الثقافة المؤسساتية.. وطريق الإصلاح
بقلم: خليل الفزيع
يشكك بعض المثقفين في قدرة الثقافة على الإصلاح إذا كانت تحت إشراف النظام المؤسساتي، سواء كان هذا النظام تابعا للدولة، أو لمؤسسات المجتمع المدني التي ليست في النهاية بمنأى عن إشراف الدولة، بل هي خاضعة لأنظمتها، ومتأثرة بسياستها العامة، فهل لهذا التشكيك أسبابه أو مبرراته، وهل هو محصلة طبيعية للممارسات التي يتعامل بها النظام مع الثقافة؟.
لابد أن نسلم في البداية بأن أي عمل له شروطه وقواعده وتنظيماته التي تحكم مساره، وتحدد أهدافه وغاياته، والثقافة ليست استثناء في هذا الأمر، لكنها دون غيرها تحتاج إلى جانب ذلك، فضاءات واسعة من حرية الممارسة التي ربما لا يضمنها أي تنظيم مؤسساتي بالشكل الذي تحتاجه بل تفرضه الثقافة للوصول إلى الإصلاح المنشود، وفي غير هذه الفضاءات لا يمكنها الإسهام في أي عملية إصلاحية، فالإصلاح وان كان يحتاج إلى العمل في أجواء الانسجام والتعاون، لكنه أيضا يحتاج إلى شيء من الاختلاف في تعدد الرؤى والأساليب لإثراء العملية الإصلاحية بروافد جديدة يتم الاتفاق عليها في النهاية ما دامت تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة.
والنظام غالبا ما يصاغ وينفذ في الأجواء البيروقراطية المرتبطة بإجراءات ذات إيقاع بطئ يحد من الديناميكية التي لابد أن تتوافر في التعاطي مع العمل الثقافي، وتلك الإجراءات وهي تنظيمية إدارية ، غالبا ما تؤدي إلى فشل بعض المشاريع الثقافية الكبرى التي يستلزم تنفيذها اختراق تلك التنظيمات الإدارية، وهو أمر غير متاح في ظل أي نظام مؤسساتي مهما بلغت درجة تطوره، أو مهما حاول استيعاب المشكلات التي تعترض سبيل العمل الثقافي والسعي لتجاوزها، لأن ذلك كله سيخضع في النهاية لسطوة التنظيم الإداري وآليته التي يرى بعض المثقفين عدم قدرتها على الاستجابة لمتطلبات العمل الثقافي.
الإشكالية التي لا يمكن تجاهلها هي أن أي عمل مهما كان نوعه وغاياته وأهدافه لابد أن يخضع للتنظيم لضمان مساره في الاتجاه الصحيح، ولتجاوز هذه الإشكالية على المستوى الثقافي أو أي مستوى آخر، لابد من أمرين أولهما: أن يستمد هذا التنظيم من طبيعة العمل نفسه خاصة العمل الثقافي لحساسيته المفرطة في التعامل مع معطيات الواقع، ولينسجم مع غايات وأهداف ذلك العمل الثقافي، أي أن تستنبط أسس هذا التنظيم من الأسئلة التي تفرضها تلك الغايات والأهداف الثقافية، دون الارتباط بالتابو الإداري وإجراءاته المعقدة التي يصر بعض المشرفين على المؤسسات الثقافية أنها مقدسة ولا يجوز المساس بها حفاظا على النظام.
وثانيهما: أن يشرف المثقفون أنفسهم على تنفيذ ذلك التنظيم، لأن إسناد تنفيذه لغيرهم من عباقرة الإدارة لن يحقق أهدافه وفق أسس العمل الثقافي، بل وفق أسس العمل الإداري، ولا فرق في الحالتين إذا تولى المثقفون تنفيذ ذلك التنظيم في إطار العمل الإداري نفسه ولكن بشيء من المرونة والإدراك الأعمق لمسئولية الإسهام في الإصلاح المنشود.
المثقفون ربما لا يملكون القدرة على الإصلاح المباشر، فليسوا هم أصحاب القرار، لكنهم حتما يملكون وجهات نظر قادرة ـ حين الأخذ بها ـ على الإسهام في تصحيح مسار الإصلاح، مع أنهم في الأساس ليسوا بمعزل عن الواقع الذي يعيشه المجتمع، وما يعنيه ذلك من مسئولية المشاركة في الإصلاح، والإسهام في دفع عجلته إلى الأمام، لكن وجودهم في موقع التنفيذ للمشاريع الثقافية سيتيح لهم الوصول إلى أصحاب القرار مباشرة، لعرض وجهات نظرهم حول كثير من الأمور ذات العلاقة بالإصلاح، وبذلك يمكن تجاوز أي بادرة للتشكيك في قدرة الثقافة المؤسساتية على الإسهام في العملية الإصلاحية التي هي أولا وأخيرا مسئولية مشتركة بين الجميع.
التعليقات (0)