مواضيع اليوم

الثقافة.. الوجه المشرق للحضارة

nasser damaj

2010-12-26 22:38:50

0

الثقافة.. الوجه المشرق للحضارة 
خليل الفزيع 

 

إذا أردت أن تعرف حضارة شعب.. فعليك أن تطلع على ثقافته، فهي المقياس الحقيقي لما وصل إليه ذلك الشعب من تقدم، وما أسهم به من جهد في التراكم الحضاري على مر التاريخ، وما أكثر الحضارات التي سادت ثم بادت، وما أكثر الحضارات التي لم يحمل لنا التاريخ من عبق أمجادها إلا ما أبدعه أدباؤها وفنانوها وفلاسفتها وأهازيج رعاتها وصناعاتها وحرفها اليدوية وآثارها الخالدة، مما أظهرته الحفريات، وما تناقلته الأجيال عبر تاريخ البشرية الطويل، من ألوان ثقافية اختلفت ألوانها وأشكالها باختلاف المناطق والبيئات التي تنتمي إليها، ولولا هذا التراث الإنساني الضخم، المتمثل في الآثار التي تزخربها المتاحف الكبرى في العالم، والمخطوطات الضخمة التي نقلت من لغات لم تعد حية، وترجمت لتحتفظ بها المكتبات العامة في المدن الكبرى، ولولا ما حفظته ذاكرة المخيال الشعبي لدى مختلف الأمم، لولا ذلك كله.. لما كان لتلك الحضارات أي أثر يذكر، فالثقافة ليست وعاء الحضارة فقط، بل هي إلى جانب ذلك سجلها الخالد، والناطق باسمها عبر الحقب والعصور، فلا عجب أن تكون الثقافة هي الوجه المشرق للحضارة، وبسبب أساطين الفكر وعباقرة التاريخ.. عرفنا الحضارة اليونانية والرومانية والبابلية والفرعونية، وغيرها من الحضارات، فقد ترك لنا فلاسفة ومؤرخو وفنانو تلك الأمم، آثارا تدل على حضارات البلدان التي ينتمون إليها، وما وصلت إليه تلك الحضارات من ازدهار، في عصور التاريخ المبكرة، وعن أمتنا العربية نقل الشعراء والمؤرخون ملامح من حياة وتاريخ ووقائع ومواقع لم نكن لنعرفها لولا أولئك الشعراء والمؤرخون.
هذه الإشارات تقودنا إلى طرح إشكاليات الثقافة في الوطن العربي، وهي إشكاليات تقل وتزيد حدتها تبعا لوعي المسئولين عن التنمية الثقافية، وإدراكهم لأهمية الثقافة ودورها الريادي في حركة التنمية الشاملة والإصلاح العام، فهي مرآة لكل تقدم، ورائدة لكل إصلاح ومستشرفة لكل ما قد يحمله المستقبل للأجيال القادمة، ويمكن اعتبارها أيضا ذات إسهام مباشر في معالجة أمراض المجتمع وعيوبه، من خلال ما تطرحة من أفكار بناءة ونقد هادف لتلك الأمراض والعيوب، ولعل إدارك الأهمية الكبرى للثقافة يشكل خطوة صحيحة في طريق الإصلاح، فالمثقف رائد في مجتمعه، وهذ الريادة من شروطها الإحساس العالي بدور الإصلاح في الأستقرار الأمني والسياسي للمجتمع والوطن، وترجمة هذا الأحساس بالأفكار البناءة، والآراء السديدة، ومن حق المثقف وتقديرا لدوره، يفترض ان تتيح له الدولة فضاء واسعا من حرية الرأي، وضمانا واثقا من كرامة العيش، وثقة كبيرة بينه وبين المسئول، وحوافز متعددة لمواصلة العطاء الثقافي، فكرا مستنيرا وإبداعا رائعا، وفق استحقاق وطني يضمن للجميع حقوقهم بقدر ما عليهم من الواجبات.
والتقتير على النشاط الثقافي العام، وهو تقتير على الحضارة في مجملها، وشرخ في جدار النهضة لا يمكن تلافيه، ومن يحرصون على نقل صورة مشرفة لنهضة بلادهم، لن يجدوا ما هو أكثر فاعلية وبقاء.. من الثقافة لنقل تلك الصورة المشرفة، فلا الإعلام الموجه، ولا الشعارات البراقة، ولا الأيديولوجيات المسيسة، ولا الدعايات المفضوحة، ولا الإعلانات المزيفة، يمكن أن تقنع الآخر البعيد عن معرفة شواهد النهضة، وربما زالت هذه الشواهد قبل أن يعرفها ذلك الآخر البعيد، لكن الثقافة بما تملكه من مقومات البقاء، هي القادرة على أن تكون شهدة عصرها، وأن يبلغ صوتها بعيد في عمق الأزمنة والأمكنة، لذلك يمكن القول وبثقة تامة، إن الثقافة هي الوجه الحقيقي والمشرق للحضارات الأمم والشعوب.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات