مواضيع اليوم

الثقافة للجماهير.. أم للنخبة؟

nasser damaj

2010-01-11 06:08:24

0

الثقافة للجماهير.. أم للنخبة؟
بقلم: خليل الفزيع

ظهر مصطلح "الثقافة الجماهيرية" في الثقافة العربية مع بداية المد القومي العربي في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي، وهو مصطلح يعني إطلاق الثقافة من قمقمها وبرجها العاجي لتتنفس هواء الحرية، وتنقل للجماهير نبض الجماهير ومعاناتهم من الإقطاع وخضوع بلادهم للاحتلال الأجنبي، وفي ظل هذه الأجواء برز الشعر الشعبي وتضافر مع الشعر الفصيح للتعبير عن يقظة الشعوب العربية بعد سنوات القهر والاستعمار أو الاستدمار كما يسمى في المغرب العربي، وثمة وجه آخر للثقافة الجماهيرية هو وصول المنتج الثقافي للجماهير بأقل التكاليف وأسهل الطرق ليكون في متناول الجميع. لكن هل ظلت الثقافة الجماهيرية هدفا تشجعه السلطة كما كان في السابق، أم تراجع لتعود للثقافة النخبوية سطوتها في السيطرة على المشهد الثقافي العربي؟.
القراءة المتأنية لواقع الثقافة العربية تقول أن الثقافة النخبوية والثقافة الجماهيرية لم تعد بينهما تلك الحواجز والحدود الواضحة بعد أن أصبحت الثقافة هما عاما تشترك في صنعه وتلقيه النخبة والعامة، وبعد أن ذابت أو كادت تلك الحواجز الطبقية الحادة التي كان تقسم الشعوب إلى أسياد وتابعين، وأصبحت حرية الفرد مطلبا إنسانيا للجميع، لا فضل فيه لأحد على أحد، كما أصبحت وسائل الاتصال الحديثة عاملا حاسما في كسر حواجز العزلة بين مختلف الطبقات، بل وبين مختلف الشعوب، فالمعرفة المتاحة للجميع ذوبت جبال الجليد التي كانت تتراكم بين الأغنياء والفقراء من حيث التحصيل المعرفي الذي أصبح متاحا لكل من يريد.
وفي غياب العزلة الثقافية التي كانت سائدة بين النخبة والعامة، أصبحت الثقافة ذاتها وسيلة اتصال بين كل الأطراف، تستمد منهم مادتها وتتوجه إليهم في تعاطيها مع الواقع، فهي في حالتي الإنتاج والتلقي لا تفرق بين أحد دون سواه، بعد أن خرجت إلى الهواء النقي وأصبحت أحد عناصره التي يتنفسها الإنسان ليل نهار، ولا يمكن تصور إنسان في هذا العصر دون ثقافة عامة أو ثقافة متخصصة، وفي الحالتين يختلف مستوى هذه الثقافة من فرد إلى آخر، وهي تدخل ضمن قائمة المواصفات الخاصة بكل إنسان، وفقدها يعني فقد الكثير من مقومات الحياة وشروطها.
وعلينا الاعتراف بأن الثقافة لم تكن في يوم من الأيام بمعزل عن الجماهير، لأنها تتكئ عليهم في إنتاجها الإبداعي، وأعظم الأعمال الإبداعية استمدت مادتها من قاع المدينة والقرية.. ومن أوساط الأحياء الفقيرة، حيث المشاعر الإنسانية في قمة عفويتها وانصهارها، والناس في سفح انسحاقها تحت وطأة الفقر والجهل والحرمان من أبسط الحقوق، ثم إن الثقافة تتوجه للجماهير للإسهام في حمايتهم من الشرور والأخطاء الفادحة، وهذا يعني اشتراك كل الأطراف في تفعيل الثقافة في حالتي العطاء والتلقي.
وإذا سلمنا بأن الثقافة أصبحت مطلبا جماهيريا بعد أن كانت مطلبا نخبويا، فإن هذا يضعنا أمام إشكالية العزلة الناجمة عن محاولة بعض حراس الثقافة فرض العزلة عليها، لتكون بمنأى عن نبض الجماهير، وبهذا يتحقق لحراس الثقافة أولئك.. استمرار وصايتهم عليها، وتسخيرها لأغراض معينة، ليصح المثقفون بوقا يسبح بحمدهم، وأداة يمكن استخدامها لهذا الغرض أو ذلك، وهذا ما يظهر جليا في محاولة تسييس الثقافة وربطها بالسلطة، بالشكل الذي يخدم تلك السلطة، حتى وإن لم يخدم الثقافة ذاتها.
لم يعد من المجدي أن نتحدث عن الثقافة الجماهيرية أو النخبوية، فالأمر أصبح من الجميع وإليهم، لأن الثقافة من الحياة وإليها، وعزلها عن الحياة أي عن الجماهير.. أمر لا يمكن تصوره بأي حال من الأحوال.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات