من أجمل الصفات التي يكتسبها الإنسان في الحياة هي صفة التواضع، لأنها تجمع بين حسن الخلق ولين الجانب مع الناس.
ما أجمل تواضع العظماء، قال المولى عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في سورة آل عمران (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة وكان القمة العليا في الأخلاق الحسنة، كيف لا وقد وصفه الله سبحانه فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم:4) وكفى بشهادة القرآن شهادة.
وكان خلق التواضع من الأخلاق التي اتصف بها صلى الله عليه وسلم، فكان خافض الجناح للكبير والصغير، والقريب والبعيد، والأهل والأصحاب، والرجل والمرأة، والصبي والصغير، والعبد والجارية، والمسلم وغير المسلم، فالكل في نظره سواء، لا فضل لأحد على آخر إلا بالعمل الصالح.
ولأجل هذا المعنى، كان صلى الله عليه وسلم ينهى أصحابه عن مدحه ورفعه إلى مكانة غير المكانة التي وضعه الله فيها، وعندما سمع بعض أصحابه يناديه قائلاً: يا محمد ! يا سيدنا ! وابن سيدنا ! وخيرنا ! وابن خيرنا ! نهاه عن هذا القول، وعلمه ماذا يقول، وقال: (أنا محمد بن عبدالله، عبدالله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) رواه أحمد والنسائي. رغم أنه قال في الحديث الصحيح أنا سيد ولد آدم ولا فخر، فنهيه للرجل كان على سبيل التواضع والخضوع لله عز وجل.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليهم الداخل لا يميزه من بين أصحابه لأنه يلبس كما يلبسون ويجلس بينهم فلا يميز نفسه عنهم ،وقد دخل مرة على رجل فهابه فقال صلى الله عليه وسلم «هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» (أي اللحم المجفف والمملح).
وهناك كثير من الصور الجميلة عن تواضعه صلى الله عليه وسلم وقد انعكس ذلك على أتباعه من الصحابة والتابعين، فقد جاء أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- كان يحلب الغنم لبعض فتيات المدينة، فلما تولى الخلافة قالت الفتيات: لقد أصبح الآن خليفة، ولن يحلب لنا، لكنه استمر على مساعدته لهن، ولم يتغير بسبب منصبه الجديد. ويحكى أن ضيفًا نزل يومًا على الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وأثناء جلوسهما انطفأ المصباح، فقام الخليفة عمر بنفسه فأصلحه، فقال له الضيف: يا أمير المؤمنين، لِمَ لَمْ تأمرني بذلك، أو دعوت من يصلحه من الخدم، فقال الخليفة له: قمتُ وأنا عمر، ورجعتُ وأنا عمر ما نقص مني شيء.
وجلست قريش يوماً تتفاخر في حضور سلمان الفارسي، وكان أميرًا على المدائن، فأخذ كل رجل منهم يذكر ما عنده من أموال أو حسب أو نسب أو جاه، فقال لهم سلمان: أما أنا فأولي نطفة قذرة، ثم أصير جيفة منتَنة، ثم آتي الميزان، فإن ثَقُل فأنا كريم، وإن خَفَّ فأنا لئيم.
ما هو التواضع؟ التواضع هو عدم التعالي والتكبر على أحد من الناس، بل على المسلم أن يحترم الجميع مهما كانوا فقراء أو ضعفاء أو أقل منزلة منه. وقد أمرنا الله -تعالى- بالتواضع، فقال: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} [الشعراء: 215]، أي تواضع للناس جميعًا. وقال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين} [القصص: 83].
وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع، فقال: أن تخضع للحق وتنقاد إليه، ولو سمعته من صبي قبلتَه، ولو سمعتَه من أجهل الناس قبلته. وقد قال أبو بكر رضي الله عنه: لا يحْقِرَنَّ أحدٌ أحدًا من المسلمين، فإن صغير المسلمين عند الله كبير.
التعليقات (0)