بالوقت الذي يتباهى رواد التيار اللائكي أو العلماني بالدول العربية أمام كاميرات الإعلام الدولي يخرج علينا فقهاء التيار من الدول المتقدمة على حد قولهم كفرنسا و الولايات المتحدة ويدعون إلى محاربة التطرف بالعالم , ويغزون العالم طولا وعرضا تحت هده الراية, الم يكن من المنطقي في ظل الانتقادات الواسعة التي تتعرض لها سياستها هده أن تراجع مبادئها العلمانية و أللائكية , على أساس أن التطرف نقيض التقدمية ولحداته, سوف يتساءل الكثيرون , أين هو التطرف الذي تتحدث عنه داخل العلمانية أو اللائكة؟
أولا قبل أن أجيب عن هدا السؤال يجب أن نعرف أولا ماهو التطرف ؟
التطرف هو نوع من الشذوذ الفكري و الاجتماعي ينتج عن عدة عوامل , ويدفع الشخص لتعبير عن رأيه عن طريق فرضه بالقوة , وهو لا يقتصر على فرد واحد بل يكون أيضا ضمن جماعات أو تيارات أو دول وتحالفات أيضا.
من خلال هدا التعرف العام يمكن لنا أن نوضح أوجه التطرف العديدة داخل التيار العلماني أو أللائكي على حد السواء.
أولا- الشذوذ الفكري و الاجتماعي و التناقض الذاتي داخل التيار أللائكي و العلماني
التيار أللائكي و العلماني بالعالم الإسلامي والعربي بصفة عامة في الوقت الذي يدعو فيه إلى احترام الغير وحرية التعبير و الإرادة الشعبية والأسس النسبية المدنية. تكسر هده المبادئ التي تعتبر أساس العلماني و أللائكية .
فادا كانت الأغلبية بالدول الإسلامية ضد أللائكية و العلمانية فلماذا لا تحترم هده التيارات المبادئ النسبية و الإرادة الشعبية ؟, ولمادا يخرج علينا بين الفينة والأخرى دعاة التحرر بدعوات استفزازية لا تحترم مبادئ حرية التعبير و احترام الغير, مثل الدعوات إلى الإفطار العلني برمضان بالدول المسلمة, و الدعوة لإيقاف المكبرات أتناء الأدان و الدعوة إلى إيقاف الزكاة وغيرها الكثير.
أليس هد تطرف إيديولوجي و شذوذ فكري واجتماعي؟, سوف يقول لي البعض بان هده حرية التعبير للأقليات, حاضر لكن, لمادا لا نجد حرية التعبير للأقليات في مهد أللائكية فرنسا ؟ ولمادا تمنع المحجبات التي قد تكون مواطنة فرنسية مزدادة بفرنسا وتحمل الجنسية ولا يميزها على غيرها سوى إنها مسلمة ترتدي الحجاب, سوف يقول لي البعض انه يجب عليها أن تحترم قوانين البلد الذي توجد فيه وان ما تقوم به تطرف, وأنا أقول له ادا كان على الأقليات المسلمة بفرنسا أن تحترم قوانين البلد الذي تعيش فيه وان تحترم المبادئ العلمانية , فكذلك يجب على الأقليات أللائكية والعلمانية أن تحترم قوانين البلاد المسلمة وتحترم أولا وأخيرا الإرادة الشعبية .
فادا كان حسب القياس العلماني و أللائكي يعد ارتداء الحجاب تطرف بالدول العلمانية و الغربية أللائكية , فان الدعوات العلمانية وأللائكية بالدول المسلمة تعد تطرف أيضا.
ثانيا - فرض وإلزام الناس بالمبادئ أللائكية و العلمانية بالقوة.
إن فرض الرأي بالقوة وإلزامه لناس هو الناتج المحتوم لتطرف الفكري والاجتماعي.
و القوة كمفهوم لايعني بالمحتم القوة الإرهابية أو السلطوية. بل تتعد أنوعها كالقوة الاقتصادية و السياسية و الإعلامية...
إن العلمانية وأللائكية كمفهوم أيدلوجي شاد فكريا واجتماعيا , لقي معارضة حادة داخل المجتمع الإسلامي و بالعالم كافة, حسب مراحل تاريخية متعددة, وهو ما دفع الدول والجماعات التي تتبنى هدا التيار لفرضه بالقوة.
وسوف نتطرق لأهم الأنواع التي استخدمتها هده الجماعات والدول لفرض أفكارها بالقوة.
الإرهاب ظاهرة لائكية المبادئ أروبية المنشأ.
بالوقت الذي أصبحت فيه ظاهرة الإرهاب ترتبط بالجماعات الإسلامية والتيار الإسلامي الم يكن من المنطقي أن نعلم أولا مصدر هدا الفكر وأصل إنتاجه.
الجميع يعلم ارتباط ظهور اللائكية و العلمانية بالثورات التي عرفتها القارة الأوربية في القرون الماضية , لكن المفاجئة أن الإرهاب ارتبط ظهوره أيضا بالثورات التي عرفتها أروبا أنداك على أيدي قيادة الثورة خاصة بفرنسا مهد اللائكية.
(1)دشنت الثورة الفرنسية عهد الإرهاب بمفهومه الحديث، فمعها عُرف إرهاب الدولة المنظم والمدعوم بالقانون، ففي كلمة المؤتمر الوطني للثورة الفرنسية عام 1794 جاء: يقولون إن الإرهاب هو سبيل الحكومة المستبدة، فهل حكومتنا إذن تشبه الاستبداد؟ أجل إنها تشبهه مثلما يشبه السيف الذي يلمع في يد بطل الحرية ذلك السيف الذي تتسلح به أذيال الطغيان، إن حكومة الثورة هي استبداد الحرية ضد الطغيان. انطلاقاً من ذلك شنت الثورة الفرنسية حملة من العنف السياسي الذي أخذ شكل الإرهاب المنظم. فتحت شعار حماية الثورة وحماية إرادة الشعب والدفاع عنها، أصبحت الثورة الفرنسية (كالهرة التي تأكل أولادها), من كثرة ما علق على المشانق من المواطنين ومن قادة الثورة أنفسهم.
وقد بررت الثورة الفرنسية لجوءها للإرهاب بأنه يمارس باسم الشعب ودفاعاً عن الشعب، بل أوكل أمر ممارسة الإرهاب إلى لجان منبثقة من الشعب. ففي بيان لإحدى لجان المراقبة التي شكلت آنذاك وأوكل إليها حماية الثورة ومتابعة العصا جاء فيه: "إبلاغ جميع المحافظات أن قسماً من المتآمرين القساة والمعتقلين في سجونها قد نفذ فيهم حكم الموت على يد الشعب، إنه إجراء عادل وقد بدا للشعب ضرورياً من أجل السيطرة بواسطة الرهبة Terreur على آلاف الخونة والمختبئين وراء جدران باريس، في الوقت الذي كان يهب فيه لمواجهة العدو". ونظراً للأبعاد التي أخذها الإرهاب مع الثورة الفرنسية، فقد أرجع البعض تاريخ ظهور الإرهاب السياسي، بالمعنى السياسي والاجتماعي والسيكولوجي الذي أخذه فيما بعد، إلى الثورة الفرنسية التي جعلت منه ركناً أساسياً من أركان النظام السياسي.
القوة الإعلامية والسياسة السلطوية.
إن قوة الإعلام وبشاهدة المفكرين جميعا والسياسيين بأنفسهم تعد من بين القوى الضرورية لسيطرة على المجتمع وفرض أفكار وأراء معينة عن طريق الخداع و المكر , ولا يخفى على احد أن أقوى المؤسسات الإعلامية بالعالم هي تحت أيادي الدول الغربية خاصة فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية,)2 (في هذا السياق يرى ليبرمان - أحد أبرز المحللين والصحفيين الأمريكان - أن الثورة في فن الديمقراطية تكمن في تطويع الجماهير بما يخدم ما يسميه "صناعة الإجماع"؛ بمعنى جعل الرأي العام يوافق على أمور لا يرغبها بالأساس عن طريق استخدام وسائل دعائية . في إطار هده الدعاية والخداع يقول أيضا ناعوم تشومسكي في كتابه "السيطرة على الإعلام" : "الدعاية في النظام الديمقراطي هي بمثابة الهراوات في الدولة الشمولية. وبالتالي نفهم إن الدور الذي يلعبه الإعلام الدولي الليبرالي العلماني واللائكي العالمي هو لفرض الأفكار على المجتمع عن طريق الدعاية و الخداع.
و أخيرا من خلال ما سبق وتحدتنا عنه يمكن لنا القول إن التيار أللائكي أو العلماني أو الليبرالي, هو تيار يعاني تناقض ذاتي حاد, ففي الوقت الذي يهاجم فيه مبادئ : وأفكار معينة يدافع عنها نفس الوقت ويحملها داخل أساساته ومبادئه, لدلك أقول إن
التيار العلماني أو أللائكي أو الليبرالي هو تيار مهما وصلت قوته سوف يزداد ضعفا لان نقطت ضعفه تكمن في أساسه أصلا وحطب ناره هو مبادئه وأساساته كلما أراد أن يشعل ناره كلما ازداد احتراقا.
-------------------------------------
الإرهاب: إشكاليته في تعريفه لا في محاربته إرهـاب الأقويـاء ودفـاع الضعفـاء,د إبراهيم أبراش. (1)
كتاب "السيطرة على الإعلام"، ترجمة أميمة عبد اللطيف، دار الشروق الدولية، القاهرة، ط،1 2003 (2)
التعليقات (0)