستكون قيادة من الأمام: أما القيادة من الخلف أي الارتهان لما هو راهن من مزاج السلطة أو مزاج الجمهور، فإنه لن يؤدي إلا إلى طريقٍ مسدودٍ يؤدي الى الانقسامات وغياب الدولة الحضارية التي ننشدها منذ اكثر من ستين عاما. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !