التهكم السقراطي ...!
كان لسقراط طريقة ظريفة بإيصال الافكار الجديده وتنبني طريقته تلك على شعبتين
الاولى تسمى الشـعبه السلبيه :
حيث يفاجئك سقراط انه يسخر من افكارك بطريقة مستفزه بل ويذمها بتهكم ملفت وساخر بل ويزيد على ذلك حيث يحث المحيطين بك على السخريه ايضا من افكارك فتعيش بجو الكل يسخر فيه من فكرك فتقع رغما عن انفك بالشك ..!!
وهذا هو المطلوب مبدئيا ..... شك ولكن ليس ريب ولا انكار .. فالريب شك عن تهمه والانكار جحود ووتكلس ... وهذا الشك هو بدايه تكسر القشور الدوغماتيه لديك وبدايه الميلاد.
ولكنه يحاول ان يبقيك بذات الوقت بدائرة الشك المنهــجي وليس الشك المــذهبي !
فالشك المنـهـجي شك يحثك حثا على البحث والتقصي والتحليل والتفلسف بحثا عن الحقيقة ! في حين ان الشك المذهبي هو شك مؤدلج شك عقائدي.. شك بريبه شك لغرض الشك فقط.. فالذين يؤمنون بالشك المذهبي لديهم ارادة الشك فعلا ولا يريدون الخروج منه ولعل من ابرزهم نيرون الذي مات يائسا محطما ً !! فالشك منه ما أوصلك ومنه للاسف ما اقطعك..... فاحذر !!
في حين ان شيخ الشكيين المنهجيين هو سقراط , ففي الشك المنهجي يكون الشك وسيله لغيره أي الوصول الى اليقين ثم الحقيقة .
الشك المنهجي هو مثل السلم تأخذه كوسيله للوصول الى السطح ثم تبدأ بعد ذلك مرحله جديده من نوع جديد !!
وبعد تقع بفخ الشك المنهجي وتبدأ تحاور نفسك كالمجنون ويأرقك السؤال وتتحيير بالجواب يأتيك سقراط فيدخلك بالشعبه الثانيه
الشعبة الثانيه تسمى : الشعبة الايجابيه
هنا يبدا سقراط بأستيلاد الافكار بمخيلتك فهو يوّلد براسك المعرفه ويعطيك نصف جواب ونصف حقيقة ويترك الباقي عليك انت فتتعلق بالهواء أما ان تحاول الطيران الفكري بنفسك او تسقط ..!!
وهنا تأتيك ظربة المعلمين العباقره فسقراط لا يـُلقمك المعرفة لقما ً ولا يـُبلعك الفكرة بلعا ً او يـَزقها لك زقا ً .. سقراط لا يطعمك المعلومه عن طريق البلع او تشربها ككبسوله بل بالحوار واعطائك مزيدا من رؤس الافكارالجديده بما يطمئن انك تستطيع ان تكمل الباقي ..
سقراط لا يـُلقن الافكار بل يـَستولدها لك.
بعد هذا ستجد نفسك بحالة غريبة تشعر بأنك تلميذ ومعلم بذات الوقت !!!
تجد نفسك تلميذ لأنك فعلا تلميذ سقراط فلقد اشتغل عليك وسخر منك وتهكم عليك ودوخك السبع دوخات صح !!
ثم تجد نفسك معلم لأنك تشعر ان الافكار الجديده لها جذور راسخه بوجدانك وبأرضيتك المعرفيه الجديده !! بل وتعرف كيف تدافع عنها فسقراط لايحقنك بالفكره فقط بل ويعطيك مضادات حيويه فكريه لها ايضا ...!
سقراط لا يحولك الى عبد عند عالم ولا يريدك مريد ميت عند شيخ ...!
سقراط يريدك انسان مفكر وفيلسوف
بالمناسبه طريقة التهكم والاستيلاد لها جذور ببعض ثقافتنا التي بقيت عذراء ويسميها الفقهاء التخليه والتحليه , حيث يعمد المعلم الى تخليتك من افكارك المعفنه ثم يملئك بالتحليه ولعلي هنا اخذ بذلك الاثر الذي يقول كان رسول الله يفرغنا ثم يملئنا .
وطبعا اذكر على عجل ابو حامد الغزالي الذي يقول :
(من شك فقد نظر ومن نظر فقد بصر ومن بصر فقد علم)
واذكر مقولة ابن الهيثم : (ان اليقين كامن ببطن الشك)
بالمناسبه طريقة التهكم هذه استخدمها رائد الفلسفة العقليه نبي الله الخليل ابراهيم
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
اخيرا :
اتمنى لكم استيلادا ً فكريا سعيدا ...!
فرقد المعمار
التعليقات (0)