مواضيع اليوم

الثقة بالنفس قبل الثقة بالآخرين

nasser damaj

2010-04-30 11:15:32

0

الثقة بالنفس قبل الثقة بالآخرين

خليل الفزيع

تتأسس الثقة بالنفس نتيجة تجربة علمية وحياتية واسعة، فتحت أمام صاحبها أبواب المعرفة بالنفس والناس، ووضعت كلا في مكانه الصحيح في إطار لا يعتمد على مجرد التوقعات الافتراضية للأمور، ولكنه يعتمد على القناعة الذاتية المبنية على تلك التجربة، بصرف النظر عن قبول أو رفض الناس لها، لأن رضا الناس غاية لا تدرك، مهما بلغ الكمال في أي سلوك حيالهم، فالناس لهم مشاربهم وميولهم وقناعاتهم الذاتية التي يصعب إرضاؤها أو السيطرة عليها.
ثمة فارق بين الثقة بالنفس والغرور، فالثقة بالنفس لا تخشى مواقف الآخرين ولا تتهيب الحوار معهم، أما الغرور فهو يدفع بصاحبه إلى دائرة الانغلاق الضيقة التي تقصي أي رأي آخر تحت ضغط اعتبارات الخوف من الاعتراف بالعجز الذي يغلفة الغرور، وغالبا ما ينتاب المغرور شعور بالهزيمة أمام مواقف الآخرين الذين يختلفون معه، لاعتقاده بأنه الوحيد على صواب والجميع على خطأ، وهذه النظرة تقود إلى الغطرسة والتسلط، وهي صفات تؤدي بأصحابها في اغلب الأحيان إلى طريق مسدود، ربما كانت فيه نهايتهم المحتومة، سواء كانوا أفرادا عاديين، أو مسئولين في إدارات معينة، أو حتى زعماء دول، دفعهم الغرور وتضخم الذات إلى جر شعوبهم لكثير من المآسي والويلات المؤسفة، وقذفت بهم في أتون الفتن أو الحروب.
لكن ما هي علاقة الثقة بالنفس بالثقة بالآخرين؟
اعتقد أن العلاقة وثيقة، تتجسد في أن الثقة بالنفس تشكل لصاحبها سدا منيعا لا يخشى معه تسرب اليأس أو الخوف أو الشك بالآخرين، بالنسبة للواثق من نفسه ومن مواقفه، لأنه يقف على أرض صلبة، فلا تهزه رياح الاختلاف مهما بلغت شدتها وهيجانها، ولديه القابلية لامتصاص الاختلاف والتعامل معه بدرجة عالية من الوعي، وحتى لو اضطر للتنازل عن رأي أو موقف ما، إذا اقتنع برأي أو موقف الآخر، وهو تنازل الواثق الساعي إلى الاستفادة من الآخر وليس التصادم معه، وهذا هو المعنى الحقيقي للحوار المتكافئ مع الآخر، اعتمادا على الثقة بالنفس ووصولا إلى الثقة بالآخر، ومن الحكمة أن نثق بالآخرين حتى يثبت العكس، لا أن نشك بالآخرين حتى يثبت العكس، والحياة فيها من المنغصات ما لا يحتمل المزيد، وعندما نفترض سوء النية بالآخرين، فإننا بذلك نحيل الحياة إلى جحيم، فعذاب الشك لا يطاق تحت أي ظروف، بينما تبسم الحياة بالثقة والاطمئنان والانسجام مع الذات ومع الآخر، إلى أن يثبت بالدليل القاطع أن من نثق بهم غير مؤهلين لهذه الثقة، ولقائل أن يقول: لماذا لا نحسم الأمور من بدايتها، فنقطع العلاقة لمجرد الشك، وأقول إننا في هذه الحالة نحيد معاني جميلة في العلاقات الإنسانية، هي الثقة والاطمئنان والرضا، وربما فقدنا بذلك أناسا جديرين أن يكونوا لنا اخوانا وعونا على الحياة، فلا تجمل الحياة إلا بهم ومعهم.
وهكذا تكون العلاقة بالآخرين مبنية على الثقة أولا واخيرا، وهي ثقة يسودها الاطمئنان، وتحكمها المعرفة، وتتحكم في مسارها المصالح والأهداف المشتركة، القائمة على قيم اجتماعية وثقافية وحضارية تتجاوز الخلافات دون أن تلغي الاختلافات التي تسعى للوصول إلى جوهر الأشياء، لذلك فإن القاعدة الذهبية في نجاح العلاقة مع الآخر تتجسد في الشعار القائل: نعم للاختلاف ولا للخلاف، فالاختلاف قد يؤدي إلى الاتفاق، لكن الخلاف لا يؤدي إلا إلى العداوة والقطيعة والتناحر.





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات