اين يجب علينا ان نضع الثقافة التي تتصادم مفردات منها مع قيم ومتبنيات اخرى تتراصف في نفس تلك المنظومة او تتجاور معها على اقل الاحتمالات؟..وما الذي تكشف عنه مقاطعة جزء من الثقافة الواحدة لجزء آخر منها؟ وما الذي نستشفه عن تغاضي استخدام ثيمة منها لتبرير الزيف والتحريف في جزء مختلف والتبشير بالجزء الآخر-او قديكون نفسه- كمبرر لاصطناع الصواب في قيمة تنتمي الى نفس الثقافة..
هل نحن إزاء ثقافة تمر بذات الطور الذي مرت به العملية السياسية من تطييف ومحاصصة وتشظية؟وهل سنقسر بعد اليوم على التنظير لاوجه متعددة للثقافة الواحدة؟وهل نتحدث عن وجوه كثيرة لها تصطبغ بتلونات السلطة ومزاجاتها؟وعن فكر متعدد ناتج أو خارج على الفكر الواحد؟وازاء مثل هذا الواقع الشائك,كيف يتسنى لتلك الثقافة أن تتحدث عن تبنيها قيم الحوار وتقبل الآخر فيما هي عاجزة عن مناجاة نفسها ومكاشفة ذاتها ومريديها؟
بعض المثقفين يختزل بنصوصه الكثير من الزمن التي تحتاجه السلطة في عملية هيمنتها على نتاجه,من خلال الخطاب المفسر المستبق لارادة القوة والمال,او النص المنافق المداهن المشيح عن وجه الانسان وآلامه معلنا-بمواربة اقرب الى التصريح-عن استعداده للتحول الى واجهة تذود عن مساوئ اولي النعمة ولسان يجالد به من يرفع سبابته في وجه مناورات السلطة وتفلتاتها..
ان المثقف يغامر بكامل منظومته الفكرية عندما يزاول ممارسة اكل لحم الوطن حيا من خلال الكتابة المعلية للتقاطعات المنقبة عن المتشابه من القول لاستنباط ما يفرق فيه بين المرء واخيه ابتغاء الفتنة ووجه الاستدرار المذل للمنافع والعطايا.
كثير من الفعل الثقافي ما يمكن ان نعده كفعل تخريبي,وممارسة نكوص واركاس للمجتمع تجاه التجزؤ الى متناهيات بعيدة وبلا ضفاف,وكثير من المثقفين من يوازنون نصوصهم ككرات الحاوي على حبل السلطة المعلق ما بين السخط والرضا,متكئين عليها لتمرير-او تبرير- مشروعات بعضها تم تبنيه من قبل بعض أجنحة السلطة،او من قبل معارضيها,او من قبل ما يحسب لها او عليها, او ما يدور في فلكها او من يستظل بفيئها،دون التحسس من وقع مؤسف لهذا النص او ذاك القول في ذاكرة الامة وكرامة ابنائها,ودون الترفع عن ممارسة تهيل الكدر المج على عذب الوطن الجريح.
كل كتابة لا تنحى نحو الاصلاح فهي تخريب,وكل نص لا يدعو لتعزيز الوحدة الوطنية فهو كتابة محرضة,وكل مثقف لا يجعل من كلمة الوطن والانسان هي العليا فهو داعية الى الالغاء وتنمية روح الاقتلاع، وإذكاء نيران الفتن.
لا ثقافة دون ممارسة الانتماء الى ضمير الارض ومن عليها,ولا ابداع لمن يستهدف بيضة الديمقراطية في نصوصه المسفوحة كماء الوجه المهان في طرقات السلطة,ولا دعوة لأرجاء او تغييب للحريات دون التورط بالتواطؤ مع قوى الإظلام والتعتيم ومحاولة لجر المجتمع الى هاوية الاندثار..والمثقف يبرأ بذمته من دم الوطن من خلال الدعوة الى الحوار,ويمارس حريته من خلال موقفه من الثقافة الجامعة التي تلقن الشعب ابجدية الحب والانفتاح وتجد قوتها في تعددها وحريتها..ودون تلك الحرية فلا حبا للثقافة ولا كرامة..ولا حياة..فبالحرية يحيا الفكر ويستدل بها على عافيته,وبها يكون الفارق بين نماء وعفن ملقى على الارصفة,وبها تكون الثقافة ممارسة حياة او محض تخريب..
التعليقات (0)