إنّ المشروع الإيراني في المنطقة العربية والذي يتبناه الحرس والجنرالات الثورية في إيران والمؤسسة الدينية التي تدين بالولاء المطلق للمرشد على خامنئي كان ولا يزال يستغل استغلالاً بشعاً للقضية الفلسطينية لبسط هيمنته على العالم العربي لأنّ هذا التيار يدرك جيداً أنه لا يمكن أن يكتب النجاح لأي مشروع إلا إذا أخذ على عاتقه القضية الفلسطينية ووظفها توظيفاً تتلاءم و خططه الممنهجة ولأنّ النهج الشعبوي"البوبوليستي" يعتمد اعتماداً كلياً على الشعارات بدل الحقائق فتيار الحرس الثوري الإيراني استخدم الفصائل الفلسطينية المسلحة للنفوذ في القضية الفلسطينية من خلال الدعم التسليحي لجماعة دون أخرى. من هنا يرى البعض أنّ إيران متورّطة في حرب غزة التي جاءت بعد المصالحة الفلسطينية والتي من شأنها استبعاد إيران عن كواليس هذه القضية.
إنّ التباعد الإيراني الحمساوي في السنوات الماضية بسبب تدخل فيلق القدس في قمع الثورة السورية يبدو قد حلّ محله التقارب من جديد لأنّ حرب غزة تحولت الى نقطة التقاء في المصالح الإيرانية الحمساوية و نقطة لتقريب وجهات النظر بين إيران وحماس من جهة وحزب الله البناني و حماس من جهة أخرى.رغم ذلك إلا أنّ إيران نفسها منقسمة الآن على التعامل مع القضية الفلسطينية فهنالك تياران يحكمان إيران ولكل هدفه في التعاطي مع هذه القضية. الأول تيار الحرس ورجال الدين الموالين و المرشد على خامنئي هؤلاء يمثلون الوجه المتطرف للنظام و يروجون لأفكار ثورية ودعائية تدعو لمحو إسرائيل عن الخارطة ويتظاهرون في يوم القدس ويحرقون أعلام الدول و يعطون المال والسلاح لفصائل فلسطينية مسلحة يسمونها فصائل "مقاومة".
أما التيار الإيراني الآخر وهم إما إصلاحيون أو معتدلون أو معارضون فجميعهم يضعون أنفسهم في خانة واحدة رغم أنّ أهدافهم غير متناسقة لكن لديهم رؤى متوافقة حول فصل القضايا الخارجية عن قضايا إيران الداخلية و حل المشاكل الداخلية والإنفاق على الداخل بدل تبديد الطاقات والثرولات على الخارج.و ترك القضايا الإقليمية لأصحابها.
بالنسبة للرئيس روحاني فلأول مرة يحدث لرئيس إيراني أن لا يحضر في خطبة صلاة الجمعة التي تعقد في يوم القدس وأن لا يوزع الشتائم على قادة المنطقة. فهذا الأمر يأتي ضمن مؤشرات تؤكد على زيادة الشرخ بين التيارين المحافظ الداعم لحماس و الإصلاحي الغير مكترث بمشاكل الإقليم حيث يشنّ التيار المتشدد تزامناً مع حرب غزة هجوماً لا ذعاً ضد مساندي الحكومة بسبب شعارهم قبل أعوام" لا لغزة ولا لبنان نعم لإيران".
من جانبها تتهم صحيفة كيهان المتشددة والتابعة لبيت المرشد أصحاب هذا الشعار باللاوطنية والخيانة العظمى. وتزامناً مع حرب غزة تتهم الصحافة التابعة للمتطرفين صحافة الإصلاحيين والحكومة بعدم تغطيتها بشكل كافٍ لأخبار غزة وتنشر مقالات و أحاديث لقادة الحرس الثوري تشيد بمقاومة حماس والفصائل الأخرى التي تطلق صواريخ على إسرائيل معتبرة تلك الصواريخ تحمل تقنية إيرانية وإن أي نجاح فلسطيني يعود لدعم إيران . إذن إنّ القضية الفلسطينية قد تحولت الى شماعة بيد جنرالات الحرس الثوري بدل أن تكون بيد العقلاء في حكومة روحاني المعتدلة وأصبح هؤلاء يتوغلون عبر حماس والجهاد في العالم العربي من ناحية و ضرب التوافقات الوطنية الفلسطينة من ناحية أخرى.
التعليقات (0)