إن المسلك التاريخي الغربي تجاه الاسلام والمسلمين، ربما سببه ان الغرب يريد أن يقول لهم مرة ثانية بحيث لا تبقى المعادلة في أنَّنا ننقطع مع الغرب ونقصيه فنقع فيه، ويقصينا الغرب أو يلغينا فنقع فيه أيضاً! وإذا ما كان المعادل الموضوعي لرغبتنا في إقصاء الغرب هو الوقوع في قبضته على تعاظم باهظ في موازين القوى بيننا وبينه ولصالحه حتَّى الآن وحتَّى أجلٍ غير مسمى، فإنَّه لا بُدَّ من حماية ميلنا إلى علاقة تبادلية بيننا وبين الغرب، بالممانعة المفتوحة على الملاءمة من جهة وعلى احتمال المقاومة المشروعة من جهة أخرى، بشرط توفر أهلية مركبة ومن دون اختزال يحول المقاومة إلى إرهاب عقيم، هذا إذا ما أصرَّ الغرب على تجديد إرادته في استعمارنا وبشكل يتلاءم مع مرحلة ما بعد الحداثة واستحقاقاتها التي قد تصل إلى إلغاء المعايير بعدما كانت الحداثة قد زعزعتها هاني فحص هذا وفي المنظومة الفكرية والعقدية والذاكرة الإسلاميّة الغنية رغم الجراحات البالغة فيها، ما يسمح لنا بالممانعة حفاظاً على ذاتنا بالتوازي مع التواصل المتوازن مع الغرب. هل بإمكاننا أن نتفق على أنَّنا غير مضطرين لأن نبقى أسرى رؤية وفكرة وتجربة حركة التحرر العربية بأحزابها القومية واليسارية الأممية، لإشكاليتنا مع الغرب؟ حيث سيطر الإطلاق والتعميم على عقلها وعقلنا بعد سقوط الدولة العثمانية، ومع تراكم الانتكاسات والحماقات في إدارة الصراع بعد الحرب الأولى، لتحول أهل الشعارات القطعية القاطعة إلى حالة من التبعية والذيلية لواشنطن خاصَّة، بعدما أنجزوا مزيداً من تخلفنا وتجزئتنا وتبعيتنا.. هذا في حين أنَّ حركات الإسلام السياسي، تأسست في سياق الردّ المبكر على سقوط الدولة العثمانية وقيام الكيانات والدول الوطنية على الوصفة الغربية، في حين قد قطعت ثقافياً ومعرفياً مع الغرب قطعاً كان نفعه وضرره متعادلين تقريباً، ولكنَّها وضعت مجالها الشعبي والسياسي في سياق غربي بفعل نجاح الغرب في استدراجها إلى سياقه في المواجهة مع المنظومة الشيوعية والاتحاد السوفياتي، على أساس اللقاء على أولوية الوقوف في وجه الخطر الشيوعي لأسباب سياسية واقتصادية من طرف الغرب، وأسباب أيديولوجية من طرف الإسلاميين. هناك سؤال يحتاج إلى شجاعة في طرحه والإجابة الدقيقة والصريحة عليه، من دون وقوع مرَّة ثانية في رهاب ما تبقى من شعارات المرحلة القومية التي لم تنجز شيئاً وجعلتنا نشعر بأنَّ ثورات كثيرة، أو انقلابات حدثت، ولم نبخل عليها بالهتاف، لم يكن هناك من ضرورة للقيام بها، لأنَّها قطعت سياق التطور الطبيعي، وإن كان بطيئاً، في أنظمة سابقة، ولم تقدِّم لنا سياقاً تقدمياً بديلاً ومجدياً، بل بدَّدت الثروة والدولة والوحدة العربية وأبعدت فلسطين، وانتهينا معها إلى الخوف والانشغال بالاحتياط الصعب حتَّى لا تتجزأ الأجزاء الوطنية، دولاً ومجتمعات إلى جزيئات، تفقد قدرتها نهائياً على الحوار أو السجال أو الممانعة في علاقتها بالغرب الذي ينمو على إيقاع وتواتر علمي قد يفوق في القريب العاجل قدرة المجتمعات المتقدِّمة علمياً في الغرب ذاته على استيعابه.. فكيف بالذين ما زالو في الصفوف الابتدائية فضلاً عن الأميين تكنولوجياً وفي زمن (النانوتكنولوجي)!؟! ذلك السؤال... ألا يمكن أن ندير الصراع أو الحوار مع الغرب، ومع الولايات المتحدة أساساً وأولاً، بمنطق وعقل مختلف وأكثر جدوى، بعدما أثبتت الوقائع والتوقعات قلة جدوى أسلوبنا التقليدي في المواجهة، والذي تحاول إيران تجديده شكلاً مع استعادة عالية الوتيرة لموجبات القطيعة والصدام محكومة بإيقاع خطاب وسلوك غربي مماثل ولكنَّه لا يلغي الخطاب والسلوك الغربي الآخر أي التواصلي والحواري والتكاملي على أساس الاختلاف والتشابه أو التماثل. هذا في حين تقدّم تركيا مع حزب العدالة والتنمية تجربة يمكن أن تكون ناجعة، إذا ما استمرت في تعميق رؤية منهجية ترفع عنها تهمة التوفيق الذرائعي الآني، أو التلفيق بين الإسلامية والعلمانية في حين أنَّ الثقافة المجتمعية التركية تستطيع أن ترقى إلى مستوى تأصيل هذه الثنائية. وبذلك، بالتأصيل المرجو، أي إثبات إمكانية التوفيق المنهجي من دون تلفيق بين الموروث والمستجد، ترتفع أهلية التجربة التركية إلى إمكان إحباط التوجهات الغربية العلمانية الإلغائية والتي تتجسَّد في الممانعة في دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي كلِّ حال لا بُدَّ من اعتبار لنهاية الحرب الباردة لصالح واشنطن أولاً، وما أعقبها من تسيد أميركي للغرب والعالَم. ومن دون أن يخلو حال الولايات المتحدة من إشكالات وتعقيدات شديدة، أثبتت الأنظمة التي تقوم على الحرية، أنَّها كفيلة بعلاج أعطالها ـ الإشكالات والتعقيدات ـ في حين أنَّنا وبقدر ما تزداد تعقيداتنا وإشكالاتنا تتراجع قدراتنا المعرفية والسياسية والإدارية وتقل قدرتنا على المعالجة. وهكذا لم يثمر لنا الماضي القريب.. أي خمسون سنة على الأقل من مواجهة الولايات المتحدة، سوى المزيد من الخسائر والكوارث والرغبة المتجدِّدة لدى أعداء واشنطن الفاشلين في التبعية لها!! والتي لا يزين الوقوع في أمثالها، أعني الكوارث، وفي أفدح منها، إلاَّ المبالغة في تصور أو تصديق أنَّنا في لحظة شروق حقيقي، ولحظة غروب غربي حقيقي، أو أنَّنا على أهبة أن نستعيد حريتنا ومجدنا، والغرب على أهبة أن يفقدها. ذلك أنَّ المجد الحقيقي هو نتاج المعرفة والعلم الحقيقي. والمسافة بيننا وبين الغرب في هذا المجال صاروخية، أمَّا سلبياته وتعقيداته فهي سلبيات وتعقيدات التقدُّم الذي لا يبيح لنا أن نبقى على انتظار خرافي لسقوط الآخر كإشارة على نهوضنا.. وعلى يد من؟ على يد أصولية متطرفة استئصالية ومضادة للحضارة الإسلامية قبل غيرها ومع غيرها!!! هل هذا إنكار بأنَّنا نملك العناصر الأولية للنهوض والمشاركة والمنافسة والغلبة بمعناها الحضاري والإنساني المقبول؟ أبداً .. ولكن المشكلة هي في الأطروحة التي تجمع هذه العناصر وتوظفها على طريق النهضة. والخلاصة أنَّ من يراقب مشهد تفريخ الأصوليات في فضائنا وفضاء الغرب، لا بُدَّ أن يرى فارقاً يتمثَّل في اعتماد الغرب في أصولياته على قدرات ملموسة ومتنامية بسرعة بفضل توظيف الثروة من الحلال والحرام في الإنتاج العلمي وتوظيف العلم في إنتاج الثروة، مقابل اعتمادنا على الروح والمعنى المعرضين للاستهلاك إن بقيا من دون قدرات مادية تحميهما. والمعنى الذي نأوي إليه في لحظات تراجعنا يصبح افتراضياً من دون سياج يصونه وينميه بالشراكة الداخلية والشراكة مع العالم. ولعلَّه من هنا يتصاعد وبشكل شديد التوتر وفوضوي أحياناً أو أكثر الأحيان، الصوت العربي والإسلامي لإلزام الدولة، الغائبة بالقصور والتقصير وإلغاء نواتها بتحويل مكونات اجتماعنا الإثنية والمذهبية إلى بديل لاجتماعها وانفصال اجتماعها عنها أو استقالته من بنائها، والذي جعلنا في حالة من اللادولة، وأفضى إلى استضعاف دولنا ومجتمعاتنا من قبل أعدائنا وأصدقائنا في الغرب والشرق، بعدما استدرج مجتمعاتنا إلى أن تستقوي على دولها بعدما استقوت عليها دولها، حتَّى بات المركز المهتز والقلق والهش مهدَّداً بالتحول إلى مركزيات متعدِّدة ومتناحرة تذهب بالاجتماع إلى ما قبل الاجتماع (العراق ـ الصومال ـ السودان الخ) وتستدعي الاستعمار مرَّة أخرى بصيغته المعولمة والتي قد تقوم مقام الضرورة بالنسبة إلينا بعد أن نفقد قدرتنا نهائياً على حكم أنفسنا بأنفسنا. على أنَّ هذا الخطاب الإسلامي والعربي المتوتر في ذاته والذي يسقط كلّ شيء على الغرب مستقيلاً من النقد الذاتي الذي يملي الإصلاح المعرفي والسياسي كوقاية من الخراب، لا يجد في غير النموذج الغربي مثالاً يحتذى، بحيث أنَّنا نبدو وكأنَّنا بقدر ما نعادي الغرب نسعى إلى تمثله والتماثل معه في الشكل فقط. لعلَّ هذا يستدعي، درءاً للمفاسد والمخاطر، وهو أولى من جلب المصالح، على صعوبة جلبها، أن نلتمس معرفياً ونظرياً وعملياً وبشكلٍ منهجي غير مراوغ وغير مبسَّط أو مأزوم، الشروط الثقافية التي تمر عبرها المفاهيم العامَّة (الديموقراطية، الدولة المدنية، حقوق الإنسان، سيادة القانون، المجتمع المدني، التنمية الشاملة، السوق، الذات والآخر الخ) من دون أن يؤدِّي هذا الالتماس إلى الخروج من العموميات المعرفية ذات النصاب الكوني، بحيث يعود فيستحكم بنا وفينا فكر وسلوك القطيعة مع كلِّ شيء على أساس الوعي المرضي للخصوصيات والفوارق بيننا وبين الآخرين، حتَّى لو كنَّا بأمس الحاجة إليهم وكان ذلك الشيء بحاجة لأن نكيفه أو نسهل له أن يتكيف مع مكوناتنا واحتياجاتنا وانتظاراتنا المنطقية. وإذا ما كان الإصلاح والديموقراطية ذريعة أمريكية، فإنَّهما حاجة وضرورة من ضروراتنا، بل هما ضرورة الضرورات.. بما يعنيان من مؤسسات وحق وحرية ودولة حاضنة، قوية بما هي عادلة وعصرية، وعادلة بما هي قوية وعصرية.. من دون أن تعني عصريتها التي لا تعني أبداً فصاماً أو فصالاً مع الموروث أو المنجز الذي هو في جانبه المشرق ثمرة مشاركة بيننا من جهة.. وبيننا وبين الآخرين من جهة ثانية.. من فلسفة اليونان إلى علوم الهند إلى ثمرات الحداثة الغربية التي لم يعد الاستغناء عنها يعني سوى الفقر أو الجوع والتخلُّف. هذا الكلام لا يريد أن يتجاهل أنَّ هناك نصاباً دينياً لإشكالية الإسلام والغرب، ما يمكن معه تحويلها إلى معادلة (الإسلام والمسيحية) ولا بُدَّ أن نقول المسيحية الغربية، لأنَّ الإسلام في فجر الدعوة كان تحريراً للمسيحيين والمسيحية من الرومان، ولاقى قبولاً نسبياً، في حين تحولت المسيحية بعد مجمع نيقية (325م) ورغماً عنها وبعد اضطهاد روماني قاس وطويل لدعاتها، تحولت إلى سلاح في يد الإمبراطورية الرومانية، الذين خالفوا إعادة إنتاج المسيحية ملتبسة بالإمبراطورية والمسيح ملتبساً بالإمبراطور، وضدّ الشعوب وأهل الأديان عموماً والمسلمين خصوصاً، انتهاءً إلى الحروب الصليبية والاستعمار القديم والحديث.. ثم تحولت هذه المسيحية في الغرب، وبعدما انتقلت عدوى السلطة من الإمبراطورية إلى الكنيسة، تحولت إلى اضطهاد الشعوب الغربية نفسها، ما جعل الفكر الغربي التغييري، احتجاجاً عميقاً على المسيحية لا على الكنيسة فقط، معتبراً هذه المسيحية غزواً أجنبياً للغرب، تَمَّ التحرر منه بالنُّزوع إلى العقلنة وتأسيس المعرفة الغربية الحديثة عليها، ما أدَّى في المحصلة إلى تصحيح وضع الكنيسة بالدولة الحديثة والعلمانية، دولة النسبي والتاريخي، لا المطلق والمقدَّس، وترك للكنيسة أن تمارس دورها تحت ظلِّ الدولة في الشأن الديني، اعتباراً بأنَّ الدين مكون لا داعي لإلغائه ولكنَّه اختيار خاص قبل كلِّ شيء. وهذا ما ساعد الباحثين الواقعيين على عدم المساواة بين الغرب والمسيحية، وإن كان الواقع الغربي اليوم وأمام انفجار الصراعات الدينية والإثنية يعود إلى المسيحية بأشكال مختلفة ومتباينة، وبقوَّة في الولايات المتحدة، وعلى المستوى الرسمي والشعبي، كذلك في روسيا وأوروبا الشرقية بعد الشيوعية مع مفارقة أنَّ ذلك لم يحدث مثله في أوروبا الغربية التي استقر فيها التراجع الشديد في الإقبال على الممارسة الدينية إلى حدِّ خلو الكنائس في بريطانيا مثلاً وفي غيرها، من المصلين في مقابل احتشادهم بشكلٍ شبه يومي في الولايات المتحدة، حيث أخذ هذا الاحتشاد يتعاظم بعد الحادي عشر من أيلول. وقد شعرت الإدارة الأميركية الأصولية، من المحافظين الجدد الذين ارتدوا من أصولية أو راديكالية يسارية إلى نقيضها اليميني ـ التطرف في الحالين ـ إلى الرئيس بوش ذي العلاقة التعبُّدية التسليمية بتعاليم الكنيسة الميتودية الحاضن الروحي لدعاة القطيعة وإلغاء الآخر تنفيذاً لمشيئة الرب.. شعر هؤلاء بأنَّهم أمام تهديد أصولي إسلامي أشد عنفاً وذهاباً في المغامرة والمخاطرة والمقامرة من الأصولية الشيوعية المنقضية، وهو يستند في كلِّ ذلك إلى إيديولوجيات سياسية ذات مرجعية إسلامية تعتمد على قراءة قبلية وانفعالية للنص الإسلامي. فكان لا بُدَّ لهم أن يقوموا باستنفار أيديولوجي يضيف الذاكرة إلى المشهد والخلفية المدنية الملتبسة بالدين، أو الدين المعلمن، فاستعمل بوش مصطلح الحروب الصليبية استعمالاً أقرب إلى التقنية بمعنى المواجهة العسكرية بين الشرق والغرب أو بين المسلمين والمسيحيين. وقد التقط عدد من الأكاديميين العلمانيين الذين لا علاقة لهم بالمسألة حسب المفترض، المصطلح وأخذوا ببناء الذاكرة الشعبية عليه. تقديري أنَّ ذلك لم يكن مصادفة أو عاطفة وطنية أميركية لدى الأكاديميين الذين يفترض فيهم أن يكونوا على أقصى حدٍّ من حدود الموضوعية. إذن فماذا؟ ومن أين يأتي هذا الاصطفاف العلماني في الإدارة والثقافة في فضاء أو مجال موصول في العمق بالفضاء أو المجال الديني المسيحي؟ يرى بعض الباحثين والمعنيين بقراءة سمات الحداثة في الغرب، أنَّ الدراسات التي أجريت على التراث الغربي كشفت أنَّ عقائدية المسيحية ما زالت قائمة، ظاهرة أو كامنة، في بنية سائر الحقول المعرفية، وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية والتاريخية خاصَّة، والثمرات التي تصلنا من هذه العلوم والأبحاث، حاشدة بالمفاهيم المسيحية ولكن بأسلوب علماني. ومن دون تناقض في هذا، على أساس أنَّ المسيحية كانت هي فضاء العلمنة الغربية في بداية طرحها لدى فلاسفة الغرب في إبان حركة النهوض الغربي، الذي قام في وجه الكنيسة والمسيحية في صورتها الغازية ليعود إلى الكنيسة وأهلها بمسيحية معلمنة أو علمانية ممسوحة أو منصرنة أو معقلنة.. ومن هنا فإنَّ النظريات الاجتماعية الغربية حول الدين ذات لبوس ولون ثيولوجي مسيحي واضح.. وعليه فإنَّه يمكننا أن نعتبر أنَّ الغرب مسيحي بهذا اللحاظ، لا بمعنى أنَّه يحمل المسيحية كمشروع حضاري يريد تعميمه، والذي يريد تعميمه فعلاً هو هذه الحضارة أو الثقافة أو الرؤية العلمانية المسكونة بالمسيحية كمكون. هذا لا يعني أنَّنا فعلاً أمام مواجهة مع المسيحية، لأنَّ المسيحية المشرقية لا توافق على إقامة المشروع الغربي الاستيلائي على المسيحية إلاَّ في حدود المسيحية التي أنتجها الغرب، من دون تواصل حقيقي مع المضمون المشرقي وخصوصياته المميزة.. إذن فالمواجهة مع أطروحة غربية لا يمكن أن تأتي من عدم تاريخي، والمسيحية هي تاريخها وذاكرتها حتَّى لو حاولت طردها من هذه الذاكرة. لقد حاولت بكلامي الأخير، أن أوفق بين القناعة بأنَّ توصيف الغرب الآن بالمسيحية غير قابل للتعميم، وغير موضوعي تماماً، وبين ما يكاد أن يكون مسلمة لدى العلماء، لا السياسيين اليوميين، من أنَّ المسيحية هي تراث العلمانية الغربية التي تكاد تصبح ديناً آخر أو هي قد أصبحت كذلك. ما يحتم علينا أن نبحث ثنائية الشرق والغرب أو الإسلام والغرب من دون تبسيط، وعلى أساس إعادة قراءة تراثنا الإسلامي بحيث نعده أو نعد أنفسنا لحداثة أو نهوض على أساس الشراكة التي لا تلغي الهوية مع الغرب، استناداً إلى حضور منهجي للإسلام في مشروعنا الحضاري المفترض والبعيد المنال والذي ينتظر أجيالاً بعد أجيال. إذا ما شرعنا في الإعداد له، من دون أن نكون في خيار إلزامي بين هجر الإسلام أو استحضار الماضي وكأنَّه المثال الناجز للمستقبل. بما في هذا الماضي مضافاً إلى المشهد الصراعي الراهن، من ذاكرة مجرحة مستولية علينا وهي في طريقها إلى الاستيلاء على المخيلة الغربية على أساس أنَّ الذاكرة الغربية بخصوصنا هي ذاكرة عدوانية يراد لها الآن أن تعود لتصبح واقعاً جديداً ملموساً على أساس أنَّنا الآن معتدون إضافة إلى أنَّنا غير مؤهلين حضارياً إلاَّ للاستهلاك والموت وخدمة الآلة الغربية بإذعان متصل بموجبات التكوين الدوني لنا في مقابل الآخر الغربي الذي استعمرنا سابقاً تحت هذه الذريعة المستعادة. «المستقبل»
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=4304
التعليقات (0)