مواضيع اليوم

الثقافة.. ورياح السياسة الهوجاء

nasser damaj

2010-05-28 06:50:52

0

الثقافة.. ورياح السياسة الهوجاء 
خليل الفزيع 

تثار بين آونة وأخرى مسألة العلاقة بين الثقافة والسياسة، وتأثير أحدهما على الآخر، وفي هذا الإطار كثيرا ما تتهم السياسة بأنها ذات تأثيرات سلبية على الثقافة، فما مدى صحة هذا الرأي، وإلى أي حد يكون هذا التأثير السلبي من السياسة على الثقافة؟.
بادئ ذي بدء لابد من التسليم بأن الثقافة والسياسة هما وجهان لعملة واحدة، فهما نتاج الواقع الذي تعيشه الأمة في ازدهارها أو تخلفها، في قوتها أو ضعفها، في نشاطها أو خمولها، والثقافة غالبا ما تكون محرضا للسياسة لتجاوز محنتها وتغيير مسارها ودفعها إلى صنع واقع أفضل لجماهيرها، وكثرا ما أشاد السياسيون بجهود بعض المثقفين ومنحوهم التكريم العالي، ومنهم من أعلن تأثره بهذا أو ذاك من المثقفين الرواد الذين وضعوا أسس حضارة بلدانهم ومهدوا لانعتاقها من ربقة الاستعمار والعبودية، ومن السياسيين من وضعوا أسس تطوير الثقافة في بلدانهم، وعملوا على نموها وازدهارها في جميع المجالات الأدبية والفنية والفكرية، لأنهم يملكون حسا ثقافيا ربما كان أكثر صدقا من بعض المثقفين أنفسهم.
مع كل ذلك لابد من الاعتراف أن للسياسة سطوتها على الثقافة، وللسياسيين نفوذهم على المثقفين، وخاصة في ظل الأنظمة العسكرية القمعية التي لا تريد لأي صوت غير صوتها أن يرتفع، وقد ذهب ضحية مثل هذه الأساليب القمعية عدد من المثقفين الذين وقعوا في قبضة سلطة غاشمة، أو هربوا من جحيمها إلى جحيم المنافي البعيدة، وقد يتدخل السياسي في الثقافي بكل ما يملك من إغراءات أو ما يمكنه من تهديدات، محاولا ابتزازه وجره إلى عالمه المشوه والمشبوه، ليصبح ناطقا باسمه ومؤيدا له، وقد يقع في هذا الفخ أصحاب الثقافات الهزيلة، لكن أصحاب الثقافات الأصلية يقفون من هذا الأمر موقفا صلبا دون أن يستطيع كائن من كان أن يشتري ذممهم، ويسخر أقلامهم لخدمته، أو أن يدفعهم للانحراف عن مبادئهم، التي قد يتعرضون بسببها للمضايقة والتهميش، ولا يتنازلون عن معتقداتهم وآرائهم وقناعاتهم الذاتية.
وليس من مهمة المثقف أن يناصب السياسي العداء لمجرد أنه سياسي، فهو أولا وأخيرا صاحب القرار فيما يتعلق بالثقافة أو غيرها، وما لم يكن هذا السياسي مناهضا لأي مشروع نهضوي، ولا معارضا لأي هدف تنويري، ولا معاديا للثقافة والمثقفين لمجرد الشعور بأنهم عبء عليه وعلى سياسته، فليس هناك في هذه الحالة ما يدعو للوقوف موقفا عدائيا ضد السياسي، قال أحد الظرفاء: لماذا نعادي السياسيين، ومن السياسيين من طابت لهم الثقافة وأدلوا بدلوهم في بعض مجالاتها، وكلنا نعرف قصة الزعيم العربي الجماهيري الذي كتب مجموعة قصصية أخذ اسمها من الأرض والقرية، وذلك الزعيم الذي فارق الحياة بشكل مأساوي والذي كتب رواية وقيل روايتين!.
وفي ظل الفضائيات والإنترنت لم تعد للسياسي سلطته التقليدية في المنع والمصادرة للثقافة الحرة الأصيلة، لأن هذه الثقافة أصبح بإمكانها اختراق كل الحواجز الرسمية لتصل إلى الراغبين فيها بأبسط الوسائل، وفي أسرع الأوقات، ولم يعد للسياسي حول ولا قوة يمكنه بهما ملاحقة الثقافي أو النيل منه كما كان الحال في السابق، لكنه حتما لا يعدم الحيلة للإضرار بالمثقف بطريقة أو بأخرى قاسية وموجعة، ومع ذلك يمكن القول: إن الثقافة لم تعترف في يوم من الأيام بالحدود أو السدود، وفي ذروة الخلافات السياسية بين دولة وأخرى، تظل الثقافة هي مظلة الجماهير التي تحميهم من رياح العواصف السياسية الهوجاء.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات