الثروة سبيل للنهضة أم للتراجع ؟

 يصف الكتاب وكثير من السياسيين العرب أن الأمة تمر بمرحلة عصيبة, لم تمر بمثلها من قبل. لماذا هذه المرحلة عصيبة, ولماذا لم تمر الأمة بمثل هذه الظروف من قبل ؟

من المؤكد أن الأمم التي نهضت ومنها امتنا العربية قد امتلكت عدة مقومات منها:

1 . الوعي والثقافة , من المؤكد أن الإنسان العربي ألان أكثر وعيا وأكثر ثقافة من قبل , أي أكثر وأفضل ثقافة وأعلى درجة في هذا المجال , وهذا عنصر ايجابي في حياة الأمة , وهي من الصفات الأساسية التي ينبغي أن تتوفر في الإنسان لكي يصبح مهيئا لقيادة المحيط من حوله .

 2 . وأبناء الأمة اليوم أكثر معرفة بالعلم واقدر على التعامل معه, لان أي شعب يريد أبناؤه المتميزون أن يلعبوا دورا قياديا في عملية النهوض لابد أن يتعاملوا مع الحياة بصيغ متطورة, وان تتوفر لديهم شروط نهوض المرحلة بمعناها القيادي. ولكي يكون الإنسان قياديا ينبغي أن يكون مثقفا ثقافة شمولية في الحياة, وواعيا يدرك على نحو متميز طريق التعامل بالعلم واستخدامه استخداما صحيحا لرفع مستوى حياة الإنسان. 

وإدراك نقاط الاقتراب من العلم والتعامل الصحيح مع الجوانب العلمية والتقنية في الحياة هو الطريق الصحيحة باتجاه النهضة والتقدم, لان العلم والتقنية هما سمة من السمات المركزية لنهوض الأمم في العصر الحاضر, وكذلك من عوامل التحول الأساسية فيه.

3 . العنصر الثالث المهم هو الثروة ونعني بالثروة مجموع ما تمتلكه الأمة من ثروات مادية في باطن الأرض وفوقها. والأمة العربية تملك من هذه الثروات الكثير, بحيث تكالبت الأمم الأخرى على الأمة العربية من اجل الاستحواذ على هذه الثروات بالقوة أو بالتدخل والتسلل.

إن كل عنصر من هذه العناصر التي تشكل أهم مصادر القوة لأي امة أو أي شعب , يمكن أن يتحول بالاستخدام والتصرف المنحرف إلى سلاح ضد من يملك هذه المقومات , أي فبدلا من أن يتم استخدامها بالشكل الصحيح  , وتكون وسيلة للرقي والتقدم تصبح عبئا على الأمة وتجلب لها الويلات . فالثروة تكون عنصرا سلبيا عندما تستخدم بانحراف , كذلك يكون العلم والتقنية عنصرا سلبيا عندما يتم استخدامهما استخداما يضر بمصالح الأمة , كما أن الإعلام والثقافة يثبطان الهمم ويزرعان اليأس عندما يسيران باتجاه منحرف , وكثيرا ما يحصل التراجع والانهيار تحت غطاء العقلانية اليمينية .

أما استخدام الثروة في طرق منحرفة فإنها تخرب الذمم وتفسد القيم والتقاليد, ويحصل تباعد بين أبناء الأمة, ويقود هذا الانحراف إلى تقسيم الأمة إلى طبقات, وتقسيم الأقطار بين غني وفقير . أي هناك قطر يشكل شعبه طبقة فقيرة ومسحوقة , وقطر ينظر إليه من قبل الأول بأنه الطبقة المرفهة بواسطة الثروة , لان هذه الثروة لم توضع في خدمة الأمة , ولم تضع أبناء الأمة على خط واحد .

وهذا الوصف لا يعني التساوي المطلق أو التساوي الهندسي , بل هو أن تكون ثروة الأمة في خدمة الحاجة الإنسانية العامة لأبناء الأمة , وعنصرا أساسيا من عناصر تقوية التفاعل والروح القومية بين أبنائها , وليس عنصرا للتنافر والحسد والبغضاء , لان النظرة المنحرفة للثروة تعكس حالة من حالات الانحراف بنظرة قطرية لدى الطرفين , الفقير والغني , المحروم يحسد ويحقد , وينفصل نفسيا وفكريا وعمليا عن الغني المتخم , وبالمقابل يتشبث الغني بالثروة ويبتعد عن الاتصال بالمحروم وينزوي بإطار من النظرة القطرية القاتلة خشية على ثروته .

الثروة عالميا وإنسانيا ومنذ القديم , عنصر أساسي في النهضة والبناء , وبدونها ليس بإمكان أية امة فقيرة أن تبني نهضة استثنائية , وان يكون لها دور متميز في الحضارة بمقاييسها الإنسانية  .

وفي ضوء هذه النظرة كان العرب دائما يلعبون دورا متميزا على مستوى المقاييس الروحية والمعنوية داخل الأمة وعلى المستوى الإنساني. لقد تميز العرب بهذا الدور عندما امتلكوا الثروة بكل عناصرها المتحررة الحية والإنسانية, وبها انطلقوا من الجزيرة العربية وحصل البناء الحضاري عندما اتسعت دولة العرب وزادت ثروتهم وبهذه الثروة بنوا الدولة في الأندلس وتركوا فيها حضارة واضحة المعاني الإنسانية. فالثروة عنصر مهم للأمم التي تريد أن تنهض سواء بدورها القومي المباشر أو بالنظرة الإنسانية الواسعة.

إن الثروة أساس في تنمية العلم والوعي والثقافة وتوفير أساسيات الحياة لأبناء الأمة , ولكن أغنياء العرب لم يستخدموا ثرواتهم في تنمية العناصر الثلاثة الأنف ذكرها ,بل استخدموها بشكل منحرف جلب الأذى على العرب وتم وصفهم بصفات متخلفة لا ترقى بمستوى الأمة العربية الذي تستحقه .

ثروة العرب جلبت النقمة عليهم ,وأصبحت ارض العرب ساحة للحرب والقتال , وغاب الاستثمار الأمثل لهذه الثروة , بالذات في مجال الاستثمار الاقتصادي في حقول الزراعة والصناعة والخدمات التي تجلب السعادة لأبناء الأمة .